مرض المرتفعات يسبب الوفاة السريعة

01:19 صباحا
قراءة 6 دقائق

يعيش الإنسان على سطح الأرض في مناخ مناسب، يتمثل في وجود تركيز معين من الأكسجين في الهواء، وتحت ضغط الهواء الجوي الذي يعلو في الأراضي المنخفضة عن سطح البحر، وينخفض في المرتفعات. ويعتاد جسد الإنسان على الظروف المناخية التي يعيش فيها، بالتالي يصعب عليه التغير المفاجئ والسريع، لذلك فإن صعود المرتفعات والجبال يشكل تحديا ليس فقط لإرادة الشخص، ولكن لخلايا وأعضاء جسده التي ربما لا تتحمل التغيرات الشديدة من نقص الأكسجين، وانخفاض الضغط الجوي، فيصاب بالدوار والغثيان وربما بحالة من الإغماء.
يصل الأمر بالبعض إلى أن ينصحه الطبيب بعدم صعود المرتفعات مرة أخرى، لأنه مصاب بداء المرتفعات الحاد، الذي يسبب له العديد من الأعراض المزعجة والمتعبة، ومنها الصداع الشديد والدوار.
ونتناول في هذا الموضوع مرض المرتفعات الحاد بالتفصيل، والعوامل والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة به، وكذلك الأعراض التي تنتج عنه وطرق الوقاية والعلاج الممكنة والحديثة.

القدرة على التكيف

يتمـــيز الشخص بقــــدرته علــــى التكيف مع البيئات الجديدة، لذلك فإن سكان المرتفعات تزيد لديهم أعداد كرات الدم الحمراء التي تنقل الأكسجين من الرئتين إلى أنسجة الجسم.
ويعود ذلك لأنه بداية من ارتفاع 2500 متر فأكثر يخف الهواء تدريجياً، ويقل فيه الأكسجين، وهو ما يجعل الجسم يحتاج إلى التأقلم مع هذه المتــغــــيرات. ويصـــاب الشـــخص بسبب صــعود الجبال الشاهقة السريع بالدوار والتعب، وعند ارتفاع 3500 متر لا يستطيع حوالي 30% من غير المتمرسين الاستمرار في الصعود، وتصل النسبة إلى 95% عند ارتفاع 4 آلاف متر من سطح البحر. ويستطيع البعض ممن تأقلموا على هذه البيئة التنفس والعيش عند ارتفاع 5500 متر، بالرغم من أن كمية الأكسجين في الهواء تصل إلى النصف، ولكن على ارتفاعات أكثر من 7500 متر لا يستطيع حتى محترفو التسلق الاستمرار من دون أسطوانات الأكسجين.

تأثيرات نفسية

يجهل العلماء سبب إصابة البعض بمرض داء المرتفعات، وعدم قدرتهم على استنشاق الأكسجين عند وصولهم لارتفاع 2500 متر فوق سطح البحر، لكن من المؤكد أن الأمر يعود إلى تناقص الضغط الجوي والأكسجين على الارتفاعات الشاهقة.
ويمكن أن يرتبط الأمر لدى البعض بتأثيرات نفسية نتيجة الخوف من المرتفعات، مما يزيد من تأثير نقص الأكسجين على أدمغتهم وأجسادهم.
وتظهر أعراض مرض المرتفعات أكثر على سريعي التسلق خاصة مع بذل مجهود بدني عالٍ في الصعود، وانخفاض درجات الحرارة على قمم الجبال، لذلك فإن الصعود البطيء من طرق الوقاية. ويتأثر كذلك الجسم بالجفاف مع زيادة تبخر المياه من الرئتين كلما ارتفعنا، وتزداد احتمالية التأثر بداء المرتفعات لدى الأطفال والمراهقين، ولا تعني اللياقة البدنية توافر وقاية ضد المرض.

وذمة دماغية أو رئوية

تختلف حساسية البشر تجاه المرتفعات، فمنهم من لا تظهر عليه أعراض، ومنهم من تبدأ الأعراض عليه من ارتفاع 2500 متر. ويعاني هؤلاء صداعاً ودواراً وفقدان شهية وغثياناً وضيقاً في التنفس عند بذل أي مجهود، كما يشعرون بالحرارة والسخونة والسعال، وبالوخز والتعب والضعف والإسهال، ولا يشترط ظهور كل هذه الأعراض على المريض.
وتشبه الأعراض عند البعض أعراض مرض الأنفلونزا، وتختفي أعراض مرض المرتفعات بعد يوم أو يومين من الصعود، ولكنها تزيد عند البعض مسببة مضاعفات خطيرة لا يمكن إهمالها. ويعد أخطر هذه المضاعفات الوذمات، وهي تجمع سائل في مكان ما داخل الجسم، حيث إن إنتاج وإفراز السوائل داخل الجسم يكون على قدر الحاجة، ولكن إذا ازداد الإفراز عن الامتصاص، أو حدث انسداد ما تسبب ذلك في ورم يضغط على ما حوله من أجهزة وأنسجة بالجسم، ويتضاعف تأثير داء المرتفعات عند البعض محدثاً وذمة دماغية أو وذمة رئوية.

مخاطر الوفاة

تتورم أنسجة الدماغ محدثة وذمة دماغية عند تراكم السوائل بها، وتحدث نتيجة ضربة شديدة للرأس أو نزيف أو ورم أو التهاب، وتحدث كذلك نتيجة نقص الأكسجين الواصل للمخ فتتسع الأوعية ضاغطة على الشعيرات الدموية داخل الدماغ بعد محاولة الجسم لزيادة نسبة الأكسجين بسبب قلته، وهو ما يتجلى في المرتفعات.
يظهر على المريض فقدان الاتزان، وعدم تأثر الصداع بالمسكنات، والذهول والفقدان التدريجي للوعي، وحدوث نزف في شبكية العين.
وتحدث الوذمة الدماغية بعد تجاوز ارتفاع 2700 متر من سطح البحر، وإذا وصل مريض الوذمة الدماغية إلى مرحلة الغيبوبة فإنها تؤدي إلى الوفاة في الغالب. ويصاب صاعدو المرتفعات بالوذمة الرئوية، والتي تصيب الرجال أكثر من النساء، وتظهر أعراضها بعد يومين إلى 3 أيام من الصعود وربما تحدث لساكني المرتفعات الشاهقة، إذا ما مكثوا فترة في أرض منخفضة ثم عادوا إلى ديارهم المرتفعة مرة أخرى.
وتظهر أعراضها على ارتفاعات أعلى من 3000 متر في صورة ضيق التنفس وسرعته، حتى لو توقف المجهود، والسعال الجاف الذي سرعان ما يصبح مصحوبا بالدم وزرقة بالجلد، وذلك نتيجة ضيق الأوعية الدموية بالرئة على المرتفعات الشاهقة، وإذا تأخر علاج الوذمة الرئوية تتطور إلى فشل رئوي يؤدي للوفاة.

النزول للعلاج

يعتبر أفضل علاج لمرضى داء المرتفعات هو النزول، فمع قوة الأعراض تتحسن الحالة بمجرد النزول من 500 إلى 1000 متر انخفاضاً إلى مستوى سطح البحر، وإذا كان هناك عائق يمنع بدء النزول الفوري فلابد من إعطاء المريض الأكسجين من أسطوانات أو وضعه في غرفة بلاستيكية مجهزة للنفخ بالقدم.
يوضع المريض داخل هذه الغرفة لتقليل مؤثرات الارتفاع عليه حتى يتم إنزاله، ولأن مضاعفات الوذمة الرئوية تصل للوفاة فلابد من الإسراع بإسعافه، وعدم السماح له بإكمال الصعود والهبوط به لأقرب مستشفى.
ويستخدم عقار الديكساميثازون في إسعاف مريض الوذمة الدماغية وتهدئة الأعراض حتى ينزل، كما يستخدم عقار النفيديبين لإسعاف مريض الوذمة الرئوية.
ويصف الأطباء للمتسلقين الأدوية والإسعافات الأولية وكيف ومتى تستخدم، ويؤكدون على أن تعرض شخص لداء المرتفعات يرجح تعرضه له مرة أخرى إذا ما حاول التسلق من جديد.

المتسلقون المحترفون

يقوم متسلقو المرتفعات المحترفون بعمل خطط تقلل كثيرا من احتمالية تعرضهم لمرض المرتفعات عن طريق الإبطاء في التسلق، وعدم التعجل حتى يعطوا أجسامهم الفرصة للتأقلم مع الوضع الجديد والتدرج في التعرض لمستويات أعلى من انخفاض الضغط والأكسجين.
فينامون ويرتاحون بعد الـ2500 متر الأولى ليوم أو اثنين، ثم يقسمون الصعود أعلى من ذلك على عدة أيام وأحيانا ما يصعدون في الارتفاعات الشاهقة ثم ينزلون جزءاً مما صعدوه ليناموا ثم يعودوا للصعود إلى ارتفاع أكبر في اليوم التالي، حاملين معهم الأدوية وأسطوانات الأكسجين وغيرها من الإسعافات الأولية، فالصعود على مراحل أفضل سبل الوقاية من مرض المرتفعات.
ويشرب المتسلقون المحترفون الكم المناسب من المياه حتى يعوضوا ما فقدوه، خاصة مع التنفس من الفم الذي يسبب الجفاف على الارتفاعات الشاهقة، ولكنهم في نفس الوقت لا يكثرون من المياه دون حساب لأنه بلا فائدة، وربما يضر كما لا يكثرون من الملح.
ويرتاح لاعبو التزلج على الجليد ليوم قبل البدء في ممارسة التزلج على الارتفاعات العالية، تاركين فرصة لأجسادهم لترتاح وتتأقلم مع المرتفعات، ويعمد المتسلقون لارتداء نظارات شمسية مخصصة تقيهم شر الأشعة فوق البنفسجية.

نصائح مهمة

يتجنب المتسلقون تناول المشروبات الكحولية التي تسبب الجفاف، والذي يزيد من الإحساس بمرض المرتفعات، ويقسمون الطعام على وجبات صغيرة كثيرة التكرار سهلة الهضم وغنية بالكربوهيدرات كالمربيات والفواكه.
ويتركون لأجسامهم الوقت للتأقلم مع الارتفاعات الشاهقة حيث تبدأ أجسادهم في زيادة معدل التنفس وإنتاج كميات أكبر من كرات الدم الحمراء لتعويض نقص الأكسجين.
وتطير طائرات الركاب على ارتفاعات آمنة على الركاب من تعرضهم لداء المرتفعات، كما أنها محكمة الغلق ومزودة بما يساعد على الحد من تأثير انخفاض الضغط المفاجئ نتيجة الإقلاع السريع على الركاب.
وتزود مقصورة القيادة في الطائرات التي تطير على ارتفاعات شاهقة بأجهزة خاصة لضبط مستوى الأكسجين، أما بالنسبة للطائرات المروحية والمنطاد الهوائي فمن المشهور إصابة غير المتمرسين عليها بأعراض بسيطة من داء المرتفعات من صداع ودوار وميل للغثيان تزول كلها بعد الهبوط.

الارتفاعات والأضرار

تشير دراسة حديثة إلى أن أعراض داء المرتفعات لا تظهر إلا على ارتفاعات أكبر من 2500 متر من مستوى سطح البحر، والارتفاعات الأقل أكثر أماناً على الجميع، وعلى ارتفاع 5500 متر يصل مستوى الأكسجين إلى 50% من المعدل الطبيعي له في الارتفاع العادي.
ترتفع نسبة الإصابة بداء المرتفعات إلى 70% من الذين يصعدون بسرعة ودون تقسيم الصعود على مراحل.
يتأقلم معظم الأصحاء مع المرتفعات بعد يوم أو يومين من الصعود وتبعا لارتفاعهم وعدم تعجل الصعود للارتفاعات الشاهقة.
يقيم المتسلقون من 2 إلى 5 أيام عند ارتفاع 2500 متر، ثم يكملون الصعود على مراحل، ولا يتجاوز مقدار الصعود 500 متر ارتفاعا في اليوم الواحد، رغم أن المسافة الفعلية تزيد على 500 متر، لأن الصعود لا يكون عموديا تماما في كثير من الأحيان. تصيب وذمة الدماغ نحو 2% من المتسلقين، أما وذمة الرئة فتصل نسبة الإصابة بها إلى 15% بين متسلقي الارتفاعات الشاهقة، و30% من المتسلقين الهواة لا يستطيعون تجاوز 3500 متر ارتفاعا عن مستوى سطح البحر و95% لا يتجاوزون 4000 متر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"