النقرس تحت السيطرة.. بشروط

02:19 صباحا
قراءة 14 دقيقة
تحقيق: راندا جرجس

النقرس نوع شائع من التهاب المفاصل يحدث عندما تزيد كمية حمض اليوريك في الدم والأنسجة والبول، ويعد من الأمراض المنهكة والمتعبة، لأنه يسبب نوبات متكررة من الألم والالتهاب الناتجين عن الترسب في المفاصل والأنسجة الرخوة التي تحيط بها.
وحول الأسباب وسبل الوقاية والعلاج تحدثنا إلى بعض الأطباء والاختصاصيين.
قال الدكتور عدنان عبد الواحد اختصاصي أمراض الروماتيزم، إن النقرس هو أكثر أمراض المفاصل شيوعاً في العالم، وهو المرض الوحيد من بين التهابات المفاصل الذي يمكن السيطرة عليه وعلاجه نهائياً إذا تم تشخيصه من البداية، واتبع المريض تعليمات الطبيب المختص، فقد يستيقظ الإنسان في منتصف الليل على إحساس بأن إبهام كف القدم كأنما يشتعل بالنار من شدة الألم فهو حار، منتفخ وحساس لدرجة أن وزن الشرشف أصبــح لا يطاق، وهذه المشاكل قد تدل على نوبة خطيرة من النــقرس أو التــهاب المفاصل النقرسي الذي يعتبر نوعاً من التهاب المفاصل يتميز بنوبات ألم حاد فجائية، مع احمرار وحساسية في المفاصل، والنقرس هو اضطراب مركب قد يصيب أي شخص، لكن الرجال أكثر عرضة من النساء للإصابة بالنقرس، بينما تكون النساء عرضة للإصابة بالنقرس بشكل خاص بعد انقطاع الطمث. ويصيب النقرس مفصل الإصبع الكبرى للقـــــدمين بنسبــة عاليـــة، لكن يمكن أن يصيب بقية المفاصل مثل الكاحل، وكف القــدمين، والرسغ، والكتف والركبتين.
وذكر د.عدنان أن أعراض النقرس تظهر إجمالاً بشكل حاد وفجائي، بدون إنذار مسبق، وفي أوقات متقاربة وتكون أكثر خلال الليل والتي قد تفسر بسبب انخفاض درجة حرارة الجسم ليلاً، وقلة السوائل وقلة إفراز الكورتيزون، وهناك اعتقاد بأن له علاقة بكمية اللحوم والمشروبات التي يتناولها الشخص، وفي حالة عدم علاج النقرس، قد يستمر الألم ما بين خمسة إلى عشرة أيام ثم تخف أعراض النقرس ويخف الشعور بعدم الراحة تدريجياً، خلال فترة تتراوح بين أسبوع حتى أسبوعين، حتى يعود المفصل، وفي نهاية هذه العملية إلى شكله الطبيعي ويتوقف الألم وتزول أعراض النقرس بشكل تام، ولكن قد تعود الأعراض بعد فترة.
ويتكون مرض النقرس عند تراكم بلورات من حمض اليوريك (يوريك أسيد) حول المفصل، فتسبب التهاباً وألماً حاداً - (نوبة نقرس). وتتشكل بلورات حمض اليوريك لدى الأشخاص الذين تكون نسبة حمض اليوريك في دمهم مرتفعة، إما بسبب كثرة إنتاج هذا الحامض في الجسم (حوالي 10 %)، أو بسبب قلة طرح هذه الأملاح من الجسم (حوالي 90 % من الحالات)، وينتج الجسم حمض اليوريك كجزء من عملية تحليل البورين، وهي مادة موجودة بشكل طبيعي في الجسم وفي أنواع معينة من الأغذية، مثل اللحوم الحمراء وسمك الأنشوجة، وسمك الرنجة ، ونبات الهليون والفطر.
ويذوب حمض اليوريك بشكل عام في الدم وينتقل عن طريق الكلى إلى البول، ولكن هنالك حالات قد ينتج الجسم فيها كميات كبيرة جداً من حمض اليوريك، أو تفرز الكليتان كميات قليلة جداً من حمض اليوريك، في هذه الحالات يتراكم حامض اليوريك بشكل بلورات حادة (مسننة) تشبه الإبرة داخل المفصل، أو في الأنسجة المحيطة به، ونتيجة لذلك يتكون الألم، والالتهاب والانتفاخ. والنقرس هو عبارة عن اضطراب في عمليات الأيض والتي تؤدي إلى ترسب بلورات حامض اليوريك في المفاصل وبعض أنسجة الجسم عندما تكون النسبة أعلى من الطبيعية، ولا تسمح بذوبانها، خصوصاً في المفاصل البعيدة والتي تكون درجة الحرارة فيها قليلة مثل إبهام القدمين، والعديد من العوامل قد تسبب ارتفاع مستوى حامض اليوريك في الجسم من بينها:
• عوامل تتعلق بنمط الحياة: كتناول كميات مفرطة من المشروبات الكحولية.
• مشكلات طبية: ضغط الدم المرتفع، والسكري، وارتفاع كوليسترول الدم، وتضيق الشرايين، تكلس/ تصلب الشرايين، وأمراض الكلى، السمنة وفقر الدم.
• أدوية معينة: تناول بعض الأدوية التي تحتوي على الثياسيد - وهذه منتشرة لمعالجة ارتفاع ضغط الدم، والأسبرين بجرعات صغيرة، قد يؤدي إلى رفع حامض اليوريك، وكذلك الأمر في تناول «أدوية مضادة للرفض»، التي يتناولها أشخاص خضعوا لعمليات زراعة أعضاء في الجسم.
• التاريخ العائلي: تاريخ عائلي من الإصابة بالنقرس، إذا كان الوالدان يشكوان من النقرس، ويكون احتمال المرض 20 % عند الأولاد.
• السن والجنس: النقرس أكثر انتشاراً بين الرجال منه بين النساء، ويتعرض الرجال للإصابة بالنقرس إجمالاً في سن مبكرة أكثر من النساء بشكل عام، بينما تظهر أعراض وعلامات النقرس عند النساء في الغالب، في «سن اليأس».
• الفحوصات التي تساعد في تشخيص النقرس تشمل :
• فحص السائل الزليلي للمفصل للبحث عن بلورات حامض اليوريك وهذه أفضل طريقة للتشخيص.
• تحليل الدم للكشف عن نسبة اليوريك أسيد وهذه مع الأسف قد لا تعطي معلومات دقيقة عن المرض، لأن 10% من المرضى تكون النسبة طبيعية أثناء شدة المرض، وهناك حوالي 8 % من الناس الطبيعيين تكون النسبة عالية لديهم، لذا أفضل وقت لقياس نسبة حامض اليوريك uric acid هي بعد اختفاء الأعراض الحادة للمرض، لأن فحص الدم أثناء شدة الألم قد لا يساعد على التشخيص الصحيح.

علاج النقرس:

• أول خطوة هي تخفيف وعلاج الآلام الشديدة والتي تحتاج إلى مسكنات ومضادات الالتهابات.
• استخدام الكمادات الباردة قد تخفف الألم والورم.
• تشجيع المريض على شرب كمية كافية من الماء والسوائل.
• الراحة وعدم إجهاد المفصل بتقليل الحركة أثناء الأزمة الحادة.
• منع حدوث أزمة جديدة للمرض، وذلك بالحفاظ على نسبة قليلة لحامض اليوريك في الدم باستخدام الأدوية وتجنب أكل بعض الأطعمة التي ترفع نسبة اليوريك أسيد في الدم.
• يرتكز علاج النقرس بشكل عام على تناول الأدوية، حيث يقرر الطبيب مع المريض بشأن هذه الأدوية، وفقاً لوضع المريض الصحي وما يفضله، والهدف هو إبقاء نسبة حامض اليوريك أقل من النسبة الطبيعية بحدود 5 إلى 6 ملغم (النسبة الطبيعية حوالي 7 ملغم).
• الوقاية من النقرس، أشار د. عدنان إلى أن بعض المرضى يعتقدون أن الامتناع عن تناول بعض الأطعمة كافٍ لعلاج النقرس وهذا غير صحيح، نعم مهم ويساعد في تقليل الأزمات، لكن يحتاج إلى أخذ الأدوية ومراجعة الطبيب الاختصاصي لمنع حدوث المضاعفات، وهناك بعض النصائح يجب اتباعها:
• تقليل الأطعمة التي تحتوي على نسب عالية من البيورين مثل اللحوم الحمراء، والكبد والكلى، وبعض الأسماك مثل الأنشوجة والروبيان والفطر وبعض البقوليات مثل البازلاء والخمائر.
• الامتناع عن تناول المشروبات الغازية المحلاة.
• عدم تناول المشروبات الكحولية.
• الإكثار من تناول منتجات الحليب قليلة الدسم والكربوهيدرات المركبة للتقليل من خطر الإصابة بالنقرس.
• شرب القهوة باعتدال قد يساعد في تقليل حدوث الأزمات الحادة.
• إنقاص الوزن وممارسة الرياضة بشكل عام، لأن مرضى النقرس معرضون للإصابة بالأمراض القلبية.
• شرب كميات كافية من الماء وعدم التعرض للجفاف، لأن هناك احتمال إصابة بحصوات المسالك البولية.
• إخبار الطبيب المعالج حول ما إذا كان المريض يتناول بعض أدوية المدرات والأسبرين.
• مراجعة المستشفى ومراقبة نسبة اليوريك أسيد في الدم حتى في حالة عدم وجود آلام حادة.
• التغذية والنقرس، لم يثبت نجاح إجراء تغييرات معينة في نظام التغذية في التقليل من خطر الإصابة بالنقرس، ولكن من المنطقي تناول أغذية تحتوي على أقل كمية ممكنة من مادة البورين، وينبغي الانتباه إلى ضرورة استهلاك كميات تضمن الحفاظ على وزن صحي سليم، فتخفيض الوزن قد يؤدي إلى تخفيض نسبة حامض اليوريك في الجسم، ولذلك يجب الامتناع عن الحمية الشديدة والانخفاض السريع في الوزن، لأن هذه الأمور قد تسبب ارتفاعاً مؤقتاً في تركيز حامض اليوريك، وقد وجد الباحثون علاقة بين تناول القهوة وبين وجود مستويات منخفضة من حامض اليوريك في الدم مثل:
• البن(القهوة): وجد الباحثون علاقة بين تناول القهوة، سواء العادية أو الخالية من الكافيين، وبين وجود مستويات منخفضة من حامض اليوريك في الدم، رغم عدم قدرة أي من هذه الأبحاث على تفسير كيفية تأثير القهوة على حامض اليوريك في الجسم، ولا تعتبر الأدلة المتوافرة برهاناً كافياً لتشجيع الناس الذين لا يشربون القهوة على البدء بشربها، لكنها قادرة على فتح آفاق جديدة أمام الباحثين لتطوير علاجات للنقرس.
• فيتامين«C»: قد تخفض المضافات الغذائية التي تحتوي على فيتامين c من تركيز حامض اليوريك في الدم، ولكن الجرعة الزائدة من فيتامين C قد ترفع من تركيز حامض اليوريك في الجسم، ولذلك فمن المفضل استشارة الطبيب حول الكمية المناسبة من فيتامين C، كما من المهم أن نتذكر أنه بالإمكان زيادة استهلاك فيتامين C بواسطة الإكثار من تناول الخضار والفواكه والحمضياتK وخصوصاً البرتقال.
• الكرز: أظهرت الأبحاث علاقة بين تناول الكرز وبين انخفاض تركيز حامض اليوريك في الدم، لكن من غير الواضح ما إذا كان للكرز أي تأثير في أعراض النقرس، وقد تكون إضافة الكرز وفواكه داكنة أخرى، مثل العليق (التوت الشوكي)، والعنبية (التوت البري) والعنب الأرجواني إلى قائمة الطعام، طريقة مؤكدة لإغناء وتعزيز معالجة النقرس، ولكن يفضل استشارة الطبيب حول هذا الأمر.
• مضاعفات مرض النقرس:
• قد يحث تلف وتشوهات في المفاصل وتآكل في العظام في الحالات الشديدة غير المسيطر عليها.
• يمكن لأملاح حمض البوليك أن تترسب أيضاً بعيداً عن المفصل، وذلك تحت الجلد في بعض أجزاء الجسم كالكوع أو الأذن (عقيدات على صيوان الأذن تسمى التوفات).
• قد تترسب في الكليتين حيث تتسبب في تكوين حصوات بهما.
• مرضى النقرس أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والشرايين.
• النقرس غير المعالج بصورة صحيحة قد يسرع في حدوث خشونة المفاصل وزيادة نسبة التهابات المفاصل.
• خلاصة علاج مرض النقرس:
• علاج الأزمة الحادة بأسرع وقت ممكن.
• توفير وقاية جيدة لمنع أزمات جديدة من المرض.
• تقليل المخزون من حامض اليوريك (البوليك) في الجسم لمنع ترسبه في المفاصل وأنسجة الجسم الأخرى، وذلك باتباع حمية معينة للأغذية.
• متابعة مرضى النقرس مهمة جداً فبعد تشخيص المرض ومعالجة الآلام الشديدة، ينصح المريض بمراجعة طبيب مختص بأمراض المفاصل والروماتيزم بعد مرور شهر من البداية، ثم تكون هناك متابعة دورية مستمرة للحفاظ على نسبة بين 5 إلى 6 ملغم من حامض اليوريك (يوريك أسيد)، ويمكن للمريض زيارة المستشفى كل 6 أشهر للمتابعة إذا كانت لا توجد أعراض أزمات حادة.
وأوضح الدكتور عمرو اليماني، مختص جراحة العظام والمفاصل، أن النقرس مرضٌ يضرب بجذوره عميقاً في التاريخ، ليعود إلى أكثر من 4000 آلاف عام، وارتبط النقرس تاريخياً بالترف ليحظى بلقب «داء الملوك»، اعتقاداً من القدماء بأن النظام الغذائي الغني باللحوم هو المسؤول الأبرز عن نوبات الألم الحاد التي تصيب المفاصل، وجاءت الدراسات الطبية لتدحض تفسيرات الأولين بأنه مرض الأغنياء، مؤكدة أنه يصيب الجميع بغض النظر عن الجنس أو العمر أو المستوى الاجتماعي، وعلى الرغم من أن النظام الغذائي الدسم يعتبر مساهماً رئيسياً في ظهور النقرس، إلا أن الأبحاث الحديثة تؤكد تنوع مسبباته التي تختلف بين العوامل الوراثية والصحية والسلوكية، ما مهد الطريق أمام اكتشاف علاجات فاعلة لمساعدة ملايين الأشخاص في مواجهة خطر الداء، الذي يصيب نحو 5% من سكان العالم.
وتظهر أعراض داء النقرس على شكل نوبات ألم حادة ومفاجئة خلال الليل، مصحوبةً بالتهاب واحمرار وانتفاخ في المفاصل ، لاسيما كف القدم، حيث تشكل 90% من حالات النقرس، إلى جانب الكاحلين والركبتين واليدين والحوض، وعادةً ما تحدث النوبات، التي تستمر لعدة ساعات أو أيام، في أعقاب التعرض لكدمات أو إجراء عمليات جراحية، أو الإفراط في تناول اللحوم الحمراء أو المشروبات الكحولية، وقد يتسبب تكرار نوبات النقرس عبر الزمن في إصابة المفاصل بخلل دائم، مؤدياً إلى ظهور بروزات مزمنة وغير مؤلمة تحت الجلد.
وغالباً ما تختفي أعراض النقرس بعد فترة لا تتعدى الأسبوعين، يعود خلالها المفصل إلى طبيعته، ولكن في حال عدم الحصول على العلاج المناسب، من المحتمل أن يصاب المرضى بالنقرس المتكرر والنقرس المتقدم والحصى في الكلى. وفي حال بلوغ النقرس مراحله الأخيرة، فذلك يؤدي إلى تلف المفصل وبذلك يحتاج المريض إلى عملية تغيير للمفصل بالكامل.
وأضاف د. عمرو أن الدراسات المتخصصة تشير إلى أن الرجال أكثر عرضة للإصابة بداء النقرس، فيما تتزايد مخاطر النقرس لدى النساء عقب سن اليأس. ويحدث النقرس عند تراكم بلورات «اليوريت» في المفصل نتيجة ارتفاع مستويات «حمض اليوريك» ((Uric acid في الدم عند تكسر «البيورينات»، وهي المواد الموجودة بشكل طبيعي في الجسم وفي بعض الأطعمة، مثل اللحوم والأسماك والهليون والفطر، ويذوب«حمض اليوريك» عادة في الدم ماراً عبر الكليتين في البول، إلا أنه في بعض الأحيان يتعذر التخلص منه نتيجة إفرازه بكميات كبيرة، ليتراكم بذلك في الأنسجة المحيطة بالمفصل مؤدياً إلى التهاب وتورم وألم شديد.
ولذا يمكن القول إن الأشخاص الذين لديهم ارتفاع في تركيز «حمض اليوريك» في دمهم هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بداء النقرس، وهناك العديد من العوامل المسببة لارتفاع مستوى «حمض اليوريك» في الجسم وأبرزها:
• الإصابة بأمراض ارتفاع الضغط والسكري والبدانة والكوليسترول وتصلب الشرايين وأمراض القلب والسرطان والصدفية.
• الإصابة بالفشل الكلوي.
• أسلوب الحياة غير الصحي والإفراط في تناول اللحوم الحمراء والأسماك وتناول المشروبات الكحولية.
• التاريخ العائلي والعوامل الوراثية.
• خلل وراثي في إفراز بلورات «اليوريت» في أنابيب الكلية.
• تناول الأدوية المحتوية على «الثيازيد (Thiazide) و«الأسبرين» على المدى الطويل، و«الأدوية مضادة للرفض».
ورجوعاً للقاعدة الطبية المتمثلة في «درهم وقاية خير من قنطار علاج». ومما لا شك فيه أن الداء ليس بمنأى عن هذه القاعدة الذهبية، لذا فإننا نوصي باتباع أسلوب حياة صحي ونمط غذائي متكامل وغني بالألياف والفيتامينات والمعادن، للحد من العوامل المسببة لارتفاع نسبة «حمض اليوليك» في الدم نتيجة تناول اللحوم الحمراء بكثرة. ولكن، من المفضل أن يلجأ الأشخاص ممن لديهم تاريخ عائلي مع النقرس أو ممن يتناولون أدوية لعلاج الأمراض المزمنة، مثل ضغط الدم والسكري وأمراض القلب والشرايين، لإجراء فحوص دورية لمراقبة مستويات «حمض اليوريك» في الدم وتفادي مخاطر الإصابة بالنقرس. ويمكن تشخيص مرض النقرس بسهولة تامة من خلال فحص السائل الزليلي في المفاصل، المعروف بـ «سينوفيا» (Synovia)، أو إجراء فحص دم.
ويرتكز علاج النقرس بالدرجة الأولى على الأدوية الطبية، التي أثبتت فعالية عالية في مواجهة مخاطر النقرس، ويختار الطبيب الدواء المناسب وفقاً للحالة الصحية للمريض، والتي قد تشمل مضادات الالتهاب اللاستيرويدية» و«الكولشيسين» (Colchicine) و«الستيروئيدات»(Steroids)، وينبغي معالجة المصابين بنوبات النقرس المتكرر بأدوية وقائية من شأنها تقليل احتمال الإصابة بنوبات لاحقة، بما فيها الأدوية المثبطة لإنتاج «حمض اليوريك» أو الأدوية المحسنة لعملية إفراز «حمض اليوريك».
وعلى الرغم من أن علاج النقرس يعتمد بالدرجة الأولى على الأدوية الطبية، فإنه يمكن الاستعانة ببعض العلاجات الطبيعية، سواء بالأعشاب أو الأغذية، التي تعتبر مكملة ومدعمة للعلاج الطبي وإنما ليست بديلة له. ومن المهم أن يلجأ المرضى إلى استشارة طبيب مختص قبل الاستعانة بالعلاجات الطبيعية للحد من أي مخاطر محتملة نتيجة تعارضها مع العلاج الطبي. وتشمل العلاجات الطبيعية اتباع نظام غذائي غني بالخضار والفواكه والحمضيات للحصول على كمية أعلى من فيتامين «سي» (C) الذي يساعد في تخفيض «حمض اليوريك» في الدم، والمسؤول عن التهاب المفاصل النقرسي، إلا أننا كجهاز طبي، ننصح بضرورة الالتزام بإرشادات الطبيب المعالج والحفاظ على وزن سليم وصحي وعدم الإفراط في تناول الأطعمة المؤدية إلى خلل في تركيز «حمض اليوريك».
وأبانت اختصاصية التغذية شوق شعشاعة، أن اللحوم الحمراء والدهنية تعد من المكونات الرئيسية في معظم الأكلات العربية، ناهيكم عن حفلات الشواء في نهاية كل أسبوع، وغيرها من العادات والممارسات اليومية التي يغفل الإنسان عن مدى تأثيرها الكبير في صحته، ونخصص الحديث في هذا المقال عن مرض النقرس المعروف تاريخياً باسم «داء الملوك» نظراً لكثرة تناول الملوك والأغنياء اللحوم الحمراء والكحوليات سابقاً التي تعد من أهم المسببات لهذا المرض الذي يجب معالجته والوقاية الصحيحة منه، لتجنب الوقوع في مشاكل صحية مزمنة وأكثر خطورة، وصحيح أن العلاجات تطورت بالتزامن مع التقدم العلمي والابتكارات الطبية الحديثة، غير أن معدلات الإصابة بهذا المرض قد ارتفعت خلال العقدين الأخيرين، وهو يعد من أمراض التهاب المفاصل الأكثر شيوعاً حول العالم.
وباختصار، النقرس عبارة عن نوع من أنواع التهاب المفاصل الذي يصيب كف القدم بشكل أساسي ويمكن أن يمتد إلى المفاصل الأخرى كالكاحلين والركبتين والحوض والمعصمين، وهو نتاج ارتفاع نسبة حمض اليوريك في الجسم، والذي يتسبب في تكون بلورات الحمض وتغلغلها إلى داخل المفاصل، ولهذا السبب يُنصح بعدم الإفراط بتناول اللحوم الحمراء والأغذية الغنية بالبروتين إذ يعتبر البروتين من المحفزات الرئيسية لإنتاج حمض اليوريك في الجسم.
ومن الناحية الطبية، يصاب المرء بمرض النقرس في حالة إفراز الجسم لكميات مفرطة من حمض اليوريك الذي غالباً ما ينتقل بشكل طبيعي عبر الكلى إلى البول، غير أن الإنتاج الزائد لهذا الحمض يتسبب في اضطراب هذه الدورة الطبيعية، فيتحول إلى بلورات مسننة تدخل إلى عمق المفاصل أو الأنسجة المحيطة بها فيشعر المريض بالتهاب المفاصل، مصحوبةً بآلام وانتفاخ وشعور بالانزعاج وعدم الراحة عند تحريك المفصل.
وعن مراحل تطور المرض والمضاعفات أشارت إلى أن المرض يبدأ عادةً بنوبات فجائية من الالتهاب الحاد والاحمرار في إبهام كف القدم أو مفصل القدم خلال الليل، بحيث يشعر المريض بحريق قوي وانتفاخ واضح في الإبهام حتى ساعات الصباح الأولى، وتستمر هذه النوبات من خمسة إلى عشرة أيام ويزول الإحساس المستمر بالانزعاج والألم في المفاصل خلال فترة لا تتعدى الأسبوعين، غير أن عدم أخذ العلاج المناسب قد يؤدي إلى تطور المرض إلى مراحل متقدمة، قد تسفر عن تكون التهابات مزمنة وحادة في منطقة المفاصل وبالتالي إلى تلفها، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يؤدي مرض النقرس أيضاً إلى مضاعفات صحية خطرة قد تصل إلى حد الفشل الكلوي، إذ تتحول بلورات حمض اليوريك مع الوقت إلى حصوات كلوية يمكن أن تتسبب بفشل كلوي في بعض الحالات المتقدمة.
ويعد النقرس أكثر انتشاراً بين الأشخاص الذين يعانون السمنة، وتحديداً الرجال الذي تراوح أعمارهم بين الـ 40 و60 سنة، في حين تصبح النساء أكثر عرضةً للإصابة بالمرض أيضاً خلال سن اليأس، ويبقى الأشخاص الذين يكثرون من تناول المشروبات الكحولية واللحوم الحمراء والأسماك والبقوليات الغنية بحمض اليوريك هم الأكثر ترجيحاً للإصابة بمرض النقرس. وهناك العديد من المسببات للمرض وارتفاع معدلات حمض اليوريك في الجسم، أهمها أن يكون المرء يعاني مشاكل صحية معينة كضغط الدم المرتفع، وداء السكري، وارتفاع دهون الدم، وتصلب الشرايين، وارتفاع كوليسترول الدم وغيرها من الأمراض التي تتطلب أخذ أدوية تحتوي على مادة الثيازيد المحفزة لإنتاج حمض اليوريك. كما يمكن للأسبرين والأدوية مثبطة المناعة التي يتم وصفها ما بعد عمليات زراعة الأعضاء أن تكون سبباً أيضاً في ارتفاع مستوى حمض اليوريك في الجسم.
كما أثبتت الدراسات أن العامل الوراثي هو أحد العوامل المسببة للنقرس أيضاً، في حين يبقى أسلوب الحياة والنظام الغذائي غير المتوازن وغير الصحي هماو السببان الأكثر شيوعاً للإصابة بالمرض، وخاصةً الإفراط في تناول اللحوم الحمراء والأسماك والبقوليات الغنية بحمض اليوريك كسمك الأنشوجة وسمك الرنجة، إضافة إلى أنواع معينة من الخضراوات كالهليون والفطر.
• ولذلك فعند الشعور بأي من الأعراض المذكورة أعلاه، يجب القيام بزيارة الطبيب في أسرع وقت ممكن لإجراء الفحوصات اللازمة كفحص السائل الزليلي، وفحص الدم الدقيق للتأكد من نسبة حمض اليوريك في الجسم، وبالتالي اتخاذ الإجراءات العلاجية الضرورية لتجنب الوصول إلى مراحل متقدمة من المرض والإصابة بمضاعفات صحية مزمنة، وفي معظم الحالات يلجأ الأطباء والاختصاصيون إلى وصف عقاقير وأدوية مخصصة للحد من الأعراض والآلام المصاحبة للمرض، مثل مضادات الالتهاب اللاستيرويدية أو الستيرويدية أو دواء الكولشيسن الطبيعي، وذلك للتخفيف من الالتهاب والانتفاخ ،والحد من الآلام والشعور المتواصل بالإزعاج وعدم الراحة في المفاصل، ويلجأ بعض المرضى أحياناً إلى علاجات بديلة غير دوائية، منها تقنيات الاسترخاء واليوغا عن طريق التنفس العميق والتأمل باعتبارها من التقنيات التي تساعد على التخفيف من الآلام.
• ومن أجل ضمان عدم تكرار النوبات أو تطور المرض إلى مراحل أكثر خطورة، لا بد من أخذ سلسلة من الإجراءات الوقائية بعد زوال آثار ومضاعفات النوبة الأخيرة، ولعل أهمها تناول أدوية تمنع إنتاج حمض اليوريك، وهي عبارة عن عقاقير طبية قائمة في تركيبتها على مزيج من المواد الكيماوية المطورة خصيصاً لمنع إفراز حمض اليوريك في الدم، بهدف تقليل مستوى الحمض في الجسم، ويجب الحرص على تناول هذا النوع من العقاقير بدقة وتحت إشراف الطبيب المختص، إذ يمكن أن تسبب آثاراً جانبية خطرة كاضطراب إنتاج الكريات الدموية الحمراء والتأثير في عمل ووظيفة الكلى. وفي حالات أخرى، يتم إعطاء المريض أدوية لتنظيم عملية إنتاج حمض اليوريك وهي تعد أيضاً من الأدوية الواجب تناولها تحت إشراف الطبيب المختص فقط إذ يمكن أن تؤدي إلى تكون حصوات الكلى.
• تعد الأدوية علاجات مؤقتة لهذا النوع من الأمراض، ولذلك على كل منا أن يكون طبيب نفسه من خلال الالتزام بنظام غذائي صحي، واتباع أساليب حياة متوازنة تقي من الإصابة بمرض النقرس وغيره من الأمراض المشابهة أو المرتبطة به، وإليكم بعض النصائح التي يمكن اتباعها للوقاية من ارتفاع مستوى حمض اليوريك والإصابة بمرض النقرس:
• شرب ما لا يقل عن 14 كوباً من السوائل يومياً، وبالأخص المياه.
• عدم تناول المشروبات الكحولية التي تعد من المسببات الرئيسية لتحفيز إنتاج حمض اليوريك في الجسم.
• استهلاك كميات قليلة إلى معتدلة من الأغذية الغنية بالبروتين كالبيض واللحم الأحمر والأسماك والألبان والأجبان والبقوليات، كالعدس والفول والحمص والفاصولياء والمكسرات والخضار الورقية الخضراء.
• تناول جرعات من فيتامين «ج» (C) الذي يساعد على تقليل مستوى حمض اليوريك في الجسم، مع الحرص على عدم الإفراط في أخذ هذا النوع من الفيتامين لتجنب أي مضاعفات معاكسة.
• الإكثار من تناول الخضراوات والفواكه والحمضيات، بما في ذلك الليمون والبرتقال والأناناس المثبتة فعاليتها في علاج التهاب المفاصل، إضافة إلى الكركيد والتفاح والخيار والكرز وعصير العنب وعصير الكرافس ونقيع الجرجير ونقيع الزنجبيل، كما يُنصح أيضاً بتناول القهوة التي تشير الأبحاث إلى قدرتها على خفض مستويات حمض اليوريك في الدم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"