سالم..قاعدة عسكرية لمسلمي الأندلس

لعبت دوراً مهماً في الحروب
03:50 صباحا
قراءة 3 دقائق

سالم، مدينة فى مقاطعة سوريا بإسبانيا، على بعد 153 كيلومتراً شمالي غرب مدريد وعند مصب نهر خالون، واسمها نسبة لبني سالم وهم من بطون قبيلة مصمودة، الذين استقروا فى ذلك الموضع فى القرن الثامن الميلادي. لكن المؤرخ الفرنسى كولان فى كتابه «الأندلس» ينفي أن تكون سميت بهذا الاسم نسبه لهذا القائد، مخالفاً بذلك جميع المؤرخين.
وكانت مدينة سالم قاعدة عسكرية لمسلمي الأندلس تنطلق منها الجيوش الإسلامية؛ للإغارة على الممالك في شمال الأندلس، أو لصد الهجمات عن الأندلس. وظلت المدينة خلال العصور الوسطى لفترة طويلة محل نزاع بين المسلمين والمسيحيين؛ لوقوعها في المنطقة الحدودية بينهما، وبها يقع قبر الحاجب المنصور أحد أقوى رجال الدولة الأموية في الأندلس وأشهرهم.
يقول محمد عبد الله عنان في «موسوعة دولة الإسلام في الأندلس»: كانت مدينة سالم عندما دخلها طارق بن زياد أثناء الفتح الإسلامي عبارة عن خرائب بعض القلاع الرومانية، فأنزل بها أحد قواده المشاهير وهو القائد البربرى سالم بن ورعمال بن أكلله المصمودي، والذى رممها وسكن بها هو وأسرته وكون ابنه الفرج مدينة الفرج (وادي الحجارة)، وظل يحكمها هو ثم من بعده بنوه حتى عزلهم عنها أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر، لشكوى سكانها منهم.


مكانة عالية


لعبت هذه المدينة دوراً مهما في المعارك بالأندلس، وتهدمت حصونها؛ نتيجة الهجمات المتكررة عليها، مما دفع الأمير محمد بن عبدالرحمن إلى أن يقوم ببناء حصن شنت أشتبين كخط دفاع أول عنها؛ ولكنها لم تحظ بمكانتها العالية إلا في عهد الخليفة الأموي أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر؛ حيث عهد إلى واليها غالب الناصري بإعادة ترميمها عام 335 ه، وجلبو أبوابها من القلاع التي هدمت، وتم تحصينها من جديد وأسكن فيها المتطوعة وعمرت أسواقها وجعلها الناصر قاعدة للثغر الأوسط من الأندلس بدلاً من طليطلة.


أهمية حربية


يقول عنها الإدريسي في كتابه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» إنها كانت من أكثر بلاد الأندلس حرباً وغزواً، فلقد كان جيش العاصمة يخرج منها فلا ينزل إلا بمدينة سالم فيستعد للجهاد ثم يخرج منها إلى العدو، وبعد انتهاء الغزو يعود إليها للاستراحة قبل العودة للعاصمة، ولذلك تعرضت للعديد من الهجمات عبر تاريخ الأندلس الطويل، وكان واليها هو والي الثغر الأوسط كله وقائد جيوش الثغور، مما أضفى عليها الأهمية الحربية الكبرى التى حظيت بها دون طليطلة وسرقسطة.
ولعب حاكمها غالب بن عبد الرحمن دوراً خطراً في الجهاد الأندلسي، وحصل على لقب الحاجب وذي الوزارتين، ولعبت المدينة وقائدها دوراً كبيراً فى تولية هشام المؤيد، الخليفة الأموي الثالث في الأندلس، وظهور نجم المنصور بن أبي عامر وتوليه الحجابة، وتزوج من أسماء ابنة غالب أجمل نساء الأندلس حينذاك، ولكن ما لبثت طموحات العامري أن اصطدمت مع تطلعات غالب، فوقع الشقاق بينهما والذي ما لبث أن انتهى بموت غالب في ميدان المعركة، واستيلاء العامري على مدينة سالم وعلى دار غالب وأمواله، وولاها لقائده الوزير قند الصقلبي والذى لعب دوراً مهماً فى حروب المنصور، وتوفي المنصور بن أبي عامر في آخر غزواته، وتدعى بغزوة قنالش، أثناء العودة وتمريضه في مدينة سالم، ودفن بصحن القصر الذى بناه بها من حر ماله وتولى مكانه ابنه عبدالملك.
وفي عهده ولى مدينة سالم الفتى العامري واضح الصقلبي، والذي لعب هو والمدينة دوراً خطراً في الفتنة ما بين المهدي بن عبدالجبار والمستعين، وسلم المدينة لبوريل كونت برشلونة مقابل نصرته على البربر بقيادة المستعين، ثم عادت إلى المسلمين، ولم تسقط المدينة نهائياً إلا بعد سقوط طليطلة بفترة من الزمان. ولطالما كانت مدينة سالم مركزاً لتزويد الجيوش الإسلامية، وحولها عبدالرحمن الناصر في 308ه إلى مدينة حربية تنطلق منها الجيوش بدلاً من قرطبة.
توالى حكام الأندلس على استخدام هذه المدينة، وزاد الاهتمام بها عندما جاء عهد الحاجب المنصور، والذي خرج من قرطبة وهو ابن الستين في إحدى الغزوات فجاءه الموت في عام 392ه، بعد جهاد 30 سنة و50 غزوة لم يهزم قط، ورفع شأن الأندلس إلى مكانة لم تبلغها في عصر من العصور لا قبله ولا بعده.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"