"الشندغة" قرية للصيادين أصبحت عاصمة لدبي

150 عاماً على تأسيس حيها السكني
12:24 مساء
قراءة 6 دقائق

تمر هذا العام الذكرى ال 150 لتأسيس الحي السكني في منطقة الشندغة بدبي في 1861 وهو عام تأسيس بيت الشيخ سعيد بن مكتوم، وليس كما تذكر المصادر أنه تأسس عام ،1896 ولدينا أدلة عديدة ننشرها في بحث مستقل سننشره لاحقاً . وتستحق هذه المناسبات العريقة أن تحتفل بها الجهات المعنية في دبي، وعلى رأسهما هيئة دبي للثقافة والفنون، وبلدية دبي متمثلة بإدارة المباني التاريخية والتراثية، وإبراز تاريخ هذه المنطقة ومبانيها التاريخية وشخصياتها البارزة والمحطات السياسية والاجتماعية التي شهدتها هذه المنطقة التي كانت يوماً العاصمة السياسية لإمارة دبي وفيها مقر وبيت الحكم .

بدأ تأسيس المنطقة وتشييدها برحيل الشيخ حشر بن مكتوم آل مكتوم حاكم دبي (1859-1866) وجزء كبير من الأهالي إلى هذه المنطقة للاستقرار فيها عام ،1861 ووضع فيها الشيخ حشر نواة منزله الذي يعرف في يومنا الحاضر باسم حفيده متحف بيت الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم، الذي كان عبارة عن مخزن أي حجرة مبنية من حجارة البحر والجص، ويحيط به سور مبني من سعف وجريد النخيل، وبقربه بنى مسجده المعروف بمسجد حشر نسبة إليه وليس الى حفيده الشيخ حشر بن مكتوم بن حشر كما يعتقد بعض المهتمين والمؤرخين لتاريخ المنطقة، وكانت هذه المنطقة قبل استيطانها الدائم قرية صغيرة يسكنها بعض صيادي السمك عبارة عن تجمع لبعض بيوت العريش التي تسمى بجمعها عِرْشَانْ، وجاء ذكر لهذه المنطقة باسمها في حادثة تاريخية تعود للعام 1834 ميلادية، إذ تعرضت لهجوم شنته عليها قوات غازية لدبي وأحرقت منازل العريش التي فيها والمبنية من سعف النخيل، وسفن الصيد والغوص الرأسية على ضفافها، ووصفت عند ذكر هذه الأحداث بكونها قرية صغيرة نائية في دبي يسكنها بعض الصيادين .

الحمى

في ديسمبر/كانون الأول من عام 1859 انتشر مرض الملاريا الذي يعرف محلياً باسم الحمى والشديد منها تسمى حمى وهف، وتفشى هذا المرض في مدينة دبي وحصد الكثير من الأرواح . وبسبب انتشار المرض في مدينة دبي تحول أهلها منها وتركوها فاستقر أكثرهم في منطقة أم هرير، ومنهم الشيخ راشد بن مكتوم بن بطي أخو الحاكم والذي حكم دبي (1886-1894) وذلك بعد وفاة أخيه الشيخ حشر، إذ انتقل وبمعيته أسرته وبعض أهالي دبي، الذين رحلوا منها عام 1864 إلى منطقة الرأس وأسسوا فيها التجمع السكاني الذي نما وتوسع وعرف في ما بعد بمنطقة ديرة .

ورحل البعض الآخر من أهالي دبي واستقروا في منطقة الحمرية التي قام عليها لاحقا عام 1905 حي البستكية السكني ومنهم الشيخ حشر بن مكتوم بن بطي الحاكم الجديد لإمارة دبي (1859-1886) وأسرته والكثير من أهالي دبي، وداهمتهم الحمى في هذا الموضع أيضاً فرحلوا منه واستقروا في منطقة الشندغة عام 1861 وبهذا أسسوا هذا الحي .

برزت المنطقة كقرية صغيرة أسسها بعض صيادي السمك من سكان دبي ومعظمهم من آل بومهير النازحين إليها من منطقة جميرا استوطن بعضهم منطقة رأس ديره وكونوا فيها مستوطنة لصيادي السمك وبنوا فيها الأعشاش والعرشان أيضاً، ولم تكن هذه المنطقة صالحة للسكن الدائم والاستقرار بسبب طبيعتها الجغرافية، إذ كانت في أكثر أوقاتها مغطاة بمياه البحر التي تغطيها وتضربها من الشمال والجنوب، وهذا ما وصفه أحد شعراء بني ياس القدماء بقوله :

الشندقة ما باها

لو تنعطى ببلاش

موي البحر يغشاها

من كل صوب طاش

(المصدر : المرحوم أحمد بن الشيخ مجرن الكندي المرر)

والشندقة هي الاسم الأصلي لكن القاف قلبت إلى غين كعادة أهل المنطقة عند استخدام بعض الكلمات .

وكان هؤلاء الصيادون يستخدمون منطقة الشندقة في بادئ الأمر كمكان لتخزين أدوات صيدهم وصناعة بعض أدوات الصيد مثل الأَلْيَاخْ وهي شباك الصيد و القَرَاقِيْر وهي الأقفاص المبنية من عصيات وأعواد من جريد النخل الأخضر أو المصنوعة من الأسلاك المعدنية والتي ترمى في البحر لصيد الأسماك بها وكانوا يسكنون منطقة الرفاعة، ومن ثم اتخذها بعض الجَلالِيْف كموقع لبناء وصناعة السفن، و الجَلافْ أو القَلافْ هو صانع السفن التقليدية القديمة، ومن هنا بدأت حركة الاستيطان تدب في المنطقة وتتزايد يوماً بعد آخر، وكانت بعض الأسر القديمة والأصيلة من سكان منطقة الشندقة ولا تزال تحمل لقب الجلاف نسبة إلى هذه المهنة إلى يومنا الحاضر .

معنى التسمية

اسم الشندقة، وحسب بحثي الطويل في المصادر التاريخية واللغوية وسؤال كبار السن من أهالي المنطقة ودبي، جاء من لفظة شدق وفعل شَدقَ والرجل الأشدق هو الذي يوجد فاصل في إحدى شفتيه ويسمى أشدق . بسبب تلاطم أمواج البحر في المنطقة التي تفصل هذه المنطقة عن بر دبي بشكل دوري فإنهم وصفوا هذا المنطقة بقولهم إن البحر شَدقَهَا وفصلها عن بردبي فلهذا قال الأهالي والسكان الأصليون للبلد من العرب إنها أرض إِمْشَنْدِقَهْ أو شِنْدَقَهْ أي مفصولة عن بعضها بعضاً كالشفة المتشدقة . وكون أهل المنطقة يقلبون حرف القاف إلى غين في بعض كلماتهم وألفاظهم فإنهم نطقوها الشنْدَغَهْ ولكنهم يكتبونها في أكثر توثيقاتهم ومراسلاتهم الشنْدَقَهْ كدلالة على أن أصل الاسم يكتب بالقاف وليس بالغين ولكنهم في النطق يغلب حرف الغين على القاف، ووجدنا أن البعض يكتبها شندغه هكذا من دون التعريف وبالغين، وعرضت هذا القول عن سبب التسمية على المؤرخ والباحث والشاعر المرحوم حمد بن خليفة بوشهاب، فأيدني وأكده، بينما يذكر البعض نقلاً عن كبار السن من أهل دبي أن أصل التسمية فارسي وأنها تعني المجرى المائي أو الفلج الطبيعي تحت الأرض، وهو الاحتمال الأقرب لسبب تسمية هذه المنطقة ب (الشندغة) حسب قولهم .

(المصدر: نورة حسن السويدي، مجلة جواهر، العدد الأول يناير/كانون الثاني 2003 م نقلا عن عبدالله حمدان بن دلموك، مدير أول قرية الغوص والتراث بمنطقة الشندقة بدبي سابقا، مدير مكتب فعاليات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي)

وسألنا بعض خبراء اللغات واللهجات الفارسية القديمة والحديثة منهم المترجم د . السيد صادق الشريف العسكري الحاصل على درجة الدكتوراه في اللغة الفارسية ولهجاتها القديمة والحديثة، فأخبرنا بأنه إن صح هذا الاحتمال للتسمية، فإن لفظة شِنْدَغَهْ جاءت في اسم مركب من لفظتين وهي من ألفاظ اللهجة الأجوبية (تنطق بالجيم المعجمة) وهي من لهجات أهل جنوب إيران . واللفظتان هما شِنْ ودَاغْ، والأولى تعني الأرض أو الرملة الخرسانة والمبتلة أو التي يغمرها ويغطيها الماء، ودَاغْ تعني حار أو حارة، والكلمتان عند ربطهما في كلمة أو مصطلح واحد فإنها تنطق شِنْدَاغْ أي الأرض المبتلة والحارة، وبالتحديد تطلق على الرملة أو الطينة المستخدمة في البناء، لأنها تكون عادة محروقة وتتحول إلى مادة الجص المستخدمة في البناء قديما في منطقة الإمارات والسواحل الجنوبية لإيران، فلهذا تكون حارة فتسمى شِنْدَاغ فتأتي هذه اللفظة بمعنى الرملة أو الطينة المبتلة والحارة أو المحروقة .

ولو أخذنا معنى هاتين اللفظتين فإننا نجد أنها تنطبق جزئياً على طبيعة منطقة الشنْدَقَهْ فهي أرض منفصلة عن بر دبي بمنطقة تغمرها المياه في كثير من الأوقات وهي المنطقة التي تسمى الغبيبة وهي حارة بطبيعتها المناخية كغيرها من مناطق دبي ولكنها ألطف جوا من بعض المناطق القريبة منها شتاءً بسبب موقعها بين بحرين وتكون شديدة الرطوبة صيفاً بسبب موقعها هذا .

وإذا نظرنا إلى مدى تأثير الوجود الفارسي الضئيل في المنطقة الذي لا يكاد يذكر على مسميات المناطق في دبي وغيرها من إمارات الساحل فإننا لا نرجح هذا الاحتمال الثاني، مع بيان قوته للبعض وذكر بعض كبار السن له بقولهم أن أصل التسمية فارسي من دون بيان وشرح معنى اللفظة التي أتينا بها من بعض المصادر الشفوية ومعاجم اللغة الفارسية القديمة، وقرب معنى اللفظة الفارسية من واقع وطبيعة المنطقة الجغرافي والطبوغرافي، ونرى أنه رغم وجود الاستعمار الفارسي في بعض مناطق عمان وجلفار ورأس الخيمة فإنه لم يخلف وراءه أياً من المسميات الجغرافية التي تذكر في مصادر التاريخ وعلى الطبيعة الجغرافية للبلاد والمنطقة، سوى البعض مثل جلفار، ولوجود معنى عربي قريب من طبيعة المنطقة أيضا وهو اشتقاقه من الشدق فلهذا نرجح المعنى العربي على الفارسي لرجحان الأثر العربي في المنطقة على التأثير الفارسي كون الأرض وسكانها منذ قديم الزمان عربا وأن تسمية المنطقة هذه الشندقة تعود تاريخياً إلى نحو مئتي سنة مضت وهي موجودة قبل الوجود الفارسي الحديث ولم يشر أي منها لاستقرارهم في هذه المنطقة كي يسموها بل اشتهر عن المنطقة منذ تأسيسها والسكن فيها أنها خالصة للعرب ومن آل بوفلاسا وبني ياس وأنه حضر على غيرهم السكن فيها، وهذا دليل بَينٍ موجود في المصادر التاريخية الفارسية التي كتبت عن دبي ومناطقها السكنية .

من المعجم

سبط: يقولون في الإمارات وبعض مناطق الخليج : فلان سبّط الأرض أو أرض البناء أي بسطها وسواها، ويقولون أيضاً: فلان سبّط شعره أي سرّحه، وفي لسان العرب: السبط: الأرض المستوية، والسبط: نقيض الجعد . قال سيبويه: هو الأكثر فيما كان على فعل صفة .

قصة مثل

لي كثرت الرعيان ضيّعت الغنم

أي أن وجود أكثر من راع يرعى قطيع الأغنام يتسبب في ضياع الغنم، لأن كل راع يوجه الغنم إلى جهة مغايرة للجهة التي قصدها الرعيان الآخرون، ويضرب هذا المثل لمن هم غير متحدين ومتفقين على رأي واحد في أمر ما كمن اجتمعوا لأمر ما واختلفوا في آرائهم حتى فشلوا في ما اجتمعوا لأجله، أو وجود أكثر من مدير لعمل واحد فيؤدي ذلك إلى فشل وانهيار العمل، فيضرب فيهم ولهم هذا المثل الذي يوافق حالهم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"