مسرح الطفل في الكويت يزاوج بين الإبداع والربحية

نهض على استلهام التراث الشعبي العربي والعالمي
05:39 صباحا
قراءة 6 دقائق

الحديث حول مسرح الطفل في الكويت لا يمكن أن يستقيم نظرياً وعملياً من دون الحديث حول المسرح بشكل عام في الكويت وريادته على المستوى الخليجي من حيث انطلاقته ، إذ يجمع الباحثون على أن بدايات المسرح في الكويت تعود إلى العقد الثالث من القرن الماضي، وهو أمر يعني شيئا من التقارب الزمني مع التجارب المسرحية الأكثر عراقة في الوطن العربي مثل بلاد الشام، ومصر، وتونس، وبالتالي لا يعود مستغرباً أن يكون مسرح الطفل قد استفاد من ريادة المسرح الكويتي، خاصة أن مفهوم المسرح كشكل فني يسبق على التسمية اللاحقة، وهي مسرح الكبار، أو مسرح الأطفال، فمقومات المسرح في الحالين متشابهة إلى حد

كبير مع اختلاف في الأهداف، فمن حيث الشكل يحتاج مسرحا الكبار والأطفال إلى نص، وإلى إخراج، وإلى فضاء للعرض، وإلى ممثلين، وسينوغرافيا، لكن اتجاه العرض ومسيرته يختلف في المسرحين، وهو أمر يجعل الصعوبة في الإقدام على القيام بعمل مسرحي للأطفال نوعا من المغامرة إلى حد كبير، وهذه المغامرة تحتاج إلى نوع من التجذير والتأصيل في المسرح عموما، وهو ما استفاد منه مسرح الطفل في الكويت من تشكل قاعدة مسرحية مهمة، أدركت عبر تاريخها المسرحي أهمية مسرح الطفل، وبالتالي راحت تعمل من أجل التأسيس له، والنهضة بمقوماته عبر التجريب بداية، ومن ثم عبر درس النتائج والخلاصات .

تعود البدايات الأولى لمسرح الطفل في الكويت إلى بداية الستينات من القرن الماضي مع تكون نوع من الاهتمام لدى المؤسسات التربوية في تقديم بعض المسرحيات ذات الأهداف التربوية بشكل بسيط، خاصة من حيث حركة الممثلين الميزانسين وذلك لأهداف تتعلق بالدرجة الأولى لغايات تربوية محضة، ومن ثم لغايات فنية، وفي هذا الإطار تشكل تجربة المسرحية الكويتية عواطف البدر نوعا من الريادة في هذا الاتجاه، حيث أسهمت البدر في أغلب الأعمال ذات الطابع المسرحي التي أقامتها وزارة التربية .

كانت مرحلة السبعينيات بداية الانطلاقة الحقيقية التي بلورت في ما بعد مسرح الطفل في الكويت ، وتعد مسرحية: أبوزيد بطل الرويد تأليف الشاعر الغنائي فايق عبد الجليل، وإخراج أحمد خلوصي، وأداء كل من عبد المحسن خلفان ومحمد فتوح، والتي قدمتها فرقة المسرح الكويتي عام 1974 أول عمل يقدم للأطفال فيه اشتغال على على عناصر العمل المسرحي، خارج مفهوم المسرح المدرسي، أو التربوي المباشر، وبعد تلك التجربة أنشأت عواطف البدر مؤسسة فنية خاصة بمسرح الطفل، وكانت تلك الخطوة نوعا من المغامرة إذا ما قورنت بوعي المجتمع آنذاك بضرورة مسرح الأطفال، لكن البدر التي كانت قد تمرست في المسرح التربوي أدركت مدى تعطش الجمهور لهذا الشكل المسرحي، وهو ما شجعها على القيام بتلك الخطوة التي أثمرت نحو 30 عملا خلال 10 سنوات امتدت منذ العام 1978 وحتى العام 1986 ، ومن بين تلك الأعمال السندباد البحري والبساط السحري والقرد المفكر وغيرها، وقد شارك في تأليف تلك الأعمال مجموعة من الكتّاب العرب ، ومنهم خلف أحمد خلف البحرين ومحفوظ عبد الرحمن مصر وحيدر البطاط العراق والسيد حافظ مصر، وغيرهم، بالإضافة إلى الكثير من العاملين في المجال التقني المسرحي الذين عملوا في تلك العروض .

استُقبلت أعمال البدر بنوع من الترحيب خاصة وأنها استقت أعمالها الأولى من التراث العربي، وجاءت مسرحيتها الأولى تحت عنوان السندباد البحري وهو ما يؤشر في هذا الإطار إلى ارتباط مسرح الطفل بالحكاية الخرافية المنشطة والمحفزة للخيال، والتي اعتمدتها البدر وغيرها من المسرحيين الكويتيين أو العرب كوصفة ناجحة لمسرح الطفل، مع أنها تحولت إلى مثار للجدل والنقاش خلال العقد الأخير في ظل التحدي التكنولوجي الهائل، الذي نسف الكثير من المقولات، أو على الأقل وسّع مساحة الجدل مع صحة فرضية تناول التراث بشكله الخام .

سمات

من الطبيعي أيضاً أن نذكر في هذا المقام أن مسرح عواطف البدر بقدر ما كان له دور في التأسيس لمسرح الطفل في الكويت، إلا أنه أيضا لم يغفل البعد التجاري، وهو أمر يعتبر أحد السمات الرئيسية ليس فقط لمسرح الطفل في الكويت في تلك الفترة، بل أيضاً إحدى سمات مسرح الطفل في الوطن العربي، ذلك إذا ما استثنينا ظاهرة المهرجانات التي تشرف عليها المؤسسات الرسمية، وهي ظاهرة موسمية لا تعبر من حيث الانتشار على الأقل عن وجود مسرح دائم للطفل، وهو الأمر الذي تقوم به جهات الإنتاج، التي تعتبر مؤسسة عواطف البدر واحدة منها في الكويت، لكن ما يحسب للأعمال التي قدمتها البدر من خلال مؤسستها أيضاً أنها أوجدت ثقافة المتابعة لدى شرائح كبيرة من الجمهور لمسرح الطفل، تلك الثقافة التي خدمت في ما بعد الكثير من المسرحيين الكويتيين الذين استفادوا من وجود جمهور متابع لهذا المسرح، وهي واحدة من الركائز التي دعمت الزخم الذي عرفه مسرح الطفل في الكويت، والذي شهد تطورا ملحوظا على مستوى النصوص المسرحية التي راحت ترتقي أكثر في مخاطبتها للطفل، حيث بدأ جيل من الأكاديميين يعمل في هذا المسرح، وهو ما أوجد حراكا نوعيا في مسرح الطفل جعله واحدا من أهم مسارح الطفل في الوطن العربي، من حيث التنوع الكبير في أساليب الطرح، والرؤى الإخراجية، واستقطاب أسماء مهمة على مستوى الأداء . . كل ذلك دفع بالمسرح الكويتي إلى مرحلة جديدة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي .

ومن الجيل الأكاديمي الذي قدم الكثير لمسرح الطفل في الكويت تعتبر نجاة حسين واحدة ممن واظبوا على الاشتغال على مسرح الطفل منذ مسرحيتها الأولى ليلى والذئب عام 1988 ، وهي تأليف الشاعر الغنائي عبد اللطيف البناي، ولقد كان العرض آنذاك بمثابة قفزة جديدة على مستوى تماسك مكوناته ، وعلى مستوى الإقبال الجماهيري الذي حصده، حيث دام العرض ستة أشهر متواصلة، وعرض في غير مكان داخل الكويت، وأعيد عرضه لمرات كثيرة خلال السنوات اللاحقة، ما دفع بالفنانة نجاة حسين وهي خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية قسم النقد، إلى الاستمرار في مسرح الطفل كتابة وإخراجا ونقدا، وقد استفادت حسين في عملية تطوير العمل المسرحي المقدم للطفل من خلال المزاوجة بين رؤى عدة للنص، حيث استلهمت عناصر مختلفة من التراث السردي سواء المحلي أم العربي والعالمي ، وأعادت إنتاج الكثير من تلك القصص عبر المسرحة، ومن بين تلك الأعمال أبو الرؤوس الثلاثة والواوي وبنت الشاوي ، وقد تطور منظور مسرح الطفل لديها في السنوات الأخيرة حيث راحت تشتغل على مواضيع تشتمل على الكثير من التقاطعات الاجتماعية والاقتصادية ضمن توجه جديد يأخذ بعين الاعتبار ما طرأ على عالم الطفل وذهنيته وما يتلقاه من متغيرات في ظل ثورة التقانة والاتصالات وصلت في الفترة الأخيرة إلى اهتمامات ذات طابع سياسي واقتصادي موجّه للأطفال على غرار مسرحية غزلان وملك الفئران، المستمدة من البيئة الاقتصادية الناشئة في الكويت حيث يميل الناس إلى البحث عن مشاريع اقتصادية صغيرة .

إن مسيرة مسرح الطفل في الكويت منذ سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم تؤشر إلى مجموعة من النقاط، منها استلهام الموروث الشعبي، اعتمادا على فكرة البطل مثل مسرحيات عنترة بن شداد و بو زيد الهلالي و علي بابا والسندباد خاصة في البدايات الأولى، وذلك انطلاقا من حضور تلك الشخصيات في الذاكرة العربية الجمعية، وما لها من تأثير وجاذبية على المتلقي، وخاصة الطفل الذي يسعى في إطار تكوينه النفسي والذهني إلى تقمص شخصية البطل، والتمثل بقيمها، وأفعالها، وهو الأمر الذي تمت الاستفادة منه على مستويات عدة، منها ما يصب في خانة استنهاض روح البطولة، وبث قيم الشجاعة عند الناشئة، ومنها ما يقع تحت مسميات ربحية، نظرا إلى مكانة تلك الشخصيات في أذهان الطفل، بوصفه جزءا من محيط اجتماعي وثقافي أعم وأشمل وهو المجتمع، إلا أن هذا الاستخدام تم استنفاده في الكثير من الأعمال، وراح المسرح الكويتي بعد جملة من التطورات المرتبطة بتطور المجتمع، وغزو الصورة التلفزيونية لعالم الطفل، يبحث عن منافذ جديدة إلى الطفل من أجل تقديم أعمال ذات قيمة فكرية وقيمية وتربوية، وفي الوقت ذاته تحمل صيغة الإبهار، وإمكانية اجتذاب الجمهور، خاصة وأن مسرح الطفل في الكويت هو في معظمه مسرح ربحي، قائم على معادلات إنتاجية وتسويقية .

الأمر الثاني الذي يمكن ملاحظته في مسرح الطفل في الكويت هو تأثير الكتّاب والمخرجين العرب ، الذين كان لهم حضور واضح في المشهد المسرحي الكويتي بشكل عام، وفي مسرح الطفل بشكل خاص، فبعضهم كتب أكثر من 10 أعمال لمسرح الطفل وفي مقدمتهم السيد حافظ الذي كتب أعمالا مثل الشاطر حسن وعنترة بن شداد وأولاد جحا وفرسان بني هلال والساحر حمدان وغيرها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"