ارتخاء الصمام الميترالي.. المرض الخفي

01:06 صباحا
قراءة 6 دقائق
تعد مشكلة ارتخاء الصمام الميترالي من أكثر عيوب الصمامات انتشاراً، كما أنه من أمراض الصمامات القلبية، التي تثير حيرة المريض والأطباء؛ لأن الآلام والأعراض، التي يشتكي منها المريض ليست دليلاً قاطعاً على الإصابة بالارتخاء، وإنما يتصادف وجود هذا الألم والارتخاء عند فحص المريض؛ ولذلك لا يعده الكثير من الأخصائيين والأطباء مرضاً بالمعنى المعروف، وإنما يعدونه تغيراً في الصمامات، وهو من النوع الحميد، خاصة في الحالات البسيطة، ولا يشكل خطراً على حياة المريض، كما أن المصاب بهذه المشكلة في الغالب لا يعاني أعراضاً ظاهرة؛ بل إن اكتشاف الإصابة يكون عن طريق الصدفة البحتة.
من المعروف أن القلب يتكون من 4 حجيرات، هما: الأذينان والبطينان، ويضخ الدم إلى الرئة حتى يتم تزويده بالأكسجين، ثم يضخ الدم المزود بالأكسجين إلى بقية أجزاء الجسم، وتحدث سلسلة الانقباضات مع كل نبضة فيتدفق خلالها الدم عبر حجيرات القلب والأوعية الدموية الكبري، وتقع الصمامات عند مخرج كل حجيرة، ودورها الحفاظ على تدفق الدم في اتجاه واحد مع عدم عودته في الاتجاه المعاكس، ويقع الصمام الميترالي في مخرج الأذين الأيسر، فاصلاً إياه عن البطين الأيسر، ويفتح الصمام عند انقباض الأذين ويغلق عند انبساطه.
آلية العمل

يتكون الصمام الميترالي من وريقة أمامية وأخرى خلفية تتصلان بحلقة الصمام من جهة والجهة الأخرى بأوتار تنتهي بعضلات حلمية تمنع انزلاق الوريقتين أثناء انقباض القلب، وتكون الوريقة الأمامية أكبر من الوريقة الخلفية حجماً وأكثر أهمية من الناحية الديناميكية، وتصاب إحدى الوريقات عند بعض الأشخاص بالارتخاء؛ حيث تصبح رخوة وغير قادرة على إغلاق الصمام بإحكام، وهو ما يؤدي إلى تسرب كمية من الدم من البطين الأيسر إلى الأذين الأيسر، وبالتالي تصبح كمية الدم، التي يضخها البطين الأيسر إلى الشريان الأورطي قليلة ومن ثم إلى الدورة الدموية الكبرى، ويصدر ارتداد الدم إلى الأذين صوتاً يسمى همهمة، وتعد هذه الحالة غير مضرة بصفة عامة، وتحدث الإصابة بمشكلة ارتخاء الصمام الميترالي، نتيجة طول وليونة وريقات الصمام؛ حيث يمكن أن يكون الارتخاء شديداً، ما يؤدي إلى ابتعاد الوريقات عن بعضها، بدلاً من أن تكون متقابلة ومحكمة الإغلاق، ويرجع ذلك إلى تواجد أنسجة إسفنجية بكمية أكبر من المعتاد في تركيب الصمام، ويصاحب ذلك ارتخاء الأوتار التي تمسكها بجدار البطين الأيسر في بعض الحالات، ويكون ارتخاء الصمام موجوداً منذ الولادة في معظم المصابين به؛ وذلك أن الجينات الوراثية تلعب دوراً في حدوث هذا الارتخاء، غير أن الأعراض والمضاعفات الناتجة عنه لا تظهر إلا بعد فترة البلوغ، وكذلك وجد أن نسبة من يعانون نوبات الهلع بالفعل تزداد فيما بينهم مشكلة ارتخاء الصمام الميترالي، ويمكن أن يكون الارتخاء جزئياً أو كلياً، والجزئي يحدث غالباً ارتخاء في الوريقة الأمامية، والكلي يحدث في الوريقتين؛ حيث تتراجعان كلياً أو جزئياً داخل الأذين الأيسر عند انقباض البطين الأيسر.
الفحص الدوري
يتم اكتشاف مشكلة ارتخاء الصمام الميترالي عند إجراء الفحص الدوري للقلب، ولا يشكو المريض في أغلب الأحيان من أعراض ظاهرة خاصة في حالات الارتخاء البسيطة، غير أنه في الحالات الشديدة يجد المريض ألماً حاداً مثل الشعور بالتعرض للطعن، ويمكن أن يستمر هذا الألم فترة طويلة تصل في بعض الحالات إلى ساعات، وتمتد إلى أيام أيضاً، ولا تظهر هذه الأعراض عند ممارسة الرياضة؛ لكنها تظهر عتد تعرض المريض للتوتر العصبي والضغوط، ويمكن أن يشعر المريض بالتعب العام والضعف عقب بذل أي مجهود ولو كان بسيطاً، كذلك يمكن أن يتعرض المريض للدوخة؛ بسبب نقص كمية الدم، التي يضخها القلب، ويتعرض بعض من الأشخاص المصابين إلى ضيق التنفس في حالات الارتجاع الشديدة، وفي حالة تفاقم مرض ارتخاء الصمام الميترالي أو إهمال علاجه لفترات طويلة فسوف يتطور وتحدث بعض المضاعفات الأخرى، ومنها أن يصبح الشخص المريض عرضة للإصابة بمرض الالتهاب الشعبي والرئوي المتكرر، وكذلك مرض قصور القلب الاحتقاني وهبوط الجانب الأيمن للقلب؛ بسبب ارتفاع ضغط الشريان الرئوي المزمن، وينتج عنه قصور مزمن في وظائف الكبد، كما يتعرض المريض لالتهاب الصمام والغشاء الداخلي للقلب؛ نتيجة إجرائه لأنواع مختلفة من العمليات، ما يؤدي لدخول بكتيريا للدورة الدموية واستقرارها على الصمام الميترالي، ما يشكل خطورة على حياة المريض، ومن المضاعفات فشل عضلة القلب وتضخمها واختلال ضربات القلب.
خطوات التشخيص
يتم تشخيص مرض ارتخاء الصمام الميترالي عن طريق الفحص الإكلينيكي؛ حيث يسمع الطبيب أثناء الكشف بالسماعة على القلب صوتاً مميزاً وهو ما يُطلق عليه اللغط، ويتم إجراء فحوص عدة لتأكيد التشخيص وتقييم وضع القلب والصمام، وغالباً ما يقوم المريض بإجراء فحص بالموجات فوق الصوتية على القلب وهي الإيكو، وتبين صورة القلب ومجرى الدم خلال الغرف الأربع، وكذلك حركة الصمامات، وكذلك تخطيط القلب الكهربي وهو يسجل النشاط الكهربي من زوايا عديدة، ورسم القلب بمجهود وهو يبين استجابة القلب للمجهود؛ حيث يتم عمل رسم القلب أثناء المشي أو ركوب المريض لدراجة ثابتة على الأرض، يمكن أن يحتاج المريض الذي تجاوز الأربعين إلى إجراء قسطرة قلبية وقسطرة شرايين تاجية؛ وذلك حتى يستبعد الطبيب المعالج تصلب الشرايين التاجية وضيقها، ويعيش مرضى حالة ارتخاء الصمام الميترالي حياة طبيعية، ولا يحتاجون في أغلب الأحوال إلى تعاطي أي علاج، وإنما يحتاجون إلى شرح مستفيض عن الحالة الطبية لهم، كما أنهم يصلون إلى متوسط العمر المتوقع، وتعد النصحية الأهم لهم هي المتابعة الدورية للحالة مع طبيب القلب المختص، ويتم عمل فحص بالموجات فوق الصوتية على القلب «الإيكو» كل سنة أو اثنتين، والهدف منه التأكد من عدم حدوث ارتجاع في الصمام، ويمكن أن تحتاج بعض الحالات إلى مضاد حيوي قبل إجراء أي عملية جراحية، أو عند زيارة طبيب الأسنان؛ وذلك قبل فترة من أي إجراء للوقاية من الالتهاب الميكروبي للصمام، كما أنه في الحالات التي يسبب فيها الارتخاء حالة من الخفقان المزعج والمتكرر، يمكن أن يصف الطبيب دواء يمنع التأثير المنبه لهرمون الإبينفرين على القلب، وتحتاج بعض الحالات الشديدة وهي نادرة إلى توسيع الصمام بالقسطرة البالونية.
قلب مفتوح
توجد بعض الحالات لا يمكن السكوت عليها لدى بعض المصابين بمرض ارتخاء الصمام الميترالي، فمثلاً تحتاج حالات الذين أصيبوا بارتجاع شديد في الصمام الميترالي، بسبب عجز الصمام عن الغلق الجيد إلى جراحة قلب مفتوح؛ لإصلاح هذا الصمام أو تبديله بآخر صناعي معدني أو نسيجي، ولكل نوع من هذه الصمامات مميزاته وعيوبه؛ حيث إن المصابين بالخفقان الشديد الذي ينتج عن اضطرابات كهربائية خطرة وأعراض مزعجة مثل الإصابة بالدوخة وفقدان الوعي يحتاجون إلى زرع بطارية كهربائية تنظم ضربات القلب حسب نوع الخفقان الذي أصيبوا به، وكذلك المرضى الذين أصيبوا بمضاعفات ارتخاء الصمام الميترالي مثل انسداد الشرايين الدقيقة للمخ أو العين يحتاجون إلى الوقاية من مثل هذه المشاكل المزعجة إلى تعاطي جرعات من الأسبرين؛ لمنع تجمع الصفائح الدموية، وينصح الخبراء بفحص جميع أفراد العائلة المصاب فيها شخص بمرض ارتخاء الصمام الميترالي، وخاصة في الحالات الشديدة، كما أن على المريض اتباع تعليمات الطبيب بدقة حتى يعيش بشكل طبيعي، وعليه تجنب التوتر والانفعال، وعامة فإن مشكلة ارتخاء الصمام الميترالي ليس مرضاً مخيفاً عندما يجد المتابعة والعناية الدقيقة.

النساء الأكثر إصابة

تؤكد دراسات عدة أن الأكثر عرضة للإصابة بمشكلة ارتخاء الصمام الميترالي هي النساء؛ حيث تبلغ نسبة الإصابة في السيدات ضعف إصابة الرجال، ويظهر بشكل أكثر عند النساء اللاتي يعانين بعض التشوهات الهيكلية، وغالباً ما تكون الإصابة بهذا المرض بين عمر الـ20 والـ40، ويمكن أن يوجد هذا العيب منذ الولادة؛ حيث تلعب الجينات الوراثية دوراً مهماً في تكوينه، وبحسب الدراسات فإن ما لا يقل عن 60% من المصابين بمشكلة ارتخاء الصمام الميترالي لا يعانون أي أعراض، وكان اكتشاف هذا المرض في ستينات القرن الماضي على يد طبيب من جنوب إفريقيا، وذكرت دراسة سابقة، أن انتشار تشخيص ارتخاء الصمام الميترالي لا يتجاوز 10%، ويعود ذلك إلى غياب شروط تشخيص هذا المرض، ما أدى إلى زيادة عدد الحالات، التي تم تشخيصها كمصاب بهذا المرض، في حين أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن نسب الإصابة تتجاوز 1.5%، وكانت أبحاث سابقة أشارت إلى أن حوالي 10 إلى 15% من الأشخاص يعانون مشكلة ارتخاء الصمام الميترالي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"