طرق حديثة لعلاج الأورام الليفية

22:36 مساء
قراءة 8 دقائق
تحقيق: نهلة الفقي

خضعت سيدتان لجراحتين ناجحتين مؤخراً بواسطة المنظار، الأولى تم خلالها استئصال الرحم، والثانية إزالة ورم يزن ستة كيلو جرامات من الرحم، نتيجة الإصابة بأورام ليفية صاحبها أعراض النزف الشديد والألم، حالة هاتين السيدتين جزء من معاناة 20% من النساء، حيث تنمو تلك الأورام بتجويف الرحم على اختلاف أشكالها وأحجامها، وتؤول أسباب تكونها إلى مجموعة من العوامل الوراثية والهرمونية والبيئية. يتناول هذا التحقيق أحدث طرق علاج الأورام الليفية سواء لتخفيف أعراضها، أو استئصالها، مروراً بمدى تأثيرها في العملية الإنجابية.

يتخذ الرحم شكلاً مخروطياً يماثل الإجاص، بطول 7.5 سم وعرض 5 سم، مبطن بطبقة تسمى بطانة الرحم، تكتسب سماكتها قبل الدورة الشهرية، وتتساقط أثناءها، وينقسم الرحم إلى جزأين، الأول يسمى جسم، والثاني عنق الرحم، وبين جسم الرحم وعنقه زاوية منفرجة، تعطي الرحم اتجاهه الطبيعي، وقد تختلف أبعاد واتجاهات تلك الزاوية، فتغير من وضعية الرحم، ليكون ذلك مؤشراً لوجود بعض الاضطرابات، أو الأمراض التي تصيب المرأة، ومنها الأورام اللّيفية، التي تلقي بظلالها بجملة أعراض، تؤثر في مسار ونمط حياتها، بما يلازمها من نزف وألم شديد، يستلزم الراحة وعدم الإجهاد.
وفي هذا الإطار يقول الدكتور د. هومان فاطمي استشاري أمراض النساء والتوليد والإخصاب الصناعي: تعتبر أوراماً حميدة (غير سرطانية) تتكوّن من أنسجة عضلية، عندما تنمو في الرحم، تسمى بالأورام الليفية الرحمية، ومن الأسماء الشائعة الأخرى، الأورام العضلية الملساء (leiomyomas)، أو الأورام العضلية (myomas)، لا يزال السبب الكامن وراء تكوّن الأورام الليفية غير معروف، إلا أنها تحدث عندما تبدأ خلية عضلية واحدة في جدار الرحم بالتضاعف، والنمو لتشكّل ورماً حميداً، وهناك بعض الأدلة على أن مجموعة من العوامل، الوراثية والهرمونية والبيئية، تلعب دوراً في ذلك، كما أن خطر وجود ورم ليفي سرطاني أمر نادر (أقل من واحد في 1000)، ويعتقد أن هذه الأنواع من السرطان (وتسمى leiomyosarcomas)، لا تنشأ من الورم الليفي الموجود، كما يشير إلى أن وجود الورم الليفي، لا يزيد من فرص الإصابة، بأي أشكال أخرى، من سرطانات الرحم.
وينتقل البروفيسور هومان فاطمي للأعراض فيقول: «ربما لا تسبب الأورام الليفية أي أعراض على الإطلاق، وقد لا تدرك النساء في كثير من الأحيان، بوجودها لديهن، وتعتمد الأعراض الناتجة عن الأورام الليفية، على مكانها وأحجامها وأعدادها، ولكن من الأعراض الأكثر شيوعاً، نزيف حاد أثناء الحيض (بحيث تمتد الدورة الشهرية لفترة أطول)، كما تشعر بألم أثناء الجماع، وتشنج في الحوض، أو ألم أثناء الحيض، أو ألم حاد مع زيادة تدفق الدّم إليه، إلى جانب مشاكل في المثانة، حيث تشعر بالحاجة إلى التبول بشكل متكرر، نتيجة لضغط الورم الليفي على المثانة، الذي يحد من قدرتها على حبس البول».
وقد تؤدي الأورام الليفية، إلى تغيير في حجم، أو شكل الرحم، وحتى عنق الرحم (الجزء السفلي من الرحم)، فتعيق التغيرات في شكل الرحم، وحركة الحيوانات المنوية أو الجنين، أما التغيرات في شكل عنق الرحم، فربما تؤثر في عدد الحيوانات المنوية، التي تستطيع الولوج إلى الرحم، كما ربما تسبب انسداداً في قناتي فالوب، فتقلل من قدرة الجنين على الانغراس في الرحم، لأنها تؤدي إلى خفض تدفق الدم إلى تجويف الرحم.
يشير دكتور فاطمي إلى اختلاف أحجام الأورام الليفية، واختلاف سرعة نموها، كما يمكن أن تحافظ على الحجم نفسه لفترة زمنية طويلة، وهناك 3 أنواع رئيسية من الأورام الليفية، وفقاً لموقعها في الرحم، منها ورم ليفي تحت بطانة الرحم (Submucosal)، وقد يمتد أيضاً إلى تجويف الرحم، وورم ليفي داخل جدار الرحم (Intramural) أي ينمو داخل جدار الرحم، وورم ليفي خارج الرحم (Subserosal) حيث ينمو في الجدار الخارجي له.
يمكن أن تؤثّر الأورام الليفية سلباً في الخصوبة، ويعتمد هذا التأثير على حجمها وموقعها، حيث تسبّب الأورام الليفية التي تنمو تحت بطانة الرحم، والكبيرة التي تنمو داخل جدار الرحم العقم، ولكن لا يمكن تعميمها على معظم النساء، فهناك حالات لم تسبب لديهن عقماً.
أما بالنسبة للمرأة الحامل، فيمكن أن تؤثر الأورام الليفية، في وضعية الجنين في الرحم ونموه، وربما قد تكون سبباً في الإجهاض المتأخر، أو الولادة المبكرة.
كما يرافقها النزيف الحاد المتكرّر أثناء الدورة الشهرية، ليؤدي إلى فقر الدم بسبب نقص الحديد، وعلاوة على ذلك، فمن المهم التذكير بأن العوارض المصحوبة، بحالة أخرى تسمى «العضال الغدّي- Adenomyosis»، يمكن أن تكون مماثلة لكثير من علامات وأعراض الأورام الليفية.
ثم ينتقل دكتور فاطمي إلى العلاج فيقول: «يجب التمييز بين العلاجين الطبي والجراحي، فالعلاج الطبي حل لتخفيف، أو تسكين أعراض وآلام الأورام الليفية، مثل النزيف الشديد، أما العلاج الجراحي فقد يكون الطريقة الفضلى لمعالجة الأورام الليفية، على الرغم من وجود أشكال جديدة من العلاجات مثل، انفصال بطانة الرحم (Endometrial Ablation)، التي تتم بإتلاف بطانة الرحم، لوقف النزيف الحاد بواسطة الليزر، أو الموجات الدقيقة (microwaves)، كما أننا لا نوصي بهذا العلاج، للنساء اللّواتي يرغبن بالحمل في وقت لاحق.
وعلاج آخر يطلق عليه التحلّل العضلي (Myolysis)، ويتم بإدخال إبرة في الورم الليفي، ثم استخدام التيار الكهربائي، أو التجميد لتدميره عن طريق تنظير البطن.
وعلاج أخير يتمثل في سد الشرايين المغذية للأورام اللّيفية الرحمية، ما يعني منع وصول الدم إلى الورم الليفي حتى يؤدي إلى ضموره، من خلال إدخال أنبوب رفيع في الأوعية الدموية، ثم حقن حبيبات طبية صغيرة من الجل، أو البلاستيك في هذه الأوعية الدموية، ومع ذلك لا يمكن علاج جميع الأورام الليفية عن طريق هذا الإجراء.
يشير د.هومان فاطمي إلى وجود علاجات أخرى حديثة، كالاجتثاث بالترددات الراديوية (Radiofrequency ablation)، حيث يتم باستخدام الحرارة، لتدمير الأورام الليفية، من دون إحداث أي ضرر لأنسجة الرحم المحيطة، وعلى الرغم من أن الأورام الليفية، تبقى داخل الرحم، إلّا أن حجمها يتقلص، ويمكن للمرأة مغادرة مكان العلاج في اليوم نفسه. وعلاج يوليبريستال اسيتيت (Ulipristal Acetate)، وهو علاج هرموني فعال لوقف النزيف، والحد من زيادة حجم الأورام الليفية.
ويردف: استناداً إلى الأدلة الطبية، لا يوصى بإجراء جراحة لاستئصال الأورام الليفية، إلّا إذا كانت هذه الأورام مصحوبة بأعراض، كالنزيف الحاد والتشنجات الحادة أثناء الحيض، وفي هذه الحالة، إذا قرر الطبيب استئصال الورم الليفي، يُفضل استئصالها من خلال منظار البطن، بدلاً من فتح البطن، فبعد إزالة الورم الليفي، هناك احتمال عودته مجدداً بنسبة 30٪، على مدى 10 أعوام، كما أن المريضات اللواتي خضعن لاستئصال أورام ليفية متعددة، كن أكثر عرضة لعودتها مقارنةً مع اللواتي خضعن لاستئصال ورم ليفي واحد.
تقول دكتورة حسنية قرقاش استشارية أمراض النساء والتوليد والعقم: «تعتبر الأورام الليفية من الأمراض النسائية الأكثر شيوعاً، فنسبة 20% من النساء معرضون لتكونها داخل أرحامهن، وترتفع تلك النسبة كلما تقدم العمر، وجدير بالذكر ارتفاع نسب الإصابة، لدى النساء ذوات الأصول الإفريقية، وأصحاب البشرة السمراء، ثم الملونين، والبيض، وللآن لم نصل يقيناً لأسباب الإصابة به فمازال السبب مجهولاً، ونادراً ما تتحول الأورام الليفية لأورام سرطانية حيث تمثل نسبة أقل من 1%.
وتصنف الأورام الليفية في ثلاثة أنواع وفقاً لمكان وجودها بالرحم، فإما تتكون داخل بطانة الرحم، أو داخل جداره، أو خارج جداره، ومن السهل على الطبيب اكتشافها من خلال الأشعة التلفزيونية، أو بالمنظار حينما يكون حجم الورم صغيراً، حيث يشق الطبيب فتحة صغيرة بالقرب من السرة، تمكنه من استكشاف الأورام الليفية وغيرها من المشاكل، مثل الأورام الحميدة، داخل الرحم التي تسبب النزف الشديد، ومن الممكن أن يجد ورماً واحداً أو أوراماً متعددة، فحينما يوجد داخل جدار الرحم، وبحجم أكبر من 4 سم، يؤثر في فرص السيدة في الحمل فتكون ضعيفة، فإذا كانت ترغب في الحمل فتنصح باستئصاله، أما إذا كان خارج جدار الرحم فهو لا يؤثر في العملية الإنجابية، وإن كانت هناك بعض الحالات التي تتعرض لمشاكل بعد الولادة، عندما يكون عنق الرحم طويلاً ورفيعاً، فمن الممكن أن يلتوي فتشعر بألم شديد، يدخل المريضة في حالة طارئة، نضطر فيها إلى إخضاعها للعمليات الجراحية العاجلة.
ومن المضاعفات المصاحبة للأورام الليفية، والتي لا علاقة لها بالحجم، التعرض للنزف الشديد، طول مدة الدورة الشهرية، ونتيجة لفقد كمية كبيرة من الدم تصاب بالأنيميا.
ولكن يؤثر حجم الورم الليفي في ظهور أعراض أخــــرى مثــــل الإمـــساك، الشعور الدائم بالرغبة في التبول، نتيجة لضغط الورم على المثانة، كما يسبب ضغطه على الكلى بالضرر، فنضطر للتدخل الجراحي لاستئصاله».
وعن طرق العلاج تقول دكتورة قرقاش: «من أحدث طرق العلاج التجميد، عن طريق إغلاق الطريق أمام الدم الذي يصل للورم الليفي، يقوم به طبيب الأشعة، عن طريق الوريد مثل المسبار ليصل للوريد المغذي للورم الليفي، لإغلاقه حتى يضمر الورم، ولا ينصح بالعلاج بالتجميد لمن ترغب في الحمل، لأنه يؤثر في استقبال الرحم للأجنة، بما يقلل فرص الحمل، كما يؤثر في الدم الذي يصل للمبايض، لذا لا ينصح به لمن لم تنجب بعد، وترغب في الحمل، والأفــــضل بالنسبة لتلك الحالة إزالته بالمنظار».
تقول الدكتورة ديانا كيال أخصائية نساء وتوليد وإخصاب: «الأورام الليفية تعد حميدة، ولا تتحول لأورام سرطانية، بسبب اختلاف نوع الخلايا المكونة لكل منهما، وتتكون من تليفات في أنسجة الجدار العضلي للرحم، أسباب تكونها غير معروفة حتى الآن، وتزداد تلك الأورام الليفية في الحجم بفعل الهرمونات الأنثوية، وتتقلص مرة أخرى بعد الوصول لسن انقطاع الطمث.
وفي معظم الحالات تكون الأورام الليفية صامتة من دون أي أعراض، ولكن قد تعاني بعض الحالات أعراضاً مختلفة، كزيادة النزيف في أوقات الدورة الشهرية، أو زيادة فترتها عن معدلها الطبيعي، أو نزف في أوقات أخرى من الشهر، يصاحبها ألم شديد وقت الدورة الشهرية، آلام في الحوض والظهر، إلى جانب زيادة معدل التبول، والإمساك.
تشير دكتورة ديانا كيال إلى أن «وجودها في الرحم، لا يسبب تلفاً للأنسجة الطبيعية الرحمية، فهي فقط تشغل مساحة في الرحم، فمنها ذات أحجام صغيرة، لا ترى بالعين المجردة، وأخرى كبيرة، تؤدي لزيادة حجم الرحم بشكل كبير، ليشغل تجويف البطن بالكامل، فتظهر المرأة كما لو كانت حامل في شهرها الخامس، وفي أغلب الحالات لا يقلل وجود تلك الأورام من فرص الحمل الطبيعية، إلا إذا تواجدت الأورام بأعداد أو بأحجام كبيرة، خاصة في حال تواجدها تحت بطانة الرحم».
ثم تتطرق إلى الخطة العلاجية المتبعة فتقول: «تختلف باختلاف شدة المرض، الذي يحدد هل العلاج الدوائي كاف للحالة، أم تحتاج للعلاج بالموجات فوق الصوتية، أو العلاج بالتجميد الذي يقوم بتقليص حجم الورم الليفي بشدة ويختفي حينها لا يكون هناك داع للتدخل الجراحي بالاستئصال».
وفي الأغلب تلك الأورام لا تشكل خطورة على صحة المرأة، فيما عدا إذا تسببت في نزيف يفقدها الدم بكميات كبيرة، قد يؤدي لإصابة المرأة بفقر الدم، أو إذا تواجدت تحت الغلاف المبطن للرحم، حيث تؤدي لصعوبة تثبيت الجنين في الرحم، ومن ثم صعوبة حدوث حمل، أو التعرض لإجهاض متكرر، فتلك المؤشرات تجعل الطبيب المعالج يتخذ قراره باستئصالها، في حال الرغبة في حدوث الحمل، وذلك لرفع فرص الحمل مع استخدام التقنيات المساعدة على الإخصاب.
وفي حال سوء الحالة يلجأ الطبيب لاستئصال الرحم، عن طريق المنظار، أو بطريقه جراحية، فإذا تم استئصال الرحم فقط، من دون استئصال المبايض فلا داعي لعلاج آخر، أما في حال استئصال المبايض أيضاً، فيجب إعطاء المريضة علاجاً هرمونياً تعويضياً عن هرموناتها الطبيعية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"