الحبوب المهدِّئة والمنوِّمة تدمير الحياة من أجل راحة لا تتحقق

01:17 صباحا
قراءة 7 دقائق

انهارت كاثي تاوميي مرهقة في فراشها، بعد يوم شاق آخر، قضته مشتتة بين عملها ورعايتها لطفليها الصغيرين . وبدلاً من استسلامها للنوم، ظلت كاثي مستيقظة طوال الليل ولثلاث ليالٍ متتابعة . وتقول كاثي كانت لديّ أشياء وأشغال كثيرة في رأسي، لم أستطع منع نفسي من التفكير فيها، دائماً أذهب إلى السرير ودماغي يدور حول أشياء يفترض أن أنجزها في اليوم التالي.

كاثي تمتهن الصحافة، وقد عادت لعلمها بدوام جزئي بعد إجازة وضع وأمومة، وهي تقول: أعمل كثيراً وأشتغل في المنزل في أيام العطل، وبطريقة ما يسعفني الإدرينالين أثناء اليوم وأتمكن من إنجاز كل المطلوب مني في العمل، بيد أن كل شيء ينهار عندما أعود إلى المنزل، حيث أصبح حادة ومتقلبة المزاج، وكثيرة البكاء والتشاحن مع زوجي .

وتضيف في وصف حالتها: لا أكون مكتئبة، لكنني أكون فقط محرومة من النوم، وأشعر بأنني إذا تمكنت من الاستمتاع بيومين من النوم الجيد سأصبح قادرة على لملمة كل الأمور مع بعضها .

وبعد ثلاثة أشهر من مشكلات النوم المتواصلة ذهبت كاثي (45 عاماً) لمقابلة طبيبها الذي وصف لها زوبيكلون - وهو أحد العقاقير المنومة التي تسمى عقاقير Z، وتعمل هذه العقاقير عبر إطلاق مادة كيميائية دماغية تسمى غابا Gaba . وهي تعمل كمهدئ أعصاب طبيعي، تقلل القلق وتبعث النعاس . وتشمل عقاقير Z الأخرى زاليبلون Zaleplon وزولبيدم Zolpidem . وتقول كاثي: عملت العقاقير بنجاعة حقيقية، كنت آخذها قبل 50 دقيقة من ذهابي للفراش، وكانت تحفز النوم الطبيعي، وكنت أتمكن من الاستيقاظ في الليل إذا استفاق الأطفال، وفي اليوم التالي أشعر بتجدد نشاطي ومقدرتي على التكيف والتأقلم .

وتضيف: عندما اعترفت لأصدقائي بتناولي لحبوب منومة، جزع البعض منهم، ولكن في ذلك الوقت لم أكن أرى المشكلة، واعتقدت أن العقاقير أفضل من احتساء الكحول يومياً كما يفعل بعض الناس .

وعندما عدت بعد شهر لكي أطلب إعادة الوصفة مجدداً، قدم لي طبيبي واحدة وقال لي: هذه هي دعاماتك وركائزك التي تعينك على مجابهة صعوبات حياتك اليومية . وقد كنت ممتنة له ومتفقة معه في الرأي .

وقد اعتمدت كاثي على زوبيكلون في الأعوام الأربعة اللاحقة، وأقرت بأنها ربما كانت مدمنة، لكنها تمكنت من التخلص من هذه العقاقير أخيراً في سنة .

وكاثي ليست سوى واحدة من عدد متزايد من النساء اللائي تلقين الحبوب المنومة لإعانتهن على التكيف مع أنماط حياتهن المتعبة والمحمومة، وفي الوقت ذاته الذي تزداد فيه مخاوف الأطباء وخبراء الصحة من حلول هذه العقاقير محل العقار الشائع والمعروف بالفاليوم Valium .

وفي الآونة الأخيرة، تزايدت وتيرة الدعاوى القضائية التي يرفعها مرضى في مواجهة أطباء وصفوا لهم حبوباً مهدئة - يسهل إدمانها - لمدة طويلة . ويسود الأوساط الطبية تخوف من بروز نهج مماثل يتعلق هذه المرة بالعقاقير المنومة .

وعادة توصف الحبوب المهدئة لإخماد القلق، لكنها قابلة للإدمان، ويعاني آلاف البشر الذين تعاطوها لمدة طويلة آثاراً جسمانية ونفسية مدمرة . وفي الأسبوع الماضي، خسر أطباء دعاوى قانونية أشهرها ضدهم مرضى وصف لهم هؤلاء الأطباء، لفترة طويلة، عقاقير مهدئة - قابلة للإدمان عليها - تسمى ببنزو ديازبينس benzo diazepines .

وتبدي الأوساط الطبية تخوفها من انتقال هذا النهج لعقاقير Z، وإلى جانب قابليته المحتملة للإدمان عليه، تتضمن الآثار الجانبية لزوبيكلون، الغثيان، القيء، الدوار، الارتباك والتشوش، الاكتئاب والهلوسة .

ويقول البروفيسور آلان يونغ، رئيس مجموعة الصيدلة النفسانية في الكلية الملكية لاختصاصيي الأمراض النفسية بإنجلترا: إن عقاقير مجموعة Z لا تختلف كثيراً عن بينزو ديازيبينس، فعقاقير Z لا توصف للاستعمال اليومي كما كان الحال مع عقار الفاليوم، لكنها لاتزال توصف بحرية لمدة طويلة، ولانزال نعاني مشكلة لهذه العقاقير مع المرأة .

ويؤثر الأرق، الذي يُعرف بصعوبة الخلود للنوم أو صعوبة النوم لفترة طويلة تكفي للاستيقاظ بنشاط في الصباح التالي، وفقاً لدراسة أجرتها جامعة كيل في ،2007 في واحد من كل 3 أشخاص في مرحلة ما من مراحل حياتهم .

وقد وجد الباحثون أن المشكلة كانت ملموسة أكثر وسط النساء مقارنة بالرجال .

ويقول الدكتور ديف بانيرجي، استشاري اضطرابات النوم في ويست ميدلاندز بالمملكة المتحدة، إن الأرق يمكن أن يكون مقترناً بالقلق والتوتر أو بالألم . ومن يعانون اضطرابات النوم تكون حياتهم، في الأغلب، مثقلة بمشاغل حياتية كثيرة ومرهقة، ويناضلون للمواءمة بين عملهم وأسرهم .

ويضيف: إن هؤلاء يرزحون تحت وطأة ضغط كثيف لكي يكونوا متوافرين للعمل 24 ساعة في اليوم، ويراجعون بريدهم الإلكتروني قبل أن يأووا لفراشهم، وعندما يستلقون في أسرّتهم لا يتمكنون من النوم لأنهم لا يملكون أي وقت فراغ يسترخون فيه .

وفي العامين الأخيرين ازدادت وصفات العقاقير المنومة زيادة هائلة في الدول الغربية، بالرغم من الإرشادات والتحذيرات التي تصدرها السلطات الصحية من التأثير السلبي لهذه العقاقير في الصحة، وفرض قيود على تداولها، ومناداتها باستعمال علاجات للأرق بديلة للعقاقير كالعلاجات السلوكية الإدراكية، وتقنيات الاسترخاء والتغييرات في نمط الحياة وأساليب المعيشة متى كان ذلك ممكناً .

ويقول الخبراء إن العقاقير المهدئة والمنومة يفترض ألا توصف إلا في الحالات الحادة وللاستخدام على المدى الزمني القصير لمدة ترواح بين أسبوعين و4 أسابيع، وهذا بسبب مخاطر معاودة أو ارتداد الأرق، حيث يبدأ الدماغ في التعود - وعدم التأثر - بالعقاقير، وبذلك تبدأ معاناة المريض مع عدم النوم مرة أخرى، ويصبح بحاجة إلى زيادة الجرعات لكي يتمكن من النوم . وعلى الرغم من التوجيهات والإرشادات التي أصدرتها السلطات المسؤولة في بريطانيا، لايزال الأطباء يصفون عقاقير Z لفترات زمنية طويلة، وبحسب تقرير لكلية كينغر اللندنية، كانت الوصفات الطبية لعقاقير Z، لدى 20% من المرضى، لمدة 8 أسابيع أو أكثر .

ويقول البروفيسور يانغ إن عقاقير Z قد تكون علاجاً مفيداً قصير المدى للأرق، لكننا لانزال نرى وصفاتها تستمر وتتابع ولا تُراجع، لكنها لا تعمل في الآجال الزمنية الطويلة، وإذا استعملت بهذه الطريقة تصبح أخطارها أكبر من منافعها . ويقول الدكتور مارتن جونسون، أمين جمعية أصدقاء المرضى، إن عقاقير Z لا ينبغي أن توصف باعتبارها نمط العلاج الأول للأرق .

وينصح الأطباء بتقييم الأسباب التي تؤدي إلى مشكلات النوم مثل الإكثار من القهوة التي تحتوي على الكافيين أو التدخين قبل وقت النوم .

ويضيف: ثمة مشكلة كبيرة أخرى تتمثل في تكرار وصفات العقاقير المنومة وعدم مراجعتها بانتظام، وأنا أقول ذلك وأنا أدرك أن من يعانون اضطرابات وقلة النوم، يكونون في غاية الإحباط وبحاجة ملحة إلى المساعدة، ولذلك يرزح الأطباء تحت وطأة ضغط ثقيل يضطرهم للسعي لإراحة المرضى .

ويقول الدكتور بانرجي إن خطر الإدمان حاضر بقوة، ويضيف: كثير من مرضاي جربوا عقاقير Z أو لايزالون يستخدمونها وهم يرغبون في هجرها، ولكن الاستغناء عن هذه العقاقير يمكن أن يكون صعبا .

وفي عام 1997 تلقت سو باركر (55 عاماً) عقار زوبيكلون - ولاتزال تتعالج به - وهي تعاني معاودة الأرق الحاد .

وتقول باركر: حينما وصفت لي العقاقير في المرة الأولى لم أكن أنام لأنني كنت مجهدة، ومتوترة، وقلقة بشأن عملي، إضافة إلى معاناتي انهيار زواجي الأول . وقد قيل لها إن زوبيكلون سيساعدها على النوم وسيعينها على مقاومة أعراض النكوص والانسحاب الناجمة من أدوية علاج القلق .

وتقول سو باركر: لطالما كانت حياتي مرهقة ومزدحمة، كنت أسعى دوماً لإنهاء كل أسبوع بنجاح، إذ قال لي شخص ما إن عقار زوبيكلون مماثل لالفاليوم، كنت سأسخر منه، وفي البداية كان هذا العقار رائعاً، فقد كنت أنام جيداً وأشعر بسكينة وهدوء وكنت أكثر تماسكاً وسيطرة خلال اليوم .

ولكن شيئاً فشيئاً تسارعت حاجة سو لجرعات أكبر، وهي تعلق على ذلك بقولها: بعد ثلاثة أشهر بدأت أعاني الأرق مرة أخرى، وبات تركيزي مشتتاً للغاية، وفي النهاية اضطررت إلى ترك عملي . وبحلول العام الماضي، أصبحت مضطرة لابتلاع 8 عقاقير - عيار 5 .7 ملغم - في منتصف الليل لكي أحصل على أي قسط، ولو ضئيل جداً، من النوم، وهذه الجرعة تعادل 7 أضعاف الجرعة اليومية التي يوصي بها الأطباء .

وتقول سو: حتى بهذه الجرعة الهائلة، لم أكن أتمكن من النوم إلا 4 ساعات يومياً كحد أقصى وفي أفضل الأحوال، كنت قلقة ومتخوفة من آثار العقاقير، لكنني لم أكن أتحمّل الاستغناء عنها، ولحسن الحظ أعانني طبيبي الجديد على تقليص الجرعة تدريجياً لتصل إلى 4 حبات، وأنا أرغب في التخلص نهائياً منها، لكنني أناضل لأنني حزينة بسبب وفاة زوجي الثاني في مارس/ آذار الماضي . وتضيف: بسبب العقاقير المنومة تحولت من سيدة ناجحة في عملها ومنفتحة، إلى امرأة متقوقعة ومنعزلة لا تستطيع أن تعمل، فالعقاقير التي وصفت لي لمعالجة مشكلة نوم قصيرة الأجل، جعلتني أسوأ عشرة أضعاف ودمرت حياتي . ويقول إيان ميلتون، الذي يعمل في مشروع تموله هيئة الخدمات الصحية البريطانية ويهدف إلى مساعدة من يعانون مشكلات نوم: إنهم يتلقون مكالمات من كل أرجاء بريطانيا من أشخاص يعانون إدمان العقاقير المنومة، التي أصبحت جحيماً بالنسبة إليهم، ومع ذلك لايزال الأطباء ينظرون لعقاقير Z باعتبارها بدائل آمنة، وهي ليست كذلك .

ويقول جيم دوبين، عضو مجلس العموم البريطاني والذي يرأس مجموعة تحارب إدمان العقاقير المنومة: ثمة ثقافة سائدة تقول إن أي شخص لديه اضطرابات نوم أو قلق، توصف له العقاقير المنومة فوراً .

هذه العقاقير أنفقت شركات الأدوية إنفاقاً هائلاً لتسويقها، وهي تريد جني العائد على استثماراتها وإنفاقها التسويقي .

ويقول متحدث باسم وزارة الصحة البريطانية: الحكومة مصممة على تقليل الإدمان على العقاقير المنومة، ويجب على الناس أن يقرأوا نشرة وصف الدواء وإرشادات استعماله التي تكون داخل علبة العقار جيداً، وينبغي عليهم أن يتبعوا التعليمات ويتصلوا بطبيبهم أو بصيدلاني فوراً إذا كانت تساورهم مخاوف بشأن أية آثار جانبية ناجمة عن أدويتهم .

وقد كانت كاثي من المحظوظات لأنها تمكنت من الاستغناء عن العقاقير المنومة في ظرف عام . وهي تقول: أصبحت حياتي أقل توتراً منذ أن بدأت أعمل من المنزل، لكنني لا أزال أواظب على أخذ حبة عندما لا أتمكن من النوم بسبب ليلة سيئة أعاني فيها مشكلة ما . أما سو باركر فلاتزال تأخذ أربعة أضعاف الجرعة الموصى بها بعد 14 عاماً من وصف عقار زوبيكلون لها .

وتقول سو: أرغب فقط في تحذير النساء من مخاطر عقاقير Z - التي توصف وتقدم باعتبارها بديلاً آمناً، لكنها بناءً على تجربتي قابلة للإدمان بشدة وخطرة .

الآثار السلبية

تتضمن الآثار الجانبية المحتملة لعقاقير Z:

- فقدان حاسة التذوق .

- النعاس .

- الدوار والغثيان .

- القيء .

- جفاف الفم .

- الصداع .

- الإسهال .

الهلوسة .

أعراض الانسحاب السيكولوجي:

- الأرق .

- القلق .

- فقدان الشهية .

- الارتعاش والرجفة .

- التعرق .

- طنين الأذنين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"