العراق.. حكومة «كلاكيت» ثالث مرة

00:53 صباحا
قراءة 5 دقائق

د. أحمد سيد أحمد *

بعد أن فشل المرشح لرئاسة الوزراء محمد توفيق علاوي في الحصول على الثقة في البرلمان؛ بعد أكثر من تصويت؛ نتيجة لرفضه من قبل الكتل السياسية، وكذلك من الشارع العراقي، واعتذاره عن المنصب، قام رئيس الجمهورية برهم صالح للمرة الثانية باستخدام صلاحياته وفقاً للمادة (76 )من الدستور بترشيح عدنان الزرفي لمنصب رئيس الوزراء، لتعود عملية تشكيل الحكومة العراقية إلى المربع الأول.
هل ينجح الزرفي هذه المرة في نيل الثقة في البرلمان، وتشكيل حكومته أم يظل العراق يراوح مكانه في طريق مسدود؟
عدنان الزرفي، ممثل محافظة النجف في البرلمان، ومحافظها السابق، وزعيم تكتل «النصر» في البرلمان، والذي يترأسه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، يواجه مواقف متباينة ما بين الرفض والقبول والتأييد والتحفظ، مما قد يهدد فرص نجاحه في تشكيل الحكومة.
فالكتل الشيعية السياسية الرئيسية في البرلمان؛ وهي: تكتل «الفتح» بزعامة هادي العامري، و«ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، وتكتل «تيار الحكمة»، برئاسة عمار الحكيم، رفضوا ترشيح الزرفي؛ باعتباره خرقاً للدستور من قبل رئيس الجمهورية؛ حيث من المفترض وفقاً لوجهة نظرهم أن يكون المكلف برئاسة الحكومة من جانب الكتلة الأكبر في البرلمان، ويعد تكتل «الفتح» هو التكتل الأكبر، كما تتهم تلك الكتل الزرفي بتحالفه مع الولايات المتحدة، وعمدت تلك الكتل السياسية إلى التحرك على الأرض؛ لإجهاض ترشيح الزرفي في البرلمان، والقيام بالتنسيق فيما بينها؛ للحشد ضده؛ حيث قامت بتشكيل لجنة سباعية من الكتل الشيعية؛ لإبلاغ رئيس الجمهورية برهم صالح برفض ترشيح الزرفي، كما قامت أيضاً بترشيح 3 أسماء جامعية، باعتبار أنها شخصيات مستقلة لترؤس الحكومة المقبلة، كبدائل عن تكليف عدنان الزرفي. الكتل الشيعية الرئيسية تريد أن تتولى هي ترشيح رئيس الوزراء الجديد؛ وذلك لكي يستجيب لمطالبها وشروطها سواء في اختيار الوزراء أو في برنامجه الحكومي، وعدم مساسه بنظام المحاصصة الطائفية الذي ساد العراق منذ سنوات؛ ولذلك فإن رفض تلك الكتل لترشيحه قد يزيد من صعوبة مهمته في نيل الثقة داخل البرلمان، ويلقى مصير علاوي.


مؤيدون للزرفي


لكن في المقابل يلقى الزرفي التأييد من قبل العديد من الأطراف، والتي يمكن أن تساعده في تجاوز العقبات السابقة التي أدت إلى فشل توفيق علاوي، سواء في البرلمان أو في الشارع السياسي العراقي، فقد تلقى الزرفي التأييد من قبل الأطراف الخارجية؛ حيث أيدت ممثلة الأمم المتحدة في العراق اختيار عدنان الزرفي، وطالبته بتشكيل حكومة وطنية تعبر عن كل العراقيين، وهو ما اعتبر تأييداً أممياً لمصلحة الزرفي، كما تدعمه الولايات المتحدة، كذلك يحظى الزرفي بتأييد العديد من الدول العربية. وداخلياً فإن تكتل «سائرون» بزعامة مقتدى الصدر، صاحب العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية، قد أعلن تأييده للزرفي أو على الأقل عدم الاعتراض عليه، كما فعلت كتلة «الفتح»، كما أنه يحظى بدعم كتلة «النصر» في البرلمان كذلك بدعم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي والكثير من القوى السنية في البرلمان، إضافة إلى تزايد تأييد الكتل السياسية الكردية في البرلمان في ظل شروط معينة، خاصة فيما يتعلق بالموازنة ورواتب موظفي كردستان، وكذلك أن يكون هناك دور للكتل الكردية في اختيار بعض الوزراء في الحكومة، وكل هذه العوامل قد تساهم في أن يجتاز الزرفي اختبار التصويت في البرلمان في نيل الثقة؛ حيث إن أصوات «سائرون» إضافة إلى أصوات الكتل السنية والكردية قد تساعده على نيل الثقة، على الرغم من اعتراض الكتل السياسية الأخرى عليه، خاصة تكتل «الفتح».


تباين الشارع العراقي


ساهم رفض الشارع العراقي لمحمد توفيق علاوي على الرغم من تبنيه لمطالب الشارع في إسقاطه إلى جانب رفض الكتل السياسية كلها له؛ لكن الشارع العراقي تتباين مواقفه تجاه الزرفي ما بين التأييد والرفض، فالرافضون يعدون أنه جزء من الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، والتي يتهمونها بالفساد، ويحملونها المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع، ومن ثم يريد الشارع شخصية سياسية مستقلة من خارج تلك الطبقة السياسية، وفي المقابل هناك بعض القطاعات في الشارع العراقي التي تريد إعطاء الفرصة للزرفي، خاصة أنه تبنى مطالب المحتجين، خاصة فيما يتعلق بإنهاء المحاصصة الطائفية، وحصر السلاح بأيدي الدولة، ومحاكمة المسؤولين عن قتل المتظاهرين، وكذلك محاربة الفساد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهذا ما قد يساعد في تمرير حكومة الزرفي، خاصة أن العراق الآن يشهد متغيرات جديدة وأبرزها انتشار فيروس «كورونا» في البلاد، وفرض حالة الحظر الصحي وحظر التجول في أنحاء البلاد، وهو ما انعكس في تراجع حدة الزخم السياسي للتظاهرات والاحتجاجات في المدن العراقية، كما أن خطر «كورونا» وتراجع أسعار النفط بشكل كبير قد يساعد في تمرير حكومة الزرفي.


تحديات كبيرة


العراق لم يعد يتحمل استمرار حالة الفراغ السياسي منذ استقالة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وفشل تشكيل حكومة جديدة، في ظل تزايد التحديات والمخاطر أمام العراق سواء؛ بسبب «كورونا» أو بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية.
فتداعيات «كورونا» الصحية والاقتصادية آخذة في التزايد، وهذا يفرض على النخبة السياسية العراقية ضرورة التوافق على رئيس الوزراء الجديد؛ لكي يقود العراق في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة، ولمواجهة التحديات الكبيرة، وأبرزها: استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية؛ وتراجع الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه نظيفة ومستشفيات.
فالقطاع الصحي في العراق هش وغير قادر على مواجهة تفشي مرض «كورونا»، كما أن تراجع أسعار النفط لأقل من 25 دولاراً للبرميل ينذر بعواقب وخيمة وتناقص حاد في الموارد العراقية، خاصة أن البلاد تعتمد بشكل أساسي في مواردها على تصدير النفط، وهذا بدوره سينعكس في قدرة الحكومة العراقية على تلبية احتياجات المواطنين الأساسية.
الزرفي في حالة تمرير حكومته، وعلى الرغم من الصعوبات الكبيرة أمام تحقيق ذلك، فإنه سيرث إرثاً كبيراً، على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، خاصة فيما يتعلق بتحدي نزع أسلحة الميليشيات، وحصر السلاح في يد الدولة، أو تحدي إنهاء المحاصصة الطائفية في ظل رفض الكتل السياسية لذلك، أو تحدي محاربة الفساد مع تزايد وتيرته وحدته داخل البلاد، أو تحدي إجراء انتخابات مبكرة ومدى جاهزية البلاد لذلك، أو تحدي تحقيق التوازن بين نفوذ القوى الخارجية، خاصة إيران والولايات المتحدة، يضاف إلى كل ذلك تحدي «كورونا» الذي أدى إلى إعادة ترتيب الأولويات والأجندة العراقية؛ حيث بات هذا الخطر يتطلب وحدة الصف العراقي والتكاتف بين الجميع؛ من أجل مواجهته؛ لكن يظل التحدي الأكبر قبل كل ذلك هو تمرير حكومة الزرفي، وتجنب مصير توفيق علاوي، ويصبح «كلاكيت» في ثالث مرة فشل.

* خبير العلاقات الدولية في «الأهرام»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"