فيلم أردني وملصق

ضوء
06:13 صباحا
قراءة 4 دقائق

يحتوي ملصق الفيلم الأردني الروائي الطويل الجديد أسماك فوق سطح البحر للمخرج حازم بيطار، على صورة لسمكة زينة حمراء موجودة في إناء زجاجي صغير، فيما الإناء موضوع على أرضية طرف شاطئ يمتد من ورائه بحر ساكن، هو البحر الميت الموجود في غور الأردن، الذي سمي كذلك لأنه، كما هو معلوم، لا حياة فيه، وفي أسفل طرفي الصورة من اليمين ومن اليسار يظهر وجهان متباعدان لشخصين مغرقين في صمت حزين، هما بطلا الفيلم . تصميم الملصق جميل ومعبر، وفي حين قد لا يكون الملصق، أي ملصق، معبراً بالضرورة عن فحوى الفيلم، إلا أنه هنا يشف عن حساسية وجمالية خاصة يتضمنها الفيلم .

يتناول الفيلم موضوعاً معاصراً راهناً يرتبط بصميم المشكلة الوطنية التنموية، ويتعلق بالاستغلال الذي مارسه المتنفذون والأثرياء في العاصمة لسكان وأراضي منطقة الغور المحيطة بالبحر الميت، فصادروا لمصلحتهم خيرات الأراضي وحرموا مزارعي الغور الفقراء من أيه فرصة لتحسين أوضاعهم .

انطلقت فكرة معالجة هذا الموضوع من كتاب أكاديمي صدر بالإنجليزية وترجم مختصراً للعربية يبحث في العلاقة بين أغنياء العاصمة الأردنية عمان وفقراء الغور . استفاد المخرج من هذا الكتاب كما من خبرته الخاصة وخبرة العاملين معه بأوضاع سكان الغور، فالمخرج سبق له أن أقام ورشات تعليمية مجانية عدة لأبناء المنطقة في مجال التقنيات الرقمية نتج عنها مجموعة أفلام قصيرة، فيما الممثل الرئيسي ربيع زريقات يدير منذ سنوات مشروعاً تعاونياً خيرياً في المنطقة بمشاركة أبنائها هو مبادرة ذكرى، أما الممثل الرئيسي الثاني عبدالله الدغيمات فهو من أبناء المنطقة، وكان أحد الذين شاركوا في الورشات التعليمية .

هذه الخبرات المشتركة هي ما سمح لمخرج الفيلم ببناء فيلمه من دون سيناريو مسبق وإخراجه وتصويره بطريقة الارتجال، لكن لا الارتجال العشوائي بل الارتجال القائم على وضوح الفكرة ووضوح الهدف وبساطة الحكاية وأصالتها، ما أدى إلى تماسك ومتانة السرد والبنية الدرامية للفيلم ومصداقية معالجة تصرفات ودواخل الشخصيات، وبالتالي مصداقية المضمون .

تبدأ حبكة الفيلم من حوار صريح وعميق يجري بين شاب من أسرة ثرية ومحامي العائلة يتبن له منه أن والده المتوفى حديثا ترك له إرثاً مثقلاً بالديون ومنزلاً مرهوناً وأنه بات مفلساً تماماً ولا حل أمامه إلا السفر إلى الغور حيث يوجد منزل ريفي كان يملكه الأب ويستطيع الابن بيعه والاستفادة من ثمنه لتسديد قيمة الرهن على منزل العائلة الفاخر في العاصمة عمان .

بعد أن يستأجر الابن غرفة في فندق شعبي وسط المدينة، يتوجه بسيارته إلى الغور حاملاً معه ما يثبت ملكيته لمنزل الغور وإناء زجاجياً تعيش سمكة حمراء وسط المياه فيه، وهي الملكية الوحيدة التي بقيت له من إرث والده، وفي الغور سيكتشف أن ثمة شاباً يسكن في المنزل ويدعي ملكيته له، هنا تتخذ الحبكة منحى جديداً من خلال علاقة صداقة إنسانية تنشأ بين الاثنين، فيقيم الابن في المنزل ضيفا على ابن الغور ويشاركه على مدى أيام في نشاطاته اليومية، ومن خلال هذه العلاقة يكتشف أن والده وجده جمعا ثروتهما من استغلالهما لأهالي المنطقة .

لا يؤدي هذا الاكتشاف إلى حل ميلودرامي تصالحي بين الاثنين على طريقة النهاية السعيدة، بل يتطور وفق صيغة الانقلاب الدرامي ليقود الحدث نحو خديعة يمارسها الابن على مضيفه الكريم الخصال ابن الريف الأصيل الطيب البريء النية ينجح من خلالها الابن في رهن منزل الغور واسترداد منزله في العاصمة، فيما يتحول ابن الغور الذي يصرح لضيفه الذي يحاول إقناعه بالبحث عن فرصة عمل في العاصمة، بأنه مثل السمكة لا يستطيع العيش خارج أرضه، إلى بائع للصحف في شوارع العاصمة بعد أن فقد حقه في منزل الغور .

خلال عملية السرد هذه التي تطلبت تنقل الأحداث بين العاصمة وريف الغور ينجح المخرج في تقديم صورة حقيقية نابضة بالحياة للبيئة المحلية سواء في وسط العاصمة الشعبي الطابع المكتظ بالناس والأبنية، أو في الريف ذي الطبيعة الهادئة، صورة يزداد تأثيرها بسبب العناية بجماليات التصوير وليس فقط بواقعيته .

لا يخلو الفيلم، وعلى رغم جدية الموضوع وعمق المشاعر فيه، من بعض الحوارات والتفاصيل الحدثية التي يبدو فيها ميل للسخرية، وهو ميل لا يبدو مقحماً على النص، بل تبرره المفارقات العديدة التي ترافق العلاقات بين الشخصيات، إضافة إلى مفارقات الوضع العام، بحيث تبدو السخرية منسجمة من الموضوع والفكرة .

ينتمي الفيلم إلى السينما المستقلة بحق، وذلك ليس فقط لأنه جرى إنتاجه بجهود تطوعية من قبل الطاقم المشترك فيه، وبخاصة المخرج الذي أعد السيناريو وصور الفيلم وقام بعمليات المونتاج، بل تحديداً لأنه بدا كفيلم مستقل في اختياره لموضوعه وفي مضمونه، بعيداً عن أي مساومات أو استحقاقات تمليها ظروف التمويل والتوزيع، وهيئات الدعم الدولي ولجان تحكيم المهرجانات .

سبق للمخرج أن حصل على الجائزة الأولى من مهرجان أبوظبي السينمائي ضمن مسابقة الأفلام القصيرة عن فيلمه المشهد، وهو فيلم من عشرين دقيقة جرى تصويره بلقطة واحدة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"