عبدالله حمصي: كوميديا اليوم مهزلة وإسفاف

نصف قرن من العطاء المسرحي والتلفزيوني والسينمائي
03:03 صباحا
قراءة 7 دقائق

في السادسة من عمره، اعتلى عبد الله الحمصي، المعروف فنياً ب#187;أسعد#171;، خشبة المسرح في مدرسة الزهرية الرسمية للصبيان في طرابلس . لم يكن أحد يتوقع لهذا الطفل أن يشق طريقه الفنية، خصوصاً أنه ابن بيئة تعتبر الممثل #187;مشخصاتياً#171;، بحسب وصفه، وهي صفة غير محمودة لحاملها .

ولأن هواية التمثيل كانت تدغدغ أحلامه وهو الذي شارك منذ الخامسة من عمره بكل الأعمال التمثيلية المدرسية، الى جانب تقليده لأصوات الباعة المتجولين وحركاتهم، وتقديمه لمسرحيات على أسطح البيوت، وجد فيه شقيقه الأكبر ممثلاً أو مشروع ممثل، ولذلك أخذه الى فرقة #187;النفير#171; التابعة لكشافة #187;الجراح#171; التي كان يقودها الفنان#187;صلاح تيزاني المعروف ب #187;أبو سليم#171;، الذي تشارك واياه في إنشاء فرقة #187;كوميديا لبنان#171; عام ،1957 ومعاً ألفا الأعمال المسرحية وعرضها على أحد مسارح طرابلس .

عن هذا الماضي وإنجازاته خلال نصف قرن، تحدث أسعد ل#187;الخليج#171; في هذه السطور التي تحمل الكثير من الذكريات .

أخبرنا عن بداياتك؟

منذ الخامسة من عمري عشقت الفن والرياضة . ومارست رياضات عدة خصوصاً رياضة كمال الأجسام، وفزت عنها ببطولة الشمال عام ،1955 وحصدت في السباحة ميدالية في مسابقة من القلمون إلى الميناء بمسافة أخذت ثلاث ساعات ونصف الساعة . هويت صيد البحر والبر ولعبة طاولة الزهر واهتممت بالفولكلور وبالتراث، فتعلمت السيف والترس وتابعت الزجل اللبناني، المعنّى والعتابا والميجانا وغيرها . بدأت مشواري الفني عام ،1952 وكنت في 15 من عمري، كممثل مسرحي في فرقة كشافة الجراح الفنية، بقيادة الفنان صلاح تيزاني وهمي زرع البسمة على وجوه الشماليين منذ انطلاقتي، إلى أن أسهمت في تأسيس فرقة خاصة باسم فرقة #187;كوميديا لبنان#171; برئاسة تيزاني، وذلك عام ،1957 وتنقلت الفرقة على مسارح الشمال . ورغم عملنا في فرقة #187;كوميديا لبنان#171; فإننا بقينا نقدم لفرقة #187;كشاف الجراح#171; حفلة واحدة في كل عام في سينما #187;الروكسي#171; التي هدمت فيما بعد، وكانت المسرحية آنذاك تستغرق منّا ستة أشهر لإنجازها .

كيف دخلت عالم التلفزيون والسينما؟ وكم عملاً فنياً لبنانياً قدمت؟ وكم حلقة تلفزيونية وعروضاً مسرحية؟

بعد ثلاث سنوات من عملي مع فرقة #187;كوميديا لبنان#171; احترفت الفن وذلك عام ،1960 من خلال #187;القناة السابعة#171; في تلفزيون لبنان، وأطللت على الجمهور اللبناني بشخصية #187;أسعد القروي#171; اللبناني الشمالي، ناقلاً طيبة وأخلاق هذا الإنسان، وأضفيت حالة النسيان على هذه الشخصية لأعطيها بعداً كوميدياً مميزاً . عام ،1966 جاء الفنانان عوني المصري وعبدالكريم عمر وحضّرا لنا عملاً في مسرح مدرسة #187;الفرير#171; بطرابلس، وهما كانا من الرعيل الذي نشر الفن اللبناني في البلاد العربية . فنصحا أعضاء فرقتنا بالذهاب الى #187;تلفزيون لبنان#171; الذي كان قد انطلق حديثاً فاتحاً أبوابه للفنانين . ذهبنا، وقدمنا #187;المسافر#171; وبعد نجاح العرض، طلبت منا إدارة التلفزيون مواصلة تقديم العروض بالشخصيات التي أحبها الجمهور . بعدها صارت الفرقة تقدم عملاً مباشراً على الهواء تحت مسمى فرقة #187;أبو سليم الطبل#171; الاسم الرسمي الذي رافق أعمال الفرقة حتى اليوم، وكانت الفرقة مؤلفة من 27 عنصراً، وتضم أبو سليم، فهمان وأمين وجميل وأبوالشباب وغيرهم . . وكانت المرأة ممنوعة من التمثيل، فكان بعض الممثلين يأخذون أدوار النساء حتى أبو سليم وفهمان لعبا دور امرأة .

في عام ،1967 أشركني الأخوان رحباني في فيلم #187;سفر برلك#171;، وبعدها شاركت في فيلم #187;بنت الحارس#171; عام 1971 بدور الحارس صالح إلى جانب فيروز ونصري شمس الدين . ثم أيقنت أن على الفنان تدعيم موهبته بالعلم لأنّه عندما يسعى الممثل إلى تجسيد شخصية معينة، يجب أن يدرسها ويفهمها . فكان مرجعي عالم النفس فرويد، درست أعماله وغصت في كتبه لأزيد خبرتي وثقافتي وتعمّقي في النفس البشرية، وأيقنت أن المعنى الموجز للفن هو رسالة، فنحن صحيح نضحك الناس، ولكن دائماً هناك نصيحة ومغزى ورسالة من وراء مانقدمه .

أين تجد نفسك أكثر في المسرح، أو السينما أو التلفزيون؟ وهل أثرت الأحداث اللبنانية بكم كفنانين لبنانيين؟

أجد نفسي في المسرح، لأنه يغني عن الكل، في المسرح نجني مباشرة النجاح أو الخسارة . وطبيعي جداً أن تؤثر الأحداث اللبنانية سلباً في الفن اللبناني وقد أعادته 20 سنة إلى الوراء، وأدخلت أناساً على الشاشات ليس مكانهم الأصلي وليست مهنتهم التمثيل، أما نحن كفرقة فلم نتوقف عن العمل بل بقينا نعمل في قلب الأحداث، وكانت الصعوبة فقط بالتنقل من مكان إلى آخر .

ماذا تتذكر من ذكريات ومواقف طريفة حصلت معكم؟

يضحك ويقول: ذكرياتي مع أبو سليم كثيرة والمعروف أنني أنسى ولكنني أريد أن أقول للناس إنني لو كنت أنسى بحقّ، لما كنت نجحت بالفن، لأن الفن يحتاج إلى ذاكرة قوية وحفظ نصوص ومراجعتها، وعلى الفنان أن يكون حاضر الذهن دائماً . مرة كان أبو سليم يقدم مسلسلاً من 20 حلقة مباشرة على الهواء ولكن بالخطأ استبدلت الصفحة 3 بالصفحة ،17 وعندما وصل أبو سليم إلى هذه الصفحة كأنه وصل إلى الصفحة 17 أي إلى آخر التمثيلية، وكان آنذاك يمثل مباشرة على الهواء، كما كان هناك مهندسون فرنسيون في مبنى التلفزيون يحضرون العرض . ومع أنني كنت خارج الكادر، دخلت الى أبو سليم من دون استئذان، مدعياً أنه دوري، ومتلبساً موقف النسيان، وقلت له #187;قولك أنا ليش جاية لعندك؟#171; وفي هذه المعمعة، أدرك اللعبة، ومن أجل تغطية الخطأ، انتفض وقال لي #187;أنت شو جايه تعمل الله معك يللا#171; . عند ذاك، سمعت المصور يقول لي #187;برافو أسعد#171;، فسأله الفرنسيون فيما بعد ماذا فعل هذا الفنان؟ فأخبرهم أنني صححت الخطأ خلال التمثيل، وأعطوني نتيجتها جائزة 175 ليرة لأنني سددت ثغرة كبيرة، وحتى أنا لا أنسى هذه اللحظة الناجحة من عملي الفني، وأضحك كلما ذكرتها .

رغم مشاركتك في العديد من الأعمال الفنية والسينمائية والمسرحية، لم تتخلّ عن فرقة أبو سليم في معظم الأعمال التي قدمتها في التلفزيون وضمن المسرح الجوال، لماذا؟

بقيت مع أبو سليم وفرقته في معظم الأعمال التي قدمتها في التلفزيون وضمن المسرح الجوال، لأننا تربينا مع بعضنا بعضاً، وعشنا فترة طويلة بالحلوة والمرة، كما يقال، يجب أن لا نتخلى عن بعضنا . أنا يهمني أن هذه الفرقة التي تربينا وكبرنا فيها وانتشر اسمي من خلالها أن تدوم وتكبر، وإذا اليوم عادت لتعمل مثل السابق فأنا أول من يعود إليها ولن أتخلى عنها أبداً .

ما الذي سيورثه أسعد لأبنائه وأحفاده؟ وكيف فقدت أرشيفك؟

سرق أرشيفي من بيتي في حي أبي سمرا خلال الأحداث والمعارك التي كانت تدور في طرابلس عام ،1986 حتى الأفلام والوثائق والتسجيلات . حاولت أن أستعيد بعضها من تلفزيون لبنان، لكن ما جمعته في حياتي من أموال مضروبة بعشر مرات، لن يكفي ثمناً لها . أما الأرشيف الباقي في مقر #187;فرقة الفنون الشعبية#171; فقد احترق بفعل القصف الذي طال هذا النادي في إحدى المعارك التي عاشتها المدينة .

ما نظرتك إلى الفن اليوم؟ وما رأيك بما يقدم على شاشاتنا من أعمال كوميدية؟ ومن الفنان الكوميدي الذي يعجبك اليوم؟

كان التعب أكبر ولكن اليوم عندي مسؤولية أكثر من الأول في أن أظل محافظاً على العطاء ومحبة الناس لي . الفنان يجب أن يظل يعطي أكثر مما يأخذ . اليوم لم يعد هناك كوميديا . . الناس كانوا يضحكون على ما نقدمه لأن عملنا جمع الكوميدي والتراجيدي، فكانت النكتة تخلق معنا ولا نمثل حرفياً بنص مكتوب كما هو اليوم، بل أي كلمة تأتي على ذهننا نقولها عفوياً، وكنا نقدم على هذه الطريقة في التلفزيون على الهواء مباشرة ولا نستطيع أن نصحّح أي خطأ، أما اليوم فإن أخطأ أحد الممثلين، يستطيع أن يعيد المشهد أكثر من مرة . فنانو الكوميديا في الأمس يمثلون لكن الكوميديا لا تمثّل، لذلك معظم من يقدم برامج كوميدية في يستعملون الكلمات البذيئة أو التي تخدش الحياء لإضحاك الناس . سابقاً كان هناك تلفزيون واحد، والناس كانوا ينسون مشكلاتهم اليومية عندما يشاهدوننا، ومن النصوص التي كنا نقدمها نوجه رسالة وعظة . واليوم أصبح الأمر كله بيد المنتجين وليس هناك فرقة تعمل وتجتهد، إنما لا يخلو الأمر من فنانين مميزين مثل جورج خباز هذا الفنان المحترم لأنه لا يستعمل الكلمات البذيئة للنكتة، بل عنده روح النكتة، إضافة الى فنانين من طرابلس كموفق جليلاتي وسلطان ديب وسليم جوهر وهم يعملون بالفن وببرامج متجددة إلى اليوم .

كيف تلقيت نبأ وفاة الفنان محمود مبسوط #187;فهمان#171;؟

موت فهمان أثر في نفسي كثيراً، عندما تلقيت الخبر كنت جالساً مع أصدقاء وكانت علبة السجائر أمامي وكنت قد أوقفت التدخين منذ عشر سنوات . أخذت العلبة وعدت إلى التدخين . الموقف صعب، جداً وهو خسارة كبيرة، فأنا فقدت فيه الشقيق، وصديق العمر وحياتي كلها قضيتها معه .

هل مازلت ناقماً على تقصير الدولة بحق الفنانين القدامى؟

كنت أفكر دائماً أن أهم جائزة تقدير لي كفنان من دولتي هي ورقة ضمان، ورقة صغيرة للتمريض أو تأمين الدواء إذا احتجته أو لزيارة الدكتور أو دخول المستشفى، لكن ليس لدينا دولة أصلاً لننقم عليها . فالفنان يقدم زهرة عمره لبلده، وهذه الزهرة التي تذبل في آخر عمرها تصبح بحاجة إلى من يرويها . ونحن بحاجة إلى من يهتم بنا وإلى حبة دواء أو زيارة طبيب أو زيارة مستشفى، ولكن لا حياة لمن تنادي . تكفيني شهادة ومحبة الجمهور وكبار الفن والعمالقة .

إلامَ تطمح؟ وماذا في جعبتك من جديد؟

طموحي، كان ولايزال، إنشاء مسرح دائم ويومي في طرابلس، ولكن هذا الحلم لم يتحقق مع العلم أن اليأس لم يسيطر علي، وما استطعت فعله أنني أسست مع بعض فناني الشمال وأهل الثقافة #187;جمعية الفنون الشعبية#171; عام ،2004 ومن أهم أهدافها تنمية الحس الفني لدى الشباب، والعمل على إنشاء مسرح دائم في الشمال، وهي مازالت ناشطة في المدينة حتى اليوم . وجديدي ب#187;هالكبرة#171; التي اسمها جبة حمرة #187;المسرح التربوي#171; للأطفال وتلاميذ المدارس، كمسرحية #187;ركور الحرحار#171;، ومسرحية #187;عقلك بجسمك#171; . . من سلسلة حكايات #187;جدو أسعد#171;، تخاطب الأولاد حتى سن المراهقة، وهي من تأليف وإخراج توفيق عوني المصري، وتحكي قصصاً قريبة من مذاق الأطفال وتلامذة المدارس الذين ندعوهم للحضور إلى الرابطة الثقافية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"