الجدل البيزنطي و”تويتر”

02:37 صباحا
قراءة دقيقتين
عندما يتحدث أحدهم عن عقم شديد في الذائقة العربية بصفة عامة في عدة جوانب معرفية حياتية، فهو لا يجانب الصواب كثيراً، فلعل أهم ما بينته وأظهرته لنا مواقع التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" كل هذا الفقر المعرفي أولاً ثم السطحية في النظر لكثير من القضايا والهموم المجتمعية في عالمنا العربي، فضلاً عن سيطرة الهوى والميول عند تناول أية قضية .
الذي أظهرته لنا هذه المواقع إفلاس حقيقي يشمل حتى النخب مع الأسف، من دون تعميم أستثني قلة، لكن ما يحدث يومياً على مثل هذه المواقع من حوارات ونقاشات يجعلك في حيرة تامة، بل يذكرك بالقصة الشهيرة التي وقعت في الدولة البيزنطية، حيث يقال إن البرلمان كان يعقد جلسة مهمة بينما جيوش العدو تحاول دك حصون مملكتهم، هذه الجلسة لم تكن مخصصة لدعم الجيش البيزنطي وكيفية حماية أراضي البلاد، بل كانت للنقاش حول من الذي سبق على هذه الأرض البيضة أم الدجاجة .
أدرك أنه سيحدث لديكم ذهول وعدم تصديق، لكن الجيش البيزنطي تم هزيمته وتم احتلال البلاد من الأعداء، وهذا ما نقلته لنا كتب التاريخ وبسبب هذه الحادثة ظهر في العالم ما يسمى بالجدل البيزنطي، للدلالة على الحوارات العقيمة التي لا فائدة منها، بل هي تضييع وقت وجهد من دون طائل .
الذي يحدث في "تويتر" يومياً، وعلى كل "هشتاغ" هو تماماً مشابه لمثل هذا الجدل البيزنطي، فالعالم يتحرك ويموج بأحداث ومواقف ومن يتحدث ويكتب في عالم آخر تماماً، المحرك ليست الحقائق وليست الوقائع الماثلة أمام العين، بل هي الأكاذيب والاتباع الأعمى لهذه الفئة أو لذاك الحزب لا أكثر ولا أقل . ينعكس هذا الواقع المؤلم على حياتنا اليومية، وإن بدرجة أقل، حيث نلمس تسطيح واضح لفضيلة الحوار وقيمه، هذا التسطيح يأتي في عدة أوجه وأشكال مثل عدم الاهتمام برأي الذي يتحدث أمامك، أيضاً يمكن ملاحظته بعدم الاحترام، والاحترام لا يعني الاتفاق مع الطرف الآخر في الرأي، ولكن فهم وجهة نظرة ومقصده ومن ثم الرد عليها .
مجالسنا مع الأسف تغمرها اهتمامات هامشية ولا عمق فيها، وهذا يمكن تبريره والتماس بعض العذر له، لكن الذي لا يمكن فهمه هو أن تسمع شخصية عربية عرف عنها التأليف والكتابة وهو في عمر يؤهله ليكون موجهاً يتورط في سياق حوارات سخيفة سطحية لا قيمة لها، وينسى أننا بضغطة زر يمكن جلب أية معلومة ومعرفة مدى مصداقيتها .
لقد ولى الزمن الذي تم بيع الكلام فيه والضحك على الناس بقصص خرافية ونسج واقع من الخيال لا قيمة له سوى أنه يدعم آراء الشخص وما يريد تحقيقه . نريد من النخب العربية بصفة عامة أن تولي الحوار وقيمه أولوية وأن تكون القدوة في هذا السياق، الحوار البناء ينتج أفكاراً قوية ثرية للعقول والمجتمعات ويدفع للتقدم والتطور . . وهذا الذي نتطلع إليه في عالمنا اليوم .

شيماء المرزوقي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"