فقر الدم الخبيث يسبب الإرهاق المستمر

21:35 مساء
قراءة 6 دقائق
يعد فقر الدم الخبيث أحد اضطرابات المناعة الذاتية، ويُسمى في بعض الأحيان بفقر دم الخلايا الضخمة أو فقر الدم الوبيل، والذي ينتج؛ بسبب فشل الجسم في صنع ما يكفيه من خلايا الدم الحمراء. وتحدث هذه المشكلة؛ عندما يقوم الجهاز المناعي في الجسم بمهاجمة وتدمير الخلايا المخاطية في المعدة، ما يؤدي إلى عدم قدرة الجسم على تصنيع نوع من البروتين يُسمى بالعامل الداخلي أو العامل الجوهري، وغياب هذا البروتين يجعل الجسم لا يستطيع استيعاب وامتصاص فيتامين «ب12».
يحتاج الجسم حتى يمكنه تصنيع خلايا الدم الحمراء إلى توافر فيتامين «ب12» والعامل الداخلي، ونتيجة لغياب العامل الداخلي لا تستطيع الأمعاء امتصاص فيتامين «ب12» بالصورة الطبيعية المعتادة، وهذا يؤدي إلى خروج الفيتامين من الجسم على شكل فضلات.
ويتسبب نقص فيتامين «ب12» في أن تصبح كرات الدم الحمراء كبيرة أكثر من اللازم، وبالتالي تصبح هذه الخلايا غير فاعلة، ولا تقدر على مغادرة نخاع العظم حتى تدخل في مجرى الدم، ما يؤدي إلى انخفاض إنتاج كريات الدم الحمراء بشكل كبير، وهذه الخلايا من وظائفها حمل الأكسجين في الدم، ما يصيب المريض بالتعب والضعف العام من أقل مجهود.
نتناول في هذا الموضوع العوامل والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بمرض فقر الدم الخبيث، والأعراض التي تظهر على الشخص المريض، مع بيان طرق الوقاية الممكنة وطرح أساليب العلاج المعتادة والحديثة.

ضمور الخلايا الجدارية

يقوم الكبد بتخزين كميات كبيرة من فيتامين «ب12» وبالتالي لا تظهر أية أعراض لفقر الدم إلا بعد سنوات من توقف الجسم عن امتصاص هذا الفيتامين، ويصيب مرض فقر الدم الخبيث الرجال والنساء بأرقام متقاربة، وأغلب المصابين به من المسنين، وفي العادة من يتجاوزون الستين.
ويعد السبب الرئيسي في الإصابة بمرض فقر الدم الخبيث هو توقف الخلايا الجدارية عن إنتاج العامل الداخلي؛ وذلك عند إصابتها بالضمور، وتصاب الخلايا بالضمور؛ نتيجة الإصابة بمرض من أمراض المناعة الذاتية؛ حيث يتم إفراز المواد المضادة باتجاه خلايا جدار المعدة، فتصاب بالضمور، كما يتم إفراز أضداد للعامل الداخلي.
كما تلعب الوراثة كذلك دوراً في إصابة بعض الحالات؛ حيث تزداد نسبة حدوث الإصابة بسبب وجود قصة إصابة عائلية سابقة، ويمكن أن يحدث فقر الدم بالتزامن مع أحد أمراض المناعة الذاتية الأخرى مثل مرض أديسون والسكري من النوع الأول.
وتوجد أسباب أخرى تؤدي إلى نقص امتصاص فيتامين «ب12»، وتشمل التسمم بمواد تدمر بطانة المعدة، أو الحالات التي تحتاج إلى إزالة إجزاء من المعدة جراحياً أو إزالتها كلياً.
ويمكن أن يعود الأمر إلى إصابة الجهاز المعوي بعيوب هيكلية تؤدي إلى فرط نمو الجراثيم الطبيعية؛ حيث تستفيد هذه الجراثيم من فيتامين «ب12» في عملية النمو والتكاثر الخاصة بها، وكذلك تتغذى أنواع من الديدان المعوية على فيتامين «ب12» وهو ما يصيب المريض بفقر الدم.
وتؤدي الاضطرابات التي تصيب الجزء الأول من الأمعاء المسمى باللفائفي إلى نقص في امتصاص فيتامين «ب12» مسبباً حدوث هذه المشكلة المرضية.

اللسان الأحمر

يعتاد مريض فقر الدم الخبيث على الشعور بالتعب؛ لأن تفاقم وتطور المرض يكون بطيئاً، وبالتالي فإن المريض لا يستطيع التعرف إلى الأعراض بشكل سريع ومباشر.
وترتبط الأعراض التي يصاب بها مريض فقر الدم الخبيث بنقص كريات الدم الحمراء، وهي المسئولة عن حمل الأوكسجين إلى أعضاء الجسم المختلفة.
ويعاني المريض بسبب ذلك شعوراً عاماً بالضعف يشمل التعب والدوخة، ويعاني بعض حالات من هؤلاء المرضى من الإحساس بالصداع، ويمكن أن يكون الجلد شاحباً أو لونه مصفر.
وتتعدى الأعراض إلى القلب فيسمع صوت رنين في الأذنين، ويصبح معدل نبضات القلب سريعاً، ويحدث تضخم في القلب، وبالفحص يظهر صوت شاذ بالقلب، مع المعاناة من ألم بالصدر.
وتصيب أعراض المرض الجهاز الهضمي، فيصير لون اللسان أحمر متوهجاً، ويكون مؤلماً، مع إصابة المريض بحالة من فقدان الشهية ويصاحبها انخفاض واضح في الوزن ومشكلة الإسهال.
تصاب بعض الحالات بأعراض عصبية، ومنها على سبيل المثال أن يقوم المصابون بالمشي بطريقة غير مستقرة، ويصابون بتصلب وضيق في العضلات، ويصيب أعصاب الذراعين والساقين الضرر، مع شعور بآلام متدرجة في الحبل الشوكي، ويمكن أن يصاحب هذه الأعراض العصبية فقدان للذاكرة.

صورة شاذة

يحتاج المريض نتيجة معاناته الأعراض السابقة إلى الحصول على استشارة طبية؛ حيث يجري الطبيب فحصاً بدنياً للمريض، فيستمع إلى دقات قلبه، ثم يبحث عن أي علامات تدل على تضخم في الكبد أو تلف الأعصاب، ويمكن أن يجري اختبارات للقدرة على المشي والحالة النفسية.
يكتشف الطبيب من خلال فحص الدم وجود كريات دم حمراء كبيرة، وهي صورة شاذة لها، وتكون الأشكال الناضجة منها، والتي تسمى بالخلايا الشبكية قليلة العدد، وربما أيضاً يقل عدد صفائح الدم البيضاء.
وتكون كمية فيتامين «ب12» منخفضة في مجرى الدم بصورة ملحوظة، ويمكن أن يطلب الطبيب معرفة وجود أي تلف في جدار المعدة، ويتم ذلك من خلال الخزعة التي تتضمن عينة من خلايا المعدة؛ حيث يتم فحصها تحت المجهر للبحث عن أي ضرر بها.

سرطان المعدة

يمكن أن يؤدي التأخير في علاج فقر الدم الخبيث إلى عدد من المضاعفات، وعلى سبيل المثال يمكن أن تحدث مشاكل في القلب؛ حيث تضعف عضلة القلب، ويكون هناك عدم انتظام لضربات القلب وتضخم في القلب، وتصدر أصوات من القلب تعرف بالنفخة القلبية.
ويمكن أن تصبح بعض أعراض الجهاز العصبي دائمة، ويجب الانتباه إلى أن مريض فقر الدم الخبيث عليه متابعة حالته باستمرار وبشكل دوري مدى الحياة، وحتى عند تحسن أعراض المرض؛ حيث يزداد خطر الإصابة بسرطان المعدة.
وكانت دراسات سابقة أظهرت وجود علاقة بين الأضرار في جدار المعدة، والإصابة بفقر الدم الخبيث وسرطان المعدة، ويتم هذا الأمر بزيارات منتظمة، وإجراء الخزعات القادرة على التحقق من بدايات الإصابة بالسرطان.

حقن وحبوب

يعتمد علاج مرض فقر الدم الخبيث على تعويض المريض عن النقص الذي يعانيه في فيتامين «ب12»، ويتم ذلك عن طريق تناول مكمل غذائي من هذا الفيتامين حتى يعود معدله إلى الوضع الطبيعي أو قريب منه.
ويصف في المعتاد الطبيب المعالج حقنة من فيتامين «ب12» يأخذها المريض يومياً من أجل زيادة كمية المخزون بالجسم، ثم تقل الكمية فتصبح حقنة كل أسبوع، ثم مرة كل شهر وتستمر مدي الحياة دون توقف عند تحسن الحالة.
وينصح الطبيب بعض الحالات في بداية العلاج بالحد من النشاط البدني حتى تعود مستويات الفيتامين إلى الوضع الطبيعي، كما يمكن أن يطلب الطبيب إجراء تغيير في النظام الغذائي القائم بالفعل؛ وذلك من أجل الحصول على كمية كافية من الفيتامينات اللازمة للشفاء من هذا المرض.
يمكن كذلك أن يصف الطبيب بدلاً من الحقن جرعات منتظمة من المكملات الغذائية على صورة حبوب أو مواد هلامية أنفية أو بخاخات، غير أن هذه الأشكال يجب أن يتناولها المريض يومياً، ومن الأفضل في حالة النسيان أن يبقى على الحقن. ويجب على المريض في حالة تناوله الحبوب إجراء فحص دوري للدم من أجل التأكد من أنه يحصل على كمية كافية من هذا الفيتامين، ولا يتعاطى المريض هذه الحبوب وهو مطمئن أنها سوف تقوم بدورها في زيادة الفيتامين، فلابد من التأكد بالفحص حتى يقرر الطبيب استكمال العلاج بهذه الطريقة، أم الأفضل سيكون الحقن بهذا الفيتامين.

خريطة انتشار المرض

تشير الإحصائيات الحديثة إلى وجود خريطة لتوزيع مرض فقر الدم الخبيث، حيث ينتشر بين مواطني دول شمال أوروبا والأمريكان الأفريقيين بشكل أكبر، في حين تقل نسبة انتشاره في دول جنوب أوروبا وآسيا.
وكان السر وراء تسمية هذا المرض بالخبيث لأنه كان يعتبر مرضًا مميتًا في الماضي، وذلك بسبب عدم توافر العلاج في السابق والآن يتوافر العديد من الأدوية لعلاج هذه المشكلة.
ويعود كذلك استخدام الأطباء للحقن في علاج هذا المرض إلى أنه عند اكتشاف أسباب فقر الدم الخبيث وعلاجه في عشرينيات القرن الماضي كانت الدلائل تشير إلى أن الحبوب لن يكون لها مفعول الحقن نفسه.
ينصح الأطباء المصابين بهذه المشكلة بزيادة تناول كميات الأطعمة الحيوانية، حيث تحتوي على كميات أكبر من فيتامين «ب12»، ومن هذه الأطعمة اللحوم وعلى الأخص الكبدة، والأسماك ومنتجات الألبان والدجاج.
ويجب أن يتوقف المصاب عن التدخين وتناول الكحول، ويفيد المريض في هذه الحالة دعم الأقارب المستمر، حيث يقلل هذا الأمر إلى حد كبير من مدة فترة العلاج.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"