النبي لأمته: «استوصوا بالنساء خيراً»

من هدي الرسول
04:12 صباحا
قراءة 6 دقائق
محمد حماد

جاء الإسلام ليؤكد على حقيقة أن النساء شقائق الرجال، وساوى بينهما في إخوة النسب البشري: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وهي ليست مساواة بين الجنسين، بل هي أعمق من ذلك؛ حيث ساوى الخالق- عز وجل- بينهما بالمعنى الإنساني، قال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
وكذلك كانت المساواة في العمل وفي الجزاء عليه كما جاء في قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ).
ويؤكد النبي- صلى الله عليه وسلم- على المساواة العادلة بين النساء والرجال في أصل الخلقة بقوله: «إنما النساء شقائق الرجال».
وضرب الله- تعالى- ببعض النساء التقيات العابدات المثل في الصلاح والتقوى، قال تعالى: ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ القانتين).

ماشطة ابنة فرعون

وحكى لنا نبينا الكريم ما رآه في رحلة الإسراء والمعراج مما أعده الله- تعالى- لماشطة ابنة فرعون، تلك المرأة التي ثبتت على إيمانها ووثقت بما عند ربها، فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لما كان الليلة التي أسرى بي فيها أتت علي رائحة طيبة فقلت يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها. قال: قلت: وما شأنها ؟ قال: بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم إذ سقطت المدرى من يديها فقالت: بسم الله. فقالت لها ابنة فرعون: أبي قالت: لا ولكن ربي ورب أبيك الله. قالت: أخبره بذلك؟ قالت نعم. فأخبرته فدعاها فقال يا فلانة وإن لك رباً غيري؟ قالت: «نعم ربي وربك الله. فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها قالت له: إن لي إليك حاجة. قال: وما حاجتك؟ قالت أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا. قال: ذلك لك علينا من الحق. قال: فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحداً واحداًَ إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع وكأنها تقاعست من أجله قال يا أمه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فاقتحمت».
قال ابن عباس: «تكلم أربعة صغار، عيسى ابن مريم عليه السلام وصاحب جريج وشاهد يوسف وابن ماشطة ابنة فرعون».

نماذج مبهرة

وحملت لنا كتب السيرة نماذج مبهرة لصحابيات جليلات، كان من بينهن أم المؤمنين خديجة
-رضي الله عنها- أول من آمنت بدعوة النبي- صلى الله عليه وسلم-، وأن أول من استشهد دفاعاً عن هذا الدين كانت امرأة وهي الصحابية الجليلة، سمية بنت خياط، زوجة ياسر، وأم عمار رضي الله عنهم، وأول من فقدت بصرها في سبيل الله زنيرة رضي الله عنها، وفاطمة بنت الخطاب التي أجرى الله عليها هداية أخيها عمر بن الخطاب- رضي الله عنه، والذي كان إسلامه فارقاً وقوة لهذا الدين.
والسبعون الأوائل الذين دخلوا الإسلام كان منهم سبع وثلاثون امرأة؛ ثلاثون من الحرائر وسبع من الإماء، بل في بيعة العقبة الثانية التي حضرها ثلاثة وسبعون رجلاً من الأنصار حرصت النساء على حضور تلك البيعة المباركة، فكانت معهم أم عمارة نسيبة بنت كعب، وهي التي خرجت يوم أحد مع زوجها زيد بن عاصم بن كعب ومعها سقاء تسقي به المسلمين، فلما انهزم المسلمون انحازت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت تذب عنه بالسيف، وقد أصيبت بجراح عميقة، كما كانت معهم أسماء ابنة عمرو من بني سليمة.

يوم للنساء

ومن تقدير النبي- صلى الله عليه وسلم- للنساء واعترافاً بأهمية وعظم دور المرأة في الحياة أنه خصص لهن يوماً يعلمهن فيه أمور الدين، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك فوعدهن يوماً لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن: «ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار»، فقالت امرأة: واثنين فقال: «واثنين».
وأجار النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أجارته أم هانئ، وكانت يوم الفتح قد أجارت رجلين، فأدخلتهما بيتاً، وأغلقت عليهما باباً، فجاء علي بن أبي طالب فتفلت عليهما بالسيف، وفي الحديث عن أبي مرة، مولى أم هانئ بنت أبي طالب، أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول: «ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره، قالت: فسلمت عليه. فقال: من هذه؟» فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب. فقال: مرحباً بأم هانئ. فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثماني ركعات، ملتحفاً في ثوب واحد، قلت: يا رسول الله، زعم ابن أمي أنه قاتل رجلاً قد أجرته: فلان بن هبيرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ. وفي رواية قال: «قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت».
ووقف نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم مع حق المرأة في اختيار شريك حياتها، والحديث روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن فتاة دخلت عليها. فقالت: إن أبى زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته (فهو أدنى منها حالاً ومكاناً)، وأنا كارهة. قالت اجلسي حتى يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها، فقالت يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء من الأمر شيء.

معززة مكرمة

لقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ وخير الناس خيرهم لأهله كما قال صلى الله عليه وسلم، فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة، وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ وفي بيت الزوج أوجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها.
وإذا كانت أماً كان برها مقروناً بحق الله تعالى وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة عن فضل الأم وبرها معروفة، ويكفي أن نسوق هنا الحديث الذي رواه معاوية بن جاهمة السلمي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال: «ويحك أحية أمك ؟» قلت: نعم قال: «ارجع فبرها» ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال: «ويحك أحية أمك» قلت: نعم يا رسول الله قال: «فارجع إليها فبرها» ثم أتيته من أمامه فقلت يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال: «ويحك أحية أمك؟» قلت نعم يا رسول الله قال ويحك الزم رجلها فثم الجنة».
ولا عجب بعد ذلك أن نجد الرسول- صلى الله عليه وسلم- يوصي بالنساء في آخر وصية له في حجة الوداع فيقول: «ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم من تكرهون، ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن، وطعامهن».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"