عبدالسلام درويش رئيس مركز الإصلاح الأسري في محاكم دبي:

وجوه من الإمارات
12:48 مساء
قراءة 7 دقائق

عبدالسلام محمد درويش المرزوقي رئيس مركز الإصلاح الأسري في محاكم دبي كان صاحب فكرة إنشاء هذا المركز، على غرار المراكز الموجودة في دولة الكويت، وقد حقق المركز نجاحاً كبيراً حيث انخفضت نسبة الطلاق في دبي من 42% إلى 21% الأمر الذي جعل عدداً من الدول العربية تسعى لنقل هذه التجربة المتميزة إليها، وتطلب الاستعانة بالخبرات الإماراتية في هذا المجال.

ويرى درويش الذي يحن إلى زمن بساطة وهدوء القلوب - كما يقول - أن المؤسسات الاجتماعية المختلفة في الدولة تحتاج إلى خطة واضحة معتمدة من الدولة تسير على هداها في حفظ الاستقرار الأسري.

وفي الحوار التالي نتعرف المزيد من آرائه حول المشكلات الأسرية، ونلقي الضوء على جوانب مختلفة من مسيرته العلمية والعملية.

عدم فهم الزوجين لدوريهما أكبر مشكلة تواجهنا في عملنا

أين كان مولدك؟ وما الذي تتذكره من نشأتك الأولى؟

ولدت عام 1970 بدولة الكويت لوالدين إماراتيين، وكان الوالد، حفظه الله تعالى، قد انتقل للعمل بدولة الكويت ضمن من انتقلوا إليها في الخمسينات من القرن الماضي، وكان يعمل بوزارة الدفاع، وقد ظللت هناك حتى التحقت بالصف الخامس الابتدائي حيث جئت إلى الدولة عام ،1980 أما أبرز ما يعلق بذهني من تلك الفترة فهو بساطة الحياة، فالحي كله لا الأسرة أو العائلة فقط كان مترابطاً، والناس كلهم إما أقارب أو معارف، ولا يكاد يوجد غريب في المنطقة كلها، فإذا ما وجد فلكأن هناك شيئاً جديداً مختلفاً، كما أنني أذكر إمام المسجد وكيف كان حريصاً على أن نحفظ القرآن الكريم، وهو لا يتوانى في سبيل ذلك عن أن يخبر الوالد كل حين بمستواي وما وصلت إليه، وكذلك الجيران الذين كنا نعرفهم واحداً واحداً، وقد كان حضورنا مجالس الكبار، في ذلك الوقت، شبه إلزامي، ونحن لا نزال في الصف الثالث أو حتى الثاني الابتدائي فقط، وكنا نحضر المناسبات المختلفة من فرح وحزن وما إلى ذلك ولا نتسمر أمام التلفزيون كما يفعل صغار اليوم.

ألمحُ في كلماتك حنيناً إلى تلك الفترة الماضية؟

أحن إلى بساطة وهدوء القلوب، فلم نكن نجد لا حقداً ولا غلاً ولم يكن هناك تنازع مع الجيران، بل كنا نطلب من بعضنا الأشياء البسيطة من دون حرج أو كلفة، والجميع يهتم بصغار الآخرين، كما كانت مكانة المدرس لدينا ونحن صغار كبيرة جداً.

فترة خصبة

ماذا عن حياتك العلمية؟

بعد انتقالنا للإقامة بالدولة أكملت تعليمي الابتدائي في مدرسة الجاحظ ثم بمدرسة الإعدادي شرحبيل بن حسنة بدبي ثم التحقت بمدرسة أحمد بن حنبل الثانوية بالشارقة عام 1989 واخترت التخصص العلمي، وقد حرصت خلال تلك الفترة على تنمية قدراتي، لا في مجال الدراسة فقط، وإنما في الإذاعة المدرسية كما كنت خطيباً على منابر الشارقة في تلك الفترة.

ولتأثري ببعض المعلمين الذين درسوني أحببت هذه المهنة فالتحقت بعد ذلك بكلية التربية في جامعة الإمارات رغبة مني في أن أكون معلماً بالرغم من أنني حصلت على الثانوية العامة عام 1985 في الشعبة العلمية، وكنت قد حصلت على منحة لأدرس وأعمل في مجال هندسة الطاقة الشمسية، على أن تكون دراستي في أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية، وبناء عليه فقد استشرت واستخرت ثم التحقت بكلية التربية، وكانت فترة دراستي الجامعية فترة خصبة حتى تخرجي إذ كنت عنصراً نشطاً في اتحاد الطلاب مع استمراري في الخطابة ويكفي أنني كنت أقود منتديً صيفياً تابعاً للمنتدى الإسلامي في الشارقة به أكثر من 600 طالب، وهذا نمىّ كثيراً من قدراتي، بخاصة أننا كنا ننظم رحلات للعمرة لمئات الطلاب، وفي تلك الفترة أديت فريضة الحج والحمد لله، فقد كان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله يرسل الطلاب للعمرة على مدار العام، وللحقيقة فإنني في مرحلة الدراسة تعلمت حتى كيف أتحدث في المؤتمرات العامة في مختلف الموضوعات والآن لم تعد هناك حتى ثقافة عامة لدى شبابنا، فقط ثقافتهم هي ثقافة المنهج الدراسي، للأسف، وقد كنت وأنا طالب في الجامعة أحب أن أستفيد حتى بحضوري مساقاً لأحد الأساتذة مع طلاب فرقة أعلى مني، وذلك لشدة حرصي على أن أحصل تعليماً جيداً مثمراً.

تثقيف ذاتي

ماذا عن استمرار تلك الرغبة في تحصيل العلم وخدمة المجتمع بعد تخرجك في الجامعة؟

تقدمت عقب تخرجي إلى وزارة التربية والتعليم وأجريت اختبارات العمل كمعلم، وتم قبولي معلماً للتربية الإسلامية وكانت توصية اللجنة الممتحنة أن أكون معلماً بالمرحلة الثانوية مباشرة، وقد بقيت معلماً لمدة عامين أصبحت بعدهما موجهاً، ومن هنا بدأت أهتم بقضايا الأسرة واستقرارها بشكل عام، والخلافات الزوجية وبدأت أثقف نفسي في هذا المجال بالتحديد وبخاصة أنني كنت أعلم أن هناك هيئة للإصلاح الأسري والقضايا الزوجية في دولة الكويت الشقيقة، وفي عام 1996 قدمت أوراقي لأكون مأذوناً شرعياً في الشارقة، وبدأت أقدم استشارات أسرية مع بعض المراكز، وهذا مع كوني خطيباً إلى جانب تقديمي لبرنامج مودة ورحمة على تلفزيون الشارقة، وقد أحببت هذا المجال حتى أنه صار يستغرقني في المحاضرات إلى جانب المقال الأسبوعي الذي كانت تنشره لي جريدة الخليج.

التوجيه الأسري

وما السبب المباشر الذي دفعك إلى العمل في مجال التوجيه الأسري؟

كان دافعي المباشر هو قراءتي لإحصائية في عام 2000 تقول إن نسبة الطلاق في الدولة وصلت إلى 42% فرحت أتساءل: لماذا؟ ولماذا لا ننشئ مراكز للتوجيه الأسري على غرار تلك التي في دولة الكويت؟ وكنت موجهاً آنذاك، وعضواً في لجنة المناهج وتقدمت بالمشروع إلى المحاكم، وكنت في تلك الفترة أنتظر إجازة دراسية للحصول على الماجستير، وقد تأخرت الموافقة على مشروع إنشاء مركز للتوجيه الأسري، وفي شهر يوليو/ تموز من عام 2000 جاءت الموافقة بعد حصولي على منحة الماجستير فاستشرت واستخرت، ووفقني الله تعالى لأن أكون رئيس مركز الإصلاح الأسري بمحاكم دبي حتى صدور قانون الأحوال الشخصية في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2005 بتعميم مراكز الإصلاح الأسري على مستوى الدولة، وقد نجحنا إلى حد كبير في الحد من نسبة الطلاق في دبي فقد انخفضت من 42% إلى 21% الآن، ونسبة الحالات التي تم حلها ودياً 63% أما تلك التي ذهبت إلى القضاء فهي 37% فقط.

ومما يدعو للفخر أن تجربتنا طلبتها كل المحاكم الخاصة بشؤون الأسرة في الدولة، كما أن عدداً من الدول هي قطر والسودان وفلسطين والأردن والبحرين والسعودية طلبت خبراءنا في نقل التجربة إليها.

المشكلة الكبرى

ما أكبر مشكلة تواجهكم اليوم في التوجيه الأسري؟

أكبر مشكلة تواجهنا هي الأمية الأسرية، للأسف الشديد، فلا يكاد يخلو بيت من المشكلات، ولكن حينما يتعلق الأمر بعدم فهم الزوج والزوجة لدوريهما في الأسرة فتلك مشكلة كبرى بخاصة أن رب العزة سبحانه وتعالى يقول وليس الذكر كالأنثى.

من هنا كانت أهمية الاقتراح بوجود رخص القيادة الزوجية؟

بالتأكيد.. ولنا في تجربة ماليزيا الأسوة، فقد تقدمنا بهذا الاقتراح منذ عام ،2007 وحينما الزم مهاتير محمد الراغبين في الزواج بالحصول على تلك الرخصة انخفضت نسبة الطلاق من 32% إلى 17% فقط، وقد مرت علينا آلاف المشكلات الأسرية وجزء كبير منها يحل لو تم تثقيف الشباب بطريقة التعامل مع الزوجات.

ماذا عن المشكلات الأسرية التي يتعذر حلها؟

لا توجد مشكلة ليس لها حل، ولكن المشكلات التي تحولت إلى عقد شديدة وبخاصة ما يتعلق بمسائل القلوب مثل حالات الخيانة والعياذ بالله، يكاد حلها يكون متعذراً وهذا لا يمنع أن هناك حالات صعبة وفقنا الله تعالى في حلها بخاصة أن لدينا موجهين مدربين من النواحي الشرعية والقانونية والنفسية، ولا يفتقدون الأسلوب الجيد في الإقناع. وعموماً فإن الثقافة الأسرية ضعيفة وهذا يفرز الكثير من المشكلات.

هذا رغم وجود المؤسسات وتعددها؟

نعم، وذلك لأن أدوار هذه المؤسسات تحتاج إلى وضوح فلدينا اتحادات نسائية إضافة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية وصندوق الزواج وهيئة تنمية المجتمع في دبي، وجهود كل هذه المؤسسات كبيرة، ولكننا في النهاية نحتاج إلى منهج واضح في مجال الأسرة تسير عليه هذه المؤسسات مثلما يحدث في الخطة العامة بدبي على سبيل المثال، فكل دائرة تتقدم بمشروعاتها، والمجلس التنفيذي يتابع جميع هذه الخطوات، نريد تنسيقاً مشابهاً بما يتناسب مع خطة يجب أن توضع لحفظ الاستقرار الأسري، وتقليل نسبة الطلاق والحفاظ على الأبناء من المخدرات، أي أننا نريد خطة واضحة معتمدة من الدولة تسير على هداها جميع تلك المؤسسات.. لا أن يصير الأمر اجتهاداً شخصياً في النهاية.

عندما تكبر ستعرف

من هم أصحاب الفضل والتأثير في ما وصلت إليه؟

أحب أن أبدأ هذه المسيرة منذ البداية، فأنا لن أستطيع أن أرد جميل الوالد والوالدة في الحقيقة مهما فعلت ولا جزءاً من هذا الجميل حتى، وقد كان والدي يقسو عليّ صغيراً، ولم يكن جيراننا يفعلون ذلك مع أبنائهم فلما سألته: لماذا؟ قال لي: عندما تكبر ستعرف. وبالفعل عرفت الآن وعرفت وعرفت فتلك الشدة التي عاملني بها والدي لم تكن إلا اهتماماً شديداً بي، فالفترة التي كنت أقضيها في المسجد جالساً ما بين الصلاة والصلاة، أو حتى الذهاب إلى السوق كانت مزعجة بالنسبة لي، فلما كبرت علمت فائدتها وذلك لما حصلت على شهادات، وصارت لدي رغبة خدمة المجتمع بصورة أشد، وفي هذا فإن لوالدي جزءاً من فضل توجيهي إلى هذا المنحى.

ثم يأتي دور الأساتذة ثم زوجتي الفاضلة فكثيراً ما صبرت وهي تراني أسافر من مؤتمر إلى آخر إلى جوار أبنائي، ولولا صبرهم على تقصيري، أحياناً، لما وصلت إلى ما أنا فيه الآن، ولما نجحت في تحقيق الكثير من طموحاتي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"