أزمة بحر آزوف.. محدودة

03:24 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. نورهان الشيخ
 
أعلن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو بعد الحادث، فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً في بعض مناطق البلاد اعتباراً من 28 نوفمبر/تشرين الثاني، وفرض قيود على المواطنين الروس الموجودين في أوكرانيا، وكذلك على دخول المواطنين الروس من الرجال من سن 16 وحتى 60 عاماً إلى أوكرانيا، وقامت مجموعة من المحتجين الأوكرانيين برشق مبنى السفارة الروسية في كييف بالقنابل الدخانية. 
 كما أعلنت أوكرانيا عزمها فسخ نحو 40 اتفاقية وُقعت في وقت سابق مع روسيا. وعلى الفور بدأت القوات الأوكرانية قصفاً مكثفاً بالأسلحة الثقيلة لأحياء في جمهورية دونيتسك الشعبية المعلنة من طرف واحد في منطقة دونباس جنوب شرق أوكرانيا، وكأن الأخيرة مرآة تعكس حالة العلاقة بين موسكو وكييف.
 من ناحية أخرى، اتهمت روسيا، الجانب الأوكراني بتنفيذ عملية استفزازية مخطط لها وموجهة ضد موسكو. واعتبرت أن الحادث كان متعمداً من جانب أوكرانيا لدعم شعبية الرئيس الأوكراني، «المتدنية»، قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس/آذار من العام القادم، وإظهاره كرئيس قوي قادر على التصدي لروسيا مما يعزز من شعبيته في أوساط القوميين الأوكرانيين، حيث القاعدة الانتخابية الأساسية له. إلى جانب إعادة شحذ وتفعيل التأييد الأمريكي والأوروبي لبوروشينكو، الذي تراجع بشكل ملحوظ خاصة منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض. 
 وأوضحت موسكو أن سفناً حربية أوكرانية سبق أن عبرت مضيق كيرتش، الذي تسيطر عليه روسيا بالكامل بعد ضم القرم لها، في سبتمبر/أيلول الماضي دون أي مشاكل. وأن الإجراءات التي تتبعها روسيا في تفتيش السفن تأتي في إطار التخوف من استهداف جسر كيرتش، الذي افتتحه الرئيس بوتين في مايو/أيار الماضي ويربط بين روسيا والقرم، بعمل إرهابي قد يقوم به بعض المتطرفين الأوكرانيين. وفي مؤتمر صحفي عقده، في الأول من ديسمبر/كانون الأول، في ختام أعمال قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين، أشار الرئيس بوتين إلى أن قوات حرس الحدود الروسية اضطرت إلى استخدام السلاح لمنع انتهاك الحدود البحرية الروسية من قبل السفن الأوكرانية، وأنها تصرفت بناء على القواعد المتبعة دولياً في مثل هذه الحوادث. 
 على صعيد آخر، أعلنت موسكو نشر أنظمة صواريخ أرض جو جديدة من طراز «إس 400» في شبه جزيرة القرم بحلول نهاية العام، وبناء محطة رادار عالية التطور في شبه جزيرة القرم، خارج مدينة سيفاستوبل، مطلع عام 2019، لكي تكون بديلاً عن سابقتها السوفييتية القديمة «دنيبر»، وكانت روسيا تدفع ثمن استئجارها سنوياً للحكومة الأوكرانية، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وتوقفت اتفاقية الإيجار قبل ضم القرم لروسيا بعشر سنوات. ومن المفترض أن تكون المحطة الجديدة محطة رئيسية للإنذار المبكر، مشابهة في قدراتها العسكرية لرادار «فورونيج». 
 إلا أن ذلك لا يعني أن الأزمة ستخرج عن السيطرة وتتحول إلى «حرب شاملة»، كما أشار بوروشينكو الذي استنجد بدول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وخصوصا ألمانيا، ودعاها إلى نشر سفنها في بحر آزوف، دعماً لبلاده في الأزمة مع روسيا. ورغم أن الحلف استجاب لطلب أوكرانيا بعقد اجتماع طارئ لمناقشة الحادث يوم 26 نوفمبر، وعبرت دول الناتو عن «دعمها الكامل لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها»، ودعا الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج روسيا إلى الإفراج عن البحارة والسفن الأوكرانية الذين احتجزتهم البحرية الروسية، معتبراً أن ما حدث «أمر خطر جدا»، وأنه «لا يوجد أي مبرر لاستخدام القوة العسكرية ضد السفن الأوكرانية وطواقمها»، إلا أن الحلف لم يذهب أبعد من هذا، وليس من المنتظر أن يلبي دعوة بوروشينكو لما تنطوي عليه من تصعيد واستفزاز مباشر لموسكو غير مأمون العواقب.
 كذلك، ورغم أن القيادة الأوكرانية تسعى لنشر قاعدة عسكرية أمريكية في أوكرانيا، إلا أن ترامب لا يبدو متحمساً لهذه الخطوة في إطار سؤال أساسي مطروح حول من الذي سيمول مثل هذه القاعدة؟. يعزز هذا أيضا تأكيد ترامب على هامش قمة العشرين أن «علاقات جيدة جدا» تربطه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، وأن لقاء قمة جديدا بينهما سيعقد «في الوقت المناسب»، وكل ما أبداه ترامب هو «عدم إعجابه» بما حدث بين روسيا وأوكرانيا في مضيق كيرتش. صحيح أن مجلس الشيوخ الأمريكي، تبنى في 30 نوفمبر قراراً يدين «أفعال» روسيا في مضيق كيرتش، وكان ذلك عاملاً أساسياً وراء إلغاء لقاء بوتين ترامب الذي كان مقرراً على هامش قمة العشرين، والاكتفاء بلقاء عابر بينهما، إلا أن التوجه العام كان يميل أكثر لعدم التصعيد واحتواء الأزمة على الصعيد الأمريكي والأوروبي.
 ففي الوقت الذي أكد فيه رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، في تصريح على هامش قمة العشرين، قناعته بأن يمدد الاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، لا سيما بعد الحادث في مضيق كيرتش، وأن «تلتزم أوروبا بموقف واحد من دعم سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها»، وذلك خلال قمة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي سيترأسها توسك يوم 13 ديسمبر/كانون الأول المقبل. فإن عدداً من دول الاتحاد الأوروبي، من بينها فرنسا وألمانيا، لم تبدِ تحمساً لتشديد العقوبات ضد روسيا، وهي أميل لتسوية الأمر في إطار تفاوضي ودبلوماسي. ورغم أن الكرملين استبعد إمكانية أن تكون هناك أي وساطة بين روسيا وأوكرانيا لتسوية الوضع المتعلق بالحادث، انطلاقاً من أن الأمر ينطوي على انتهاك حدود الدولة، وتحقيق قضائي وإجراءات قضائية، إلا أنه تم الاتفاق بين الرئيس بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على هامش قمة العشرين على إجراء مفاوضات في إطار «رباعية نورماندي» التي تضم البلدين إلى جانب فرنسا وأوكرانيا والتي تعد المسار الرئيسي لتسوية الأزمة في أوكرانيا.
 لقد أصبحت الأزمة الأوكرانية من الأزمات المزمنة في العلاقات الروسية الغربية، وفي الوقت الذي تتطلع فيه كييف لدعم غربي قوي في مواجهة روسيا، تتجه أنظار الأخيرة إلى الانتخابات الرئاسية الأوكرانية أملاً في أن تحدث تغييراً يقلص من دور «حزب الحرب» في كييف ويعيد بعض الهدوء للعلاقات الروسية - الأوكرانية.
مع تصاعد الأحداث في بحر آزوف استحضرت قصيدة الأديب والشاعر الجزائري عبد القادر صيد «نوفمبر أكبر من شهر»، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2004 اندلعت الثورة البرتقالية في أوكرانيا، وفي نوفمبر 2013 تفجرت الأزمة الأوكرانية، وعلى مدى خمس سنوات ظلت النار كامنة تحت الرماد، حتى هبت الرياح وأعادت تأجيجها مرة أخرى في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 عندما احتجزت روسيا ثلاث سفن أوكرانية دخلت المياه الإقليمية الروسية في مضيق كيرتش بصورة غير قانونية، لتبدأ سلسلة من التصعيد من الجانبين.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"