المغناطيس اكتشفه راعي غنم اسمه ماغنس

01:30 صباحا
قراءة 5 دقائق
إعداد: محمد هاني عطوي

تروي الأساطير أن راعياً اسمه ماغنس، كان يرعى غنمه، فلاحظ أن طرف عصاه المصنوع من مادة حديدية ينجذب نحو بعض الحجارة كما لاحظ أن بعض المسامير علقت في حذائه، وكانت تتمسك بشدة بين حذائه والصخور السوداء، التي كان يقف عليها، فقرر حفر الأرض للعثور على مصدر الجذب، فوجد أكسيد الحديد الأسود، وهي مادة المغناطيس الطبيعي «Fe3O4»، وسُميت هذه الصخور فيما بعد باسم المغنتيت، كما سميت الحجارة باسم «الحجارة المغناطيسية»، نسبة إليه بعد أن اكتشفت هذه الظاهرة، ويعد حجر المغناطيس واحداً من اثنين من المعادن فقط، التي يتم العثور عليه ممغنطاً بشكل طبيعي؛ ويتمثل المعدن الآخر في البيروتيت، وهو معدن مغناطيسي ضعيف، والمعروف أن أكسيد الحديد الأسود يكون أسود اللون، أو أسود بنياً مع لمعان معدني، ويتمتع بصلابة، وفقا لمقياس موس لصلابة المعادن التي تبلغ 5.5-6.5.

الحقيقة أن العملية التي كان يتم من خلالها تكوين حجر المغناطيس منذ فترة طويلة، محل تساؤل مفتوح في الجيولوجيا، واكتشف أحد الأبحاث الحديثة، أنه ليست هناك إلا مجموعة متنوعة من أكسيد الحديد الأسود، التي تتمتع ببنية بلورية خاصة، وهي مزيج من أكسيد الحديد الأسود والماغمايت، حيث تتمتع بمقاومة تغييرات مغناطيسية كافية لتظل ممغنطة، وبالتالي تكون مغناطيساً دائماً، وتشير إحدى النظريات إلى أن أحجار المغناطيس تكون ممغنطة بواسطة المجالات المغناطيسية القوية المحيطة بصواعق البرق، وتدعم هذه النظرية الملاحظة التي تقول إن هذه الأحجار توجد في الأغلب على سطح الأرض؛ وليست مدفونة على عمق كبير.

وتقول بعض المصادر التاريخية إن إحدى أولى الإشارات إلى الخصائص المغناطيسية لحجر المغناطيس، جاءت من قِبل الفيلسوف اليوناني طاليس مليتوس، الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد، والذي يُرجع اليونانيون القدماء الفضل له في اكتشاف قدرة حجر المغناطيس على جذب الحديد وغيره من أحجار المغناطيس الأخرى، وفي الصين، توجد إشارة أدبية أولى للمغناطيسية في كتاب صدر في القرن الرابع قبل الميلاد، تحت عنوان: "كتاب قائد وادي الشياطين»، يقول: إن حجر المغناطيس يجعل الحديد ينجذب إليه"، وأول إشارة لانجذاب إبرة ظهرت عند الصينيين في عمل تم تأليفه ما بين عامي 20 و100 ميلادي، يقول: "حجر مغناطيس يجذب إبرة"، وبحلول القرن الثاني عشر، كان يتم استخدام بوصلة حجر مغناطيس للملاحة في الصين خلال القرون الوسطى. ومع ذلك، واستناداً إلى اكتشافه لقطعة أثرية من خام الحديد خاصة بشعوب الأولمك في أمريكا الوسطى، اقترح عالم الفلك الأمريكي جون كارلسون، أن «شعب الأولمك ربما يكون قد اكتشف واستخدم بوصلة الحجر المغناطيسي في وقت سابق قبل 1000 قبل الميلاد»، وإذا كان هذا صحيحاً، فإن هذا «يسبق اكتشاف الصينيين لبوصلة الحجر المغناطيسي بأكثر من ألف عام». ويرى كارلسون أن شعوب الأولمك قد استخدمت قطعاً مماثلة كأجهزة لتحديد الاتجاه لأغراض علم الضرب بالرمل، أو لتوجيه معابدهم، أوالمساكن التي يعيشون فيها، أو عند دفن موتاهم.

مقاطعة مغنيسيا

وربما تعود هذه التسمية إلى مقاطعة مغنيسيا (Magnesia) في آسيا الصغرى، بالقرب من تركيا، وذلك قبل 4000 سنة، حيث اكتشفت هذه الحجارة المغناطيسية لأول مرة، وقد أطلق اليونانيون على ذلك الحجر اسم الحجر العجيب، أو الحجر المعدني، وسمي فيما بعد باسم الحجر المغناطيسي، وكان يعرف باسم أكسيد المغنيسيوم، ووجدت بعض كتابات تعود إلى القرن الأول لكريتيوس وبليني الأكبر تقول: يوجد بالقرب من نهر السند حجر كامل يجذب الحديد إليه، وبعد اكتشاف هذا الحجر، تم البدء بسرد الخرافات الكثيرة كالقوى السحريّة، وقدرة الحجر الكبيرة على شفاء المرضى، والتخلص من الأرواح الشريرة، وجلب السفن المصنوعة من الحديد، واعتقد البعض أنّه السبب في ضياع السفن، عندما ترسو على البحر، وقد زعم أرخميدس أنه يمكن نزع المسامير المثبتة في سفن العدو بواسطة هذا الحجر، وهذا يساعد على غرقها، وتم استخدام اسم بديل لأكسيد الحديد الأسود، كحجر المغناطيس، أو حجر الرائدة، وقام الصينيون قبل نحو 4500 عام بتطوير بوصلة الملاح، وكانت العالم بيير دو ماريكور، أو بيير الحاج، الذي عاش في القرن الثالث عشر، أول من حاول فصل الخرافات عن الحقيقة، وذلك في عام 1269، حيث كتب كل ما كان معروفاً عن المنغنيت، وقد كتب رسالة علميّة مفصلة كان لها تأثير كبير في العالم ويليام جيلبرت (1544-1603)، الذي ألف بدوره رسالة عن Magnete، نشرت في العام 1600، وعن تطبيقاتها، وتطوير النظريات الأولى من المغناطيسية بعد أن أدرك في البداية أن الأرض مغناطيس عملاق، وذلك بسبب وجود نسبة الحديد الكبيرة فيه، واكتشف أنّ التسخين يساعد على فقدان المغناطيسيّة، والحقيقة أن الفضل في إدخال البوصلة المغناطيسية إلى أوربا في العصور الوسطى، يعود إلى العرب عن طريق إسبانيا (الأندلس)، وبذلك تمكن الأوربيون من تحقيق اكتشافاتهم الجغرافية والتجارية الكبرى خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر.

ولكن الفضل يعود إلى شارل أوغستين دي كولوم (1736-1806)، وسلسلته الشهيرة المكونة من سبعة رسالات، كتبها بين (1785-1791)، تشرح رؤيته حول قوانين تأثير الشحنات المغناطيسية وعلاقتها بالمسافة، إضافة بالطبع إلى دونيس بواسون (1781-1840)، الذي وضع نظرية المجال المغناطيسي، وخلال العام 1820، أثبت الدنماركيّ هانز كريستيان أورستد، أنّ المغناطيسية مرتبطة بالكهرباء، حين التيار الكهربائي في السلك يؤدي إلى انحراف إبرة البوصلة المغناطيسية، وكان الأسكتلندي جيمس كلارك ماكسويل الذي أسس الشك في العلاقات المتداخلة بين الكهرباء والمغناطيسية، وضع سلسلة من المعادلات البسيطة التي كانت أساس نظرية الكهرومغناطيسية اليوم، وقد وضع ماكسويل أفكاره في العام 1862، وبعد أكثر من ثلاثين عاماً وتحديداً في العام 1897، اكتشف طومسون الإلكترون، والجسيمات التي تعتبر أساسية جداً للفهم الحالي لكل من الكهرباء والمغناطيسية.

مغناطيس عملاق

ولعل أكثر ما يثير الاستغراب والدهشة حول موضوع المغناطيسية، هو أننا نعيش على سطح مغناطيس عملاق، فللأرض قطبان مغناطيسيان تماماً كالمغناطيس العادي، أحدهما شمالي، يقع في الجنوب الجغرافي للأرض، وآخر جنوبي، ويقع في الشمال الجغرافي للأرض، وتسمى المواد التي يجذبها المغناطيس بشدة مواد مغناطيسية، مثل المسامير الفولاذية، ومشابك الورق، وهي مواد في الأغلب مصنوعة من الحديد، والكوبلت، والنيكل، والكروم والمنغنيز والجادولينيوم وغيرها، ويطلق عليها أحياناً اسم المواد الحديدومغناطيسية، أو الفيرومغناطيسية، أما المواد غير المغناطيسية، فهي المواد التي لا تنجذب نحو المغناطيس، مثل النحاس والخشب والزجاج، وقد بيّنت التجارب أنه إذا استعملنا مغانط قوية جداً، فإن هذه المواد تتأثر تأثراً طفيفاً بها، وتصنف هذه المواد إلى قسمين: يسمى أحدهما المواد شبه المغناطيسية، أو بارا مغناطيسية، والقسم الآخر، يسمى دايا مغناطيسية، والمغناطيس الطبيعي، إذا علق تعليقاً حراً، بحيث تسهل حركته في مستوى أفقي، فإنه يتحرك إلى أن يستقر تمامًا في اتجاه الشمال والجنوب، المغناطيسيين، وهذا النوع ليس له شكل محدد أو شدة محددة، وقد استخدمه الناس قديما لصنع البوصلة، ولم تعد هناك أهمية عملية للحجر المغناطيسي في هذه الأيام، حيث تستخدم بدلاً منه مواد مغناطيسية صناعية منتجة من الحديد، أو من سبائك خاصة تعطي مغناطيسات قوية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"