أفغانستان.. حاضر دموي ومستقبل مجهول

02:58 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. رضا محمد هلال *

بعد مرور أكثر من شهر على توقيت إجرائها، وكثرة المطالب والضغوط؛ الهادفة إلى تأجيلها وفي بعض الأحيان منعها نهائياً، أجريت الانتخابات الرئاسية في أفغانستان في نهاية سبتمبر/أيلول 2019؛ حيث تنافس فيها نحو 14 مرشحاً في بلد يضم 9.6 مليون ناخب مسجل في نحو 5 آلاف مركز اقتراع قام بحمايتها نحو 100 ألف جندي أفغاني، بدعم جوي من القوات الأمريكية، على أن تعلن النتائج الرسمية في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
* أولاً، بيئة سياسية وأمنية غير مستقرة:
ربما تكون المرة الأولى في الممارسات السياسية بالدول النامية عموماً وفي الدول التي تمر بحالة من عدم الاستقرار وافتقاد الأمن الداخلي خصوصاً، التي تطرح بعض القوى والشخصيات السياسية - ومنها الرئيس السابق حامد قرضاي - مطالب بإلغاء الانتخابات واستمرار شغل منصب الرئاسة بالمناصفة بين عبدالله عبدالله وأشرف غني، رغم قيامها في السابق بالدعوة واستدعاء كافة الجهود الإقليمية والدولية للمضي قدماً في المسار السياسي الديمقراطي؛ باعتباره الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار، وتحجيم الخلافات السياسية، والحد من الصراعات المسلحة بين الحكومة الأفغانية والخارجين عليها.
وفي مواجهة الرأي السابق؛ تمسكت حركة «طالبان» بمطالبها رفض إجراء الانتخابات الرئاسية، وأية انتخابات أخرى سواء برلمانية أو محلية دون الوصول لاتفاق سلام وتقاسم للسلطة بينها وبين الحكومة الأفغانية باعتبار الحركة فصيل المعارضة الرئيسي، وتمثل الكتل البشرية المؤيدة له من الباشتون وسكان المناطق الشمالية والجنوبية نحو 35% من سكان أفغانستان؛ وحذرت قيادات الحركة، الحكومة الأفغانية من قيامها باستهداف المدارس ومقار التصويت بعمليات التدمير والتفجير، علاوة على عزمها فرض حظر التجول في المناطق والأقاليم الخاضعة لسيطرتها؛ لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم يوم الاقتراع.
وقامت الحركة بالفعل خلال الفترة بين نهاية أغسطس/آب ونهاية سبتمبر/أيلول 2019 بتنفيذ عدة عمليات عنف وإرهاب للناخبين وللقوات الحكومية الأفغانية استهدفت خصوصاً مراكز الاقتراع في أقاليم: كونار وغزنة وبكتيا وباروان وقندهار.
* ثانياً، استمرار الممارسات غير الديمقراطية:
شهدت هذه الانتخابات قيام بعض المرشحين المتمرسين في العمل السياسي بأفغانستان بإتيان بعض التصرفات والسلوكات التي تتنافى مع نزاهة وشفافية الانتخابات، وتشكل انتهاكاً صارخاً لمدونة السلوك الانتخابي التي قام كل المرشحين بالتوقيع عليها عند تقدمهم بطلبات الترشيح لخوض هذه الانتخابات؛ ويعد رئيس السلطة التنفيذية عبد الله عبد الله من أبرز المرشحين الذين قاموا بهذه الممارسات المرفوضة؛ حيث أعلن عقب بدء عملية فرز الأصوات في صبيحة اليوم التالي لعملية الاقتراع، فوزه في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، رغم تواصل عملية فرز الأصوات؛ وذلك اعتماداً على قيام بعض مندوبيه الحاضرين لعملية فرز الأصوات برصد تطور عملية حساب الأصوات التي أشارت إلى تصدره وحصوله على أغلبية الأصوات، وأعلن عن قيامه بالاجتماع مع فريق حملته الانتخابية لتشكيل الحكومة الجديدة في أفغانستان. وقبل أن تتسبب تصريحات عبد الله عبد الله في اندلاع صراع سياسي وعسكري يقوض العملية الانتخابية برمتها بادرت عدة جهات محلية ودولية بإعلان رفضها لمثل هذه التصرفات غير «العقلانية وغير الحكيمة» ؛ وفي مقدمة هذه الجهود محلياً ما قام به رئيس لجنة الانتخابات المستقلة حبيب رحمن نانج الذي اعتبر إعلان عبدالله سابقاً لأوانه، وأنه ليس من حق أي مرشح إعلان نفسه فائزاً؛ حيث ستقوم لجنة الانتخابات المستقلة بموجب القانون بإعلان هوية الفائز عند قيامها بنشر وإعلان النتائج الأولية في 18 أكتوبر/تشرين الأول.
ودولياً طالبت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني في بيان صحفي لها كافة المرشحين بالتحلي بضبط النفس وانتظار النتائج الأولية والنهائية التي تعلنها اللجنة الانتخابية. وجاءت ردود الفعل الأمريكية ممثلة في تصريحات مسؤولي السفارة الأمريكية في أفغانستان التي طالبت جميع المرشحين بانتظار نتائج الانتخابات التي ستخضع للتدقيق الشديد.
ويبدو أن حدة التصريحات وموجة الرفض الداخلي والدولي لهذه الممارسات غير الديمقراطية البالية التي عفى عليها الزمن كانت سبباً في توقف وتراجع عبدالله عبدالله وأنصاره عن تصريحاته، والاستعاضة عنها بتصريحات جديدة، تؤكد أن للجنة وحدها اختصاص وحق إعلان الفائز والخاسر، ودعوة فرق المرشحين الآخرين إلى احترام خيار الأمة والقانون وقواعد اللعبة.
مما سبق؛ نخلص إلى أنه على الرغم من كثرة أعداد المرشحين الذين تنافسوا فيما بينهم؛ للفوز بمعقد الرئاسة، والذين بلغ عددهم 14 مرشحاً، ووقوع بعض الحوادث والعمليات العسكرية ل«طالبان» التي قامت بها في شمال وجنوب أفغانستان ونجاحها في إغلاق أكثر من 500 مركز انتخابي بولاية قندهار وعزوف نحو 70% من المواطنين عن المشاركة بالتصويت فيها إما خوفاً من تهديدات الحركة، أو تشكيكاً في وقوع عملية تزوير واسعة وكبيرة لأصوات الناخبين، إلا أن الإصرار على إجراء الانتخابات يمثل إنجازاً لدولة تسعى لتحقيق الاستقرار المؤجل، ورغم العدد الكبير من المرشحين، ينظر إلى الانتخابات الرئاسية على أنها سباق ثنائي بين عبدالله عبدالله والرئيس أشرف غني، وهي رابع انتخابات رئاسية تنظم منذ طرد «طالبان» من السلطة في 2001.
ويعد أحد رهانات الاقتراع انتخاب رئيس يتمتع بشرعية كافية، ليصبح المحاور الأساسي في مفاوضات سلام محتملة مع «طالبان».
ويحتاج المرشّح للحصول على أكثر من 50 في المئة من الأصوات؛ للفوز من الدورة الأولى، وإلا تجرى دورة ثانية بين المرشّحين الحائزين أعلى نسبة من الأصوات في نوفمبر المقبل.
السياسيان غني وعبدالله خصمان لدودان وسبق أن تنافسا في اقتراع عام 2014 في انتخابات شهدت مخالفات خطرة، إلى حد أن الولايات المتحدة فرضت على كابول استحداث منصب رئيس السلطة التنفيذية لعبدالله.

* باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"