الأمراض الصدرية المزمنة.. القاتل الصامت

01:20 صباحا
قراءة 7 دقائق
تحقيق: راندا جرجس
تُعد أمراض الرئة عبارة عن اضطرابات تصيب الجهاز التنفسي في جسم الإنسان، كما أنها تتسبب في منع الحصول على ما يكفي من الأوكسجين اللازم، وهي عديدة ومتنوعة، يعانيها الكبار والصغار على حد سواء، وهناك الكثير من الأمراض الصدرية التي تحدث بعد الإصابة بنزلات البرد، وتتطور لأمراض الجهاز التنفسي المزمنة، نتيجة عدم الاهتمام والالتزام بالعلاج بشكل فعّال، ويعد التدخين من أهم المسببات الرئيسية في الإصابة، وفي هذا التحقيق نتعرف إلى نوعين من الأمراض الصدرية الخطرة، وسبل علاجها وطرق الوقاية منها.
يقول الدكتور مرهف حلبي، مختص أمراض الصدر والجهاز التنفسي، إن الانسداد الرئوي المزمن هو عبارة عن تحدد بالهجوم التنفسية عند المريض، وقلة تدفق الهواء بشكل مزمن وقصور في وظائف الرئة، مع تفاقم هذا القصور تدريجياً، كما يُحدث اضطراباً وتغيراً ببنية القصيبات الانتهائية (الفرع الأخير بالقصبة الهوائية)، فينتج عنه صعوبة في عملية الزفير عند المريض، ويدخل بمرحلة تسمى النفاخ، فالمرض هو متلازمة متكاملة ولكنها تضم أشكالاً مختلفة، وهي مشتركة بين التهاب القصبات المزمن، وانتفاخات الرئة، وربما يغلب فيها أحدهما، وهذا ما تحدده القصة المرضية التي يرويها المريض، وغالباً يرافق هذه المرض ظهور ثلاثة تغييرات، أهمها تشنج عضلات التنفس بسبب التدخين أو استنشاق المواد الضارة في الهواء، وحدوث تضخم الأغشية المخاطية والتهابها باستمرار، وإفراز الرئة لمزيد من المواد المخاطية مع حدوث ضيق في التنفس والسعال والبلغم، وتجدر الإشارة إلى أن المصابين بالانسداد الرئوي المزمن، يكونون في مرحلة سابقة أصابهم مرض الالتهاب الشعبي المتكرر.
التشخيص والأعراض

ويذكر د. مرهف أن من أهم اختلاطات المرض الرئوي الانسدادي المزمن، هو ارتفاع الضغط الرئوي ضمن القلب، ما يسمى بمتلازمة القلب الرئوي، وإصابة الجزء الأيمن من القلب، ما ينتج عنه أعراض سريرية منها وذمات الساقين، وذلك فإن تشخيص مرض الانسداد الرئوي المزمن يتم من خلال الكشف الإكلينيكي على الصدر، باستخدام السماعة الطبيّة للاستماع لأصوات مثل الأزيز، بالإضافة إلى الاطلاع على التاريخ المرضي، مع اختبار قياس التنفس، الذي يقيس قوة ومدى سرعة خروج الهواء من الرئتين، ما يساعد على تحديد نوع المرض وعدم الاختلاط بينه وأمراض الصدر الأخرى مثل الربو.
ويضيف: إن المرض يظهر بأعراض خفيفة، مع تدهور تدريجي في وظائف الرئة، وعندما يتقدم المرض، تبدأ علاماته في الظهور، والتي تكون أكثر سوءًا في فصل الشتاء، وتتمثل في الآتي:

} زِلة تنفسية (اللهث أثناء الجهد البدني)، وهي تأتى بعد فترة من ممارسة المريض للتدخين، وإن لم يمتنع عنه تتطور الحالة للأسوأ.
} السعال المزمن، وهو يترافق مع كميات من القشع (المخاط المائل للاصفرار) وتكون أعراضة تدريجية، وفي هذه الحالة يتعرض المصاب لحالة من التهاب القصبات المعاود المزمن مع النفاخ، وبالتالي يحدث عنه الإصابة بمتلازمة الانسداد الرئوي المزمن.
} الصفير (أصوات تخرج من الصدر) عند التنفس.
} فقدان الوزن، الشعور بالتعب والإجهاد العام.
} الاستيقاظ ليلًا نتيجة لحدوث ضيق في التنفس.
} يهدد هذا المرض المصاب به، بهجمات مترافقة بإصابة جرثومية من وقت لآخر، وفي هذه الحالة تزيد الزِلة التنفسية والسعال، وهنا يدخل المرض في طور الهجمات التي تحتاج لعلاج مكثف.
أسباب وعوامل الإصابة

ويؤكد د. مرهف أن المسبب الرئيسي لمرض الانسداد الرئوي المزمن هو التدخين، وما بين 10 و 20 شخصاً من كل 100 مدخن يعانون هذا المرض، كما يتسبب بحوالي 2.5 مليون وفاة سنوياً، وهناك بعض العوامل الأخرى التي ربما تكون سبباً في الإصابة بهذا المرض ومنها:
} بعض الغازات المخرشة، ففي بعض المناطق التي يكون بها ارتفاع بكمية الغازات في الجو، أو وجود بعض النفايات الحيوية، ولكن نسبة حدوث ذلك نادرة.
} طبيعة العمل التي تشمل التعرض للغبار أو الأبخرة.
} العوامل البيئية، مثل تلوث الهواء.
} العوامل الوراثية، مثل نقص بروتين يطلق عليه (Alpha1Antitrypsin)، الذي يساعد في حماية الرئتين من آثار التدخين، ويزيد خطر الإصابة بالمرض في حال نقصه، إلا أن نسبة من يعانونه تكاد تكون نادرة.
} أمراض الحساسية والربو، التي تزيد من احتمالات حدوث هذا المرض، ولكن الأدلة ليست قاطعة.
وسائل علاجية

ويفيد د. مرهف أن تحديد العلاج يعتمد على نتيجة الكشف السريري، وإجراء فحص يسمى اختبار وظائف الرئة، ليحدد حجم الهجومات التنفسية عند المريض ومدى شدة المرض، وبناء على ذلك يتم تصنيف نوع المرض، ووصف العلاج الذي ينقسم إلى:
} إيقاف التدخين، كي يستطيع المريض أن يستفيد من العلاج وإيقاف تطور المرض.
} العلاج المنتظم وعندها يكون المريض في حالة مستقرة مع المرض دون هجمات، ويعتمد علاج هذا النوع على البخاخات التي تستخدم كموسعات قصبية، إضافة إلى مادة الكورتيزون، والتي ثبت أنها تقلل من تكرار الهجمات المرضية.
} علاج الانسداد الرئوي المزمن، في حال تعرض المريض لهجمات إنتانية، وهنا يضاف للعلاج الأساسي المضادات الحيوية، ويختارها الطبيب المعالج، وفي بعض الحالات يلجأ الطبيب لإعطاء الستيروئيدات عن طريق الفم، وإذا كانت الهجمات شديدة فيفضل أن يدخل المريض المستشفى ليكون تحت المراقبة المستمرة.
} موسعات الشعب الهوائية، تستخدم هذه العلاجات أيضاً لعلاج الربو، لتساعد على تخفيف الصفير وضيق التنفس عن طريق جعل تدفق الهواء في الرئتين أكثر سهولة، وهي متوافرة بأنواع، منها قصير المفعول، وطويل المفعول، عن طريق الاستنشاق أو بشكل أقراص.
} مذيبات البلغم، وهي أدوية محللات الميوسين والتي تعمل على إذابة البلغم في الرئتين، ما يسهل طردها مع السعال، خصوصًا إذا كان المرض مزمنًا مع وجود سعال أو قشع، ولا يزال دور محللات البلغم قيد الأبحاث.
} المعالجة بالأوكسجين، ويتم استخدامه في حال إذا كان مرض الانسداد الرئوي المزمن شديدًا، ما يؤدي إلى خفض مستويات الأوكسجين في الدم، ولذلك يمكن أن يساعد في تخفيف نقص الأوكسجين، ويتم استنشاق الأوكسجين من خلال قناع أو أنابيب صغيرة عن طريق الأنف.
} جراحة تصغير الرئة وهي من التقنيات الحديثة، وهي تستخدم للمرضى المصابين بالانسداد الرئوي المزمن ويغلب عليه الانتفاخ الرئوي، أكثر من الالتهاب المزمن، وهنا يتم استئصال الجزء المنتفخ من الرئة ما يعمل على تحسين الوظيفة التنفسية بشكل كبير.
} زرع الرئة بمنظار، ويتم اللجوء للمعالجة به عند المرضى الذين يتم تشخيص المرض لديهم في أعمار مبكرة، دون التعرض للإصابات الأخرى من نفس المرض.
طرق وقائية

ويوصي د. مرهف ببعض النصائح لتجنب الإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن وهي:

} الإقلاع نهائياً عن جميع أنواع التدخين، وهناك برامج علاجية خاصة، يتم تطبيقها في مراكز علاج الأمراض التنفسية.
} المداومة على الحصانة ضد المرض باللقاحات كي لا تتدهور الحالة، والتي تفيد في الوقاية من هجمات المرض، ولها أنواع متعددة، كاللقاح الخاص بالإنفلونزا، واللقاحات المخصصة ضد المكورات الرئوية، والتي تؤخذ كل 4 سنوات، أو مرة واحدة على مدى العمر التي تعمل على الوقاية منها.
} تحسين البيئة والابتعاد عن المناطق الصناعية.
} إذا كانت وظيفتك تعرضك لغبار أو أبخرة، من المهم أن تتخذ الحيطة والحذر في العمل، وأن تستخدم معدات الوقاية الشخصية اللازمة، مثل أقنعة الوجه، للمساعدة في منع استنشاق أي مواد ضارة.
الالتهاب الرئوي الإيزونوفيلي الحاد

يوضح الدكتور محمد رفيق، مختص الأمراض الصدرية، أن مرض الالتهاب الرئوي الإيزونوفيلي الحاد (AEP)، داء نادر يتسم بالخطورة، كونه يؤثر في أحد أهم الأجهزة الحيوية في جسم الإنسان، ألا وهو الجهاز التنفسي، ولعلّ المسبب الرئيسي للمرض يتمثل في تجمع الكريات الحمضية الإيزونوفيلية في الرئتين، والتي تنشط غالباً بشكل كبير في المجاري التنفسية، بأنها جزء لا يتجزأ من النظام المناعي، حيث تعتبر شكلاً من أشكال خلايا الدم البيضاء التي تُنتج عادةً كاستجابة طبيعية للدفاع عن الجسم ضد العدوى أو الحساسية أو الالتهاب.
ويستكمل: يعتبر مرض الالتهاب الرئوي الإيزونوفيلي الحاد، أحد الأمراض النادرة، حيث تفيد الإحصاءات الرسمية بأنّ معدلات الإصابة المسجلة لا تتجاوز 200 حالة، ويترافق المرض بظهور عدد من الأعراض الشائعة التي تشمل ضيق التنفس والفشل التنفسي الحاد، إلى جانب السعال والتعب والتعرق الليلي والحمى وفقدان الوزن المفاجئ، ويمكن أن تظهر الأعراض المصاحبة على شكل وهن وألم عضلي وآلام في المفاصل مع ألم في البطن، ومع الوقت، تتزايد حدة الأعراض المصاحبة للمرض، لتقود إلى الفشل التنفسي الحاد، والذي يحدث نتيجة الانخفاض السريع في نسب الأوكسجين، مؤدياً إلى أضرار في الجهاز التنفسي، وربما تمثل تهديداً حقيقياً لحياة المريض، ويمكن أن تتطور المضاعفات الخطرة خلال أيام قليلة، وفي الحالات المتقدمة خلال ساعات معدودة من تاريخ ظهور الأعراض الأولية المصاحبة، وتشير البيانات المتخصصة إلى أنّ ثلثي الحالات المصابة تستدعي الاستعانة بأجهزة التنفس الاصطناعي.
مسببات ومخاطر

ويبين د. رفيق أنه بالنظر إلى خطورة مرض الالتهاب الرئوي الإيزونوفيلي الحاد، يترتب على الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة التنبه إلى ظهور أي من الأعراض المحتملة في مرحلة مبكرة، وغالباً ما تتطور المضاعفات الناجمة عن المرض بسرعة كبيرة، مسببة تدهور حالة المريض خلال 1 إلى 7 أيام، في حين يمكن أن تظهر بوتيرة أبطأ في بعض الحالات خلال فترة زمنية تصل إلى الشهر، وأظهرت الدراسات الطبية المتخصصة أن الشباب، الذين يتمتعون بصحة جيدة ونمط حياة نشط، هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بـهذا المرض، ولا سيّما أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً، ولعلّ أكثر ما يثير القلق، هو عدم القدرة على تحديد المسببات الحقيقية في الإصابة بهذا المرض، استناداً إلى دليل طبي قاطع، إذ يشير عدد من التقارير الطبيةإلى أنّ الإصابة بالمرض هي نتيجة رد فعل تحسسي تجاه مستضدات استنشاقية غير معروفة لدى الأشخاص الأصحاء.
ويضيف: بالمقابل تفيد بعض الاتجاهات الطبية بوجود علاقة وثيقة بين الإصابة والتدخين المفرط، في الوقت الذي يرتبط فيه أيضاً المرض بالتدخين السلبي، ويندرج تناول بعض العقاقير ضمن قائمة المسببات المحتملة للمرض، ولا سيّما «مينوسكلين» (minocycline)، «دابتوميسين» (daptomycin)، «فينلافاكسين» (velafaxine) ومضادات الاكتئاب وغيرها، وتختلف النظريات على نحو كبير بين التقارير الطبية، حيث تتنوع المسببات بين ممارسة النشاطات في الهواء الطلق وصولاً إلى استنشاق الدخان المنبعث عن الألعاب النارية، ويأخذ العديد من التقارير الطبية العوامل البيئية بعين الاعتبار باعتبارها أحد عوامل الخطورة المحتملة، حيث تم تحديد المناطق المعرضة للدخان والغبار كمسبب لـ «الالتهاب الرئوي الإيزونوفيلي الحاد»، إلاّ أنّه ليس المسبب الرئيسي والوحيد، ويلاحظ عموماً اختلاف المسببات والظروف والعوامل المؤدية للإصابة من مريض إلى آخر، وبالمجمل، تتفق الدراسات كافة على أنّ معدلات الإصابة تزيد لدى الرجال مقارنةً بالنساء.
الانسداد يسبب الوفاة

يصيب مرض الانسداد الرئوي المزمن، النساء كما الرجال ما فوق عمر الأربعين، بنسبة 9 % للمدخنين، ونسبة 10 % للمصابين سابقاً بالتهاب حاد للرئة أو الربو، وفي عام 2012 احتل هذا المرض المرتبة الثالثة المسببة للوفاة، إذ تسبب في وفاة حوالي ثلاثة ملايين شخص، ولذلك يحذر منه اختصاصيو الأمراض الصدرية، وهو ما زال آخذاً بالانتشار، ومن المتوقع أن يتوفى شخص كل 8 ثوان في عام 2020 بسبب هذا المرض، والذي يمكن تفاديه بسهولة، والسيطرة عليه إذا ما اكتشف باكراً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"