الارتجاع البولي عند الأطفال

08:28 صباحا
قراءة 9 دقائق
البروفيسور الدكتور سمير المسامرائي مدينة دبي الطبية
تحدث أمراض الكلى عند الأطفال نتيجة عودة البول من المثانة إلى الحالب، وهو ما يسمى الارتجاع البولي الحالبي، وقد يصل إلى الكلية لأسباب مختلفة أهمها وجود عيب خلقي يولد به الطفل، وضعف عضلة الحالب عند التقائها بالمثانة وكبر فتحة الحالب في المثانة . وفي أحيان أخرى يكون ضغط البول في المثانة عالياً لوجود شبه انسداد في عنق المثانة جراء الصمام الخلفي للإحليل، وبالتالي يعود البول إلى الحالب .
وعادة يعاني هؤلاء الأطفال مشكلة الارتجاع البولي خلال السنوات الخمس الأولى من العمر، وقد يصاب بها الطفل بعد الولادة مباشرةً، وهذا المرض هو من المسببات التي تؤدي إلى الفشل الكلوي المزمن الذي قد يتطور إلى قصور كلوي متقدم عند الأطفال والبالغين على السواء، ويؤدي الى مرض ارتفاع ضغط الدم بنسبة 20% عند الفئتين .
والمسبب المرضي لداء الكلى الارتجاعي هو الارتجاع المثاني الحالبي والكلوي للبول المتلوث بالجراثيم حيث يحدث الالتهاب في المنطقة المصابة في الكلى، ومن جراء ذلك تنشأ الندبات الكلوية التي تؤدي إلى قصور في وظائف الكلى نتيجة لذلك . أما نسبة الإصابة بالارتجاع البولي فتكون منتشرة عند ثلاث بنات بين كل ألف طفل وولد واحد بين كل ألف طفل .
العوامل المرضية:
علاوة على الأسباب التي ذكرت في المقدمة فإن العامل المرضي الذي قد يكون مسؤولاً عن حدوث اللارتجاع البولي من المثانة الى الحالب أو الى الحويض الكلوي هو تلوث البول جرثومياً وإصابة المثانة التهابياً، وهذا بدوره يؤدي إلى تشكل ندبات في المثانة أيضاً، وفي بعض الأحيان يحدث تصلب في منفذ الحالب في الجزء العضلي المثاني الذي هو مسؤول أصلاً عن الآلية الميكانيكية لإغلاق المنفذ الحالبي في المثانة، وهذا التصلب في هذا الجزء من الحالب يؤثر في قابلية الإغلاق ويسبب الارتجاع البولي الى الحالب أو الكلى .
العوامل الخلقية:
أما العوامل الخلقية التي تسبب هذه الحالة فتشمل:
1- فتحة الحالب المنتقلة .
2- خلل في تكوين ونشوء مثلث المثانة .
3- نقص في ميلان أو طول جزء الحالب المثاني العضلي .
4- الأمراض العصبية للمثانة أو للجزء الاسفل من الحالب .

عوامل نتيجة تغيرات مرضية ثانوية:

وإضافة لما سبق هناك عوامل تحدث بسبب تغيرات مرضية ثانوية ومنها:
1- تضيق في العنق المثاني .
2- تصلب في العنق المثاني .
3- شريط أوسطي في عنق المثانة .
4- صمام الإحليل الخلفي .
5- تضيق ندبي في الإحليل نتيجة مضاعفات جراحية كجرح جزئي للحالب المثاني أو جرح في فوهة الحالب بعد عملية قلع التكيس الخلقي الحالبي .

المراحل الارتجاعية المرضية:

توجد خمس مراحل ارتجاعية لها تأثيرها المرضى في المثانة والحالب والكلية وهي:
1- المرحلة الأولى: في هذه المرحلة يصل الارتجاع البولي المثاني الى الحالب فقط ولا يتعداه الى الحويض الكلوي، وفي بعض الأحيان توجد توسعات طفيفة في الحالب .
2- المرحلة الثانية: في هذه المرحلة يكون الارتجاع البولي المثاني والحالبي قد وصل إلى الحويض الكلوي، ويكون من دون توسع في الحويض الكلوي او في النظام الجامع للكلية، وتكون كذلك القبوات الكلوية طبيعية .
3- المرحلة الثالثة: في هذه المرحلة يكون الارتجاع البولي المثاني والحالبي والكلوي متصاحباً مع توسع حالبي خفيف أو متوسط، وقد تكون هنالك إنحناءات في الحالب، وفي الوقت نفسه توجد توسعات متوسطة الدرجة في النظام الجامع الكلوي، ولكن قد تكون القبوات الكلوية متشوهة من جراء هذا الارتجاع البولي .
4- المرحلة الرابعة: في هذه المرحلة يكون الارتجاع البولي المثاني والحالبي والكلوي قد أدى الى توسع متوسط الدرجة في الحالب مع انحناءات حالبية، وفي الوقت نفسه تكون هنالك توسعات متوسطة الدرجة داخل النظام الجامع الكلوي التابع للحوض الكلوي، أما القبوات الكلوية فتكون غير حادة ولكن الحليمات الكلوية تكون مرئية .
5- المرحلة الخامسة: في هذه المرحلة المتقدمة من الارتجاع البولي المثاني الحالبي والكلوي يكون هناك توسع كبير في الحالب مع وجود انحناءات فيه، ويكون التوسع في الحويض الكلوي ونظامه الجامع في الكلية ملحوظاً جداً، ولكن تظهر الحليمات الكلوية بصوره طبيعية، ويوجد في هذه المرحلة المتقدمة ارتجاع بولي داخل النسيج الكلوي نفسه .

الأعراض:

تتمثل أعراض هذه المشكلة عند الطفل في حدوث ارتفاع في حرارة الجسم مع حمى وحرقان في البول أو مغص في البطن أو تبول لا إرادي، وفي هذه الحالات من الأعراض المذكورة ننصح الأم بعرض طفلها على طبيب مختص في علاج أمراض وجراحة المسالك البولية لإجراء الفحوص اللازمة وتحديد استراتيجية العلاج الملائم لذلك قبل أن تؤثر الحالة في وظائف الكلى .

التشخيص:

قبل البدء بأي علاج لهذا المرض إن كان جراحياً او منظارياً حديثاً أو غير جراحي فإن تشخيص الخلل أو سبب الارتجاع البولي ومرحلته يجب أن يتم بصورة كاملة من خلال:
1- تصوير الكليتين والحالب والمثانة بواسطة الموجات فوق الصوتية و"الدوبلر" الملون .
2- تصوير الكليتين والحالب بالأشعة السينية الملونة .
3- فحص المثانة والإحليل بالمنظار .
4- تصوير رجوعي للحالب بواسطة الأشعة السينية الملونة، ومن خلال هذا الفحص تستطيع ان تقوم بتشخيص المرحلة الارتجاعية .
5- قياس الضغط الديناميكي للمثانة .
6- أشعة سينية وديناميكية تلفزيونية ملونة للمثانة خلال التفريغ .
7- قياس كمية البول المتبقي في المثانة بعد التفريغ .
ومن التشخيصات الحديثة المهمة لنجاح العلاج هو "الفلورسكوبي" لحركة الحالب، والفحص النووي للكلية لتقييم وظائفها، والكشف إن كانت هناك ندبات قد أصابت الكلية، والتشخيص الأخير يعتبر واحداً من أهم الوسائل التشخيصية الحديثة لتعيين نوع العلاج لهذا المرض .

العلاج:

يكون هدف العلاج في المرحلة الأولى التخلص من الأسباب المؤدية لهذا المرض، فإذا اختفى الارتجاع البولي للحالب أو تحسن من جراء علاج دوائي خاصة إذا كان الارتجاع بسيطاً فإن الطفل المصاب يعطى مضادات حيوية قد تستمر لمدة سنتين مع متابعة مستمرة ودورية للطفل المريض لاستبعاد حدوث أية التهابات قد تصل الى الكلى وتسبب ندبات كما ذكرنا مقدماً أو تسبب تردياً في وظائفها، وإذا اثبت اختفاء الارتجاع البولي بعد ستة أشهر أو سنة من هذا العلاج، وتم التأكد من ذلك بواسطة الفحوص التشخيصية المذكورة أعلاه، فإن السبب يكون في أكثر الأحيان من الأسباب الثانوية التي ذكرت مقدماً وخاصة الالتهابات الجرثومية أو تضيق في المسالك البولية السفلى .
أما المرحلتان الثانية والثالثة من الارتجاع البولي فإنهما تحتاجان الى تدخل علاجي منظاري حديث، وأكثرها نجاحاً في الوقت الحاضر وأبسطها عملياً للطفل المصاب هي حقن مادة منظارياً في ملتقى الحالب بالمثانة فإذا لم يختف الارتجاع الحالبي بعد الإجراء المذكور أعلاه فإن أحد العوامل المرضية الأخرى أو اثنين منهما يكونان هما السبب، وهذا يكون إما خلقياً أو جراء تغيرات مرضية ثانوية يجب إزالتها منظارياً ايضاً، ولذلك فإن العملية المنظارية يجب أن تكون العلاج المفضل في هذه المراحل الأولية للارتجاع البولي لأن عدم إجراء ذلك له عواقبه على الحالب والكليتين، والقاعدة المنظارية لهذه العملية هي زرع مادة "الميكروبلاستيك" أو مادة "المنيتول بولينز" تحت الغشاء المبطن للمثانة في منطقة منفذ الحالب المثاني، حيث إن الضغط على النفق الحالبي الذي يوجد تحت الغشاء البطني للمثانة يزداد اثناء امتلاء المثانة بالبول ويكبس عليه، وفي الوقت نفسه يحدث تمدد في الحالب المثاني ويتوقف حين ذلك ارتجاع البول من المثانة إلى الحالب، ولذلك ابتدع منظارياً حقن هذه المواد تحت منفذ الحالب في المثانة، وهذه المواد لا تسبب أي مضاعفات بعد إجرائها على المدى البعيد، حيث إنها مؤكدة طبياً وإكلينيكياً منذ عشر سنوات في أوروبا وأمريكا، وتبقى هذه المادة في الجسم مدى الحياة ويتحملها من دون أي رفض مناعي لها من قبله، لأن هذه المواد وخاصة "ميكروبلاستيك" هي مادة لا تتحلل حيوياً، ولهذا لا توجد خطورة لارتحال هذه المادة الى اعضاء الجسم الأخرى كما هي الحال في المواد السابقة، وقد ثبت كذلك عدم وجود اي انتشار لمادة "ميكروبلاستيك" في جسم المريض المعالج مقارنة بالمواد التي كانت تستعمل لهذا الغرض مثل مادة "الكولاجين" أو غيره، ومن جراء ذلك فإن كل ارتفاع فوق العادة في الضغط الداخلي للمثانة أثناء الامتلاء أو التفريغ إن كان ذلك نتيجة اختلال تناسقي أو عصبي مرضي سوف لا يؤدي الى عودة الارتداد البولي مرة ثانية إلا في حالة وجود مثانة ذات سعة صغيرة، واحتواء قليل للبول، وفي هذه الحالة يكون العلاج المنظاري المثاني والحالبي المتزامن هو الأفضل . وكما ذكرنا تتم عملية الحقن بالمنظار، وتكون وظيفة هذه المواد تثبيت جدار جزء المثانة الذي يلتقي به منفذ الحالب، حيث يتولد من خلال هذه المواد المحقنة ضغط كاف على هذا الجزء من المثانة والحالب لمنع الارتجاع البولي، مع العلم بأن عملية الحقن المنظارية لهذه المادة حول الحالب في منطقة المثانة لا تستغرق اكثر من عشر دقائق فقط، وهذه المادة لا تسبب أي مضاعفات، وتعطي نتائج جيدة، وتعتبر طبياً من العلاجات الناجحة والمضمونة حيث إن 90% من الأطفال الذين يتم حقنهم بها تختفي عندهم مشكلة الارتجاع البولي ولا يحتاج الطفل الى اية مضادات حيوية، وتظل هذه المادة في جسم الطفل ولا حاجة لإزالتها، وأحياناً قد يحتاج عدد من الأطفال المصابين بالمرحلة الثالثة من الارتجاع الى إعادة الحقن مرة ثانية بعد عملية الحقن الأولى، وبعد ذلك تنتهي مشكلة الارتجاع البولي عندهم كلياً .
اما الأطفال الذين كان عندهم مرض الارتجاع البولي خفيفاً، اي كانت عندهم درجة الارتجاع البولي منخفضة، وأعطوا مضادات حيوية لفترات طويلة لا تقل عن سنتين ولم يستجيبوا للعلاج فإن هؤلاء يحتاجون الى عملية الحقن المنظارية المذكورة أعلاه أو إلى إجراء عملية منظارية خاصة لإصلاح العيب الخلقي في الحالب أو المثانة اذا تم تشخيص أحد هذه الأمراض الخلقية عندهم .
وقد اثبتت الدراسات الإكلينيكية عند الأجنة، خاصة الذكرية، المصابة بارتجاع بولي حالبي وكلوي من الدرجة العالية أن السبب هو تأخر في نضوج العنق المثاني عند هذه الأجنة، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع في الضغط الداخلي للمثانة، بينما وجد العكس عند الأجنة الأنثوية المصابة بارتجاع بولي حالبي كلوي، إذ لوحظ أن هذه الأجنة تعاني في الوقت نفسه اختلالاً في تفريغ المثانة إضافة لانتكاسات التهابية جرثومية في المسالك البولية وخاصة المثانة، وبناء على ذلك، فإن أسباب الارتداد البولي الحالبي والكلوي تختلف عند الجنين من كلا الجنسين، وأن الفهم الكامل لأسباب الاختلاف بين الولد والبنت يكون الأساس في العلاج الناجح والشافي لهؤلاء، ولهذا فإن السببين المذكورين أعلاه لهما علاجهما الخاص، وللتخلص والشفاء من الارتداد البولي الحالبي والكلوي عند هؤلاء الأولاد والبنات يجب ان يكون هنالك برنامج علاجي خاص يهدف الى تخفيض نسبة الإصابة بالالتهابات الجرثومية في المسالك البولية خاصة عند الذين يعانون اختلالاً تناسقياً للمثانة في حالة تفريغ البول، وكذلك عند المصابين باختلالات في عضلات الحوض . أما الانتكاسات المتكررة للالتهابات الجرثومية في المسالك البولية عند هؤلاء الأطفال رغم العلاج الطويل المدى بواسطة المضادات الحيوية فهي مازالت الداعي الأساسي للتدخل المنظاري لمعالجة الارتداد البولي المثاني الحالبي والكلوي، وفي الوقت نفسه يجب ان تعطى المبادرة للوقاية من هذه الالتهابات الجرثومية، والتدخل استراتيجياً لعلاج الأسباب التحتية الباثولوجية في المسالك البولية وأهمها الاختلالات الوظيفية في عضلات الحوض التي تؤدي الى رجوع الالتهابات الجرثومية البولية، حيث يعالج هؤلاء الأطفال دوائياً مع إعادة مستمرة للتجارب الرياضية لعضلات الحوض بمساعدة برامج الكمبيوتر، علماً بأن هذه التجارب أثبتت أنها تخفض نسبة الإصابة بالالتهابات الجرثومية البولية وتساعد في الوقت نفسه على التخلص من الإمساك نتيجة التمارين .
أما في حالة استمرار الاختلالات التناسقية التفريغية في المثانة رغم تخفيض نسبة الإصابة الجرثومية في المسالك البولية والمثانة بواسطة المضادات الحيوية فإن التدخل المنظاري هو الحل الأساسي للتخلص من هذا الارتداد البولي .
وعلاوة على ذلك أثبتت الاحصائيات الإكلينيكية الحديثة بأن التدخل المنظاري المتزامن (حيث يحقن "الميكروبلاستيك" تحت منفذ الحالب لعلاج الارتداد البولي وتحقن في الوقت نفسه مادة "البوتكس" في عضلة المثانة) ينجح في حالات المثانة العصبية ذات الضغط المرتفع، والمثانة ذات السعة الصغيرة، والارتجاع البولي الحالبي في المرحلتين الثانية والثالثة مع ضعف عمل الكلية ذي الحالب الارتجاعي، وفي حالات تكرر الإصابة بالالتهابات الجرثومية في المسالك البولية على الرغم من معالجتها بالمضادات الحيوية خاصة عند الأطفال المصابين بالمرض العصبي الخلقي والمسمى بفتق الحبل الشوكي وسحاياه، حيث يؤدي العلاج المنظاري المتزامن للحالب والمثانة إلى اختفاء الارتجاع المثاني والإحليلي والكلوي وإلى شفاء الطفل المصاب بمرض المثانة العصبية والمسماة كذلك بمثانة الضغط العالي العصبية، وفي الوقت نفسه يشفى هؤلاء الأطفال أيضاً من السلس البولي الذي سببه المثانة العصبية المذكورة أولاً، كما يتخلص الطفل من الارتجاع البولي الحالبي وهذا يعتبر من العلاجات المتقدمة طبياً وعالمياً التي ليس لها مضاعفات أو تسبب عناء للطفل .
أما العلاج المنظاري الجراحي أو الجراحي التقليدي في حالة الإصابة بالارتجاع البولي المثاني الحالبي والكلوي فى المرحلتين الرابعة والخامسة فإن نجاحه أثبتته الدراسات الإحصائية طويلة المدى، حيث يعمل هذا العلاج على حماية الكلى المصابة بالارتجاع من تدهور وظائفها مستقبلياً رغم إصابتها بالندبات قبل إجراء هذه الجراحة .
وتتم الجراحة إما بالمنظار أو بالطريقة التقليدية من خلال زرع الحالب المصاب بالارتجاع في المثانة بطريقة جراحية دقيقة تمنع رجوع البول الى الحالب أو الكلى أثناء التبول، مع العلم بأن نسبة نجاح هذه العمليات تصل الى 95-98% اذا تم زرع الحالب في المثانة بتقنية عالية وبأيدي اطباء مختصين ذوي خبرة وجدارة وكفاءة متميزة في علاج أمراض المسالك البولية عند الأطفال، مع العلم بأن العملية الجراحية هذه لا تستغرق اكثر من ساعة واحدة والمكوث في المستشفى لا يستغرق اكثر من ليلتين أو ثلاث .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"