العباس بن عبدالمطلب.. عم الرسول وصديقه

قصة آية
01:41 صباحا
قراءة 6 دقائق
محمد حماد
‮«‬يا أيها النبي‮ ‬قل لمن في‮ ‬أيديكم من الأسرى إن‮ ‬يعلم الله في‮ ‬قلوبكم خيرا‮ً ‬يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله‮ ‬غفور رحيم‮»، (‬سورة الأنفال‮: 07). ‬‬
كانت الصداقة بالإضافة إلى القرابة تجمع بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعمه العباس بن عبدالمطلب، حيث لم يكن يفصل بينهما سوى سنتين أو ثلاث سنوات تزيد في عمر العباس، ‬إلى جانب خلق العباس وسجاياه التي‮ ‬أحبها الرسول الكريم،‮ ‬فقد كان وصولاً للرحم والأهل،‮ ‬لا‮ ‬يضن عليهم بجهد ولا مال،‮ ‬وكان فطناً وذا مكانة مرموقة في‮ ‬قريش‮.‬
أسلم العباس‮ ‬رضي‮ ‬الله عنه‮ ‬ولم‮ ‬يعلن إسلامه إلا عام الفتح،‮ ‬ما جعل بعض المؤرخين‮ ‬يعدونه ممن تأخر إسلامهم،‮ ‬بيد أن روايات أخرى من التاريخ تنبئ بأنه كان من المسلمين الأوائل ولكن كتم إسلامه،‮ ‬فيقول أبورافع خادم الرسول صلى الله عليه وسلم‮: (‬كنت‮ ‬غلاماً للعباس بن عبدالمطلب،‮ ‬وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت،‮ ‬فأسلم العباس،‮ ‬وأسلمت أم الفضل،‮ ‬وأسلمت،‮ ‬وكان العباس‮ ‬يكتم إسلامه‮)‬،‮ ‬وكان مقامه بمكة بعد هجرة الرسول‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮، ‬وكانت قريش دوماً تشك في‮ ‬نوايا العباس،‮ ‬لكنها لم تجد عليه سبيلاً،‮ ‬وظاهره على ما‮ ‬يرضون من دين‮. ‬
في‮ ‬بيعة العقبة الثانية عندما قدم مكة في‮ ‬موسم الحج وفد الأنصار،‮ المكون من ‬ثلاثة وسبعين رجلاً وسيدتين،‮ ‬ليعطوا الله ورسوله بيعتهم،‮ ‬وليتفقوا مع الرسول‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬على الهجرة إلى المدينة،‮ ‬أبلغ‮ ‬الرسول‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬نبأ هذا الوفد إلى عمه العباس،‮ ‬فلما اجتمعوا كان العباس أول المتحدثين فقال‮: (‬يا معشر الخزرج،‮ ‬إن محمداً منا حيث قد علمتم،‮ ‬وقد منعناه من قومنا،‮ ‬ممن هو على مثل رأينا فيه،‮ ‬فهو في‮ ‬عز من قومه،‮ ‬ومنعة في‮ ‬بلده،‮ ‬وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللحوق بكم،‮ ‬فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه،‮ ‬ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك،‮ ‬وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه،‮ ‬فإنه في‮ ‬عز ومنعة من قومه وبلده‮).‬

أسير «بدر»

وفي‮ ‬غزوة بدر رأت قريش الفرصة سانحة لاختبار العباس وصدق نواياه،‮ ‬فدفعته إلى معركة لا‮ ‬يؤمن بها ولا‮ ‬يريدها،‮ ‬والتقى الجمعان ببدر وحمي‮ ‬القتال،‮ ‬ونادى النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬في‮ ‬أصحابه فقال‮: (‬إني‮ ‬قد عرفت أن أناساً من بني‮ ‬هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا،‮ ‬فمن لقي‮ ‬منكم أحداً منهم‮، ‬أي‮ ‬من بني‮ ‬هاشم‮، ‬فلا‮ ‬يقتله،‮ ‬ومن لقي‮ ‬البختري‮ ‬بن هشام فلا‮ ‬يقتله،‮ ‬ومن لقي‮ ‬العباس بن عبدالمطلب فلا‮ ‬يقتله،‮ ‬فإنه إنما خرج مستكرها‮ً)‬،‮ ‬فقال أبو حذيفة بن عتبة‮: ‬أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس؟ والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف،‮ ‬فبلغت رسول الله‮ ‬صلى الله عليه وسلم،‮ ‬فقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه‮: (‬يا أبا حفص،‮ ‬قال عمر‮: ‬والله إنه لأول‮ ‬يوم كناني‮ ‬فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبا حفص‮، ‬أيُضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟‮)‬،‮ ‬فقال عمر‮: ‬يا رسول الله ائذن لي‮ ‬فأضرب عنقه، فوالله لقد نافق،‮ ‬فكان أبوحذيفة‮ ‬يقول بعد ذلك‮: ‬والله ما آمن من تلك الكلمة التي‮ ‬قلت،‮ ‬ولاأزال خائفاً منها إلا أن‮ ‬يكفرها الله تعالى عني‮ ‬بشهادة،‮ ‬فقتل‮ ‬يوم اليمامة شهيداً،‮ ‬رضي‮ ‬الله عنه‮.‬

وأسر العباس‮ ‬يوم بدر، وكان أكثر الأسارى فداء،‮ ‬وذلك أنه كان رجلاً موسراً، فافتدى نفسه بمئة أوقية ذهباً،‮ ‬وفي‮ ‬صحيح البخاري‮ ‬عن أنس بن مالك‮: ‬أن رجالاً من الأنصار قالوا‮: ‬يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا العباس فداءه،‮ ‬قال‮: (‬لا والله لا تذرون منه درهماً‮)‬،‮ ‬وبعثت قريش إلى رسول الله‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬في‮ ‬فداء أسراها،‮ ‬ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا،‮ ‬وقال العباس‮: ‬يا رسول الله قد كنت مسلماً،‮ ‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: (‬الله أعلم بإسلامك،‮ ‬فإن‮ ‬يكن كما تقول فإن الله‮ ‬يجزيك،‮ ‬وأما ظاهرك فقد كان علينا،‮ ‬فافتد نفسك وابني‮ ‬أخيك نوفل وعقيل،‮ ‬وحليفك عتبة بن عمرو‮) ‬قال‮: ‬ما ذاك عندي‮ ‬يا رسول الله‮. ‬قال‮: (‬فأين المال الذي‮ ‬دفنته أنت وأم الفضل؟ فقلت لها إن أصبت في‮ ‬سفري‮ ‬هذا،‮ ‬فهذا المال الذي‮ ‬دفنته لبني‮ ‬الفضل وعبدالله وقثم؟‮). ‬قال‮: ‬والله‮ ‬يا رسول الله إني‮ ‬لأعلم أنك رسول الله،‮ ‬إن هذا لشيء ما علمه أحد‮ ‬غيري‮ ‬وغير أم الفضل،‮ ‬فاحسب لي‮ ‬يا رسول الله ما أصبتم مني‮ ‬عشرين أوقية من مال كان معي،‮ ‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: «‬لا،‮ ‬ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك‮»‬،‮ ‬ففدى نفسه وابني‮ ‬أخويه وحليفه،‮ ‬فأنزل الله‮ ‬عز وجل‮ ‬فيه‮: «‬يا أيها النبي‮ ‬قل لمن في‮ ‬أيديكم من الأسرى إن‮ ‬يعلم الله في‮ ‬قلوبكم خيراً‮ ‬يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله‮ ‬غفور رحيم‮»، (‬سورة الأنفال‮)‬70‮: ‬،‮ ‬قال العباس‮: ‬فأعطاني‮ ‬الله مكان العشرين أوقية في‮ ‬الإسلام عشرين عبداً كلهم في‮ ‬يده مال‮ ‬يضرب به،‮ ‬مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل‮. ‬

غزوة حنين

فدا العباس نفسه ومن معه وعاد إلى مكة،‮ ‬وبعد حين جمع ماله ومتاعه وأدرك الرسول الكريم بخيبر،‮ ‬وأخذ مكانه بين المسلمين وصار موضع حبهم وإجلالهم،‮ ‬لاسيما وهم‮ ‬يرون حب الرسول صلى الله عليه وسلم له وقوله‮: (‬إنما العباس صنو أبي‮ ‬فمن آذى العباس فقد آذاني‮)‬،‮ ‬وأنجب العباس ذرية مباركة وكان حبر الأمة عبدالله بن العباس أحد هؤلاء الأبناء‮.‬

وفي‮ ‬غزوة حنين وحين اجتمع المسلمون في‮ ‬أحد الأودية‮ ‬ينتظرون مجيء عدوهم،‮ ‬كان المشركون قد سبقوهم إلى الوادي‮ ‬وكمنوا لهم في‮ ‬شعابه ممسكين زمام الأمور بأيديهم،‮ ‬وعلى حين‮ ‬غفلة انقضوا على المسلمين في‮ ‬مفاجأة مذهلة جعلتهم‮ ‬يهرعون بعيداً،‮ ‬ورأى الرسول‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬ما أحدثه الهجوم المفاجئ فعلا صهوة بغلته البيضاء وصاح‮: (‬إليّ‮ ‬أيها الناس،‮ ‬هلموا ‬إليّ‮،‮ ‬أنا النبي‮ ‬لا كذب،‮ ‬أنا ابن عبدالمطلب‮)‬،‮ ‬ولم‮ ‬يكن حول الرسول صلى الله عليه وسلم‮ ‬يومئذٍ إلا أبوبكر،‮ ‬وعمر،‮ ‬وعلي‮ ‬بن أبي‮ ‬طالب،‮ ‬والعباس بن عبدالمطلب،‮ ‬وولده الفضل،‮ ‬وجعفر بن الحارث،‮ ‬وربيعة بن الحارث،‮ ‬وأسامة بن زيد،‮ ‬وأيمن بن عبيد،‮ ‬وقلة أخرى من الصحابة،‮ ‬وسيدة أخذت مكاناً عالياً بين الأبطال هي‮ ‬أم سليم بنت ملحان،‮ ‬وكانت حاملاً،‮ ‬انتهت إلى الرسول‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬وقالت‮: (‬أقتل هؤلاء الذين‮ ‬ينهزمون عنك،‮ ‬كما تقتل الذين‮ ‬يقاتلونك،‮ ‬فإنهم لذلك أهل‮)‬،‮ ‬هناك كان العباس إلى جوار النبي ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬يتحدى الموت والخطر،‮ ف‬أمره الرسول أن‮ ‬يصرخ في‮ ‬الناس فصرخ بصوته الجهوري‮: (‬يا معشر الأنصار،‮ ‬يا أصحاب البيعة‮) ‬فأجابوه‮: (‬لبيك،‮ ‬لبيك‮) ‬وانقلبوا عائدين كالإعصار صوب العباس،‮ ‬ودارت المعركة من جديد وغلبت خيل الله،‮ ‬وتدحرج قتلى هوازن وثقيف‮.‬

بركة العباس

كان للعباس رضي الله عنه منزلة عظيمة عند الرسول عليه الصلاة والسلام،‮ ‬وكان الصحابة‮ ‬يعترفون له بفضله ويشاورونه،‮ ‬وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت‮: ‬ما رأيت رسول الله‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮ ‬يجل أحداً ما‮ ‬يجل العباس أو‮ ‬يكرم العباس،‮ ‬وكان العباس إذا مر بعمر أو بعثمان رضي الله عنهما وهما راكبان نزلا حتى‮ ‬يجاوزهما إجلالاً لعم رسول الله ‬صلى الله عليه وسلم‮. ‬وفي‮ ‬عام الرمادة حين أصاب العباد قحط،‮ ‬خرج أمير المؤمنين عمر والمسلمون معه إلى الفضاء الرحب‮ ‬يصلون صلاة الاستسقاء،‮ ‬ويضرعون إلى الله أن‮ ‬يرسل إليهم الغيث والمطر،‮ ‬ووقف عمر وقد أمسك‮ ‬يمين العباس بيمينه،‮ ‬ورفعها صوب السماء وقال‮: (‬اللهم إنا كنا نستسقي‮ ‬بنبيك وهو بيننا،‮ ‬اللهم وإنا اليوم نستسقي‮ ‬بعم نبيك،‮ ‬فاسقنا‮)‬،‮ ‬ولم‮ ‬يغادر المسلمون مكانهم حتى جاءهم الغيث،‮ ‬وهطل المطر،‮ ‬وأقبل الأصحاب على العباس‮ ‬يعانقونه ويقبلونه ويقولون‮: (‬هنيئاً لك ساقي‮ ‬الحرمين‮).‬
كف بصره في‮ ‬آخر عمره،‮ ‬ومات في‮ ‬12‮ ‬رجب سنة‮ (‬32‮ ‬ه‮) ‬وله ست وثمانون سنة،‮ ‬وصلى عليه الخليفة عثمان بن عفان ودفن بالبقيع‮.‬

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"