فقدان الشهية العصبي يدمر الجسم ويسبب الوفاة

00:18 صباحا
قراءة 6 دقائق

تعد مشكلة فقدان الشهية العصبي، أحد اضطرابات الأكل التي تصيب بحالة من الهوس حول الوزن والأطعمة التي يتناولها المريض، على الرغم أنه في حقيقته ليس معنياً بالأكل، بل هو طريقة غير صحية يحاول بها المريض التكيف مع المشكلات الانفعالية.
ويربط المصابون بهذا الاضطراب بين النحافة وتقدير الذات، ويحاول المصاب بهذا الاضطراب الحفاظ على وزن منخفض للغاية، بالمقارنة مع عمره وطوله، ويلجأ إلى تجويع نفسه أو أداء تمارين رياضة للحفاظ على وزن منخفض.
وأحاطت بهذا الاضطراب في الماضي بعض الاعتقادات الخاطئة، منها أنه لا يوجد إلا في المجتمعات الغربية، ولا يصاب به سوى صغار السن من الإناث، وأنه يوجد لدى الطبقات العليا من المجتمع فقط، وكل هذه الأفكار ثبتت عدم صحتها فيما بعد.
وتبين أن هذا الاضطراب ينتشر في معظم دول العالم، ويرتبط بتأثير الإعلام والنظرة الجمالية الغربية بأن المرأة النحيفة هي الأجمل، وهذا الأمر دفع كثيراً من الفتيات وعلى الأخص في مرحلة المراهقة، لاتباع نظام غذائي يتحول في نهاية المطاف إلى الإصابة بفقدان الشهية العصبي.
وفي هذا الموضوع سنتناول العوامل والمسببات التي تؤدي إلى الإصابة بهذا الاضطراب، وطرق الوقاية والعلاج المتاحة والممكنة، للتخلص من هذه المشكلة.

قلق تجاه الوزن

يبدي مريض فقدان الشهية العصبي الكثير من المشاكل مع الأكل، ويكون قلقاً للغاية تجاه وزنه والحفاظ عليه في أدنى مستوياته، ويرى نفسه بديناً باستمرار وينكر نقص وزنه، ولا يعي خطورة نقص هذا الوزن الشديد وأثره على صحته وربما على حياته، وبالتالي فهو يرفض أي نصيحة بخصوص زيادة الوزن أو علاج الحالة التي أصابته.
ونتيجة لهذا الأمر تجد الكثير من المصابين بهذا الاضطراب في مراحله الشديدة، وعلى الأخص الفتيات، لا يقوون على المشي أو القيام بأي مجهود، والبعض لا يستطيع السير إلا بمساعدة من أحد الوالدين أو الإخوة،
وبسبب ضعف عضلات الساقين والفخذين لا يقدرون على صعود السلالم، ويمكن أن يصل وزن البعض لحوالي 30 كيلوجراماً وهم في سن العشرين، وتبدو وجوههم مثل الأشباح لأنه لا توجد عضلات تكفي لإعطاء شكل الوجه الطبيعي.
وتثير بعض الحالات الشفقة وربما الفزع، حيث يكون المصاب وبالذات الفتيات، أقرب إلى هيكل عظمي مكسو بالجلد، وهو ما يسبب حالة من الضعف الشديد الذي يعوق عن القيام بالوجبات والأنشطة اليومية المعتادة.

عوامل جينية ونفسية

ويوضح عدد من الباحثين والأخصائيين أن السبب الأساسي وراء الإصابة باضطراب فقدان الشهية العصبي ما زال مجهولاً. ويشير عدد من النظريات إلى عوامل عدة تساهم في تطور الحالة المرضية، من أهمها العوامل الوراثية حيث تلعب الجينات دوراً مهماً في الإصابة بهذا الاضطراب.
كما يكون للعوامل النفسية أيضاً دور في الإصابة، ولذلك فإن المراهقات اللاتي يعانين اضطراب الوسواس القهري، عرضة أكثر للإصابة بفقدان الشهية العصبي. ويشير الباحثون إلى دور البيئة والعوامل الاجتماعية التي تتمثل في برامج التلفزيون، وانتشار الثقافة الغربية التي تركز بصورة زائدة على تخسيس الوزن، وقيم الجمال الشكلي في هذا الأمر، خاصة فيمن يتطلب عملهن مقاييس جسدية معينة، مثل عارضات الأزياء والمضيفات، ما يؤثر في العقل الباطن للمراهقات، ويدفعهن لهذه الفكرة بشكل قسري، وبالتالي تكون الإصابة بهذا الاضطراب.
وتشير بعض النظريات إلى وجود أسباب عضوية تؤدي للمرض، ويعود ذلك لانتشاره بين التوائم المتماثلة، كما وجد أن هناك فتيات أصبن بهذا الاضطراب عقب انقطاع الحيض لديهن.

مشكلات انفعالية وسلوكية

يعتبر العرض الأساسي في اضطراب فقدان الشهية العصبي، هو رفض المصاب للاحتفاظ بالحد الأدنى من الوزن الطبيعي، الذي يناسب سنه وطوله، وشدة الخوف من اكتساب وزن زائد، أو أن يصاب بالسمنة
وينطوي هذا الاضطراب على مشكلات انفعالية وسلوكية، وتتضمن أعراض فقدان الشهية أعراضاً بدنية منها فقدان الوزن بشكل مفرط، بحيث يظهر المصاب في مظهر نحيف للغاية، ويعاني التعب والأرق والدوار أو الإغماء.
كما يعاني المريض ضعف الشعر أو تقصفه أو سقوطه، ويصاب بجفاف الجلد أو اصفراره، وكذلك الإمساك ولا يستطيع تحمل درجات الحرارة المنخفضة، ويعاني عدم انتظام ضربات القلب وانخفاض ضغط الدم، وبالنسبة للفتيات أو المرهقات فينقطع عنهن الحيض بسبب اختلال الهرمونات التي تنظم هذه العملية نتيجة نقص الوزن.
وتتضمن الأعراض السلوكية والانفعالية لاضطراب فقدان الشهية، محاولات المريض أن يخسر وزنه، ويتم هذا عن طريق تقليل كميات الطعام التي يتناولها، وذلك من خلال الصوم أو اتباع حمية غذائية.
ومن الممكن أن يتضمن الأمر ممارسة تمرينات رياضية بصورة مبالغ فيها، كما يستخدم الملينات والحقن الشرجية والمنتجات العشبية التي تعمل على التخسيس، ويرفض المصاب بهذا الاضطراب الطعام، كما أنه يكذب بشأن كمية الأكل التي تناولها، وهو في العادة ينكر إحساسه بالجوع، ونتيجة لذلك فإنه يصاب بحالة من الانسحاب الاجتماعي أو العزلة، حيث يشعر بالقلق وبأنه غير قادر على فعل أي شيء.

وسواس قهري واكتئاب

يعاني المصاب باضطراب الشهية العصبي في المعتاد، اضطراب الوسواس القهري، وخاصة في الأمور المتعلقة بالطعام، ومن المفيد أن يتلقى المريض علاجاً لاضطراب الوسواس القهري، لأنه يفيد في علاج فقدان الشهية العصبي.
وفي الحالات الشديدة من الاضطراب يمكن أن يعاني المريض أعراضاً اكتئابية، مثل الحزن وسرعة الغضب والعصبية الزائدة، ويمكن أن تراوده أفكار انتحارية.
ويمكن أن تعود أعراض الاكتئاب إلى اختلال المواد العضوية والطبيعية في الجسم، وهي في حد ذاتها يمكن أن تُصيب بالاكتئاب، مثلما يحدث أثناء المجاعات أو الإضراب عن الطعام، لذلك يستحسن أن يتلقى مريض فقدان الشهية العصبي علاجاً للاكتئاب بعد شفائه من الاضطراب العصبي.
ويؤدي فقدان الشهية العصبي إلى عدد من المضاعفات التي يمكن أن تصل في بعض الأحيان إلى الموت أو الانتحار، ويموت ما نسبته 15% من مجمل المصابين بهذا الاضطراب، بسبب المضاعفات التي يؤدي إليها سوء التغذية أو يمكن أن يصل الأمر إلى الانتحار.
وعموماً فإن تنظيم عادات الكل والاهتمام بنظام غذائي سليم، يخفف من الأضرار الناجمة عن فقدان الشهية، ومن هذه المضاعفات تخلخل العظام الذي يحدث بسبب النظام الغذائي الفقير من الكالسيوم، ونتيجة للنشاط الجسماني المبالغ فيه تحدث إصابات في المفاصل.
وتنتشر ظاهرة كسور العظام لدى من يعانون هذا الاضطراب، ويمارسون نشاطاً بدنياً، إضافة إلى هشاشة العظام وعدم انتظام الحيض عند الإناث، ويطلق على هذه الظاهرة متلازمة ثالوث الإناث الرياضي، ويتسبب الاستخدام الخاطئ للمواد المسهلة أو بسبب الجفاف المستمر في مشاكل وظيفية في الكبد، كما تحدث مشاكل في القلب مثل اضطرابات نظم القلب وانخفاض ضغط الدم، وبالنسبة للأسنان تصاب بالثقوب أو فراغ نسيج السن.

الاعتراف.. الخطوة الأولى

تعتبر الخطوة الأولى في علاج اضطراب فقد الشهية العصبي، هي الاعتراف بأن هناك مشكلة تحتاج زيارة الطبيب والحصول على مشورة وعلاج، وأحد أكبر التحديات في علاج هذا الاضطراب، جعْل المصاب يتقبل فكرة أن سلوكه غير طبيعي. يجب أن يعي المحيطون بمريض اضطراب فقدان الشهية العصبي أن علاج هذا الاضطراب يستغرق فترة طويلة، ومن الجائز أن تتجاوز 5 سنوات، ويعد أمراً وارداً وشائعاً حدوث انتكاسة للحالة، كما أن نصف المتعافين من هذا الاضطراب يتعرضون لمشاكل تتعلق بالأكل الصحي، ويعتبر العلاج النفسي ضرورياً في حالات فقدان الشهية العصبي.
ويشجع المريض في جلسات العلاج النفسي على التنفيس عن رغباته ومشاعره والخبرات المكتسبة لديه، وكل ذلك بهدف الوصول إلى العوامل الدفينة وراء الإصابة بهذا الاضطراب، ويشجع العلاج السلوكي المعرفي المريض على تغيير الأفكار غير العقلانية عن وزن الجسم، ولذلك فهو فعال ومهم.
وتشتمل هذه البرامج في العادة على تنظيم وجبات الأكل، والتشجيع في حالة اكتساب المريض للوزن، مع بعض الأنشطة مثل الاستماع إلى الراديو، ومشاهدة التلفزيون، ويعتبر العلاج الأسري مهم للغاية، رغم افتقاده للدراسة والبحث، غير أن هناك حالات تم علاجها وشفاؤها.
ودور العلاج الأسري هو التبصير بالصراعات وتحدي مشكلة المريض على أنها مشكلة الأسرة بأكملها، ويتم تعليم الأسرة طرق التعامل مع الأبناء فيما يتعلق بالطعام.

سبب الوفاة

تشير دراسة حديثة إلى أنه يتم تشخيص اضطراب فقدان الشهية العصبي عندما يكون وزن المصاب أقل من 15% من الوزن المناسب لطوله وعمره، ويصيب هذا الاضطراب الرجال والنساء، وإن كانت إصابة السيدات والفتيات أكثر، وحالياً ترصد بعض الإحصاءات زيادة إصابة الرجال بهذا الاضطراب.
وفي الغالب فإن المراهقين والشباب عرضة أكثر للإصابة، وإن كان تم رصد حالات من كبار السن لكن بدرجة أقل، ويكون لدى المصابين بفقدان الشهية العصبي هوس بقياس الوزن، ولأجل ذلك يتأكدون من عدم زيادة الوزن أكثر من مرة في اليوم، كما أنهم يحتفظون بمجلات التغذية وقوائم الطعام.
وبحسب الإحصاءات فإن فقدان الشهية يعتبر أحد الأسباب الرئيسية للوفيات، التي ترتبط بالصحة النفسية، ويمكن أن يكون وراء هذا سوء التغذية أو نتيجة لانتحار المريض.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"