حقوق الإنسان في الإسلام فوق المقارنة

أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية ل "الخليج":
04:01 صباحا
قراءة 6 دقائق
قال د. جعفر عبد السلام، أستاذ القانون الدولي والأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية: إن التقارير التي تصدرها منظمات دولية حول انتهاكات لحقوق الإنسان في الدول الإسلامية مبهمة ومغرضة أحياناً، مؤكداً أن رصيد الشريعة الإسلامية في مجال حماية حقوق الإنسان يفوق رصيد كل الأنظمة الحديثة التي تتشدق بهذه الحقوق. وأشار د. عبدالسلام إلى أن الجماعات المتطرفة التي ترفع شعارات دينية في العالم الإسلامي منحرفة الفكر والسلوك ولا علاقة لها بالإسلام، وأن مواجهة هذه الجماعات واجبة على الجميع. وفيما يلي تفاصيل حوارنا معه: 
 
} أشارت تقارير لمنظمات دولية إلى تزايد انتهاكات حقوق الإنسان في كثير من الدول الإسلامية.. هل لهذا دلالة من وجهة نظركم؟
 
- تقارير تلك المنظمات مبهمة وأحياناً مغرضة، فهي لم تقل لنا من الذي يهدر حقوق الإنسان في البلاد الإسلامية التي تتحدث عنها.. هل هي السلطات القائمة في هذه البلاد.. أم تهدر حقوق الإنسان جماعات وعصابات تدعي زوراً وبهتاناً أنها تعمل بالإسلام وتأتي كل تصرفاتها على النقيض من ذلك، حيث تمارس العنف بكل صوره وأشكاله مع من يقعون في براثنها.
 
لكن في كل الأحوال فإن المعنى الذي ترمي إليه هذه المنظمات من تركيزها على تقارير مبهمة عن حقوق الإنسان في البلاد الإسلامية لن يتحقق، فهي تستهدف إثارة اللغط حول موقف الإسلام من قضية حقوق الإنسان، وهو موقف واضح وحاسم وليس في حاجة إلى تأكيد، ورصيد الشريعة الإسلامية في مجال حماية حقوق الإنسان أكثر من رصيد كل التشريعات التي تناولت هذا الأمر لدى كل الأنظمة الحديثة التي تتشدق بشعارات حقوق الإنسان.
 
انبهار مستهجن
 
ويضيف: مشكلتنا في البلاد الإسلامية أننا عندما نتحدث عن حقوق الإنسان نسير على خطى الغرب، ودائماً نعبر عن انبهارنا بفكره وأنظمته وهذا نتاج للغزو الفكري والتشريعي لمجتمعاتنا على يد الاستعمار، وهذا الوضع لا ينبغي أن يستمر، فقد صارت دولنا أعضاء في الأمم المتحدة، وأصبحنا نشارك في صناعة القوانين الدولية عن طريق لجنة القانون الدولي، ومن خلال المؤتمرات الدولية العديدة التي تقوم بوضع الاتفاقيات الشارعة التي تنظم شؤون المجتمع الدولي الآن.
 
لقد وافقت الدول الإسلامية على الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان بأجزائها الثلاثة: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الصادر في العام نفسه، وقد اشتركت دول إسلامية عديدة في صياغته، وكان دور هذه الدول أكبر في صياغة اتفاقية حقوق الطفل عام 1988 حيث ظهر دور الأحكام الإسلامية فيها بشكل واضح، وكذا العديد من الاتفاقيات الأخرى الخاصة بعدم التحيز ضد المرأة وحماية ضحايا الحرب «اتفاقيات جنيف» عام 1949م وكان الدور الإسلامي في صياغة ملحقين لهذه الاتفاقيات عام 1977 واضحاً كذلك.
 
هذا ما تم خلال العقود الماضية.. أما الآن فإن دور الدول الإسلامية في صياغة قواعد السلوك لحماية حقوق الإنسان وحرياته ينبغي أن يكون أكبر، حيث يجب أن نبين رؤيتنا وموقف شريعتنا من قضية حقوق الإنسان، فالإسلام في هذا الملف يحمل رؤى متميزة ينبغي أن يقف عليها العالم.
 
رؤية متميزة
 
} ما الذي يميز الرؤية الإسلامية لقضية حقوق الإنسان ؟
 
- ما يميز الرؤية الإسلامية أنها تستند إلى تشريعات عادلة مصدرها الوحي الإلهي، والمشرع هنا هو الله العادل الحكيم العليم بكل أحوال خلقه، وإذا كانت التشريعات الوضعية المنظمة لحقوق الإنسان تحمل عقوبات دنيوية لكل من يهدر هذه الحقوق، فإن تشريعات الإسلام المنظمة لتلك الحقوق تكتسب قوة أكبر، لأن مخالفتها يترتب عليها جزاء أخروي إلى جانب الجزاء الدنيوي، وهذا الأمر يتفاعل مع عقيدة الإنسان ويمس جوارحه، فهو أكثر فاعلية، من الجزاء الدنيوي فقط.  ومن يقارن ما جاء به الإسلام في منظومة الحقوق بما جاء في تشريعات وتنظيمات وضعية يتأكد أن الإسلام يضيف إلى الحقوق الإنسانية التي تتناولها الوثائق الحديثة، أبعاداً جديدة أو يزيد فاعلية الحقوق القائمة، أو يوضح جوانب للواجبات إلى جانب الحقوق في هذه القضايا.  وهنا ينبغي أن نفرق بين موقف الإسلام من قضية حقوق الإنسان، وهو موقف حضاري متميز وداعم لهذه الحقوق، وبين الواقع الذي يعيشه الإنسان في كثير من البلاد العربية والإسلامية، ولا بد أن نعترف في شجاعة بأن وضع حقوق الإنسان في عدد من البلاد الإسلامية ليس نموذجاً لما جاء به الإسلام ولا بد أن نعترف بأن دولاً إسلامية وعربية عديدة لا تحترم الكثير من حقوق الإنسان وتميل إلى إساءة استخدام السلطة بأعمال مختلفة وممارسات متنوعة وهو ما يرفضه الإسلام، أي أن الإسلام أرسى مبادئ حقوق الإنسان والمسلمون أهدروها.

حق الحياة
 
} ما حجم مساحة حقوق الإنسان في الإسلام وما نوعية الحقوق التي اهتمت بها شريعتنا الغراء؟
 
- الإسلام أعطى كل حقوق الإنسان ما تستحق من اهتمام وعناية، وأول هذه الحقوق حق الحياة، فهو رأس الحقوق التي يحميها الإسلام، وهناك العديد من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الصحيحة التي أوردت حق الحياة، كما أن العديد من الآيات والأحاديث شددت النكير على كل من يعتدي على هذا الحق. والإسلام يوجب القصاص على كل من يعتدي على حق الحياة، أو على حق الإنسان في سلامة جسده، وهناك من يعتبر القصاص عقوبة قاسية، مع أننا إذا تعمقنا في الأمر لا نجده عقوبة، وإنما هو مقابلة للشر الذي وقع بشر مثله، وهذا أمر ضروري لتحقيق الأمن الجماعي في المجتمع ولقيام التجمع البشري بشكل عام. ولأهمية الحق في الحياة يقول سبحانه: «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق» كما يقول: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى». ويقول: «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب»، بل نجد القرآن الكريم يشدد النكير على من يقتل غيره، ويعتبر جريمة القتل واقعة على النظام الاجتماعي والسياسي: «أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».
 
جماعات الضلال
 
} إهدار حقوق الإنسان في العالم الإسلامي أصبح يتم الآن على يد جماعات وتنظيمات ترفع شعارات دينية.. أليس في هذا تشويه للإسلام وعطائه في مجال حقوق الإنسان؟
 
- لا شك أن هذه التنظيمات المتطرفة ضالة منحرفة الفكر والسلوك ولا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد، ومواجهتها واجبة على الجميع.
 
وجماعات التطرف التي تنتشر في بلادنا العربية والإسلامية على اختلاف مسمياتها وتوجهاتها لا تعرف للإنسان حقوقاً وتتبارى في ارتكاب الجرائم ولا بد من مواجهتها فكرياً وأمنياً حتى نحمي مجتمعاتنا من جرائمها.
 
} كيف تعامل الفقه الإسلامي مع هؤلاء المجرمين؟
 
- الواقع أن الفقه الإسلامي التقليدي لم يستخدم مصطلح «الإرهاب» الشائع في عصرنا، وإنما استخدم مصطلحًا آخر يتطابق مع فكرة العدوان على الأرواح والأموال مع قصد بث الرعب في الناس، وهو مصطلح الحرابة، وهي حد من الحدود، ومعروف أن الحدود تطلق على أشد الجرائم بشاعة والتي ترتكب ضد الجماعة الإسلامية بشكل عام.
 
المصالح المرسلة
 
} البعض يتعامل مع الشريعة الإسلامية بمنطق المصلحة.. فهل يجوز التعامل مع شرع الله بهذا المنطق؟
 
- لو تعامل الجميع مع شريعتنا بمنطق المصلحة لآمن بها كل أهل الأرض وعملوا بها، فالمصلحة موجودة في كل تشريع إسلامي، والفقهاء يقولون عبارة شهيرة (حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله)، فوجود مصلحة أمر ضروري ومهم في كل تشريع للاقتناع به والإقبال على تنفيذه.. لذا كانت فكرة المصلحة، هدفاً رئيسياً لكل تشريع.
 
وفي شريعتنا الغراء تقوم المصلحة بدور مهم في المجال التشريعي، ربما لا تقوم به في أي نظام آخر، فهي ليست هدفاً عاماً للشريعة، ومقصداً كلياً من مقاصدها فحسب، بل هي حكمة واضحة وجلية في كل ما نصت عليه واهتمت به، فالحكم الشرعي يوجد حيث توجد المصلحة، وينتهي الحكم حيث لا توجد المصلحة.. لذلك كانت «المصالح المرسلة» أساساً آخر لتشريع الأحكام في الإسلام.
 
وقد أخذ علماء الشريعة بفكرة «المصالح المرسلة» واعتبروها من مصادر الشريعة، والمصالح المرسلة هي مصالح سكت عنها الشارع، فلم يشهد لها بالاعتبار، أو الإلغاء بنص معين، فلا دليل يدل على الإذن بتحصيلها وبناء الأحكام عليها، بل تركها لأولي الأمر من المجتهدين يأخذون بها إذا اقتضى حالها الأخذ بها ويتركونها إذا أدت إلى ضرر.
 
والواقع أن الفقهاء اتفقوا على أن المصالح المرسلة تعتبر أحد الأدلة التي يمكن استخدامها لوضع أحكام جديدة بشرط ألا تخرج عن النصوص أو الأحكام المجمع عليها من جماعة المسلمين.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"