قلعة “المريجب” أقدم حصون العين

شيدت للحراسة وتوزيع الزاد وحفظ الماء
00:30 صباحا
قراءة 4 دقائق
الشارقة - عثمان حسن:
ترد لفظة القلعة والجمع قلاع في القواميس بمعان تحمل صفة المهابة والشموخ، ولعل ذكرها في التاريخ القديم ارتبط بالحروب والمعارك، من هنا، اقترانها بلفظة الحصن التي كانت تؤدي الغرض نفسه من وسائل الدفاع، وصد الهجوم المباغت . والحصون أو القلاع في الإمارات، على اختلاف أشكالها المعمارية، وأيضاً مع مراعاة تنوع المواد التي صنعت منها واجهاتها وجدرانها وسقوفها وشواهقها العالية، ارتبطت بأسباب إنسانية وإدارية، وبدوافع إجرائية واستراتيجية أحياناً، كحفظ المياه والزاد وتوزيعه على الفقراء والمحتاجين، ومن ذلك قلعة "المريجب" .
"المريجب" كما يطلق عليها أهل الإمارات باللهجة الدارجة هي المريقب، وتعتبر بحسب ما تؤكد معظم الدراسات إحدى أقدم القلاع المهمة في مدينة العين، أما تاريخ بنائها فيعود إلى العام 1816 على يدي الشيخ شخبوط بن زياب وهو من أسرة آل نهيان بعد أن خلف أبيه الشيخ ذياب بن عيسى، لتكون مكاناً لإقامته ولاستضافة أصحاب المقامات الرفيعة وحماية موارد المياه المحلية .
يؤكد هذه المعلومة خلفان محمد الظاهري خبير علم الأعراق البشرية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، كما يؤكدها غيره من الباحثين الإماراتيين .
"المريجب" اليوم ليست كحالها في الأمس، فهي قلعة مرممة وتقع وسط حديقة مملوءة بالأشجار الخضراء بينها شجرة النخيل بكل تأكيد، ومن ينظر إليها ويتفحص الطرق المؤدية إلى جهاتها الأربع سيلحظ تصميماً هندسياً غاية في الأناقة والجمال، ربما لأنها تستحق هذه الإحاطة وهي التي قامت في زمانها البعيد بأدوار عدة جمعت بين خزن المياه والمحاصيل لوقت الشدة والبؤس، حيث كان يقوم المشرفون على خزائنها وبأمر من حكام ذلك العهد من آل نهيان بتوزيع موجوداتها على المحتاجين والمعوزين .
القلعة تتكون من ثلاثة مبان، وبالأحرى من قلعة وبرجين منفصلين، غير أن الناظر إليها من بعيد يعتقد أنها ثلاث قلاع متجاورة، وهي تقع في حديقة الموجب من الجهة الجنوبية، وشمال شرق واحة القطارة . تثير المريجب لدى المشاهد بهجة لا نظير لها، كما أن ترميمها من قبل الدوائر المختصة أضاء على أناقة تصميمها المعماري، فظهرت بحلة جديدة غاية في الجمال .
ألهمت القلعة الكثير من الكتاب، فها هو علي أبو الريش يكتب عنها تحت عنوان (قلعة المريجب . . تقول: لوح التاريخ لا يبلى) ما يفتن الوجدان بلغة تستشرف الجمال وتدقق في التفاصيل، وتستقرئ الماضي فيقول: "قلعة المريجب في العين عند شفة التاريخ لغة تمشي على سطر الذاكرة وتحفظ نشيد الأولين وتقرض الشعر نبطياً بقافية الأمل ووزن الرمل، متزملة بمرحلة تلو المرحلة بألف . . ألف مسألة تحصد ملاحم التاريخ وترسم ملامح الأرض والنقش من وشم الوجوه التي أشرقت وأنورت وأثمرت وتفرعت بابتسامات ناصعات وعيون لا تخطئ النظر في الأفل والمنتظر في الجزيل والمختصر، في الشامخ والمنحدر، في الناصع والكدر، في اليافع والمحتضر، قلعة المريجب هي الرقيب والحسيب والحبيب والرحيب والمجيب لأسئلة تخص حفيف الفكرة وتخص حفيف العبرة، وتقضي قفيف القدرة وتستولي على كل من عبر السبيل متمشياً عند ناصية الجغرافيا في عمق سهوب التاريخ . . إلخ" .
يؤكد د . يحيى محمود أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الإمارات المعلومة التاريخية حول بناء القلعة وأنها أنشئت في عهد الشيخ الراحل شخبوط بن ذياب آل نهيان شمال القطارة، وهي من أقدم قلاع العين على الإطلاق، كما يتحدث عن بعض التفاصيل الإنشائية بقوله: "برجا القلعة يختلفان فيما بينهما من حيث الشكل والأغراض التي يستخدم فيها كل منهما، فأحدهما أسطواني ويقع في الجزء الجنوبي الشرقي من القلعة الأصلية، وهو مخصص لأغراض المراقبة والدفاع، لذا فهو مزود بعدد من "المزاغل" وفتحات الرمي، أما البرج الآخر فهو مربع الشكل ويقع في الجزء الشمالي الغربي من القلعة ويرجح أنه كان معداً لغرض السكن والإقامة، ويشبه د . محمود المريجب بقلعة الرميلة التي لا تبعد كثيراً عنها من حيث أولوية أغراض المراقبة والاستطلاع والتي تتماشى مع خصوصية موقعهما .
استرعت "قلعة المريجب" نظراً لجمال وتطور تصميمها المعماري وبسبب موقعها الجغرافي انتباه طلاب العلم وبالأخص الهندسة المعمارية، فقبل سنتين قامت مجموعة من طالبات جامعة الإمارات وعددهن 15 وبالتعاون مع هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، بإنهاء مشروع بحثي حول القلعة استغرقن العمل عليه فصلاً دراسياً كاملاً، بهدف تعلم تقنيات التوثيق الأساسية وممارسة التشكيل الثلاثي الأبعاد لهيكل قائم، وتطوير موقع إلكتروني تفاعلي يظهر تاريخ البناء والمواد المبني منها وحالة البناء، قامت الطالبات بإجراء بحوث مكثفة حول تاريخ بنائها، والتقاط الصور وقياسات الموقع، فشكلت المادة التاريخية تحدياً مفيداً في تعلم تقنيات التوثيق باستخدام جهاز يعرف ب"المحطة الكلية"، وهي أداة تمكن من القياس بدقة باستخدام أشعة الليزر .
قامت الطالبات في ذلك الحين بتصميم معماري ثلاثي الأبعاد مكنهن من رسم خرائط لمختلف جوانب البناء بما في ذلك العناصر الرئيسية له والهيكل وتصدعاته وغير ذلك من التفاصيل العلمية .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"