أمراض المناعة الذاتية.. الجسم يهاجم نفسه

05:37 صباحا
قراءة 6 دقائق
«أمراض المناعة الذاتية».. من أخطر الأمراض التي تهاجم الإنسان وتسبب أنواعاً كثيرة من الأمراض وبعضها تصل درجة خطورتها إلى نسب مرتفعة للغاية، وهي حالة مرضية ناتجة عن إصابة الجهاز المناعي للشخص بحالة من الخلل، وهو ما يعني فقدان هذا الجهاز القدرة على التمييز بين ما هو عدو وما هو مفيد للجسم، ويصبح جهاز المناعة في حالة اضطراب وغالباً ما يهاجم بعض أجهزة الجسم أو بعض الأنسجة أو الغدد أو بعض خلايا الجسم نفسه، أو يسبب عدم استجابة الخلايا لبعض المواد المهمة والمفيدة للجسم، وفي هذه الحالة يطلقون على جهاز المناعة أنه يأكل نفسه أو يدمر نفسه ذاتياً، حسب المرض والحالة التي يصاب بها هذا الجهاز.
يصف بعض المتخصصين هذه الحالة للجهاز المناعي بأنه نشاط غير طبيعي لهذا الجهاز، ومن فرط هذا النشاط يصبح جهاز المناعة في حالة تأهب مستمرة ومهاجمة أي شيء يقابله حتى وإن كانت أنسجة الجسم نفسه، فهو فاقد للقدرة على التفرقة بين خلايا الجسم وأنسجته وبين الأجسام الغريبة التي تهاجم الجسم مثل الجراثيم والفيروسات والبكتيريا والفطريات، وسوف نلقي الضوء على بعض الأسباب التي تؤدي إلى الوصول إلى هذه الحالة من مرض المناعة الذاتية، وأيضاً بعض النصائح للوقاية، وشرح جوانب وتفاصيل هذا المرض.
فشل وظيفي

توضح العديد من الدراسات والأبحاث أن أمراض المناعة الذاتية حالة مرضية تهاجم الأجهزة المناعية لبعض الأشخاص مسببة نوعاً من الفشل لجهاز المناعة في التفرقة بين خلايا الجسم وبين خلايا الأجسام الدخيلة والغريبة على الجسم، ما يؤدي إلى مهاجمة بعض أنسجة وأجهزة وخلايا الجسم السليم وتدميرها والقضاء عليها مثلما يفعل مع الفيروسات والجراثيم، وبسبب هذه الحالة المرضية لجهاز المناعة يصبح الجسم نفسه هدفاً للمناعة، فيقوم الجهاز بإفراز أجسام مضادة مناعية ضد بعض أنسجة الجسم، وبالتالي يحدث نوع من الضرر والتدمير لهذه الأنسجة والخلايا بشكل كبير، وبذلك تفقد هذه الخلايا والأنسجة نسبة كبيرة من القدرة على تأدية وظائفها والمهام المنوطة بها داخل الجسم، وتفتح الباب على مصراعيه للإصابة بالعديد من الأمراض والمشاكل الصحية، وتتحدد هذه الأمراض من خلال الأجهزة التي تمت مهاجمتها أو أنواع الخلايا أو الأنسجة التي تم القضاء على معظمها فكل نسيج له وظيفة وكل جهاز له مهام، فعلى سبيل المثال يمكن لجهاز المناعة أن يهاجم أجزاء من الغشاء القاعدي الذي يبطن الكليتين والرئتين، كما يمكن أن يهاجم بعض الغدد في الجسم محدثاً تلفاً وضرراً كبيرين بها ينعكس على الإفرازات التي تصدر منها، ما يؤدي إلى خلل في الجسم.
خلايا غريبة

تضيف نتائج الدراسات المتخصصة في مجال المناعة والدفاع الذاتي أنه في حالة إصابة الشخص بمرض المناعة الذاتية، فإن الجسم يهاجم نفسه من دون تمييز أو من دون وعي، وفي هذه الحالة يعتبر جهاز المناعة خلايا الجسم السليمة خلايا غريبة تغزو الجسم ويجب القضاء عليها وتبدأ مرحلة التدمير الذاتي، حيث يقوم بتدمير نسيج من أنسجة الجسم ويحدث خللاً في نمو أحد أعضاء الجسم المصاب أو على الأقل تغيير في بعض وظائفه الطبيعية، فيمكن أن يهاجم الجهاز المناعي الغدة الدرقية مثلاً محدثاً فيها تأثيرات كبيرة على وظائفها.
يصيب السيدات أكثر

كشف العلماء أن أمراض المناعة الذاتية منتشرة ومتفشية أكثر بين السيدات عن الرجال، نتيجة ما تمر به السيدات من ظروف طبيعية مثل الحمل والرضاعة ويتطلب ذلك جهازاً مناعياً قوياًَ يستطيع أن يحمي النساء في هذه الظروف، ونتيجة القوة الكبيرة في جهاز المناعة لدى السيدات أكثر من الرجال فإن فرص واحتمالات الإصابة والضرر من أمراض المناعة الذاتية أكبر بكثير من الرجل، والضرر يكون حسب العضو الذي يهاجمه جهاز المناعة ويسبب عطباً وخللاً في وظائفه وقدرته على العمل الطبيعي المعتاد.
العجز أمام السرطان

تشير الدراسات إلى أن من مهام جهاز المناعة في الظروف الطبيعية والصحية السليمة لهذا الجهاز، البحث عن الخلايا السرطانية التي تنمو بشكل غير طبيعي وغير منتظم وتتكاثر بصورة كبيرة وتفقد صفات الخلية العادية والطبيعية، بل وتهاجم الخلايا الطبيعية السليمة ولا تمنحها فرصة للبقاء فتقضي عليها، وعندما يجد جهاز المناعة هذه الخلايا السرطانية غير الطبيعية يميزها ويتعرف إليها بسهولة في بداية خطة الدفاع لوضع برنامج مهاجمة هذه الخلايا عبر الخطوات الطبيعية لعمل هذا الجهاز، وفي النهاية يهاجم هذه الخلايا السرطانية ويعمل على تدميرها والقضاء عليها نهائياً، وفي حالات الإصابة بأمراض المناعة الذاتية فإن جهاز المناعة تحدث به اضطرابات وخلل يجعله يفقد هذه الخاصية المهمة من عمله، وهي التعرف المبدئي إلى الخلايا السرطانية غير الطبيعية، ويفقد القدرة علي تميزها، وبالتالي لن يضع خطة ولا برنامجاً للقضاء على هذه الخلايا السرطانية، ما يجعل الفرصة متاحة أمام هذه الخلايا السرطانية بالتكاثر المتسارع والانتشار في العضو المصاب أو النسيج أو الجهاز، وتبدأ رحلة المعاناة والعلاج الكيميائي، عوضاً عن تقصير جهاز المناعة المصاب في التخلص من هذه الخلايا السرطانية.
مشاكل صحية

تكشف بعض الأبحاث أن مرض المناعة الذاتية يسبب بعض المشاكل الصحية، مثل ضعف في نمو بعض الأعضاء المصابة أو ضمور في النمو ويصبح النمو بصفة عامة لهذا العضو غير طبيعي، وقد يؤدي إلى قصور في وظائف وأداء ومهام الأجهزة المصابة أيضاً، والسبب أنه يقود إلى تدمير وإتلاف بعض الأنسجة والأجهزة في جسم المريض، وقد بينت بعض الإحصائيات أن أمراض المناعة الذاتية تسبب إصابة المرضى بأكثر من واحد وثمانين مرضاً ما بين خطر ومتوسط، وكلها أمراض مرتبطة بهذه الحالة المرضية لجهاز المناعة، ومعظم هذه الأمراض التي يسببها خلل جهاز المناعة يكون من النوع المزمن والمستمر مع المصابين، بل في الحالات التي يهاجم فيها جهاز المناعة أجهزة حيوية من الجسم بشكل حاد يؤدي ذلك إلى حالات كثيرة من الوفاة، حيث يمكن أن يتلف خلايا الدم الحمراء ويحدث خللاً في نسبتها ووظائفها، وفي حالة مهاجمة العضلات يسبب مرض ضعف ووهن العضلات بشكل كبير، كما يتلف طبقات الجلد المختلفة، وقد ذكرنا أنه يهاجم الغدة الدرقية ويحدث خللاً كبير بها، وأيضاً يعمل على تدمير الأنسجة الضامة في بعض الحالات، ويسبب مرض التهابات المفاصل، ويمنع مرض المناعة الذاتية خلايا الجسم من تقبل الأنسولين فيسبب مرض السكري من النوع الثاني، وكذلك يسبب مرض الصدفية.
الشلل الكلي

أما في حالة مهاجمة الجلد فيسبب مرض الذئبة الحمراء، وعندما يهاجم جهاز المناعة مفاصل الجسم يؤدي إلى مرض الروماتويد، أما في الحالات الخطرة فقد يسبب الإصابة بمرض التصلب المتعدد الحاد، وفي هذا المرض يهاجم جهاز المناعة بعض الخلايا العصبية مثل جدار الأعصاب عند بعض الحالات المرضية، ما يسبب حالة من الإصابة بالشلل الكلي للجسم، وتكشف الأبحاث أن جهاز مناعة المريض يقوم بمهاجمة صمامات القلب في بعض الحالات المصابة بهذا المرض، وكذلك يهاجم أعضاء وأجهزة حيوية ومهمة مثل جهاز الكبد والكليتين والطحال.
معدل الانتشار

يذكر الأطباء المختصون أن أمراض المناعة الذاتية من الأمراض التي يمكن أن نطلق عليها الأمراض المنتشرة بصورة نسبية، فهي على سبيل المثال في حالة مرضى السكري تكون متفشية بشكل كبير وبنسب مرتفعة، وتقل هذه النسبة مثلاً في حالة مرض التهاب الغدة الدرقية ومرض الروماتويد أيضاً، أما في حالة مرض التهابات الكبد المزمن فإن النسبة تقل بصورة كبيرة، وتكشف بعض الأبحاث عن أرقام الإحصائيات التي تم تسجيلها في مرض المناعة الذاتية، فمثلاً تبين أن السيدات اللواتي يعانين مرض الذئبة الحمراء ومرض التصلب المتعدد تصل نسبتهن إلى ما يقرب من ثمانية وثمانين في المئة من إجمالي الأشخاص المصابين بأمراض المناعة الذاتية، وكان الملاحظة أن هؤلاء السيدات في عمر صغير بالتحديد سن الإنجاب، وتضيف الأبحاث أن هناك بعض الأشخاص الذين يتعرضون لهذا المرض أكثر من الآخرين، ومنهم الأشخاص الذين يتعرضون باستمرار للعدوى البكتيرية والجرثومية والفيروسية، أو يتعرضون لبعض المواد الكيميائية بصورة متكررة ودائمة ما يجعل جهاز المناعة في حالة تحفز مستمر ودائم، وقد يصاب بالخلل من هذه الحالة المفرطة.

الوراثة والتلوث

أشارت الأبحاث إلى العامل الوراثي الذي قد يكون له دور كبير في انتقال هذا المرض من جيل إلى آخر عبر الجينات الوراثية، حيث تم تسجيل إصابة أشخاص من أسر وعائلات بعضهم كان مصاباً بهذا المرض، ونسبة العامل الوراثي هي الأكبر بين العوامل الأخرى، كما بينت الأبحاث أن بعض الجنسيات يمكن أن تكون أكثر إصابة بهذا المرض، وبعض الدراسات ذكرت أن التلوث البيئي الكبير والمستمر له عامل كبير في الإصابة بهذا المرض، وخاصة التلوث الإشعاعي في بعض المناطق أو نتيجة استخدام مواد مشعة في بعض الصناعات، ما يعرض العاملين بهذه المجالات إلى الإصابة بأمراض المناعة الذاتية، وبعض الأبحاث ذكرت دور العديد من الأدوية والعلاجات والمضادات في الإصابة بهذه الحالة المرضية، كما ذكروا عوامل التغييرات الهرمونية الكبيرة التي تحدث بالجسم، وأيضاً بعض الأمراض يمكن أن تؤثر في حالة جهاز المناعة وتؤدي إلى الإصابة بخلل فيه يجلب بعضاً من أمراض المناعة إلى جسم المريض النفسي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"