حفلات التخرج..باب تربح للمدارس والجامعات

ختام دراسي سنوي غير سار
04:23 صباحا
قراءة 7 دقائق
تحقيق جيهان شعيب

أيام ويلملم العام الدراسي أوراقه، وأبحاثه، ويطوي الطلبة كتبهم، وتغلق الفصول والقاعات؛ استعداداً لأداء الامتحانات، وفي الوقت ذاته تتزين المدارس، والجامعات؛ استعداداً لحفلات التخرج المنتظرة، والمقررة في ختام كل سنة دراسية، وعلى الوجه المقابل تخفق قلوب أولياء الأمور قلقاً، ووجساً، من رسوم الحفل التي عليهم سدادها، وتشمل: (روب التخرج، وكُلفة بوفيه الطعام، والزينة)، وما شابه.
رسوم حفلات التخرج تعد ختاماً دراسياً سنوياً غير سار، يعانيه معظم أولياء أمور الطلبة والطالبات، وحتى آباء وأمهات أطفال الروضة، فكما يقول عدد منهم ما كدنا نسدد أقساط الرسوم المدرسية، ونهدأ قليلاً، ونتنفس الصعداء من الضغوط المادية، حتى وجدنا أن كلاً من المدرسة، أو الجامعة، تطلب منا مبلغ كذا؛ نظير حفل التخرج، وبذلك فنحن في البداية نسدد رسوم دراسة وتحصيل، وفي النهاية نتكفل بكُلفة فرح وهرج!
والقضية ليست في فرض رسوم على أولياء الأمور؛ لتنظيم حفلات التخرج، ولكن في المبالغة بقيمتها، والتي تتفاوت من مدرسة وجامعة لأخرى، وتتعدى 1500 درهم في كثير منها، ولا تنقص عن 500 درهم في غالب مدارس الصغار، مما ينغص فرحة الأهالي بتخرج الأبناء؛ إذ يقول أحدهم عندما يشكو الجيب، تبكي العين، ويحزن القلب!
والمؤسف أن وزارة التربية والتعليم، كانت أصدرت خلال العام الماضي، تعميماً، شددت فيه على إدارات المدارس والرياض الحكومية والخاصة كافة، بعدم مطالبة أو تحميل ذوي الطلبة أي تكاليف مالية؛ لإقامة حفلات التخرج التي تقيمها المدارس مع نهاية كل عام دراسي، ومع ذلك لا حياة لمن تنادي، فالأمر كما هو؛ بل لجأت بعض المدارس لحيلة؛ تتمثل في دفع الأمهات من تحت الطاولة لادعاء تحملهن كُلفة حفل تخرج الأطفال، في حين تأخذ منهن مبلغ الحفل.
أما الجامعات فتتنافس في الشكل التنظيمي للحفل، ومستلزماته، وكُلفته، فكلما تفننت الجامعة في إخراجه بشكل مبهر، زادت قيمة الرسم المطالب به من قبل ولي الأمر، الذي أصبح كاهله مثقلاً بأعباء تفوق قدرته على التحمل، أو على الإيفاء بما هو مطالب به.
رسوم حفلات التخرج مشكلة تواجه أولياء الأمور، ولا يجدون لأنفسهم مخرجاً منها، لا سيما والكثير منهم يعتمدون بشكل أساسي على الجمعيات الخيرية في الدولة في تسديد رسوم الأبناء الدراسية؛ لضيق ذات يدهم، وبالفعل فالمساعدات التعليمية التي تقدمها الجمعيات الخيرية - من واقع تصريحها- تتصدر جدول مساعداتها الأخرى للفئات المختلفة، ومن ذلك جمعية الأسر المتعففة في أم القيوين، التي استفاد منها خلال العام الماضي، (367) طالب علم على مستوى المدارس والجامعات، بإجمالي مبلغ وقدره (3,436,645) درهماً.
قضية الرسوم، وربما كما ردد كثير من أولياء الأمور «الجباية» المستترة، محل بحث في التحقيق الآتي:

بداية تواردت شكاوى مريرة من أولياء الأمور عن ارتفاع رسوم حفلات التخرج، وتضمنها مظاهر بذخ تغالي فيها بعض المدارس والجامعات من دون أي فائدة، وقالوا: لا نستفيد على الإطلاق وبأي شكل من هذه الحفلات المبالغ فيها، فحتى الصور التذكارية التي يلتقطونها في الحفل للطلبة الخريجين، ندفع ثمنها مقدماً، إلى جانب أن هناك حفلات تقام في قاعات فاخرة في فنادق 5 نجوم، دون أي داعٍ لذلك، سوى «التربح» بتحصيل رسوم مرتفعة؛ إذ إن ولي الأمر يدفع مبلغاًَ كبيراً مقابل أن يرى ابنه الطالب يمر أمامه مرتدياً روب التخرج، وفي الوقت ذاته لا يستطيع أن يرفض حضور الحفل حتى لا يكسر خاطر ابنه، حتى كُلفة الورود والعروض المرئية التي يتضمنها الحفل، والطعام، والحلويات وغيرها، جميعها تحصل عليها المدارس والجامعات من جيوبنا نحن، فما الفائدة التي تعود علينا؛ جرّاء ذلك، نحن موافقون أن تقام حفلات تخرج للأبناء؛ لكن برسوم بسيطة غير مبالغ فيها؛ لذا لابد أن تضع الجهات المعنية رسوماً محددة لحفلات التخرج، تلتزم بها المدارس والجامعات.


المبالغة مرفوضة


ويرى د. أحمد الكندري رئيس جامعة الجزيرة أن رسوم حفلات التخرج الجامعية غير مبالغ فيها؛ لكونها معتمدة وفقاً للوائح متفق عليها، خلاف حفلات التخرج المدرسية، التي يجب إيجاد حل لها، عن طريق إدارات المدارس، ومجالس أولياء الأمور، لاسيما المبالغ فيها، في حين وبشكل عام، تعد الحفلات ضرورية؛ كونها ذكرى تبقى باقية وموثقة لدى الخريج، بما لا يمكن معه القيام بإلغائها، وقال: أؤكد أنه لا توجد أي مغالاة في رسوم حفلات التخرج في الجامعات، التي تعتمدها وتدرجها في لائحتها؛ لكن لا يجوز زيادة الترف في جوانب الحفل، بما يزيد الرسوم، التي يتم تحميلها للطالب، فيما إذا كان لزاماً أن يقام الحفل على هذه الشاكلة، فلابد أن تشارك إدارة الجامعة الطلبة في تحمل كُلفته، أو أن تتحمل الجامعة رسومه كاملة، إذا تجاوز السياق في المبالغة والبهرجة - المرفوضة-، بأن تتكفل بإقامته وتنظيمه على حسابها.


استنزاف غير مبرر


وينوه د. عبد الله بن حمودة الكتبي عضو المجلس البلدي لمدينة الشارقة عضو المجلس الاستشاري لجامعتي الشارقة وعجمان إلى أن حفلات التخرج ظاهرة جديدة بدأت في التفشي بين الوسط الأكاديمي، تقبل عليها الجامعات والمعاهد؛ حيث يقف فيها الطلبة الجامعيين وأولياء أمورهم بين نار الرسوم الدراسية الجامعية المرتفعة، ورمضاء رسوم وأعباء التخرج المالية الخفية غير المقررة. ويعتقد - وفقاً لقوله- إن حفلات التخرج تعد ظاهرة جديدة، يترتب عليها هدر مالي كبير يصل إلى آلاف الدراهم أحياناً، بينما «تكسر» نفوس فقيرة لا يمكنها الدفع بهذه الطريقة المبالغ بها، قائلاً: هكذا هي حفلات التخرج التي بالغت فيها بعض الجامعات والمعاهد، التي يبدأ الإعداد لها مع نهاية الامتحانات، وقبل تسليم الطلبة شهادات التخرج؛ حيث تبدأ سباقات محمومة؛ للظفر بالقاعات المشهورة، والصالات المرموقة التي كانت مقصورة على حفلات الأعراس، والمناسبات العامة في ظاهرة دخيلة على المجتمع، بقصد رفع مكانة الجامعة أو المعهد على حساب استنزاف جيوب طلبتها، وأولياء أمورهم، الأمر الذي يفسد على الجميع فرحتهم بالتخرج، وللأسف يوجد الكثير جداً من الطلبة المعسرين غير القادرين على استلام شهاداتهم الأكاديمية؛ بسبب الرسوم الدراسية المرتفعة، في وقت تقوم فيه الجامعات والمعاهد بزيادة الهموم والعبء على هؤلاء الطلبة وذويهم؛ بفرض رسوم غير مقررة، أو معتمدة؛ بحجة حفلات التخرج، والمشاركة فيها، فإن كان الطلبة غير قادرين على استلام شهاداتهم الأكاديمية المحددة لمصيرهم، ومستقبلهم المهني؛ لعدم قدرتهم على سداد مستحقاتها المالية، فهل يمتلكون القدرة على سداد رسوم حفلات رفاهية زائفة، الهدف منها الدعاية والإعلان.
نتمنى فعلاً أن نجد قراراً من الجهات المعنية، ينظم هذه العملية، ويحمي الطلبة وأولياء أمورهم من استنزاف أموالهم، دون وجه حق، من قبل الجامعات والمعاهد الأكاديمية والمهنية؛ بحجة المشاركة في حفلات التخرج، مع التهديد بالحرمان منها في حالة عدم الدفع، فيما تتسابق الجامعات العالمية في تخفيض الرسوم والأعباء المالية على الطلبة الجامعيين وذويهم؛ لتحقيق نهضة علمية مجتمعية، والارتقاء بالعملية الأكاديمية، ونشر المعرفة في الأجيال القادمة، في حين تتسابق جامعاتنا في الكسب المشروع وغير المشروع أحياناً؛ بهدف زيادة الاستثمارات، والمدخرات المالية على حساب النهضة العلمية المجتمعية، ومن دون أي اعتبار لحجم المعرفة المتداولة بين الأجيال القادمة
وللأسف هذا ما وصلت إليه العديد من جامعاتنا ومعاهدنا، والسؤال هنا، هل سيستمر ذاك الاستنزاف غير المبرر لجيوب طلبتنا وذويهم؟!


لسنا مختصين


نأتي للمدارس، ونقف على رأي د. سعيد الكعبي رئيس مجلس الشارقة للتعليم، الذي لا ينفي فكرة وأهمية حفلات التخرج؛ كونها المرحلة الأخيرة في حياة طالب الصف الثاني عشر، إلا أنه يرفض مبدأ المبالغة فيها، ويرى أن يقام الحفل الوداعي بشكل مبسط، ولفترة لا تتجاوز ساعة واحدة، على أن يتضمن فقرات يقدمها الطلبة أنفسهم، تحتوي على مواقف من أيامهم الدراسية، مع توجيههم الشكر لمعلميهم، إلى جانب تحدث أحد التربويين عن الخطوة اللاحقة للطلبة، وبيان التحديات التي من الممكن أن تواجههم، وكيفية التغلب عليها، قائلاً: أنا ضد فرض رسوم مرتفعة على حفلات التخرج، فيما نحن كمجلس تعليم، لسنا جهة اختصاص في تحديد رسوم الحفلات، أو إلغائها، أو حتى الإبقاء عليها.
أما شريفة موسى رئيس مجلس إدارة جمعية المعلمين، فطالبت بإلغاء حفلات التخرج بشكل عام، قائلة: اليوم حفلات التخرج تتعدى الحدود في البهرجة، والمبالغة، ونحن ضدها بشكل عام، لا سيما مع إرهاقها كاهل أولياء الأمور برسوم مادية مرتفعة لا يوجد أي داعٍ لها؛ لذا لابد من وجود قوانين رادعة؛ بحيث تمنع الحفلات التي ترهق ميزانيات الأسر، ومن الممكن أن يقيم الطلبة أنفسهم، ومن باب الاحتفال بالتخرج، حفلاً بسيطاًَ في الفصل الدراسي؛ لتوثيق ذكرى تخرجهم، فيما ستتولى جمعية المعلمين توعية المدارس بضرورة تجنب تنظيم هذه الحفلات المُكلفة، أما أولياء الأمور فعليهم عدم الرضوخ للمدارس، بدفع ما تطلبه من رسوم للحفلات، والامتناع عن ذلك، وإقناع الأبناء بمقاطعة هذه الحفلات وعدم حضورها.


مسؤولية أولياء الأمور


قال المستشار الأسري د. سعيد باليث: رصدنا ظاهرة ارتفاع رسوم حفلات التخرج، ووجدنا أن المشكلة في عدد من الأمهات وأولياء الأمور الذين يطالبون مدارس الروضة بتنظيم حفلات لأطفالهن، ويصرون على شراء زي محدد للحفل يرتديه أطفالهم خلاف الزي المدرسي، ويقومون بتزيين الصف المدرسي (المكان الذي سيقام به الحفل) بأنفسهم، فيما بشكل عام تناقض هذه الحفلات قرار وزير التربية والتعليم، الذي أصدر تعميماً بوقف تنظيمها في المدارس الحكومية، أما المدارس الخاصة التي تعد ربحية، فتصر على تنظيمها، وتلزم أولياء الأمور بتسديد رسوم مقابلها، وبالتالي تستفيد، مقابل إرهاق ميزانية ولي الأمر من هؤلاء، لا سيما إذا كان لديه ثلاثة أو أربعة أبناء.
لذا لا بد من أن تصدر وزارة التربية والتعليم قراراً قاطعاً يمنع المدارس الخاصة من تنظيم حفلات تخرج، أو أن تتكفل المدرسة نفسها بنفقاتها كاملة، من دون تحميل أو إلزام أولياء الأمور بأية رسوم مقابلها.


واقع مفروض


دعا علي حسن العاصي رئيس لجنة الأسر المتعففة في أم القيوين بجمعية دار البر، مسؤولي المدارس، والجامعات إلى تحمل مسؤولياتهم فيما يتعلق بإقامة حفلات التخرج، التي أصبحت واقعاً مفروضاً على الكثير من أولياء الأمور، وتترتب عليها نفقات مالية باهظة تؤرقهم وتكلفهم، وترهق ميزانياتهم دون أي داعٍ، فيما لا تُعبر عن الشعور الحقيقي لمعنى الفرح بالتخرج أو النجاح والتفوق.
وأكد بروز ظاهرة إقامة حفلات التخرج بشكل لافت وواسع الانتشار مؤخراً؛ نتيجة للتطور الحاصل في المجتمع، وصعود أجيال شبابية جديدة تريد مواكبة ما يدور من حولها من مظاهر اجتماعية جديدة محيطة بنا، بما ساهم في تصاعد وتيرة إقامة حفلات التخرج، الأمر الذي يتطلب على الجميع من أولياء أمور، ومؤسسات تعليمية أن تعزز دورها التوعوي؛ بالحد من إقامة تلك الحفلات المكُلفة مادياً.
وقال: تتلقى اللجنة العديد من الطلبات من أولياء أمور يطالبون بمساعدتهم؛ لتسديد رسوم حفلات التخرج، لكننا نرفضها شكلاً ومضموناً؛ لأنها تسير في الاتجاه الخاطئ، ولسنا جهة داعمة لمثل تلك المظاهر الدخيلة على المجتمع، والمهددة لكاهل الأسر مادياً، ففرحة النجاح لا يحدوها سوى التفوق، بمتابعة البحث العلمي، والمثابرة، والعمل؛ من أجل رفعة الوطن، وحصد الشهادة العلمية التي يعود نفعها على المجتمع والوطن على حد سواء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"