ابن عباس ترجمان القرآن ولسان حال البيان

أسماء مضيئة
12:53 مساء
قراءة 7 دقائق

أنعم عليه فاطر الأرض والسماء، ودعا له خاتم الرسل والأنبياء، وأفاد علمه الرعية والخلفاء.

ولد ابن عباس وعاش تحت لواء الإسلام، لم يدنس بشرك، أو يسجد لصنم، لازم النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ومسجده، وفي حله وترحاله، وتعلم منذ طفولته على هديه وسننه بصورة مباشرة، وروى الأحاديث عنه، ومنها هذا الحديث الذي يحدد المنهج القويم للمسلم في الدنيا والآخرة وهو المخاطب فيه من النبي.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: يا غلام، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف (رواه الترمذي).

وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا.

الحكمة والكتاب

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، كان صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.

وقد بلغ عدد الأحاديث التي رواها عبد الله بن عباس عن النبي 1660 حديثا وقيل 1696 حديثا وردت في كتب السنة الصحاح.

روى الإمام البخاري في الجامع الصحيح (صحيح البخاري) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ضمني النبي إلى صدره وقال: اللهم علمه الحكمة، اللهم علمه الكتاب.

وفي حجة الوداع كان عبد الله بن عباس في صحبة النبي، وكناه يومها بترجمان القرآن أي شارحه ومفسره.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال دعا النبي لابن عباس فقال: اللهم بارك فيه وانشر منه.

وقال عليه الصلاة والسلام وهو يشير إلى ابن عباس: هذا يكون حبر هذه الأمة أي عالمها الجليل.

ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل (التفسير).

شجرة طيبة

بدأ ابن عباس في علمه وتقواه كشجرة طيبة الثمار، وارفة الظلال كان صواما قواما، يبكي إذا قرأ القرآن، ويرتفع صوته بالبكاء إذا قرأ آيات الوعيد.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: عينان لا تمسهما النار، عين باتت تحرس في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله.

ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، كما قال النبي الكريم: رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، لم يتوقف علم ابن عباس عند تفسير القرآن الكريم، وأصول الفقه، ورواية الحديث النبوي بل كان مؤرخا يعرف تاريخ العرب وأنسابهم، ولغويا وأدبيا وفارسا من فرسان البلاغة والبيان.

كان ابن عباس في حالة بحث دائم دائب، تعلم من النبي صلى الله عليه وسلم أن المرء يظل عالما ما طلب العلم، فإن ظن أنه علم فقد جهل.

قال ابن عباس رضي الله عنه، كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر. فقال أحدهما: أنا فطرتها، أنا فطرتها، (أي حفرتها أو ابتدأتها)، وهنا أدرك العالم الباحث أن كلمة فاطر السماوات والأرض، تعني خالقها أو مبدعها.

فتى الكهول

قال ابن عباس: كنت أسأل عن الأمر الواحد 30 صحابيا، ويقول: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم، قلت لفتى من الأنصار هلم نسأل أصحاب رسول الله فإنهم اليوم كثير، فقال الفتى: عجبا لك يا بن عباس أترى الناس يفتقرون إليك وفيهم من أصحاب رسول الله من نرى.

كان ابن عباس يقصد منازل الصحابة في وقت الظهيرة الذي يشتد فيه الحر فينام أمام أبوابهم، والريح تلقي عليه الرمال وهو نائم فوق ردائه، وعندما يخرج الصحابي ويراه يقول: يا بن عم رسول الله ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليّ فآتيك، فيقول ابن عباس: أنت أحق بأن أسعى إليك، فيسأله عن الحديث ويتعلم منه.

كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يحرص على مشورته والاستفادة من علمه الواسع الغزير الذي تعلمه في مدرسة النبوة، وكان يدعوه للمعضلات (المسائل الصعبة) ومن حوله كبار الصحابة ويقول: أنت لها ولأمثالها. سأل المهاجرون أمير المؤمنين لماذا لا يقرب أبناءهم كما يفعل مع ابن عباس؟ فقال: ذاكم فتى الكهول.

20 ألفا

كان ابن عباس طيب القلب، سليم الصدر نقي السريرة، قال: إني لآتي على الآية من كتاب الله فأود لو أن الناس جميعا علموا مثل الذي أعلم.

وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يقضي بالعدل، ويحكم بالقسط، فأفرح به وأدعو له، ومالي عنده قضية.

وكان يسعى في قضاء حوائج الناس لدى الحكام ويسكت غيره، ويستمر هو في نضال مستمر، يسوق الدليل من كتاب الله وسنة رسوله إلى أن تقضى هذه الحاجات.

وكانت له مع الخوارج صولات وجولات دخل معهم في حوار ذات مرة حول عدد من المسائل التي اختلفوا فيها مع الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وأخذ يسوق الدليل بعد الدليل والحجة بعد الحجة حتى اقتنع عدد كبير منهم، وأعلن أكثر من 20 ألفا تأييدهم لرابع الخلفاء الراشدين.

80 بيتا

قال الإمام علي وهو يصف علمه إنه لغواص، وقالت عنه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها هو أعلم الناس بالحج. سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن شيء فقال: سل ابن عباس فإنه أعلم من بقي بما نزّل الله على محمد بن عبد الله كان ابن عباس آية في الحفظ، أنشده ابن ربيعة قصيدة من 80 بيتا فحفظها، وكان إذا سمع النوادب أغلق أذنيه خشية أن يحفظ كلامهن.

قال عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نعم ترجمان القرآن ابن عباس. وقال عمرو بن دينار ما رأيت مجلسا كان أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس. وعند وفاته قال: مات رباني هذه الأمة، وقال عطاء: كان الناس يأتون ابن عباس في الشعر والأنساب، وناس يأتونه لأيام العرب ووقائعهم، وناس يأتونه للفقه والعلم، وما رأيت أكرم من مجلس ابن عباس، ولحسان بن ثابت شاعر الرسول أبيات في فضائل ابن عباس ومآثره.

وينسب لابن عباس كتاب في تفسير القرآن الكريم جمعه أهل العلم نقلا عن الرواة.

قال عنه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ما رأيت أحدا أحضر فهمًا، ولا أكبر لبًا (عقلا) ولا أكثر علمًا، ولا أوسع حلمًا من ابن عباس.

ثلاث وثلاث

وقال عبد الله بن عتبة رضي الله عنه: ما رأيت أحدا كان أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن عباس، ولا رأيت أحدا أعلم بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه ولا أفقه في رأي منه، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا تفسير للقرآن ولا بحساب أو فريضة منه، وما رأيت عالما جلس إليه إلا خضع له، ولا سائلا سأله إلا وجد عنده علما.

قال عنه رجل من البصرة أثناء ولايته عليها: إنه آخذ لثلاث، تارك لثلاث، آخذ بقلوب الرجال إذا حَدث، وبحسن الاستماع إذا حُدث، وبأيسر الأمرين إذا خولف.

وتارك للمراء ومصادقة اللئام وما يعتذر منه.

وروى أحد معاصريه أنه رأى الناس مجتمعين على بابه حتى ضاق بهم الطريق، فما كان بوسع أحد أن يأتي أو يذهب فلما أخبر بذلك طلب الوضوء وجلس وقال اخرج إليهم وادع من يريد أن يسأل عن القرآن وتفسيره فدعاهم فدخلوا حتى امتلأ البيت فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم، ثم قال: إخوانكم.

وطلب دعوة من يريد السؤال في الحلال والحرام، وتكرر ذلك مع من يريد السؤال عن الفرائض، واللغة والشعر.

وقال الناس: ما رأينا بيتا أكثر طعاما ولا شرابا ولا فاكهة ولا علما من بيت ابن عباس.

كان ابن عباس طويل القامة، أبيض البشرة قوي الجسم، مشرق الوجه، يأسر القلوب، إذا فسر أو حدث، والعقول إذا حاور أو تحدث.

حبر الأمة

ابن عباس (3 ق.ه 68ه) (619 687م) هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكنى بأبي العباس وابن عباس وحبر الأمة وحبر العرب والبحر والصحابي الجليل. قال عليه الصلاة والسلام وهو يشير إلى ابن عباس هذا يكون حبر الأمة أي عالمها الجليل.

ولد في مكة المكرمة في شعب بني هاشم قبل ثلاث سنوات من الهجرة وعاش 71 عاما وتوفي بالطائف سنة 68ه ودفن بها.

والدته أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية، كان عمره 13 عاما عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، و8 سنوات عند الهجرة، وقد هاجر مع أخيه الفضل وكان الرسول في غزوة الخندق.

أسلم وعمره 8 سنوات وتولى إمارة الحج في خلافة عثمان بن عفان، واختاره الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه واليا على البصرة، وشارك معه في معركتي الجمل وصفين.

سئل من أين لك بكل هذا العلم؟

فقال: بلسان سؤول، وقلب عقول، كف بصره في أواخر أيامه، ولم ينقطع عن الصلاة بالمسجد حتى توفي في خلافة عبد الله بن الزبير، وصلى عليه الإمام محمد بن الحنفية ابن الإمام علي بن أبي طالب. قال الشعبي: ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عباس بزمام فرسه فنزل وقال، لا تفعل يا ابن عم رسول الله.

فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل مع علمائنا، وهنا قبّل زيد يد ابن عباس وقال: هكذا أمرنا أن نفعل مع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"