عمران خان يقود باكستان في طريق وعر

03:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أحمد قنديل*

رغم مزاعم التزوير ودون امتلاك غالبية مطلقة في الجمعية الوطنية الباكستانية، أصبح عمران خان، لاعب الكريكيت السابق الشهير، على وشك أن يكون رئيس الوزراء المقبل لباكستان، الدولة الإسلامية النووية الوحيدة في العالم، بعد أن قاد حزبه «حركة الإنصاف»، إلى النصر في الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 25 يوليو/تموز الماضي.
يحتاج عمران خان (52 عاماً) إلى دعم ما لا يقل عن 137 عضواً من أعضاء الجمعية الوطنية ليتمكن من تشكيل الحكومة الجديدة، وهو أمر يبدو سهلاً نسبياً، بعد حصول حزبه في الانتخابات الأخيرة على 115 مقعداً، وقدرته الواضحة على حشد الدعم السياسي من عشرات المستقلين وأعضاء الأحزاب الأصغر في البرلمان الباكستاني. وفي ضوء ذلك، من المنتظر أن يؤدي خان اليمين الدستورية في 14 أغسطس/آب الحالي، وهو اليوم الموافق للذكرى الحادية والسبعين لاستقلال البلاد، التي يبلغ عدد سكانها حاليا حوالي 207 ملايين شخص.
ويرى المراقبون أن رئيس الوزراء الجديد، وحزبه، قد تمكنا بشكل ملحوظ من اختراق الهيمنة السابقة لحزبَي «الرابطة الإسلامية» و«الشعب» على مقاليد السلطة السياسية في البلاد. حيث حصل حزب «الرابطة الإسلامية- جناح نواز»، بزعامة شقيقه شهباز شريف، على 62 مقعداً، وحزب «الشعب»، بزعامة بيلاوال بوتو، نجل الزعيمة الراحلة بي نظير بوتو، على 43 مقعداً فقط. وإلى جانب ذلك، كشفت الانتخابات الأخيرة أيضا عن تراجع تمثيل الجماعات الدينية المنضوية تحت تحالف «مجلس العمل المتحد» ل12 مقعداً فقط، فيما منيت «حركة المهاجرين القومية» في كراتشي وإقليم السند بأسوأ نتيجة منذ أكثر من ثلاثين عاما، حيث لم تحصل إلا على تسعة مقاعد. وقد شارك في هذه الانتخابات حوالي 56 مليون شخص، وهو ما يمثل حوالي 53 في المئة من إجمالي عدد الناخبين المسجلين والبالغ عددهم 106 ملايين ناخب لانتخاب الجمعية الوطنية القادمة وأربع جمعيات محلية.

وقد جاء انتصار خان وحزبه في الانتخابات الأخيرة نتيجة مجموعة من العوامل، لعل من أهمها النجاح الكبير في اجتذاب دعم الشباب الباكستاني خلال الخمس سنوات الأخيرة، من خلال رفع شعارات مكافحة الفساد ومواجهة سيطرة الحزبين الرئيسيين على الحكم في البلاد. حيث يشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة، والمتعطشين للتغيير، نسبة 44 في المئة من الناخبين. وبالنسبة للعديد من هؤلاء الشباب، لم يحقق الحزبان التقليديان طموحاتهم، في حين وعد خان بالوظائف ذات الأجر الجيد، والتعليم، والرعاية الصحية. كما ربط خان أيضا بين الفساد الرسمي وفشل الدولة في توفير السلع والخدمات التي يريدها الشباب. وفي هذا السياق، يشير عدد من المراقبين إلى أن تسريبات بنما عام 2016، والتي كشفت حيازة عائلة شريف على أملاك ومصادر دخل لم يتم الإفصاح عنها أمام لجنة الانتخابات، كانت ورقة رابحة بيد عمران خان، حيث بدأ من خلالها سلسلة من الملاحقات القضائية التي أطاحت بنواز شريف من رئاسة الوزراء في يوليو/تموز 2017، ثم في هذا العام، منعت المحكمة العليا شريف مدى الحياة من شغل المناصب العامة، وحُكم عليه الشهر الماضي بالسجن لمدة 10 سنوات. كما استفاد زعيم حزب حركة الإنصاف أيضا من عزوف الناخب الباكستاني عن التصويت لأي سياسي يسعى إلى استغلال المشاعر الدينية، وهو ما أدى إلى هزيمة ساحقة للأحزاب «الدينية».
لكن طريق خان إلى تنفيذ وعوده الانتخابية من أجل إقامة «باكستان الجديدة» الخالية من الفساد وذات معدلات التنمية المرتفعة ليس مفروشاً بالورود. فأمام خان- الذي ينحدر من عرقية البشتون- تحديات كبيرة، خاصة أن الأحزاب الرئيسية حافظت على معاقلها التقليدية. فلا يزال حزب الرابطة الإسلامية- جناح نواز- يسيطر على الحكومة المحلية والبرلمان المحلي في البنجاب، وحزب الشعب يسيطر على حكومة السند. ومن ناحية أخرى، توجد مزاعم متعددة بأن الانتخابات الأخيرة شابها التزوير، ما قد يعرقل مسيرة خان لإقامة «باكستان الجديدة».
وفي نفس الوقت، سوف تصطدم قدرة خان على تحقيق رؤيته ل«باكستان الجديدة» بعقبات اقتصادية صعبة. فالعملة الباكستانية في حالة انهيار متواصل (انخفضت بنسبة 15 في المئة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي)، والاحتياطيات الأجنبية متقلصة للغاية، والعجز التجاري هائل، ومعدلات التضخم والبطالة في تصاعد مستمر. ولذلك ركز عمران خان وحزبه في حملاتهم الانتخابية على أن السنوات الخمس القادمة ستكون لشد الأحزمة على البطون لمواجهة الاقتصاد المتعثر ومحاولة عدم زيادة ديون باكستان الخارجية، التي بلغت أكثر من تسعين مليار دولار، عدا عن الديون الداخلية من البنوك الوطنية التي تزيد على ستين مليار دولار تقريبا. ولم يستبعد أسد عمر، المرشح من حزب خان، لتولي وزارة المالية، اللجوء مجددا إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة أحد عشر مليار دولار، لكن مصادر الصندوق استبعدت إمكانية إعطاء قرض بهذا المبلغ، خاصة أن واشنطن قطعت المساعدات عن إسلام آباد العام الماضي، وليس من المتوقع أن تسهّل عملية إقراض كبيرة لباكستان بهذا الحجم من صندوق النقد الدولي.
كما ستواجه إسلام آباد، في ظل قيادة خان، تحديات دبلوماسية متعددة، لعل من أبرزها تنامي التوتر مع واشنطن بسبب السياسات الأمنية الحالية لإسلام آباد. كما كان رئيس الوزراء الجديد منتقداً شديدًا للغزو الأمريكي لأفغانستان، ولطالما هاجم الولايات المتحدة بسبب ضربات الطائرات من دون طيار في باكستان، وأعرب عن دعمه لمشاريع البنية التحتية التي تنفذها الصين في البلاد بقيمة 60 مليار دولار. وفي ضوء ذلك يتوقع عدد من الدوائر الأمنية والاستخباراتية الأمريكية والغربية أن يميل خان إلى تعزيز العلاقات مع كل من روسيا والصين وإيران، بما قد يؤثر بشدة على معادلات الأمن والاستقرار الإقليميين.
العلاقة بين خان والهند أيضا سوف تكون على الأرجح متوترة للغاية. حيث يرى المحللون الهنود زيادة احتمال الصدام بين الدولتين في ظل قيادة خان، وذلك في ضوء التوقعات بتنفيذه «الأعمى» لرغبات قادة الجيش الباكستاني، كما أن لديه أيضا تاريخًا طويلًا من الإدلاء بتصريحات ملتهبة حول كشمير.
على أي حال، يمكن القول إن باكستان بعد فوز عمران خان لن تكون ذاتها قبل ذلك، وستظل علاقة حزب «حركة الإنصاف» بالمؤسسة العسكرية هي الصمام الذي سيحدد المستقبل السياسي لرئيس الوزراء الباكستاني الجديد.
*خبير العلاقات الدولية والشؤون الآسيوية.
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (القاهرة)
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"