د . شهاب غانم أول عربي ينال جائزة طاغور للسلام

وجوه من الإمارات
04:28 صباحا
قراءة 8 دقائق

ينحدر الكاتب والشاعر الدكتور شهاب غانم من عائلة مثقفة، مارست التلحين وعزفت الأغاني العدنية الأولى، وتأثر مع أشقائه بالطفرة الثقافية والحضارية في عدن في بداية حياتهم . تعلق بالشعر منذ أن كان في الابتدائية، ويحمل من طفولته كثيراً من الذكريات، ومن شبابه أسفاراً طويلة إلى بلاد العالم بحثاً عن العلم . عمل في الصحافة وهو على مقاعد الدراسة، ومارس خلال دراسته الكثير من الأنشطة، لديه ذكريات مع البحر، ومدينته عدن كريتر التي غادرها ليستقر أخيراً في الإمارات، ويعلن عن مشاريعه الإبداعية التي يرى أنها لا نهاية لها .

وقد فاز خلال العام الحالي بجائزة طاغور العالمية للسلام، وبعدها فاز بجائزة شخصية العام الثقافية ضمن جائزة سلطان بن علي العويس للابتكار العلمي التي تنظمها ندوة الثقافة والعلوم في دبي . . مع الدكتور شهاب غانم كان لنا اللقاء التالي:

ما أهم الملامح التي تحملها عن مكان ولادتك؟

ولدت في مدينة عدن اليمنية في أكتوبر عام 1940 أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت المدينة تتعرض لقصف طائرات موسيليني الإيطالية في تلك الأيام، وكان والدي ضابط دفاع مدني إضافة إلى كونه ضابطاً للمعارف في تلك الفترة، وكانت عدن في تلك الحقبة، وحتى منتصف الستينات من القرن الماضي منارة إشعاع حضاري في الجزيرة العربية فتأثرتُ أنا وأشقائي كثيرا بتلك الطفرة الثقافية والحضارية، خاصة أن والدي الراحل الشاعر الدكتور محمد عبده غانم كان أول خريج جامعي في الجزيرة العربية، وكان شاعراً كبيراً حصل على ست جوائز شعرية منها جوائز في مسابقات عالمية، وله عشرون كتاباً بالعربية، وبعض الكتب بالإنجليزية، ووالد أمي محمد علي لقمان أول خريج جامعي في القانون، وصاحب أول صحيفة مستقلة باللغة العربية في جنوب الجزيرة العربية، وصاحب أول صحيفة باللغة الإنجليزية، ومؤلف سعيد أول رواية في اليمنوله كتب كثيرة، ومن أصدقائه المهاتما غاندي وعبدالعزيز الثعالبي وشكيب أرسلان ومحمد علي الطاهر ومحمد محمود الزبيري وعلي أحمد باكثير . وقد تعرفت إلى كثير من الشعراء والمثقفين من مختلف بلدان العالم عندما كانوا يزورون والدي .

هل هذا يعني أنه كان لأهلك دور بارز في تحديد مسار حياتك؟

كان منزلنا ملتقى الشعراء، وكان على ما أذكر يسمى جمعية الشعراء العدنيين، وفيه يجتمع مع والدي الشعراء علي لقمان ولطفي أمان محمد سعيد جراده ومحمد حسن عوبلي وأحمد الجوهري وعلي عبدالعزيز نصر، وغيرهم، وكانت تجتمع فيه أيضاً ندوة الموسيقى العدنية في سنواتها الأولى، وفيه تم عزف الأغاني العدنية الأولى التي كانت من تلحين خليل محمد خليل، ثم الأغاني الأولى للرابطة الموسيقية العدنية والبداية كانت للفنانين سالم بامدهف ومحمد سعد عبدالله . كان بالفعل جواً حافلاً بالثقافة والإبداع والانفتاح . فلا غرو أن يحمل أشقائي جميعا وشقيقتاي الشهادات العليا والدكتوراه في ما بعد ويقولون الشعر ويؤلفون الكتب، وبالتالي كان إبداعي ثمرة لعائلتي المولعة بالأدب والموسيقى .

أعلى منزل

ما أهم الذكريات التي تحملها من طفولتك؟

أتذكر أشياء جميلة كثيرة، منها منزل جدي عبده غانم، الذي عشت فيه السنوات الست أو السبع الأولى من حياتي مع كثير من الأطفال الأقارب، وكانت لنا فيه ألعاب منزلية كثيرة، وكان منزلاً من أربعة أدوار وكما أظن أعلى منزل في مدينة التواهي عهدذاك، وهي ميناء عدن الشهير، وكان ثاني أهم الموانئ في العالم، وكنت يوميا أذهب مع بعض أشقائي والمربية إلى دكان جدي ثم إلى منزل خال والدي وزوجته الطيبة التي تشتري لنا الكعك، وتعمل لنا الشاي، ثم نذهب إلى الحديقة والميناء .

ماذا عن طفولتك والبحر في اليمن؟

بعدما انتقلنا للعيش في مدينة عدن كريتر من حسن حظنا أننا كنا نعيش أمام ساحل البحر المسمى الخليج الأمامي، ونرى أمامنا جزيرة جبل صيرة، وعليه القلعة الشهيرة، ونشاهد قوارب الصيد تأتي كل يوم بالسمك، وعلى يسارنا على بعد نحو نصف كيلومتر فقط جبل التعكر الذي عليه قبر يقال إنه قبر قابيل . لقد كان جواً حافلاً بعبق التاريخ والمنطقة جميلة وهادئة، وكنا مع أطفال الحي والأقارب نتجمع يومياً للعب الكرة أمام المنزل قرب البحر أو نذهب لاصطياد السمك .

ترتيب مكتبة الوالد

متى بدأت علاقتك بالكتاب؟

كانت لوالدي مكتبة غنية بالكتب والدواوين وكان يجلب لنا مجلات الأطفال، مثل مجلة الطالب وسندباد إضافة إلى القصص والروايات قرأت كل روايات جرجي زيدان والكثير من قصص كامل كيلاني وعبدالحميد جودة السحار ومحمد فريد أبو حديد ومحمد عطية الأبراشي ومحمد سعيد العريان وعلي الجارم ومحمود تيمور، ثم كتب لطه حسين، وعباس محمود العقاد ونجيب محفوظ وعلي أحمد باكثير وغيرهم . وكلفني والدي مع شقيقي الأكبر قيس أن نعيد ترتيب مكتبته ونحن مازلنا أطفالاً ليدربنا على حب الكتب، ونجح كثيراً في ذلك .

هل كنت تشغل أوقاتك في تلك الفترة بأنشطة معينة؟

كنت أحد العرفاء، وكابتن فريق كرة الريشة، وعضو الفريق الرئيس لكرة الطائرة التي كنت أهواها، وأصبحت محرراً لمجلة كلية عدن وكنت الوحيد الذي تم اختياره في لجنة التحرير وأنا في السنة الثالثة، وبقيت محرراً أربع سنوات حتى نهاية السنة السادسة عندما غادرت إلى الجامعة، ورئيساً لجمعية التصوير في الكلية، وقبل ذلك في المدرسة المتوسطة كنت رئيساً لجمعية الفنون والرسم نظراً لمحبتي الرسم بالألوان المائية، وهي هواية تخليت عنها بعد أن انشغلت بالشعر وساعدتني الخبرة المبكرة في الصحافة على المساهمة الفعالة في تأسيس مجلة المنتدى الثقافية، والإشراف عليها في مراحلها الأولى، ثم رئاسة تحرير مجلة عالم الهندسة والاشتراك في اللجان الاستشارية لمجلات مثل شؤون أدبية والمشكاة .

بماذا اتسمت نشاطاتك بعد انتهاء الدراسة؟

تعرفت إلى عشرات الشعراء والشخصيات البارزة سياسياً وأدبياً وعلمياً وثقافياً خلال عملي ومشاركتي في أكثر من 150 مؤتمراً علمياً وأدبياً في مختلف أنحاء العالم، وأثناء عملي في جبل علي، ومن خلال ندوة الثقافة والعلوم واتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ومعرضي الكتاب في الشارقة وأبوظبي، ودعواتي للمؤتمرات الثقافية كالجنادرية والبابطين، ومجلة العربي وندوة كامبردج وغيرها، وكتبت عن بعض الشخصيات في كتبي المختلفة .

عودة الأمل

ما الذي أضفته مرحلة الشباب على شخصيتك اجتماعياً وأدبياً؟

كانت مرحلة الدراسة في بريطانيا في أبردين الأسكتلندية، وهي جامعة مختلطة، ثم في ولتش في لندن، ولاحقاً في آستون في برمنجهام فترة كفاح وتحصيل مملوءة بالأمل في الإسهام في تطوير عدن واليمن كما فعل والدي وأسرتي في السابق، ولكن عندما عدت إلى اليمن لم استرح للوضع وشعرت بالإحباط ولحسن الحظ إنني تزوجت وهاجرت بعدها إلى دولة الإمارات هذا الوطن العظيم الذي أسسه رجال متميزون أمثال المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فقررت أن استقر فيه وأصبحت من مواطنيه قبل قرابة أربعة عقود واستفدت من العلم الذي كنت قد حصلت عليه في عدن وبريطانيا والهند للمساهمة الفعلية في بناء هذا الوطن الحبيب وعاد الأمل إلى النفس .

ما المحطات التي تنقلت بينها في رحلة الدراسة والعمل؟

درست الهندسة الميكانيكية ثم الكهربائية في أبردين في أسكتلندا، وعملت في لندن مهندساً جديداً في الهندسة الميكانيكية مع شركة جي إي سي ودرست في المساء الإدارة الصناعية في كلية ولتش التابعة لجامعة لندن، وبعد عام عملت مع الشركة نفسها في الهندسة الكهربائية في برمنجهام، وفي الوقت نفسه درست إدارة الأفراد وكنت الأول على كل دفعتي مع أنهم كانوا جميعاً من البريطانيين المؤهلين والعاملين في وظائف إدارية بعضها عالية مما منحني ثقة طيبة في نفسي . ثم عملت مع وزارة الأشغال والمواصلات في عدن مديراً في هيئة المياه ثم نائباً لوكيل الوزارة ومديراً للإحصاء والتخطيط، ثم درست الماجستير في تنمية موارد المياه في جامعة روركي الشهيرة في الهند، ونجحت حاصلاً على ماجستير من الدرجة الأولى، ثم عملت رئيساً للمهندسين في لبنان في شركة إترنو سبلايز، فمديراً لمصانع الإترنيت في دبي أكثر من عشر سنوات . ذهبت بعد ذلك لدراسة الدكتوراه في التنمية الصناعية في كلية الهندسة في جامعة كارديف عاصمة ويلز ببريطانيا . وقد نشرت أحد دور النشر البريطانية الكبرى كتاباً مبنياً على أطروحتي لايزال المرجع الرئيس عن الصناعة في الإمارات بعد كل هذه السنين . عملت بعد ذلك مديراً للدائرة الهندسية لموانئ دبي وفيها أكبر ميناء من صنع الإنسان في العالم، وكنت مديراً للهندسة في الوقت نفسه للمنطقة الحرة في جبل علي، وهي أكبر منطقة حرة في الشرق الأوسط . وعندما توليت الإدارة الهندسية كان فيها عدد صغير من المصانع والشركات، ولكن عندما تركتها بعد 12 سنة كانت تضم أكثر من ألفي مصنع وشركة، وكانت آخر وظيفة لي قبل التقاعد من المؤسسة نفسها هي منصب مدير عام مدينة محمد بن راشد للتقنية، التي عملت على تأسيسها وتطوير فكرتها وإطلاقها وهي فكرة مهمة جدا تحتاج البلدان العربية إلى مثلها .

5 فترات

كيف عشت تجربتك في الغربة؟

عشت تجربة الغربة عدة مرات، الأولى ست سنوات في بريطانيا في أبردين ولندن وبرمنجهام وكنت في فترة الشباب في مطلع العشرينات من العمر، وكانت فترة كفاحي ودراستي وعملي مهندساً، ورغم صعوبتها كانت فترة أمل . وكنت أقرأ الشعر يومياً وأكتب الكثير من القصائد وأكثرها كانت مقطوعات قصيرة نشرتها في ما بعد في الديوانين الأولين بين شط وآخر وبصمات على الرمال وفيهما تبدو النزعة الرومانسية جلية . ولعل أكثر قصيدة تعبر عن تلك المرحلة قصيدة عواطف وعواصف . وحاولت في تلك الفترة أن أكتب رواية ولكن شعرت بأن خبرتي في الحياة قليلة ولا تخولني أن أكتب رواية فتوقفت ومزقت الصفحات التي كتبتها .

الفترة الثانية كانت في وطني الأصلي في عدن، وقد كانت فترة اغتراب نفسي شاقة تحت الحكم الشمولي الرهيب ولعل أحسن قصيدة تعبر عن تلك الفترة قصيدة من وراء الستار الحديدي . أما الفترة الثالثة كانت في الهند لعام ونصف في دراسة شاقة جداً ولكن لم أشعر بالغربة، لأن زوجتي كانت معي، والدراسة تشغلني وكذلك زيارة الهند من طرفها إلى طرفها على الرغم من ضخامة الهند . والفترة الرابعة كانت في لبنان لعام ونيف بين 1972 و1974 وكانت فترة جميلة في معظمها لأن زوجتي وطفلتي كانتا معي فيها، ولأن لبنان كانت تعيش آخر أجمل أيامها قبل الحرب الأهلية مباشرة وكانت لي صداقة طيبة مع بعض اللبنانيين .

والفترة الخامسة الأخيرة كانت في كارديف لأكثر من ثلاثة أعوام، ورغم انشغالي بالدراسة ووجود الأصدقاء الإماراتيين والعرب من الدارسين، كانت فترة مريرة بسبب بعد الأسرة معظم الوقت .

كم هو عدد إصداراتك الأدبية والعلمية؟

تمكنت في الإمارات من تأليف ونشر أكثر من 50 كتاباً، وحصلت على أكثر من عشر جوائز أدبية وعلمية على الرغم من مسؤولياتي التي لم تكن سهلة أبداً في عملي . ونلت مؤخراً جائزة طاغور للسلام، التي نالها ثمانية أشخاص فقط قبلي، أمثال نليسون مانديلا وميجاواتي سوكارنو، وعدد من الحاصلين على جوائز نوبل وكنت أول عربي ينالها رغم ترشح منافسين حاصلين على جائزة نوبل، وعلى الصعيد المحلي فزت بجائزة شخصية العام الثقافية ضمن جائزة سلطان بن علي العويس للابتكار العلمي، التي تنظمها ندوة الثقافة والعلوم في دبي ومع كل ذلك أرى أن مشروعاتي الإبداعية مفتوحة ولا نهاية لها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"