سيناريو أمريكي لاستفزاز كوريا الشمالية

02:00 صباحا
قراءة 6 دقائق

عندما نقرأ أو نسمع وسائل الإعلام الغربية - وخصوصاً الأمريكية - قد نظن أن الولايات المتحدة أنما تحمي كوريا الجنوبية وحلفاءها الآسيويين الآخرين من عدوان كوري شمالي محتمل أو حتى وشيك . ويقال لنا أيضاً إن الوجود العسكري الأمريكي يؤدي دور رادع لأي عدوان من قبل دولة شريرة هي كوريا الشمالية . ولكن الحقيقة يمكن أن تكون العكس تماماً، كما يقول كتّاب أمريكيون ناقدون، يشيرون إلى أن وسائل إعلام أمريكية تتحدث عن تهديدات تطلقها كوريا الشمالية، التي لا تملك أية أسلحة قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة، وليس عن تهديدات تطلقها الولايات المتحدة، التي تملك آلاف الصواريخ القادرة على الوصول إلى كوريا الشمالية .

في موقع فير، يقول الكاتب والمعلق بيتر هارت: ليس من السهل فك شيفرة ما يجري مع كوريا الشمالية، فنحن نسمع أن الزعيم الجديد كيم جونغ - أون يطلق تهديدات بمهاجمة الولايات المتحدة، أو كوريا الجنوبية، أو كليهما . وهذا يؤدي إلى تغطية إعلامية منذرة بأخطار مفزعة .

وكمثال، قالت مراسلة شبكة ايه بي سي الأخبارية الأمريكية مارتا راداتز يوم 31 مارس/آذار إن التهديدات تأتي كل يوم تقريباً، وفي كل يوم تزداد وعيداً، وتتحدث عن ضربات صاروخية وهجمات نووية ضد القوات الأمريكية الغازية في كوريا الجنوبية .

في الواقع، الرواية السائدة تريد أن تجعلنا نعتقد أن الولايات المتحدة كانت أساساً منشغلة في شؤونها الخاصة عندما بدأت كوريا الشمالية تتوعد . ولكن مراسل شبكة سي بي اس الأخبارية لدى البيت الأبيض ماجور غاريت شرح يوم 29 مارس/آذار بالقول: يأتي عرض القوة العسكرية الكوري الشمالي كل ربيع عندما تجري الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية مناورات عسكرية .

إذاً، هناك مناورات عسكرية عند أبواب كوريا الشمالية، يجريها أقوى جيش في العالم، جيش يملك آلافاً من الأسلحة النووية، وبعد ذلك يأتي عرض قوة عسكرية من جانب كوريا الشمالية، وكما قال الكاتبان كريستين هونغ وهيون لي في موقع فورين بوليسي إن فوكاس: الدراما التي تدور على الجانب الآخر (الشمالي) من خط العرض 38 تشهد على تصعيد عسكري من جانب الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وهو تصعيد لا يحظى بتغطية إعلامية كافية، وفي الواقع، في اليوم ذاته الذي زار كيم جزيرة مو، كان 80 ألف جندي أمريكي وكوري جنوبي يستعدون لمناورات حراس الحرية السنوية . ولأول مرة في تاريخها (الذي بدأ عام 1976)، تضمنت مناورات العام الحالي محاكاة هجوم وقائي تطلقه وحدات المدفعية الكورية الجنوبية في إطار سيناريو حرب شاملة ضد كوريا الشمالية . وهذه المناورات الحربية الأمريكية - الكورية الجنوبية المشتركة، التي تجري في الظاهر كاجراء دفاعي ضد هجوم محتمل يمكن أن يشنه الشمال، اتخذت بلا ريب طابعاً هجومياً منذ وفاة كيم جونغ إيل (والد وسلف الزعيم الحالي) .

بكلمات أخرى، هناك أحداث فعلية تجري في العالم الحقيقي يمكن أن تقلق قيادة كوريا الشمالية، والجزء الأكبر من التغطية التلفزيونية في الولايات المتحدة يقول إن جميع التهديدات تأتي عملياً من جانب واحد - من دون تقديم أي تفسير لذلك - وإن كل ما تفعله الولايات المتحدة هو السعي لتخفيض مستوى التوتر، وحسب راداتز، مراسلة ايه بي سي، فإن الولايات المتحدة، التي دفعت بقاذفتي شبح من طراز بي - 2 قادرتين على حمل أسلحة نووية للقيام بهجوم صوري على بعد أقل من 50 ميلاً من كوريا الشمالية، تقول إنها ستواصل الرد على الاستفزاز، ولم تقل الولايات المتحدة على وجه التحديد ما هي الاجراءات التي ستتخذها للرد على الاستفزاز . ولكن في مؤشر على مدى خطورتها، قالت البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) إنها تأمل ألا تضطر أبداً لتنفيذها .

مرة أخرى، يبدو المعيار واضحاً تماماً: البيانات التي تصدرها كوريا الشمالية توصف بأنها استفزازات تهديدية، ولكن عندما تقوم طائرات أمريكية بطلعات للتدرب على إلقاء قنابل نووية بمحاذاة الحدود، يكون ذلك محض رد على الاستفزاز . وبهذا الخصوص، جاء أحد أكثر التعليقات إثارة للاهتمام من الأمريكي برايان رينولدز، بروفيسور الدراسات الدولية في جامعة دونغسيو في كوريا الجنوبية، والذي نقلت عنه صحيفة نيويورك تايمز قوله في 29 مارس/آذار: يجب أن نضع في أذهاننا أن شمال وجنوب كوريا لا يتبادلان تهديدات صريحة بقدر ما يتبادلان الوعيد بكيفية الرد في حال تعرضهما لهجوم . الشمال يقول إذا تجرأت الولايات المتحدة أو كوريا الجنوبية على انتهاك حرمة أراضينا، فسوف نحول أراضيهم إلى رماد . ويرد الجنوب بالقول إنه إذا هوجم، فسوف يرد انتقاماً بقصف تماثيل كيم ايل سونغ (مؤسس كوريا الشمالية وجد الزعيم الحالي) . وهكذا دواليك، اعتقد أن الصحافة الدولية تحرف الواقع نوعاً ما بنشرها النصف الثاني فقط من جميع هذه الجمل الشرطية، ولا بد لي من القول إنني لاحظت خلال متابعتي للنشرات الأخبارية المسائية الكورية الشمالية خلال فترة الأسبوع الأخير أن وسائل الإعلام الكورية الشمالية ليست منشغلة كلياً في هذه الحرب الكلامية، كما قد يظن المرء، فالمذيعون يمضون أول عشر دقائق وهم يقدمون تقارير حول مسائل سلمية قبل أن يبدأوا كلاماً صاخباً عن العدو .

وفي موقع انفورميشن كليرنيغ هاوس، تحدث الكاتب ستيفن غوانس عن سيناريو أمريكي لاستفزاز كوريا الشمالية، وكتب يقول: في الثالث من ابريل/نيسان، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالاً بعنوان الولايات المتحدة ترد على عرض القوة الكوري، كشف فيه الصحافيان آدم اينتوس وجوليان بارنز النقاب عن أن البيت الأبيض صادق على خطة تفصيلية أطلق عليها اسم بلاي بوك (مخطط الأحداث، أو السيناريو)، وتهدف إلى تصعيد التوتر مع كوريا الشمالية

خلال المناورات العسكرية السنوية التي يجريها الجيش الأمريكي مع قوات كوريا الجنوبية .

وهذه المناورات الحربية، التي بدأت في الأول من مارس/آذار وتستمر شهرين، تتضمن نشر كميات ضخمة من اعتدة عسكرية أمريكية متطورة على مرمى من كوريا الشمالية، وتمثل ما وصفه الخبير في الشؤون الكورية ثيموثي بيل مرحلة حرجة سابقة للحرب . وفي الواقع، أثارت هذه المناورات توترات حادة مع بيونغ يانغ، فهي تجري على مقربة من حدود كوريا الشمالية، ما يرغم جيشها على أن يقف في حالة تأهب، وهذا أمر مرهق ومكلف بالنسبة لبلد صغير أصيب اقتصاده بالشلل أصلاً نتيجة لعقوبات دولية قاسية .

وحسب صحافيي وول ستريت جورنال، فإن خطة بلاي بوك وضعتها القيادة العسكرية لمنطقة الهادي التابعة للبنتاغون، وتضمنت إطالة أمد المناورات الحربية، ونوقشت خلال اجتماعات متعددة عقدت على مستوى عال في البيت الأبيض .

ودعت الخطة إلى قيام قاذفات بي - 52) الاستراتيجية بالتحليق على علو منخفض فوق شبه الجزيرة الكورية، وهو ما حدث بالفعل يوم 8 مارس/آذار . وبعد أسبوعين، ألقت قاذفتان قادرتان على حمل أسلحة نووية من طراز بي - 2 حمولة زائفة على ميدان لاختبار الصواريخ في كوريا الجنوبية، وحسب مسؤول دفاعي أمريكي، نفذت هذه الطلعات عمداً في وضخ النهار، وعلى ارتفاع منخفض، من أجل إحداث التأثير التهديدي المقصود . وقال المسؤول: كان بالإمكان تنفيذ هذه الطلعات الجوية ليلاً، ولكن الغاية كانت أن يروها (الكوريون الشماليون) .

وحسب الصحافيين اينتوس وبارنز، فإن البيت الأبيض كان يعلم أن الكوريين الشماليين سيردون باطلاق تهديدات بالرد بالمثل ضد الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية .

وفي مقال منفصل نشر في 29 مارس/آذار، كتب بارنز يقول إن مسؤولين دفاعيين أقروا بأن أكثر ما يثير ثائرة الضباط العسكريين الكوريين الشماليين هو طلعات القاذفات الأمريكية، بسبب الدمار الرهيب الذي احدثته الغارات الجوية الأمريكية خلال الحرب الكورية .

خلال تلك الحرب (في أوائل الخمسينات)، كان سلاح الجو الأمريكي قد دك كل هدف يزيد عن طابق واحد في كوريا الشمالية، كما ألقى عليها قنابل نابالم (المحظورة دولياً) أكثر مما سيلقيه في ما بعد خلال حرب فيتنام .

إذاً، الحقيقة معاكسة تماماً للرواية التي عرضتها وسائل الإعلام الغربية، فالولايات المتحدة لم تقم بعرض للقوة العسكرية رداً على استفزازات كوريا الشمالية ونزوعها إلى الحرب . بل على العكس، واشنطن خططت عمداً لعرض قوة بهدف استثارة رد فعل غاضب من جانب كوريا الشمالية، وبعد ذلك وصف رد الفعل هذا بأنه استفزاز ونزوع إلى الحرب . الاستفزازات، التي تم التخطيط لها بصورة محسوبة، جاءت من واشنطن . وردود فعل كوريا الشمالية كانت دفاعية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"