الماوري شعب تحدى الإبادة بالقناعة والبطاطا

عالم غريب
04:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

في أقصى الجنوب الشرقي للكرة الأرضية ولأستراليا أصغر القارات، تقع الجزر النيوزيلندية بعيدة في عزلتها . في هذه الجزر النائية ثمة قبائل أذاقوا البريطانيين مرارة القتال في حربين رئيسيتين، كافأتهم عليها بريطانيا بالإهمال وحجب تيارات التطوير والتغيير الاجتماعي عنهم . هذا الانتقام (المدني)، إضافة إلى الحروب الأهلية التي تنشب بين حين وآخر بين هذه القبائل المسماة بالماوري، أدى إلى تخلفهم قروناً عن مواكبة العصر . وعلى الرغم من ذلك فقد استطاعوا استيعاب أنماط الحياة في نيوزيلندا المعاصرة، وعاشوا كجنس متفرد قائم بذاته ولايزال محافظاً على عاداته وتقاليده وطرق الحياة التي عاشها أسلافهم منذ قرون عدة . وتشير الأبحاث إلى أنه قبل نحو ألف سنة استوطن المكان قوم جاؤوا من جزر المحيط الهادئ، بعد أن استعانوا بالنجوم كي يرسموا خطوط ملاحتهم بحثاً عن أرض جديدة، هؤلاء القوم هم الماوري التانجاتا وينيوا وترجمتها حرفياً شعب الأرض .

وعندما رأى الماوري التلال المغطاة بالأدغال وفوقها الضباب الكثيف أطلقوا عليها اسم أوتيروا Aotearoa وتعني حرفياً أرض السحابة البيضاء الطويلة . أما كلمة الماوري فتعني: طبيعي أو عادي وقد استخدموها للتمييز بينهم وبين آلهتهم التي يعبدونها، وهم قوم اشتغلوا بالزراعة وصيد الحيوانات والطيور بما فيها طيور الماو التي كانت تعيش في نيوزيلندا في السابق، وهي منقرضة اليوم وكان وزنها يصل إلى 250 كيلوغراماً .

ويصف المؤرخون شعب الماوري بأنه آخر المجتمعات على الأرض التي لم تتأثر بحضارة العالم الأوسع . ولقد بدأت وتيرة تدفق الأوروبيين تزداد منذ ثمانينات القرن السادس عشر . وبدأ هؤلاء بالاستحواذ على أراضي نيوزيلندا بعد صراعات عديدة مع السكان الأصليين حتى عم السلام بينهم في القرن التاسع عشر .

بداية العذاب والمواجهة

وصل الأوروبيون إلى البلاد في عام ،1642 وذلك بقيادة الرحالة الهولندي أبيل جانزون تاسمان، الذي أبحر بسفينته ليصل إلى الساحل الغربي للجزر الشمالية والجنوبية للبلاد . وعندما أراد تاسمان النزول مع رجله إلى الجزيرة فوجىء بأقوام يهاجمون الزوارق بشراسة بالغة إلى درجة أنهم التهموا أحد البحارة! غادر تاسمان على وجه السرعة هذه الجزيرة الملعونة بعد أن اطلق على معركته اسم خليج السفاحين .

وشكر الله لأن أقدامه ومن معه لم تطأ أرض نيوزلندا . تعجب تاسمان لما حدث واعتقد أن الهدايا التي حملتها سفينته لأهل الأرض الذي ظن أنه سيستعمرها ستجعلهم يرضخون ولكن كانت المقاومة العنيفة التي لم يتخيلها على الإطلاق والتي راح ضحيتها 4 من رجاله . وما تركه تاسمان من محاولته النزول على سواحل نيوزلندا هي الأسماء التي وضعها على خريطته . فعلى سبيل المثال أطلق على الجزر التي مر عليها ونزل على سواحل إحداها اسم ستايتن لاند أي أرض الغضب، ثم تغير اسمها بعد ذلك لتصبح Nieuw Zeeland وهو اسم منطقة في هولندا تسمى زيلاند . وفي عام 1769 بدأ الرحالة البريطاني الشهير الكابتن جيمس كوك بمسح مكثف لتلك الجزر ولقد قيل عن كوك إنه أول أوروبي يهبط عليها ويدخل إلى عمقها ما أدى إلى قدوم بعثات الاستكشاف الأوروبية المتخصصة في صيد الحيتان ومن ثم قدوم أعداد كبيرة من الأوروبيين، ثم فرضت السيادة البريطانية على البلاد إثر معاهدة ويتانجي عام 1840 بين الحكومة البريطانية وبين قبائل الماوري .

من جهتها لم تلبث بريطانيا أن افصحت عن نواياها المتمثلة بالاستيلاء على نيوزلندا ولذا أرسلت الكابتن ويليام هربسون ونصبته حاكماً عاماً عليها . اجتمع هربسون بالماوري في مكان يسمى ويتانجي أي المياه الباكية بلغة الماوري وأخبرهم أن الملكة الشابة البيضاء في مدينة الضباب وراء المحيطات قد أصبحت ملكة عليهم فانصاعوا ووافقوا على توقيع المعاهدة التي تضم نيوزلندا إلى أملاك الامبراطورية البريطانية .

بعد توقيع المعاهدة وصل إلى نيوزلندا آلاف البيض الأوروبيين وأسسوا مدنا عدة مثل أوكلاند وولنجتون ونيوبلايموث ونيلسون ودوندين . . وارتفع عدد السكان البيض خلال حكم هربسون من ألفين إلى 12 ألف نسمة ومع مرور الأيام تهافت على نيوزلندا الكثير من الأوروبيين طمعاً في أرضها الخصبة، وبين الحين والآخر كان شعب الماوري ينتفض ويثور لكن كانت ثوراته ما تلبث أن تزول أمام المد الأوروبي الأبيض .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"