تونس تختتم درس الديمقراطية بمفاجآت

03:26 صباحا
قراءة 5 دقائق

د. محمد عز العرب *

اختتمت تونس «درس الديمقراطية»؛ بانتخابات تشريعية ورئاسية، كانت نتائجها مفاجئة؛ وذلك بدخول قيس سعّيد إلى قصر قرطاج، وهزيمة خصمه نبيل القروي بفارق كبير، كما أسفرت نتائج الانتخابات التشريعية عن جملة من التحولات، التي تمثلت في غياب القوة السياسية المهيمنة، والتراجع النسبي لمقاعد حركة النهضة، رغم حصولها على المرتبة الأولى، مقارنة ببقية الكتل السياسية والحزبية الأخرى، وصعود لحزب «قلب تونس» برئاسة القروي بما يرشحه ليكون كتلة المعارضة الرئيسية في مجلس نواب الشعب التونسي.
كانت نتائج الانتخابات التشريعية هزة سياسية تجاوزت كل التوقعات، فقد تزايد وزن الأحزاب الصغيرة مع انحسار الأحزاب والتكتلات التقليدية؛ مثل: حزب «نداء تونس» الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، فضلاً عن حدوث تصدع لقوى وأحزاب اليسار، على نحو يشير إلى برلمان مفتت، وهو ما يزيد من تعقيد تشكيل ائتلاف حكومي، الذي يتطلب توافقاً واسعاً، ويطرح تساؤلات مفتوحة بشأن مستقبل العلاقة بين الرئيس من ناحية والبرلمان والحكومة من ناحية أخرى؛ لأن الثورة التونسية نقلت مركز السلطة من الرئيس إلى البرلمان والحكومة.
تنافس في الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس، خلال الفترة (6-8 أكتوبر/تشرين الأول 2019)، والتي تعد الثالثة منذ قيام ثورة الياسمين في بداية عام 2011، والثانية بعد إقرار دستور 2014، نحو 15 ألف مرشح على 217 مقعداً من أحزاب (687 قائمة) وائتلافات (163 قائمة) وشخصيات مستقلة (722 قائمة)، والتي تعبر عن اتجاهات سياسية متنوعة في 1507 قوائم.
وتجدر الإشارة إلى أنه لم تكن الحملات الانتخابية لافتة في أغلبية الدوائر الانتخابية بالبلاد؛ لاعتبارات تتعلق بتغيير مواعيد الاستحقاقات الانتخابية بعد وفاة الرئيس السبسي بتقديم موعد الرئاسية على التشريعية، إضافة إلى تأثيرات «الصدمة» من نتائج الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة بوصول اثنين من خارج منظومة الحكم، وبعيدة عن تأثير الهياكل الحزبية التقليدية.
وقد كشفت نتائج الانتخابات التشريعية التونسية عن تمكن حركة النهضة من تحقيق الأكثرية النيابية؛ بحصولها على 52 مقعداً بنسبة 23.9% من المقاعد، يليها حزب قلب تونس الذي حصد 38 مقعداً بنسبة 17.5%، ثم التيار الديمقراطي الذي حصل على 22 مقعداً بنسبة 10% من المقاعد، وائتلاف الكرامة الحاصل على 21 مقعداً ونسبة 9.6%، ثم قائمة الحزب الدستوري الحر التي حصلت على 17 مقعداً بنسبة 7.8% وقائمة حركة الشعب الحاصلة على 16 مقعداً بنسبة 7.3%، وقائمة حركة تحيا تونس الحاصلة على 14 مقعداً بنسبة 6.4%. إضافة إلى مقعد واحد لأحزاب متفرقة أخرى.


النهضة تتصدر تشريعياً


وتتمثل أبرز الدلالات الخاصة بنتائج الانتخابات التشريعية التونسية، على النحو التالي:
1- بقاء حركة النهضة في الصدارة: حافظت حركة النهضة على تصدرها نتائج الانتخابات التشريعية، رغم تراجع عدد المقاعد التي حصلت عليها خلال هذه الانتخابات، مقارنة بما حققته في الانتخابات التشريعية السابقة التي أجريت عام 2014، وهو ما يؤكد استمرار امتلاك حركة النهضة القدرة على الحشد والتعبئة الجماهيرية، وجذب الناخبين؛ للتصويت لمرشحيها؛ وذلك رغم الحديث خلال الفترة الأخيرة عن تراجع قدراتها التنافسية؛ نتيجة فقدانها لجزء كبير من التأييد الشعبي؛ بسبب سوء إدارتها لمشكلات الحكم، خاصة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
2- صعود حزب «قلب تونس»، الذي تمكن من تكوين قاعدة شعبية رئيسية لدى الرأي العام التونسي، جعلته يشغل المرتبة الثانية بنسبة 17.5 في المئة. وما أعطى له زخماً رئيسه نبيل القروي الذي خاض انتخابات الرئاسة في جولة الإعادة أمام منافسه قيس سعّيد. وقد تم الإفراج عنه قبل الانتخابات التي أجريت في 13 أكتوبر الجاري؛ تخوفاً من الحكم ببطلان نتيجة الانتخابات، لتعذر مبدأ تكافؤ الفرص، فضلاً عن التأثير على مصداقية الانتخابات، وعلى صورة تونس في الخارج.


قلب تونس يقود المعارضة


وتتوقع العديد من التحليلات أن يقود هذا الحزب المعارضة السياسية في البرلمان المقبل، وفي ظل الحملات العدائية بين النهضة وحزب قلب تونس، واتهام القروي للنهضة بالوقوف خلف احتجازه في اتهامات الفساد المالي والتهرب الضريبي، فضلاً عن دعم النهضة لقيس سعّيد في جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية، مما أثر في حظوظه بالإيجاب. وقد يتمكن قلب تونس عبر التحالف مع الحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسى من تشكيل جبهة برلمانية قوية؛ لمواجهة حركة النهضة داخل المجلس التشريعي.
3- تزايد تأثير الأحزاب الصغيرة: شهدت الانتخابات التشريعية صعود قوى جديدة ستكون مؤثرة في مفاوضات الائتلاف الحكومي أو تشكيلة قوى المعارضة، وهي الأحزاب الصغيرة في النظام السياسي التونسي مثل الحزب الدستوري الحر الذي يمثل واجهة النظام القديم قبل الثورة، و«ائتلاف الكرامة» اليميني المحافظ، إلى جانب أحزاب أخرى، والتي استفادت من التوجه العام للناخب التونسي الذي عبر عن رفضه لسياسات الحكم الحالية. وتمكن حزب تحيا تونس بقيادة رئيس الوزراء يوسف الشاهد الخاسر في الانتخابات الرئاسية من المحافظة على بقائه سياسياً؛ بحصوله على نسبه 6.4% من المقاعد.
4- انحسار مكانة الأحزاب التقليدية: فقد تراجعت مكانة حزب «نداء تونس» في الانتخابات التشريعية بعد حصوله على المرتبة العاشرة بحصوله على 3 مقاعد، بعدما كانت حصته 86 مقعداً في انتخابات 2014؛ إذ عانى الحزب أزمات داخلية على القيادة انتهت بتفككه إلى أجنحة، ورغم ذلك قدم قوائم انتخابية في عدد من الولايات. ويرجح أن تستمر معاناة الحزب؛ بحيث ينضم عدد من أعضائه إلى حزب قلب تونس.
5- سقوط حاد لتيار اليسار؛ حيث حصل تحالف «الجبهة الشعبية» الذي يتزعمه حمة الهمامي، على مقعد برلماني واحد، مع الأخذ في الاعتبار أنه شغل المرتبة الرابعة في برلمان 2014. كما حصل الحزب الاشتراكي الدستوري على مقعد واحد فقط، وهو ما يعكس عدم قدرة تيارات اليسار على البقاء على الساحة السياسية بتونس.
خلاصة القول لقد أصبحت المؤسسات التشريعية والتنفيذية، التي تدير شؤون البلاد، تحت سيطرة تيارات متقاربة سياسياً بوصول «قيس سعّيد» للرئاسة؛ بعد فوزه ب76% من أصوات الناخبين، وهيمنة حركة النهضة على الأكثرية في المجلس التشريعي، وستتحول النهضة إلى الظهير السياسي الرئيسي الداعم له في المجلس التشريعي في مواجهة كتلة المعارضة التي يقودها حزب قلب تونس، وهو ما سيعيد الاستقطاب المدني - الديني إلى الساحة التونسية.


التحدي الأكبر


غير أن التحدي الأكبر خلال المرحلة المقبلة يتعلق بتشكيل الحكومة بالبرلمان التي ستقود مشاوراتها النهضة والتي تحتاج إلى «سياسة الشراكة» للوصول إلى 109 مقاعد برلمانية لنيل الثقة وضمان الأغلبية.
وتظل العبرة بالممارسات وليست بالتصريحات، التي ستكشف مدى القدرة على تشكيل حكومة ائتلافية توافقية بين أحزاب متنافرة سياسياً، ما يصعّب من تشكيلها، رغم الحديث عن تحالفات «الضرورة» بين حركة النهضة وأحزاب أخرى؛ لضمان الحصول على ثقة بالحكومة في حال تشكيلها؛ كي تتمكن من رسم سياسات البلاد «الداخلية» لمدة خمسة أعوام، في حين يتولى الرئيس الجديد قيس سعيّد صياغة السياسة الخارجية.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية. مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"