مكانة العلم والعلماء

في ظلال الإسلام
01:52 صباحا
قراءة 4 دقائق

دعا الإسلام إلى العلم والأخذ به والاهتداء إليه وشد الرحال في طلبه، وحرض المسلمين على اتباع سبله والركون إلى حجراته دراسة وتدريساً، ذلك أن الشخصية الإنسانية لا يقدمها ولا يرقيها شيء غير العلم الموجه توجيهاً أخلاقياً سليماً . وهناك آيات كثيرة تشف عن دعوة اللّه تعالى جميع المسلمين إلى إطلاق عقولهم وإعمال نظرهم، ليتفكروا وينظروا في هذا الكون الذي هو آية من آيات اللّه، وليتأملوا ملكوته في السموات والأرض . يقول تعالى: أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج . والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي، وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب (ق: 6 و7 و8) .

وقد شرّف اللّه العلم والعلماء، وميزهم عمن سواهم حيث يقول: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون . إنما يتذكر أولو الألباب (الزمر: 9) . ولا شك في أن أولي الألباب الذين عناهم اللّه تعالى هم أهل العلم أيضاً، فأصحاب العقول المستنيرة بنوره، ينالون رضى اللّه، حيث يقول تعالى في القرآن الكريم، إن العلماء لهم درجات عند ربهم وميزات يخصهم بها لفضلهم على غيرهم من الخلق: يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير (المجادلة: 11) وحيث يقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الترمذي ومسلم وأبو داود: من خرج في طلب العلم، فهو في سبيل اللّه حتى يرجع .

أعلى درجات الرضى

والعلم من صفات اللّه عز وجل وقد أفضنا في الحديث عن ذلك في ما سبق . وتكريم العلماء في الإسلام من اللّه ورسوله، إنما هو تفضيل للعلم على غيره من الصفات والميزات التي حض اللّه تعالى الإنسان على الاتصاف بها والتميز بفضائلها، بعضاً لتكامل علوم الدنيا وعلوم الدين مع بعضها . فمن اجتمعت لديه من المسلمين فاز بأعلى درجات الرضى من اللّه سبحانه وتعالى . وقد منّ الله تعالى على العلماء بنعمة كبيرة، فهم أول الخلق شهادة وإقراراً للّه بالوحدانية بعد الذات الإلهية والملائكة: شهد اللّه أنه، لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم (آل عمران: 18) . وفي حديث للنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح: إن العلماء ورثة الأنبياء . كما يقول عليه الصلاة والسلام أيضاً: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم .

وأول ما نزل من الوحي القرآني، كما في أسباب النزول للسيوطي، قوله تعالى: اقرأ (العلق: 1) . وكأن ذلك أمر رباني لكل إنسان، بأن يطلب القراءة والكتابة . ويقول عليه الصلاة والسلام: العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة . وفي القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ما يدعو إلى استخدام العقل والتفكر في خلق السماوات والأرض، وفي شؤون الخلق والحياة لأجل الشكر للّه والنجاح في تدبر شؤون الحياة . يقول تعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون (الزمر: 9) وقوله أيضاً للحث على الاستزادة من العلم: وقل ربي زدني علماً (طه: 114) .

ميراث الأنبياء

وبسبب فضائل العلم الكثيرة، دعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى طلب العلم من المهد إلى اللحد . وطلبه أيضاً ولو كان في الصين . وسعى عليه الصلاة والسلام جاهداً لنشره بين المسلمين، إذ جعل فداء بعض أسرى بدر من المشركين، تعليم عشرة صبية من أبناء المسلمين . وكانت مجالسه صلى الله عليه وسلم، مجالس علم وتعليم . ولهذا استطاع الإسلام بتوجيهات رسول الله، أن يسرّع في تحريك الحياة العلمية بين أبناء المسلمين وداخل مجتمعاتهم، مما ساعد على قيام حركة فكرية وعلمية راقية ورائدة .

يقول ابن القيم الجوزية: وفضل العلم يعلم من وجوه: إن العلم ميراث الأنبياء والمال ميراث الملوك والأغنياء . إن العلم يحرس صاحبه وإن صاحب المال يحرس ماله . إن العلم يزكو على النفقة وإن المال تذهبه النفقات . إن صاحب المال إذا مات فارقه ماله، والعلم يدخل معه في القبر . إن المال يحصل للمؤمن والكافر والبر الفاجر . والعلم النافع لا يحصل إلا للمؤمن . إن المال يدعو إلى الطغيان والفخر، والعلم يدعو إلى التواضع . إن العلم جاذب موصل بالنفس إلى سعادتها .

وفي القرآن الكريم آيات بينات انشغل بها علماء الدنيا، فألهمتهم متابعة ومواصلة الدراسات العلمية، لأجل الكشف عن مزيد من الحقائق التي لم يتم التوصل إليها إلاّ بعد تحضير المختبرات لها . من ذلك قوله تعالى: ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون (الذاريات: 49) . ولهذا انصرف العلماء إلى الحياة الزوجية لدى الحيوان والنبات والجماد والصواعق والبرق والرعد .

السحب المكهربة

ومن أمهات الحقائق العلمية التي كشف أسرارها العلم الحديث، السحب المكهربة . يقول تعالى: ألم تر أن اللّه يزجي سحاباً، ثم يؤلف بينه . ثم يجعله ركاماً . فترى الودق يخرج من خلاله (النور: 43) . ولذلك اشتغل العلماء على السحاب المكهرب ودرسوا السالب والموجب وغير ذلك . وقال تعالى أيضاً: وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، إلاّ في كتاب مبين (يونس: 61) . وهذا ما ألهم العلماء القدماء من المسلمين خصوصاً الوقوف على التركيب الذري للعناصر، وخصوصاً منهم العالم الفيزيائي أبو بكر الرازي، وعالم الرياضيات الكبير أبو بكر الخوارزمي، وقد قام الغرب بالتأسيس على أبحاث المسلمين والبناء عليها في عصر التنوير . وإذا كان العلم على نوعين: علم ديني وعلم دنيوي، فإن العلماء رأوا أن ما يجب علمه بالضرورة، كالأركان والعبادات ومباني الإسلام فرض عين وذلك أخذاً بفضائل هذا العلم حيث يقول عليه الصلاة والسلام: من يرد اللّه به خيراً يفقهه في الدين رواه البخاري . أما علوم الدنيا مثل الطب والهندسة والفلك والاجتماع وعلم النفس، فقد حض عليها الإسلام لأنها من ضرورات الحياة ولا غنى عنها في المجتمعات .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"