الارتداد البولي في الحالب عند الأطفال: التأثير في الكلى وطرق العلاج الحديثة

13:42 مساء
قراءة 8 دقائق

تحدث أمراض الكلى عند الأطفال من جراء الارتجاع البولي المثاني الحالبي عند عودة البول من المثانة الى الحالب ووصوله الى الكلية لأسباب مختلفة اهمها وجود عيب خلقي يولد به الطفل، وضعف عضلة الحالب في نقطة التقائها بالمثانة، وكبر فتحة الحالب في المثانة .

وفي احيان اخرى يكون ضغط البول في المثانة عالياً لوجود شبه انسداد في عنق المثانة أو مجرى البول، وبالتالي يعود البول الى الحالب .

وعادة ما يعاني هؤلاء الأطفال من مشكلة الارتجاع البولي خلال السنوات الخمس الأولى من العمر، وقد يصاب بها الطفل بعد الولادة مباشرةً .

هذه الحالة المرضية هي من المسببات التي تؤدي الى الفشل الكلوي المزمن والذي يتطور الى قصور كلوي متقدم عند الأطفال وعند البالغين أيضاً، وهي تؤدي بنسبة 20% الى مرض ارتفاع ضغط الدم عند الأطفال والبالغين، حيث ان المسبب المرضي لداء الكلى الارتجاعي هو الارتجاع المثاني الحالبي والكلوي للبول المتلوث بالجراثيم، ويحدث هذا الالتهاب في المنطقة المصابة في الكلى، ومن جراء ذلك تنشأ ندبات كلوية تسبب قصوراً في الوظائف الكلوية نتيجة لذلك .

أما الإصابة بهذا الارتجاع البولي فتكون منتشرة بين الأطفال بنسبة 3 في الالف عند الاناث و1 في الالف عند الذكور .

العوامل المرضية:

علاوة على الأسباب التي ذكرت سابقا، فإن العامل المرضي الذي قد يكون مسؤولاً عن حدوث الارتجاع البولي من المثانة الى الحالب أو الى الحويض الكلوي هو تلوث البول جرثومياً وإصابة المثانة التهابياً، وهذا يؤدي بدوره الى نشوء ندبات في المثانة ايضاً . وفي بعض الاحيان يحدث تصلب في منفذ الحالب في الجزء العضلي من المثانة، والذي يكون مسؤولاً اصلاً عن ميكانيكة اغلاق منفذ الحالب في المثانة، ولذلك فإن التصلب في هذا الجزء من الحالب يؤثر في قابلية الاغلاق ويسبب الارتجاع البولي الى الحالب أو الكلى .

وتتضمن العوامل الخلقية المسببة لهذه الحالة ما يلي:

* فتحة الحالب المنتقلة .

* خلل في تكوين ونشوء مثلث المثانة (TRIGONE) .

* نقص في ميلان أو طول جزء الحالب المثاني العضلي .

* الأمراض العصبية للمثانة أو للجزء الاسفل من الحالب .

أما العوامل التي تكون بسبب تغيرات مرضية ثانوية فتشمل:

* تضيق في عنق المثانة .

* تصلب في عنق المثانة .

* شريط اوسط في عنق المثانة .

* صمام في الاحليل الخلفي .

* تضيق ندبي في الاحليل نتيجة مضاعفات جراحية (كجرح جزئي للحالب المثاني أو جرح في فوهة الحالب بعد عملية قلع التكيس الخلقي في الحالب) .

الأعراض:

تتمثل اعراض هذه المشكلة عند الطفل في حدوث ارتفاع في حرارة الجسم، الحمى، حرقة في البول، مغص في البطن، تبول الطفل على نفسه .

وفي حالة ظهور الاعراض المذكورة ينصح بعرض الطفل أو الشخص البالغ على الطبيب المختص في علاج أمراض وجراحة المسالك البولية لأجراء الفحوصات اللازمة لاستبعاد اصابته بتلف أو ندبات في الكلى، وتحديد استراتيجية العلاج المناسبة .

التشخيص:

قبل البدء بأي علاج لهذا المرض (ان كان الجراحة التقليدية أو المنظارية الحديثة، أوغير جراحية)، فإن تشخيص الخلل أو سبب الارتداد يجب ان يتم بصورة كاملة، وهذا يشمل:

* تصوير الكليتين والحالب والمثانة بواسطة الموجات فوق الصوتية والدوبلر الملون .

* تصوير الكليتين والحالب بالاشعة السينية الملونة .

* فحص المثانة والاحليل بالمنظار .

* تصوير رجوعي للحالب بواسطة الاشعة السينية الملونة .

* قياس الضغط الديناميكي للمثانة .

* تصوير اشعة سينية وديناميكية تلفزيونية ملونة للمثانة خلال التفريغ .

* قياس كمية البول المتبقي في المثانة بعد التفريغ .

ومن التشخيصات الحديثة المهمة لنجاح العلاج هو الفلورسكوبي لحركة الحالب، وتصوير الكلية لقياس وظائفها، والكشف عن وجود ندبات في الكلية، والتشخيص الاخير يعتبر واحداً من اهم وسائل التشخيص الحديثة لتحديد نوع العلاج لهذا المرض .

العلاج:

يكون هدف العلاج في المرحلة الأولى التخلص من الأسباب المؤدية لهذا المرض، فاذا اختفى الارتجاع البولي للحالب أو تحسن من جراء علاج دوائي وخاصة اذا كان الارتجاع بسيطاً، يعطى الطفل المصاب مضادات حيوية قد تستمر لمدة سنتين مع متابعة مستمرة ودورية للمرض لاستبعاد حدوث اية التهابات قد تصل الى الكلى وتسبب ندبات كما ذكرنا مقدماً أو تسبب تردياً في وظائفها .

أما اذا أثبت اختفاء الارتجاع البولي بعد ستة اشهر أو سنة من هذا العلاج، وبعد التأكد من ذلك بواسطة الفحوصات التشخيصية المذكورة اعلاه، فإن السبب يكون في اكثر الاحيان من الأسباب الثانوية التي ذكرت مقدماً وخاصة الالتهابات الجرثومية أو تضيق في المسالك البولية السفلى .

اما الحالات الشديدة من مرض الارتجاع البولي (اي عندما تكون درجة الارتجاع عالية) فإنها تحتاج الى تدخل علاجي منظاري حديث، وأكثرها نجاحاً في الوقت الحاضر وابسطها عملياً للطفل المصاب هي حقن مادة منظارياً في ملتقى الحالب بالمثانة، فاذا لم يختف مرض الارتجاع الحالبي بعد الاجراء المذكور اعلاه فإن احد العوامل المرضية أو اثنين منها يكونان هما السبب، وهذا يكون اما خلقياً أو من جراء تغيرات مرضية ثانوية والتي تجب ازالتها منظارياً ايضاً ومن دون أي مضاعفات .

ولذلك فإن عملية المنظار يجب ان تكون العلاج المفضل حديثا، لان عدم اجراء ذلك له عواقبه على الحالب والكليتين، والقاعدة المنظارية لهذه العملية هي زرع مادة (المايكروبلاستيك) (MACROPLASTIQUE) أو مادة المنيتول بولينز، أو مادة الكولاجين تحت غشاء البطانة المثانية للحالب، واثناء امتلاء المثانة للبول يزداد الضغط على نفق الحالب الموجود تحت غشاء بطن المثانة ويكبس عليه ليحدث في الوقت نفسه تمدد في حالب المثانة ويتوقف ارتداد البول حينذاك . ولذلك ابتدع منظاريا حقن هذه المواد تحت منفذ الحالب في المثانة، وهذه المواد لا تسبب أي مضاعفات، وهي مؤكدة طبيا وإكلينيكيا منذ عشر سنوات في أوروبا وامريكا، حيث تبقى المادة في الجسم مدى الحياة نظراً لان الجسم يتحملها من دون أي رفض مناعي لها، لان هذه المواد، وخاصة المايكرو بلاستيك هي مادة لا تحلل حيويا، وبالتالي لا توجد خطورة من ارتحال هذه المادة الى اعضاء الجسم الأخرى كما هو الحال في المواد السابقة .

كما أثبت ايضاً عدم وجود أي انتشار لمادة المايكرو بلاستيك في جسم المريض المعالج مقارنة بالمواد التي كانت تستعمل لهذا الغرض مثل مادة الكولاجين أو غيره، ومن جراء ذلك فإن كل ارتفاع فوق العادة في الضغط الداخلي للمثانة اثناء الامتلاء أو التفريغ، ان كان ذلك نتيجة اختلال تناسقي أو عصبي مرضي، لن يؤدي الى رجوع الارتداد البولي مرة ثانية الا في حالة وجود سعة صغيرة للمثانة، وفي هذه الحالة يكون العلاج المتزامن، والذي سنأتي على ذكره في مقال آخر، هو الافضل .

وكما ذكرنا، تتم عملية الحقن بالمنظار، وتكون وظيفة هذه المواد تثبيت جدار جزء المثانة الذي يلتقي بمصب الحالب، وينشأ نتيجة حقن هذه المواد ضغط كاف على هذا الجزء من المثانة والحالب لمنع الارتجاع البولي .

وتجرى هذه العملية المنظارية البسيطة خلال يوم واحد فقط بدلاً من العمليات التقليدية الجراحية والتي كانت لها مضاعفاتها الجراحية خلال وما بعد العملية الجراحية والتي كانت تستلزم بقاء الطفل في المستشفى لمدة أسبوع أو اكثر، مع العلم بأن عملية الحقن المنظارية لهذه المادة حول الحالب في منطقة المثانة لا تستغرق اكثر من عشر دقائق فقط، وهذه المادة لا تسبب اية مضاعفات وتعطي نتائج جيدة وتعتبر طبياً من العلاجات الناجحة والمضمونة، حيث ان 90% من هؤلاء الأطفال الذين يتم حقنهم بها تختفي عندهم مشكلة الارتجاع البولي ولايحتاج الطفل الى اية مضادات حيوية، وتظل هذه المادة في جسم الطفل ولاحاجة لازالتها، واحيانا قد يحتاج عدد من الأطفال الذين تكون درجة الارتجاع البولية عالية عندهم الى اعادة الحقن مرة ثانية بعد عملية الحقن الأولى، وبعد ذلك تختفي عندهم مشكلة الارتجاع البولي كلياً .

اما الأطفال الذين كان عندهم مرض الارتجاع البولي خفيفاً، أي كانت عندهم درجة الارتجاع البولي منخفضة، واعطوا مضادات حيوية لفترات طويلة لا تقل عن سنتين، ولم يستجيبوا للعلاج فإنهم يحتاجون الى عملية الحقن المنظارية المذكورة اعلاه أو الى اجراء عملية منظارية خاصة لاصلاح العيب الخلقي في الحالب أو المثانة إن كان قد شخص عندهم احد هذه الأمراض الخلقية .

وقد أثبتت الدراسات الإكلينيكية عند الاجنة وخاصة الذكرية منها المصابة بارتجاع بولي حالبي وكلوي من الدرجة العالية أن السبب هو تأخر في نضوج عنق المثانة عند هذه الاجنة، وهو ما يؤدي الى ارتفاع في الضغط الداخلي للمثانة، والعكس وجد عند الاجنة الانثوية المصابة بارتجاع بولي حالبي كلوي، اذ تبين انها تعاني في نفس الوقت من اختلال في تفريغ المثانة وانتكاسات التهابية جرثومية في المسالك البولية وخاصة المثانة .

وعلى اساس المذكور اعلاه أو ما لوحظ في ذلك فإن أسباب الارتداد البولي الحالبي والكلوي تختلف عند الجنين من كلا الجنسين، وان الفهم الكامل لأسباب الاختلاف بين الطفل والطفلة يكون الأساس في العلاج الناجح والشافي لهؤلاء، ولهذا فإن السببين المذكورين اعلاه لهما علاجهما الخاص .

وللتخلص والشفاء من الارتداد البولي الحالبي والكلوي عند الأطفال من الجنسين يجب ان يكون هنالك برنامج علاجي خاص يهدف الى تخفيض نسبة الإصابة بالالتهابات الجرثومية في المسالك البولية وخاصة عند هؤلاء الذين يعانون من اختلال تناسقي للمثانة في حالة التفريغ البولي، وكذلك عند هؤلاء الذين عندهم اختلالات في عضلات الحوض .

اما الانتكاسات المتكررة للالتهابات الجرثومية في المسالك البولية عند هؤلاء الأطفال، ورغم العلاج الطويل المدى بواسطة المضادات الحيوية، فهي ما زالت الداعي الأساسي للتدخل المنظاري لمعالجة الارتداد البولي المثاني الحالبي والكلوي .

وفي نفس الوقت يجب ان تعطي المبادرة للوقاية من هذه الالتهابات الجرثومية، كما يجب التدخل استراتيجيا لعلاج الأسباب التحتية الباثولوجية في المسالك البولية واهمها الاختلالات الوضيفية في عضلات الحوض والتي تؤدي الى رجوع الالتهابات الجرثومية البولية، حيث يعالج هؤلاء الأطفال دوائيا وفي نفس الوقت تجرى اعادة مستمرة للتجارب الرياضية لعضلات الحوض بمساعدة برامج الكومبيوتر، علما بأن هذه الاخيرة قد أثبتت بانها تخفض في نسبة الإصابة بالالتهابات الجرثومية البولية والتخلص من الامساك نتيجة لهذه التمارين .

اما في حالة استمرار الاختلالات التناسقية التفريغية في المثانة، رغم تخفيض نسبة الإصابة الجرثومية في المسالك البولية والمثانة بواسطة المضادات الحيوية، فإن التدخل المنظاري هو الحل الأساسي للتخلص من هذا الارتداد البولي .

وعلاوة على ذلك أثبتت الاحصائيات الاكلينيكية الحديثة بأن التدخل المنظاري المتزامن هو خيار مناسب في حالة المثانة العصبية ذات الضغط المرتفع ذو السعة الصغيرة والارتداد الثنائي للحالب مع ضعف عمل الكلية ذو الحالب الارتدادي، وتكرر الإصابة بالالتهابات الجرثومية في المسالك البولية بالرغم من معالجتها بالمضادات الحيوية عند الأطفال المصابين بالمرض الخلقي المسمى بفتق الحبل الشوكي وسحاياه، حيث يحقن المايكروبلاستيك تحت منفذ الحالب لعلاج الارتداد البولي، وفي نفس الوقت تحقن مادة البوتكس (Botox A) في عضلة المثانة .

أما الأطفال المصابون بالارتداد البولي الحالبي في المرحله الرابعة والخامسة فإن الخيار الافضل هو الجراحة الحديثة بزرع الحالب أو كلاهما في حالة إصابة الحالبين، علما بأن نسبه نجاح الزراعه الجراحية الحديثة للحالب أو الحالبين المصابين بالارتداد البولي في المرحلة (4-5) تصل الى 95 %، ولا توجد اية مضاعفات خطرة لهذه الجراحه أذا أجريت من قبل جراح أمراض مسالك بوليه ذي تجارب جراحية وإكلينيكية بتقنية عالية .

ومن الجدير بالذكر ان العلاج المنظاري هذا يؤدي علاوة على اختفاء الارتجاع المثاني والاحليلي والكلوي الى شفاء الطفل المصاب بمرض المثانة العصبية (OAB) والمسماة كذلك بمثانة الضغط العالي العصبية، وفي نفس الوقت يشفى هؤلاء الأطفال ايضاً من السلس البولي الذي تسببه المثانة العصبية المذكورة سابقاً، وهذا يعتبر من العلاجات المتقدمة طبياً وعالمياً والتي ليس لها مضاعفات أو عناء للطفل مقارنة بالعمليات التقليدية الجراحية القديمة . أما الجراحة المنظارية الحديثة للارتداد البولي فإنها تطورت واصبحت اسهل وباتت تستغرق وقتا اقل وتحقق نجاحا بنسب تتراوح بين 92-98 %، ويستطيع الطفل المريض ان يغادر المستشفى في نفس اليوم بعد اجراء هذه العملية المنظارية عوضا عن البقاء لمدة طويلة في المستشفى والتي كان متعارفاً عليها سابقاً، حيث تجرى العملية الجراحية التقليدية للطفل المصاب وذلك بزرع الحالب في المثانة وفي مكان آخر من المثانة، مع العلم بأن العملية الجراحية التقليدية هذه لها مضاعفاتها الخاصة مقارنة بالعمليات المنظارية الحديثة ذات المضاعفات القليلة جدا .

اخصائي المسالك البولية والتناسلية

وأمراض الذكورة والعقم

- مدينة دبي الطبية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"