مشاجرة قاتلة

04:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
كتب:إيهاب عطا

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
حكمت المحكمة حضورياً على «ك.م» بالحبس لعامين، والإبعاد عن الدولة؛ بعد تنفيذ العقوبة، كانت هذه العبارة هي منطوق الحكم، الذي نطق به القاضي في قضية اعتداء أفضى إلى موت، وربما كان من حسن حظ المتهم أو القاتل أن المريض كان مصاباً بمرض في القلب، وهو ما خفف العقوبة، ورغم هذا نزل الحكم على المتهم «ك.م» كالصاعقة؛ لأنه كان يتوقع البراءة؛ حيث إن محاميه أقنعه بأن البراءة مضمونة؛ لأن تقرير الطب الشرعي في صفة، فالمشاجرة التي نشبت بينه وبين زميله في العمل والسكن مشاجرة عادية، تحدث بشكل يومي في أي سكن للعمال، ولولا أن المجني عليه كان مصاباً بمرض في القلب لما أدت المشاجرة إلى الوفاة، فما ذنبه إذن في موت المجني عليه؟ هكذا كان تفكير المتهم المحكوم عليه، ولم يفكر في أنه كان من الممكن أن ينال عقاباً على جريمة في ظاهرها كان هو السبب فيها، خاصة وأن هناك شاهد إثبات من زملائه في السكن أقر بأنه دخل الغرفة مسرح الجريمة، وشاهد المتهم «ك.م» والمجني عليه «ه.أ» «يتلاسنان» ثم تشاجرا بالأيدي، وتدافعا ما أدى إلى سقوط «ه.أ» بعدما دفعه المتهم، وسقط على الأرض قاطعاً النفس، فسارع الشاهد بالاتصال بمشرف السكن الذي طلب منه الاتصال برجال الإسعاف الذين حضروا على الفور؛ لكن عندما حاولوا إنقاذ المجني عليه كان قد فارق الحياة.
أشار تقرير الطب الشرعي إلى أنه لم تظهر أية أثار إصابات مشتبه فيها على جسد المجني عليه مع وجود ضيق شديد مرضي في الصمام الأورطي للقلب، كما أظهر الفحص وجود احتشاء في الفاصل البطيني للقلب، وكان المجني عليه قد تشاجر قبل وفاته مباشرة مع أحد الأشخاص، وهذه المشاجرة من شأنها أن تزيد من الهرمونات المحفزة للقلب؛ مثل: الإدرينالين والنورادرينالين، وبالتالي تزيد ضربات القلب وسرعتها، وبسبب مرض المجني عليه لم تستطع الزيادة في الهرمونات وضربات القلب مواكبة احتياجات القلب والجسد من ضخ الدماء، ما عرض المجني عليه لاحتشاء قلبي انتهى بالوفاة، ولا يمكن إغفال دور المشاجرة في المشاركة في حدوث الوفاة؛ لتسببها في عبء إضافي على القلب المريض أصلاً.
كان أهم ما يشغل «ك.م» بعد سماع الحكم هو مصير أسرته التي تنتظر الحكم في موطنه، والصدمة التي ستنزل عليهم، وهم في ظروف صعبة كانوا ينتظرون أول كل شهر؛ كي يرسل إليهم مبلغاً من المال يسددون منه ديون المصاريف التي أنفقها المتهم حتى يسافر للعمل في دبي، وباقي المبلغ يعيشون منه، فماذا يفعلون الآن وقد قفل باب الرزق وضاع مستقبل رب الأسرة؟ ماذا سيحدث لهم خلال عامين طويلين، وماذا بعدهما عندما يعود إلى موطنه؟ من يهتم لأمر مسجون ومن سيثق فيه ويجعله يعمل عنده؟ غصة شعر بها المتهم تلجم حلقه بعدما سمع الحكم وما عليه إلا أن ينتظر التنفيذ. قبل أن يخرج المحكوم عليه من غرفة المحكمة المجاورة لقاعة تداول الجلسات والتي يخرج منها إلى السجن، حاول أحد رفقائه الذي كان ينتظر إلى جواره في جلسة أخرى طمأنته والتهوين عليه قائلاً:
- انتظر الاستئناف.. ممكن المحامي يحصل لك على براءة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"