المصريون يستعيدون تراثهم الشعبي

جهود مستمرة لإحياء الحرف التقليدية
03:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة - "الخليج":
في حياة الشعوب والأمم عدد من المحطات التراثية التي تقف عندها، فتحافظ عليها، بل وتعمل على إحيائها، ومنها تلك الحرف والفنون التقليدية القديمة على مختلف عناصرها، ما يستدعي توعية الأجيال الجديدة بتاريخها، وربطها بماضيها العريق من خلال تعريفهم بهذا التراث الشعبي، الذي يعود في مصر إلى أكثر من قرنين من الزمان ليضاف إلى الآخر المادي .
ومن بين أشكال هذا التراث الشعبي المستقر في ذاكرة الشعب المصري، تأتي الأدوات والآلات والحرف التقليدية التي توارثها الأبناء عن الآباء والأحفاد عن الأجداد، فظلوا يشتغلون بها ويعملون عليها إلى أن صارت في ذاكرتهم وإرثاً لمن بعدهم .
ولأهمية هذا التراث ومن داخل بيت تراثي، يقام من حين إلى آخر معرض "من فات قديمه تاه"، وذلك داخل "بيت السناري" الأثري، القائم في ضاحية السيدة زينب، ليكون المعرض معبراً عن تاريخ البيت والمنطقة في آن، إذ يعرف أن ضاحية السيدة زينب تعج بعدد من المواقع التاريخية والأثرية المتنوعة من بيوت وأسبلة ومساجد .
لذلك يقف هذا البيت شاهداً على تاريخه من ناحية، وتاريخ التراث الشعبي من ناحية أخرى، على نحو ما يبرزه من أدوات تتعلق بهذا التراث، وتعكسه جوانبه المختلفة، فضلاً عن الآلات والصور التي استخدمها المصريون في حياتهم اليومية طوال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وهو البيت الذي أصبح شاهداً على إحياء التراث الشعبي، كما كان شاهداً على الكتاب الشهير "وصف مصر"، عندما اتخذه الفرنسيون مقراً لأبحاثهم العلمية .
ويصف القائمون على البيت مثل هذا المعرض بأنه يعد الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، ويستهدف توعية الأجيال الجديدة بتاريخهم، وربطهم بماضيهم العريق من خلال تعريفهم بالأدوات والآلات التي استخدمها القدماء في عدد من الحرف التي توارثوها عن الأجداد، إحياء لها، ومواصلة لدور الآباء والأجداد، الأمر الذي أعطى زخماً لمثل هذا الشكل من التراث الشعبي .
واعتاد مسؤولو البيت أن يضم المعرض في كل دورة له مجموعة متنوعة من الأجهزة والأدوات والصور القديمة، ومنها أول جهاز هاتف تم استخدامه في مصر، والجرمفونات، وأجهزة الراديو القديمة، والبيك آب والطرابيش والعملات القديمة ورخص المهن المحمولة على الكتف ولافتات الشوارع وصناديق التوفير وأدوات الكتابة وأدوات النظافة الشخصية كأدوات الحلاقين وغيرها من الحرف التقليدية المتفاوتة .
ويتنوع أصحاب هذه الأدوات بين شرائح مجتمعية، الأمر الذي دفع بعض الجهات والجمعيات إلى تشكيل روافد لإحياء هذا التراث الشعبي، ولذلك فإن المهتمين به يمثلون هذا التراث عبر مشاركاتهم المتواصلة في المهرجانات المعنية بإبراز هذا الاتجاه من التراث .
ومن خلال مثل هذه الفعاليات يتم إطلاق عدد من الدعوات لحماية التراث الشعبي، الأمر الذي جعل مشروعاً مثل "ذاكرة مصر المعاصرة" يوثق لهذا الشكل من التراث، ويدعو محبي التحف القديمة إلى المشاركة في الحفاظ على مثل هذه الأدوات التقليدية الفريدة، وهو المشروع الذي دشن أنشطته قبل سنوات عدة على شبكة المعلومات الإلكترونية، ليكون ذاكرة مصر المعاصرة بدءاً من "الأسرة العلوية"، وحتى نهاية عقد الثمانينات في القرن الماضي، ما جعله يخرج من مشروع بحثي علمي إلى جماهيري بهدف رقمنة كل المواد التي ترتبط بتاريخ مصر المعاصر، من صور ووثائق وعملات وأفلام تسجيلية وغيرها، وبذلك أصبح أكبر بوابة إلكترونية تضم بين صفحاتها تاريخ مصر في قرنين من الزمان .
ويستهدف الاعتناء بمثل هذا اللون من التراث الشعبي تعريف رواده بالحرف التقليدية التي كاد بعضها يندثر، مثل صناعة الحصير والكليم والزجاج . في الوقت الذي يقوم فيه بعض الحرفيين بإعادة إحياء مثل هذه الأشكال من التراث، من خلال قيام حرفيين بصناعة بعض المنتجات التقليدية .
ومن الحرف التي يمكن للزائرين مشاهدتها في داخل بيت السناري الأثري استنساخ بعض الحرفيين لتماثيل مصرية "فرعونية"، إضافة إلى استنساخ تماثيل أخرى ترجع إلى العصر اليوناني الروماني، بجانب إبراز مقتنيات العصر الإسلامي، الذي أباح بالكثير من الفنون، التي لا تزال متوارثة إلى اليوم في أوساط الحرفيين والمهتمين بالفن الشعبي والحرف التقليدية .
ويصف الدكتور خالد عزب المشرف على بيت السناري الأثري، مثل هذه المظاهر التراثية بأنها نشأت في حقبة ما قبل الخمسينات من القرن الماضي، "وهي الفترة التي كان لها شكلها المتزن، ونشأ فيها عدد من الحرف المختلفة، ومنها الأزياء والحرف التقليدية، حيث كان هناك زي، يميز المصريين، وكان له احترامه في كل دول العالم، عكس الآن، حيث لا يوجد زي محدد للمصريين" .
ويلفت إلى أن حرص الدار الأثرية على إقامة مهرجانات دورية لإحياء هذا التراث الشعبي يأتي لإبراز دور الأجيال الجديدة من الحرفيين المصريين .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"