ما هي البصمة البيئية؟

01:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
قد يكون بعض قرائنا الأعزاء قد ألمّ بالمعارف الكثيرة عن الموضوع، ولكن أعتقد أن هناك الغالبية ممن سمع بهذا المصطلح ولكنه غير ملم بمعناه،وهناك أيضاً قلة قد تكون سمعت ببصمة الأصابع أو بصمة العين ولكنها لأول مرة تسمع بهذا المصطلح. 

البصمة البيئية مصطلح ابتكره باحثون من جامعة كولومبيا مع بداية تسعينات القرن الماضي ،عندما قاسوا مساحة الأرض المطلوبة لتزويد السكان بالمواد، والموارد بشكل عام بناء على معدلات الاستهلاك المتباينة جغرافياً وكذلك قياس المساحة التي يتطلبها امتصاص نفاياتهم. وأطلق على هذه الطريقة المبتكرة البصمة البيئية Ecological Footprint وتقاس بالهكتار.

إذاً، يمكن أن نعرف البصمة البيئية بأنها مؤشر لقياس تأثير مجتمع معين على كوكب الأرض ونظمه الطبيعية. ويوضح لنا مؤشر البصمة البيئية مدى مستوى استدامة نمط عيش سكان دولة محددة، ومدى تأثيرهم وضررهم بكوكب الأرض. يتم التوصل إلى هذه النتيجة من خلال مقارنة استهلاكنا للموارد الطبيعية مع قدرة الأرض على تجديدها.
يمكن استخدام البصمة البيئية لحساب أنماط الاستهلاك الخاصة بدولة معينة أو مدينة أو شركة أو فرد، لكننا سنخص بحديثنا البصمة البيئية على المستوى الوطني.
ترتبط بصمتنا البيئية باستهلاكنا الصافي للموارد الطبيعية، ويتم حساب ذلك باستخدام معادلة بسيطة هي: الاستهلاك الصافي = الإنتاج + الاستيراد - التصدير.

وتُعد كل دولة مسؤولة عن جميع ما تستهلكه ضمن حدودها السياسية، ويشمل ذلك المنتجات التي يتم استيرادها لغرض الاستهلاك المحلي. كما تسهم المنتجات التي تقوم الدولة بتصديرها إلى الخارج، مثل النفط والغاز في البصمة البيئية للدولة التي تقوم باستهلاكها. مثلاً، إذا قامت اليابان باستهلاك النفط القادم من الإمارات، فإن مجمل الطاقة المتطلبة لاستخراج ومعالجة ونقل وحرق النفط سيكون جزءاً من بصمة اليابان البيئية، ويتم خصمها من بيئة الإمارات البيئية. ويتم اعتبار أي نفط وغاز نستهلكه محلياً جزءاً من بصمتنا البيئية.

يتم قياس البصمة البيئية عند عملية الاستهلاك؛ مثلاً، ينتج عن قيام محطات الطاقة لتوليد الكهرباء لمنازلنا انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء ،ما يؤثر في البصمة الكربونية الخاصة بدولتنا. وعندما تصل تلك الطاقة لمنازلنا لنستهلكها لمشاهدة التلفاز أو استخدام التكييف أو مصابيح الإضاءة، تغدو جزءاً من بصمتنا البيئية الفردية وتصبح بذلك مسؤوليتنا الشخصية، بينما تقتصر مسؤولية محطة الطاقة على الطاقة التي تستهلكها في موقعها.

نحتاج لحساب البصمة البيئية مقارنة معدل الطلب على الموارد الطبيعية، وهو ما نطلق عليه البصمة البيئية، بمخزون الموارد الطبيعية، وهو ما نطلق عليه القدرة البيولوجية.

وافقت الإمارات منذ اللحظة التي عرض فيها على وزارة البيئة والمياه مبادرة البصمة البيئية من قبل الصندوق العالمي لصون الطبيعة وجامعة «بيل» الأمريكية وتبنتها وعقدت اجتماعات وورش عمل لغرض تعديل وضع الدولة في جداول البصمة البيئية التي أشارت إلى احتلال الدولة المرتبة الأولى عالمياً.
يقوم الصندوق العالمي لصون الطبيعة كل عامين بنشر تقرير الكوكب الحي. وأوضح تقرير عام 2008 أن بصمة الإمارات تبلغ 9.5 هكتار عالمي للفرد، ما يشير إلى أن سكان الإمارات يستهلكون الطعام، والألياف، والطاقة، والبضائع والخدمات المختلفة بنسبة تفوق مقدرة الكوكب على توفير تلك الموارد بشكل طبيعي. وبمقارنة البصمة البيئية للدولة والتي تبلغ 9.5 هكتار عالمي بالسعة البيولوجية العالمية والتي تبلغ 2.1 هكتار عالمي نستنج أننا سنحتاج إلى أربعة كواكب ونصف الكوكب لتوفير الطلب على الموارد.
شهدت الإمارات طفرة من النمو الاقتصادي منقطع النظير ، ما أدى إلى تطور سريع رافقه تحسن كبير لمستوى المعيشة.
من ناحية أخرى، من أجل المحافظة على مثل ذلك النمو لجأنا إلى الاستهلاك المتزايد للموارد الطبيعية مثل الطاقة، والأخشاب، والطعام، والألياف، سواء من مصادر محلية أو من مصادر خارجية.
والإمارات تتمتع بواحدة من أشد البيئات جفافاً وحرارة، ما يفسر امتلاكنا واحداً من أعلى معدلات استهلاك الطاقة للفرد في العالم ،وذلك من أجل الحصول على مياه الشرب عن طريق تحلية مياه البحار وأيضاً من أجل الحصول على الطاقة اللازمة للتبريد.
ورغم ذلك فإن مخزوننا من الطاقة والموارد الأخرى محدود (من المقرر أن يكفي الوقود الأحفوري للإمارات لمدة تتراوح من 100 إلى 150 عاماً فقط). وعلينا أن نتوقع نتيجة واحدة إذا استمررنا في الإفراط باستهلاك مواردنا بشكل غير مسؤول؛ وهي نضوب تلك الموارد في يوم ما. ولن يرغب أحد في ترك مثل ذلك الميراث للأجيال القادمة.
يجب علينا اتخاذ موقف إيجابي فوراً، وذلك بحساب مستوى استهلاكنا للموارد الطبيعية لكي نصبح أكثر وعياً بأنماطنا الاستهلاكية. هذا بدوره سيساعدنا على تطوير وسائل جديدة للترشيد واستهلاك الموارد بشكل أكثر حكمة.
كذلك، تعتبر الإمارات من الدول ذات الطبيعة القاحلة والموارد الطبيعية المحدودة،خاصة المياه العذبة،لكنها تعتبر من الدول التي تتمتع بناتج إجمالي محلي ومستوى معيشة مرتفعين.
والحفاظ على تلك المستويات المعيشية العالية، بالرغم من ظروف البيئة القاسية، يتطلب كمية هائلة من الطاقة والموارد الطبيعية، فنحن بحاجة لأجهزة التكييف لتبريد منازلنا ومدارسنا ومكاتبنا وحتى مواقف الحافلات لدينا. كما أننا بحاجة للسيارات لتنقلنا في فصل الصيف الحار عندما يكون المشي لمسافة بعيدة أمراً في غاية الصعوبة. ونحتاج لاستيراد السلع والموارد الطبيعية من حول العالم لاستدامة أنماط استهلاكنا ونمونا الاقتصادي، ولا تنتهي القائمة عند هذا الحد فقط، بل هناك المزيد.
إذا نظرنا حولنا، وفي كل ما نفعله، وكل ما نشتريه ونستهلكه، سنجد أننا نستورد كمية هائلة من الموارد الطبيعية من خارج الدولة، ويأتي ذلك بتكاليف بيئية ضخمة.
ولم يكن لدينا حتى وقت ليس ببعيد المعلومات الكافية والخيارات أو التقنيات لمساعدتنا في أسلوب عيش أكثر وعياً لما نقوم باستهلاكه.

ومن هذه الناحية، فإن انطلاقة البصمة البيئية تعتبر أولى الخطوات التي تقودنا باتجاه الطريق الصحيح.

يجب علينا معالجة تلك القضية، واتخاذ موقف إيجابي من جميع الشرائح المجتمعية من أجل الوصول إلى أسلوب معيشة أكثر استدامة.

د. داود حسن كاظم
خبير بيئي وزراعي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"