“اضطراب القلق المعمم” مرض الخوف من المجهول

يصيب 3 ملايين شخص في بريطانيا
06:47 صباحا
قراءة 6 دقائق
ترجمة: محمد إبراهيم فقير
بقدر ما تتذكر، تشعر البريطانية آيمي شورت، الشابة البريطانية التي تبلغ من العمر 29 عاماً، أن معظم فترات حياتها كانت عبارة عن نوبات متواصلة من القلق والتوتر . وهذه النوبات ليست مجرد مخاوف أو انزعاجات بسيطة كالتي تشعر بها من وقت لآخر، لأنها في حالة آيمي، تكون عبارة عن إحساس دائم بأن أمراً مروعاً وشنيعاً على وشك أن يحدث لها .
تصف آيمي حالتها قائلة: "هذا القلق ينتابني طوال الوقت . فأنا أتخوف من المجهول والخروج، ومما سيحدث لي حينما أقود سيارتي في الطريق للعمل وعما فعلته خلال اليوم . وعندما أحاول أن أضحك مع زملائي في العمل، أكون بداخلي ممزقة وقلقة مما قد يحدث تالياً" .
وفي بعض الأحيان تصبح مخاوفها شديدة لدرجة تصيبها بدوار وبتعرق شديد في يديها . كما أنها تعاني في كل بضعة أسابيع أو نحو ذلك، نوبات أو هجمات رعب وخوف، يبدأ معها قلبها في الخفقان وتناضل لكي تتمكن من التنفس .
وتوضح آيمي قائلة: "هذه النوبات يمكن أن تحدث في أي مكان . في المرة الأولى كنت أشاهد التلفزيون مع والدتي حينما باغتني هذا الشعور المروع وجعلني أتجمد في مكاني . لقد أحسست بأني سأموت" .
ولعدة أعوام، كانت آيمي تخجل من طلب المساعدة وأخفت حالتها من الجميع عدا أفراد أسرتها المقربين وخطيبها .
أخيراً، وفي السنة الماضية، قررت مقابلة طبيبة . قبل أن أسترسل في وصف حالتي، نهضت الطبيبة من مكتبها ووضعت مصباحاً في أذني، وقالت لي: "أنت مصابة بفيروس" ونصحتني بالراحة وبالعودة إذا لم أشعر بتحسن .
وتقول آيمي: "لقد ذهلت . وقلت لها : لا أعتقد أن الأمر كذلك . وتركت العيادة وأنا أشعر بقلق أكبر مما كنت أشعر به حينما ذهبت إليها" .
وبعد أشهر عدة من الممانعة، ذهبت آيمي لطبيب آخر شخص إصابتها ب"اضطراب القلق" وبدأ السعي لإيجاد العلاج المناسب والصحيح لها .
وكما اكتشف عدد لا يحصى من الناس كآيمي، فإن التوصل لتشخيص صحيح يمكن أن يكون صعباً . وفي الشهر الماضي، أدت المخاوف من عدم وجود تشخيص سليم، إلى إصدار المعهد القومي لجودة الرعاية الصحية بالمملكة المتحدة، لمعايير جديدة لتحسين طرق ووسائل ملاحظة وتمييز اضطرابات القلق . وحتى عندما يحصل من يعانون هذه الحالة على تشخيص سليم، لا يتلقون في أغلب الحالات، العلاج الصحيح .
والقلق الذي يُعّرف طبياً بأنه "اضطراب القلق المعمم" يعني أن شخصاً ما ينتابه قلق غير عادي وغير واقعي ويحدث له بصورة شبه يومية . وهو يعد مشكلة شائعة، تصيب في بريطانيا على سبيل المثال نحو 3 ملايين شخص .
ويوضح البروفيسور ديفيد كلارك، أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة أكسفورد: "القلق أو التوتر، هما استجابة أو ردة فعل طبيعية . فإذا رأيت أسداً، فإن جسدك سيستجيب . وعلى سبيل المثال، ستتزايد نبضات قلبك، للتهيؤ للركض" . وردة الفعل، بالنسبة إلى الأشخاص المصابين بالقلق تكون حقيقية حتى لو لم يوجد شيء حقيقي لكي يحفزها . وهذا النوع من القلق المرضي يدمر حياة المصابين به . لأنهم يشعرون بأنهم غير قادرين على الخروج وعيش حياتهم، أو حتى الاستمتاع بأطفالهم، وكل ذلك بسبب القلق . يقول الأطباء إن أسباب هذه الحالة غير معلومة .
ويقول البروفيسور كلارك: "أظهرت أبحاث أن هذه الحالة لا تنجم أساساً من عدم توازن كيميائي "في الدماغ"، لكنها ببساطة تحدث بسبب وجود اختلاف في الطريقة التي يفكر بها المصابون بها" . ويكون لديهم في الأغلب نوع أو أكثر من أنواع القلق . وهذه الأنواع تشمل، اضطراب القلق الاجتماعي، وهو يتعلق بالاختلاط بالناس، ومتلازمة الاضطراب الذي يلي الإصابة بصدمة نفسية، واضطراب الوسواس القهري "المصاب به تسيطر عليه أفكار وهواجس وسلوكيات قهرية"، واضطراب الهلع "تنتاب المصاب به نوبات هلع مفاجئة يعتقد معها أنه سيمرض مرضاً شديداً أو أنه يوشك على الموت" .
ويقول البروفيسور كلارك: "ثلث الناس يصابون بنوبة الهلع بسبب، إفراطهم في استهلاك الكافيين على سبيل المثال" .
وهذه النوبات تتكرر مع نسبة لا تقل عن 6% من الناس . والعيش مع أي اضطراب قلق يمكن أن يلقي بتبعات وعواقب سلبية على الصحة العامة للمصاب .
وتوضح الخبيرة الصحية بيت ميرفي قائلة: "إذا كنت تشعر بالقلق طوال الوقت، قد يصيبك هذا القلق المتواصل بأمراض مثل متلازمة القولون المتهيج ونوبات الصداع . وقد يتداخل مع النوم أيضاً" .
وبعض الناس يصبحون قلقين للغاية ولدرجة قد تؤدي لإدخالهم المستشفى . ويشكل النساء أغلبية من يعالجون في المستشفى بسبب القلق، خاصة النساء اللائي بلغن سن ال 60 عاماً . وتقول بيت ميرفي: "النساء في هذه الفئة العمرية قد يشعرن بضغط كبير ناجم من المسؤوليات والواجبات الثقيلة التي قد تكون ملقاة على عاتقهم كالعناية بذويهم كبار السن وبالأطفال، ولكي يتم إدخال شخص ما المستشفى للعلاج من القلق، ينبغي أن تكون حالته شديدة وخطرة" . يشعر برغبة في الانتحار، أو يكون قلقاً للغاية، بحيث لا يتمكن حتى من تأدية وممارسة أنشطته وفعالياته الحياتية .
وتشير الإحصاءات التي تظهر تزايد أعداد من يتم إدخالهم المستشفى للعلاج من قلق شديد، لوجود إخفاق يتعلق بالخدمات المتاحة للأشخاص الذين يعانون هذه الحالة .
ومن الواضح أن تشخيص هذه الحالة تكتنفه صعوبات جمة . وتقول ميرفي: "بعض الأطباء العموميين يجيدون تمييز وتشخيص هذه الحالة، بيد أن بعض الأشخاص يشكون من طول الفترة التي يستغرقها أطباء آخرون حتى يتوصلوا للتشخيص السليم لحالتهم . وهذا قد يكون مرده، تخوفهم من الكلام بشأن صحتهم النفسية، ولذلك يتركز الحديث حول أعراضهم الجسمانية، كتسارع نبضات القلب . وهذا قد يجعل الطبيب العمومي يتقصى حول مشكلاتهم القلبية، عوضاً عن الحديث حول القضايا والمشكلات الأكبر" .
وفي أغلب الحالات، يتلقى المرضى عقاقير وأدوية، بدلاً من العلاج أو التدخل السايكولوجي، حتى عند التوصل للتشخيص الصحيح . والتدخل السايكولوجي هو نمط من المعالجة الكلامية التي تهدف لتغيير الكيفية التي ينظر بها الناس لمواقف وظروف حياتية معينة . ويعتقد العلماء أن هذه الطريقة تتسم بفعالية أكبر من العلاج بالأدوية والعقاقير .
ويقول البروفيسور كلارك: "إذا اخذنا القلق الاجتماعي كمثال، سنجد أن 80% يتعافون بالعلاج "في العادة يستغرق العلاج 10 - 20 جلسة"، في حين تعين الأدوية 40 -50% فقط من الناس ومعدل الانتكاس فيها يكون أعلى، وهي فضلاً عن ذلك قد تؤدي للتعرض لآثار جانبية . آيمي جربتها وتسببت لها بنتائج كارثية" .
وتقول آيمي: "قالت لي طبيبتي إنها يمكن أن تأمر لي بإجازة من العمل، وتصف لي أدوية وعقاقير، أو تضعني على برنامج جلسات واستشارات نفسية . وأنا اخترت تجريب العلاج بالأدوية والعقاقير لأنني كنت أرغب في الحصول على حل سريع لمشكلتي" .
وتصف آيمي حالتها بعد أن وصفت لها الطبيبة عقار سيتالوبرام المضاد للاكتئاب: "لقد جعلني أشعر بأنني أصبحت شبحاً . إذ لم أكن أتمكن من التركيز في العمل، وأصبحت حساسة وعصبية للغاية . ولذلك توجب علي الامتناع عن أخذه" . ومن ثم تلقت دواء سيرترالين، الذي يستخدم لمعالجة اضطراب الهلع أو القلق الاجتماعي، لكنه كسابقه لم يكن مجدياً معها .
وتأمل آيمي في تجريب العلاج السلوكي الإدراكي "أو المعرفي" حينما تشعر بأنها أصبحت قوية بما فيه الكفاية، لكنها قد تضطر للانتظار فترة طويلة، قد تصل لعام كامل، حتى تحصل عليه .
وهذا النوع من العلاج، أسهم في مساعدة مولي وودهام، وهي فتاة تبلغ من العمر 20 عاماً، كانت تعاني القلق منذ أن كانت في سن ال 14 . وهي تعاني بشدة هذه الحالة لدرجة لا تتمكن فيها من مغادرة منزلها .
وهي تصف حالتها قائلة: "أتلهف للخروج عندما أتطلع من خلال النافذة نحو الخارج وأرى الطقس جميلاً، بيد أن قلقي مما قد يحدث لي، يهزم رغبتي في الخروج . ويكون الأمر أشبه بمعركة أخوضها مع عقلي . وما أشعر به ليس مجرد إحساس خفيف بأن شيئاً سيئاً سيحدث، بل خوف رهيب ومروع" .
وقد وقعت أول نوبة لمولي حينما كانت في حافلة نقل عام مع والدتها وشقيقتها . وهي تستذكرها قائلة: "فجأة ومن دون أية مقدمات انتابتني نوبة هلع . وأخذ قلبي يدق بتسارع وقوة، وكانت يداي تتعرقان وشعرت بأنني لا أقدر على التنفس . ركضت نحو السائق وطلبت منه أن يتوقف فقد كنت أشعر بأنني إذا لم أحصل على مزيد من الهواء، سأموت" .
وعندما ذهبت مولي لطبيبتها، شخصت إصابتها بالقلق ومنحتها كتيباً يصف هذه الحالة .
وتقول مولي إنها شعرت بأن القدر قد حكم عليها بالضياع، ولذلك تخلت عن أحلامها بالالتحاق بالجامعة بعد اضطرارها لترك المدرسة بسبب خفقان قلبها الشديد .
وقد خضعت مولي ل 4 جلسات من المعالجة السلوكية الإدراكية التي أحدثت لها في البداية تغيراً إيجابياً هائلاً، مكنها من الالتحاق بعمل وسهل ارتباطها العاطفي بخطيبها . ولكن على مدار ال 6 أشهر الماضية، تلاشت هذه التأثيرات الإيجابية .
وتخشى آيمي أن يكون مصيرها كمصير مولي، ولا تتمكن من الإفلات من قلقها ومخاوفها . وهي تقول: "أرغب فقط في شيء من السكينة والسلام" .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"