سجن التوثيق

فكرة
03:39 صباحا
قراءة دقيقتين
المحرر الثقافي

تتسع مدونة الرواية العربية المعاصرة للكثير من الثيمات، ويحتل أدب السجن أو أدب المعتقلات أو أدب القضبان، على اختلاف المسميات، حيزاً موزوناً في هذه المدونة، وهناك العديد من الأعمال التي تنتمي إلى هذه المدونة وباتت علامات في تاريخ الرواية العربية، وفي مقابل ذلك هناك فقر شديد في التعبير عن تجربة الأسر روائياً، برغم مركزية هذه القضية في التاريخ العربي المعاصر.
والملاحظ أنه في ظل هذا الفقر، لا يوجد عمل روائي تستحضره الذاكرة عند البحث عن رواية «الأسر»، فعلى الباحث في هذه المسألة أن يفتش عن هذا النص النادر أو ذاك الذي لا يعرفه أحد ولم تنتبه إليه دور النشر أو يتناوله النقد والمتابعة التحليلية بالشرح والإضاءة، هل تعود المسألة إلى صعوبة الكتابة عن تجربة الأسر؟ أم إلى عدم مرور أحد مبدعينا بهذه التجربة؟ ولكن بعد ذلك الموروث الروائي الضخم وتغير آليات الكتابة وتلك الأجواء والتقنيات التي بات الكثيرون يستخدمونها بمهارة وحرفية، وبعد تلك العوالم التي يصورونها ولا تنتمي إلى حدود الذات.. بعد كل ذلك الزخم هل ما زلنا نربط حرفياً بين الإبداع والتجربة الملموسة؟ هل تعود ندرة الأعمال التي تتناول معاناة الأسير إلى الخوف من الوقوع في التعبير المباشر والنبرة العاطفية والخطابة السياسية؟ وهي أمور أشار إليها بعض الكتاب والمتابعين، وإلى أي مدى تتوافر المواهب الروائية التي يمكن أن تحول الأسر من معناه المباشر المحسوس إلى طرح فلسفي جمالي يتجاوز إلى تأويلات جديدة ومغايرة؟
تجربة الأسر شديدة الثراء إبداعياً. تجربة تكتنز عدة مفردات لا تبدأ بالتفكير في الحرية، ولا تنتهي بالانتظار، وبين المفردتين هناك ذلك السياج من الكتابة الذي يحيط به الأسير نفسه هرباً من آلامه، ومن المحيطين به. هناك الحوار مع الذات وتأمل حدودها وأبعاد المكان. هناك الزمن ومشاعر الأمل والتوقع، والإحباط والانكسار والخوف، وهناك العين بقدرتها على الالتقاط، وهناك أيضاً خزان الذاكرة وكنوزه... إلخ، وكلها أفكار ومشاعر تناولتها أدبيات السجن بعذوبة، لكننا لن نستطيع أن نحسها في تلك الأعمال النادرة المكتوبة تحت عنوان «أدب الأسر» التي ركزت أكثر على الجانب التوثيقي المباشر، ولم تستطع الفرار من أسره.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"