سرطان البروستاتا

الوقاية الأولية والثانوية والثالثية لسرطان البروستاتا (الجزء الثالث)
13:17 مساء
قراءة 16 دقيقة

بما أن مصطلح الوقاية يتطرق بشكل عام إلى جميع الوسائل المؤدية إلى تفادي أي خطر محتمل قد يؤدي إلى الإصابة بمرض أو سرطان، فإن هذا يعني اتخاذ إجراءات وقائية أو علاجية لكيلا يحدث المرض، وهذا يتم بتغيير نمط الحياة مثل توقيف التدخين وممارسة الرياضة الجسدية والتغذية الصحية، وفي حالة حدوث المرض يجب اتخاذ التدابير الوقائية العلاجية لتفادي أو تخفيض حدة أعراضه ومضاعفاته .

لهذا، يبدو ظاهراً أن التغذية لها تأثيرها الإيجابي والوقائي في صحة الشخص، ولكنها في الوقت نفسه قد يكون لها تأثير سلبي في نشوء الأمراض الخبيثة في جسم الإنسان ومنها سرطان البروستاتا . فهنالك إشارات تدل على ارتفاع نسبة الإصابة بسرطان البروستاتا عند الآسيويين الذين يعيشون كمهاجرين في الدول الصناعية . كما ثبت ارتفاع نسبة الإصابة بهذا السرطان عند الذين يتناولون كميات كبيرة من الحليب ومشتقاته، وكذلك عند من يكثرون من تناول اللحوم الدهنية والشحمية .

وبالمقابل تقل هذه النسبة عند الذين يعيشون في منطقة البحر المتوسط ومناطق شرقي آسيا بسبب الدور الوقائي لطبيعة الأغذية التي يتناولونها ومنها الطماطم والصويا والتي يكثرون من تناولها في طعامهم .

أما الهدف من الوقاية الثانوية والثالثية، ويكون في حالة الإصابة بسرطان البروستاتا الموضعي، فهو تفادي تطور هذا السرطان الى المراحل المتقدمة، وهذا يحتم وقائياً إعطاء مكبت الإنزيم الخامس للأفاردوكتاز الذي يقي من التكاثر العشوائي للخلية البروستاتية، وهذا مايسمى بالوقاية الكيميائية .

وتدل الإحصائيات الطبية العالمية الحديثة على تصاعد وارتفاع خطر في نسبة الاصابة بسرطان البروستاتا مقارنة بالسنوات العشرين الماضية .

ويعزى السبب الرئيس لارتفاع هذه الإصابات عند الرجال ما بين 40-70 عاماً خلال السنوات السبع الأخيرة الى ارتفاع في قابلية واستعداد جسم الإنسان للطفرات والتغييرات الجينية التي تؤدي إلى نشوء السرطان، وذلك بسبب ارتفاع نسبة التلوث البيئي والغذائي بصورة خطرة في العالم أجمع، حيث أحصيت حديثاً مئتا ألف إصابة سنوياً بسرطان البروستاتا في الولايات الأمريكية المتحدة، وهذا يدل على ارتفاع نسبة الإصابة ارتفاعاً كارثياً وخطراً في هذا العمر على مستوى العالم .

ومن أهم التشخيصات الرئيسة لوضع استراتيجية علاجية صحيحة لسرطان البروستاتا، تحديد مراحل سرطان البروستاتا وكذلك تحديد درجة الخبث السرطاني لهذه الغدة وذلك بواسطة الفحص النسيجي المجهري وخاصة التفريق بين درجات خبث الخلية السرطانية لهذه الغدة، وكذلك التمييز بين مراحل الإصابة إن كانت في المرحلة الأولى، أي أن تكون الإصابة موضعيةً وفي داخل فص واحد من غدة البروستاتا، أو إذا كانت الإصابة في الفصين لهذه الغدة أي في المرحلة الثانية، أو أن تكون الإصابة في المرحلة الثالثة حيث يحدث توغل هذا السرطان في الغدة المنوية الملتصقة والمجاورة لغدة البروستاتا، أو أن تكون الإصابة في المرحلة الرابعة أو الأخيرة حيث يحدث توغل هذا السرطان خارج الغدة البروستاتية ويصيب الأعضاء المجاورة أو ينتشر في الجسم وخاصة في الغدد اللمفاوية والعظام والرئتين والكبد .

العلاج:

1- الرقابة والرصد الفعال:

ان مبدأ المراقبة والرصد الفعال للسرطان في المرحلة الأولى مع اختيار منسق لتأخير التدخل العلاجي كان قد اْعتمد من قبل الدراسات الإكلينيكية الأوروبية والأمريكية، وهو يطبق عالمياً الآن عند المصابين بهذا السرطان ذي الخطورة القليلة، أي عندما تكون الإصابة في المرحلة الأولى وتكون درجة خبث الخلية السرطانية أقل من ست نقاط لكليسون الورمية، وفي الوقت نفسه يشخص ارتفاع في نسبة المستضد النوعي البروستاتيPSA في الدم لا يتجاوز 0 .4 نانوغرام في المليم الواحد، ويجب ألا توجد عند هؤلاء المرضى أية أعراض مرضية من جراء هذا السرطان، وإحصائياً تكون حياة 50% من هؤلاء غير مهددة، ولكن التحدي يبقى هو تشخيص مبكر لأي تردؤ يحدث لهذا السرطان، فإذا حدث أثناء المراقبة الفعلية عند هؤلاء المرضى تردؤ لهذا السرطان مع تشخيص سريري لتضاعف زمني للمستضد النوعي البروستاتي، والذي يجري لهؤلاء المرضى كل ستة أشهر، فإنه يمكن من خلال هذه الطريقة التشخيصية ترشيح هؤلاء المرضى للاستئصال الجذري لغدة البروستاتا قبل استفحال ونمو السرطان داخل الغدة، وكذلك إذا حدثت مضاعفة زمنية للPSA في مدة أقل من ثلاث سنوات فإن الاستئصال الجذري يجب أن يعرض على هؤلاء المرضى، أما المتبقون من هؤلاء المرضى الذين لا يشخص عندهم تضاعف للمستضد البروستاتي خلال المراقبة والرصد الفعال، فإن بقاء المراقبة المكثفة تكون ضرورية وملحة وذلك بواسطة الفحص الدوري للمستضد البروستاتا النوعي PSA والخزعات البروستاتية الدورية بعد سنتين، وخمس، وعشر سنوات .

أما المعايير غير الدليلية لسرطان البروستاتا فإنها تتميز بتشخيص السرطان نسيجياً مجهرياً في خزعة واحدة من مجموع 21 خزعة مأخوذة من البروستاتا، وأن يكون حجم السرطان هذا أقل من ثلاث مليمترات مكعبة، وأن تكون الإصابة داخل فص واحد في هذه الغدة فقط، أي أن الإصابة هي سرطان المرحلة الأولى، وفي الوقت نفسه تشخص بواسطة الفحص النسيجي المجهري على درجة الخبث لكليسون والتي تكون ما تحت الست درجات، ويشخص في الدم ارتفاع في المستضد النوعي ما تحت 10 نانوغرام للمليم الواحد، وهؤلاء المرضى والمصابون بسرطان المرحلة الأولى ومن دون انتشار في الغدد اللمفاوية أو في الأعضاء الأخرى للجسم يراقبون بحذر ويكونون غير صالحين للتدخل العلاجي الموضعي، كما أنهم لا يحتاجون مباشرة إلى علاج هرموني .

أما الرجال المصابون بسرطان البروستاتا وهم في عمر ما فوق السبعين سنة والذي يشخص عندهم ارتفاع في نسبة المستضد إلى حد50 نانوغراماً في المليم الواحد 50g/ml فإنهم قد لا يستفيدون من علاج مباشر كاستئصال الغدة أو علاج آخر وذلك لتقدمهم في العمر، أما الرجال الذين تكون أعمارهم أقل من السبعين سنة فقد يستفيدون من العلاج الجراحي الجذري والاستئصالي لغدة البروستاتا والغدة المنوية . أما المرضى الذين يشخص عندهم ارتفاع المستضد ما بين 8-50g/ml وفي نفس الوقت يشخص عندهم تضاعف في المستضد بمدة زمنية أقل من 12 شهراً فإن هؤلاء يشخصون إلى فئة المرضى ذوي الخطورة العالية لانتشار السرطان أو الوفاة، ولذلك فإن هؤلاء يحتاجون إلى علاج هرموني مباشر في أقرب وقت ممكن .

2-علاج ذو مقصد شفائي:

أ- العلاج الجراحي الاستئصالي الجذري:

إن استئصال البروستاتا في حالة إصابتها بالسرطان مازال هو المعيار الذهبي لعلاج السرطان الموضعي عند المرضى الذين يتوقع بقاؤهم على قيد الحياة لمدة أكثر من عشر سنوات . حيث أظهرت دراسة استعادية أوروبية كبيرة ل 553 .10 مريضاً خضعوا لاستئصال جذري لسرطان البروستاتا الحديث ذي التقنية العالية بين 1993 2004 بأن هؤلاء قد استفادوا من هذا العلاج الجذري والشفائي .

أما بالنسبة للمضاعفات الانتكاسية السرطانية ما بعد الجراحة الجذرية فإنها تحدث بنسبة عالية خلال السنة الأولى عند هؤلاء الذين يشخص عندهم نسيجياً ومجهرياً وجود بقايا من الخلايا السرطانية في منطقة القلع الجراحي، أي أن القلع كان غير جذري لهذه الغدة المصابة بهذا السرطان، ولهذا يجب أن تكون هذه الجراحة جذرية وذات تقنية عالية وحذرة، وإن إتقانها يبقى للجراحين ذوي التجربة الطويلة والمهارة العالية فقط لكي يتم القلع الجذري للغدة وسرطانها كلياً من دون ترك أي حدود جراحية توجد بها بقايا من الخلايا السرطانية التي تؤدي إلى نمو السرطان مرة أخرى وانتشاره في الجسم بعد فترة وجيزة .

ان التطورات الجراحية الحديثة لهذه العملية الجراحية للبروستاتا أدت إلى التمكن من المحافظة على الأعصاب الانتصابية الذكرية لتفادي العجز الجنسي عند هؤلاء المرضى، حيث كان ذلك غير ممكن سابقاً في مثل هذه العمليات الجراحية الجذرية، وفي الوقت نفسه لوحظ ارتفاع في نسبة التحكم بالمثانة أثناء التبول بعد تطور هذه التقنيات الجراحية الجذرية الحديثة، وقد ارتفعت هذه النسبة ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بالسنوات ما قبل هذه الدراسة الاستعادية الأوروبية .

كما أظهرت هذه الدراسة ارتفاع نسبة البقاء على قيد الحياة بنسبة 71% بعد عشر سنوات من هذه العملية الجراحية الجذرية، وتبين كذلك عدم وجود علاقة لهذه النتائج بدرجة (الخبث) لكليسون السرطانية أو إصابة الحويصلة المنوية بالسرطان، أما السيطرة والتحكم بالمثانة فكانت بنسبة 87% في خلال 12 شهراً، أما القدرة الجنسية فقد كانت بعد العملية الجراحية بنسبة 10% في حالة استئصال سرطان ذي مرحلة متقدمة مثل T3 .PCA، ومن هذه الفئة الأخيرة فإن 56%من هؤلاء المرضى احتاجوا إلى علاج مساعد، مع العلم أن سرطان البروستاتا له مميزاته العلاجية الإيجابية حيث استنتجت الدراسة المذكورة أعلاه أن الاستئصال الجراحي للبروستاتا والغدة المنوية جذرياً عند هؤلاء المصابين بهذه المرحلة المتقدمة من السرطانT31a .PCA لها خاصيتها العلاجية الشفائية إذا أجريت منظارياً من قبل جراحين ذوي كفاءة وتجربة جراحية كبيرة لهذا السرطان.

ومن الجدير بالذكر أن وضع الاستراتيجية العلاجية الشفائية أو الاستراتيجية العلاجية المساعدة، يعتمد على تحديد مرحلة الإصابة للغدة قبل الجراحة وكذلك تحديد نوع ودرجة وخبث السرطان من خلال تشخيص وإثبات نوع ومرحلة السرطان في هذه الغدة مجهرياً نسيجياً بواسطة الخزعات المتعددة للبروستاتا، كما يجرى للمريض قبل الجراحة المنظارية الجذرية لهذه اللغة المصابة بالسرطان فحوصات تشخيصية أخرى للتمكن من تشخيص مرحلة الإصابة بالسرطان بصورة دقيقة قبل الجراحة وأهمها مخطط الومضان العام للعظام للتأكد من عدم انتشار الخلايا السرطانية البروستاتية في العظام، كما يُجرى فحص الرنين المغناطيسي المقطعيMRI للحوض والغدد اللمفاوية الموجودة هناك، وكذلك يجرى فحص لغدة البروستاتا نفسها والحويصلة المنوية لتشخيص مرحلة الإصابة ولمعرفة ان كانت الإصابة موضعية أو غير موضعية، أو قد تكون توغلت في الأعضاء المجاورة في الحوض أو انتشرت وأصابت الغدد اللمفاوية المجاورة والتابعة لغدة البروستاتا .

ب-الاستئصال الجراحي لغدة البروستاتا والغدة المنوية جذرياً:

تجرى هذه العمليات الجراحية المنظارية وبمساعدة الروبوت لسرطان البروستاتا عادة في أمريكا وأوروبا، وتعد الأكثر جذريةً ونجاحاً لاستئصال سرطان البروستاتا جذرياً عند الرجال ما بين 40-70 سنة، حيث إن هذه العملية الجراحية لها تقنية خاصة وتتميز عن العمليات الجذرية الأخرى لسرطان البروستاتا بأنها تحافظ على الأعصاب الانتصابية للذكر رغم القلع الجذري لهذا الورم الخبيث ذي المرحلة المتقدمة، ولكن المحدودة للبروستاتا والغدد اللمفاوية التابعة لها في الحوض، حيث يستطيع المريض بعد ذلك بأسابيع ممارسة حياته الجنسية دون أي صعوبة، وتضمن هذه العملية السرطانية الجذرية شفاء المريض من هذا المرض لمدة 15 سنة وبنسبة 95% في المرحلة الأولى والثانية من الإصابة، مع العلم أن إقامة المريض في المستشفى بعد هذه العملية لا تستغرق أكثر من 5 أيام فقط .

ت- العلاج الإشعاعي الخارجي:

هذا العلاج يجرى للمرضى المصابين بأمراض أخرى تجعلهم غير مؤهلين للخضوع إلى العملية الجراحية الاستئصالية والجذرية، حيث إن هذا الإشعاع لا يستغرق أكثر من ستة أسابيع، أما نسبة البقاء على قيد الحياة لمدة 15 سنة بعد إشعاع الغدة المصابة بالسرطان في المرحلة الأولى فتكون مابين 40-60% مقارنة بالاستئصال الجراحي الجذري للبروستاتا، وتكون متشابهة عند المصابين بسرطان البروستاتا ذي المرحلةT2-T3 أما الأعراض الجانبية لهذا العلاج فتكون السلس البولي وكثرة التردد البولي وأحياناً نزف والتهاب الشرج والمستقيم وكذلك الضعف الجنسي، ولكن يكون هذا العلاج محبذاً في حالة وجود سرطان منتشر موضعياً حيث يبدأ بالعلاج الهرموني لمدة 3 أشهر قبل الإشعاع .

ث- العلاج الإشعاعي الداخلي لسرطان البروستاتا:

هذا العلاج عبارة عن علاج إشعاعي داخل غدة البروستاتا حيث تزرع إبر مشعة في داخل البروستاتا بمساعدة جهاز الموجات فوق الصوتية من خلال المستقيم لمراقبة وتعيين مكان الزرع لهذه الإبر كمادة اليود المشعة 125 أو مادة البلاديوم 103 المشعة .

ج-العلاج الهرموني:

منذ أن ثَبَتَ بأن نمو سرطان البروستاتا متعلق بالهرمون الذكري التستستيرون، فإن علاج الحرمان الأندروجيني مازال علاجاً أساسياً لسرطان البروستاتا المتقدم والمنتشر، ومازالت جراحة قلع الخصيتين هي المعيار الذهبي مقارنة بالعلاجات الأخرى، ويتم من خلال حقن المريض بصورة متكررة كل (شهر، شهرين، ثلاثة أو ستة أشهر بعلاج الهرمون الحثي اللوتيني الإفرازي غير المضاد حيث يحفز الهرمون الحثي هذا عند بدء العلاج المستقبلات الهرمونية الحثية في الدماغ ما تحت السرير البصري، أي في الدماغ الأوسط ومن جراء ذلك يحدث وهيج التستستيرون، ولذلك فإنه بعد استعمال هذا العلاج الهرموني الحثي لمدة معينة تتراجع المستقبلات الهرمونية الحثية ومن جراء ذلك يكبح إفراز الهرمون اللوتيني وهرمون حث الجريبات والنتيجة العلاجية تكون قد تمت من جراء كبح إنتاج التستستيرون بواسطة العلاج المذكور مقدماً، مع العلم أن هذا العلاج له فوائده الإضافية عند المرضى الذين يشكون من صعوبة في التبول من جراء التضيّق في الإحليل البروستاتي في حالة تضخم الغدة المصابة بالسرطان، حيث يتحسن تدفق البول وتختفي الأعراض التضيقية والتهيجية للمثانة والإحليل .

ح- المضادات الأندروجينية:

هذا العلاج يعطى للمرضى المصابين بسرطان البروستاتا في المراحل المتقدمة، حيث إن هذه المضادات غير الستروئيدية (مثل البايكلوتاميد) قد تستعمل كعلاج لوحده عوضاً عن استئصال الخصيتين جراحياً، وقد يستفيد المريض من هذا العلاج ليقلل من ظاهرة الوهج التستستيروني قبل البدء باعطائه العلاج الهرموني الحثي LHRH-AGONIST، وقد أظهرت بعض الدراسات الإكلينيكة الحديثة الخاصة بعلاج السرطان في المراحل الأولى، ومن دون انتشارأن هؤلاء المرضى يستفيدون أكثر وبنسبة عالية من هذا العلاج للبقاء على قيد الحياة مدة أطول مقارنة بالعلاج المعياري وحده، وذلك فقط عند المصابين بسرطان البروستاتا الموضعي المتقدم المرحلة .

خ-(لعلاج المركب) علاج الحرمان الأندروجيني الكامل مع مثبط لهرمون النمو سوماتوستاتين:

عند بعض المرضى المصابين بسرطان البروستاتا في المرحلة المتقدمة (المرحلة الرابعة) ترتفع فعالية خلايا الغدد الصماء العصبية التي قد تؤدي بدورها إلى ارتفاع في عدوانية هذا السرطان، وفي نفس الوقت قد تؤدي إلى خطورة تكاثر الانتشار في العظام والرئتين والكبد لهذا السرطان . ولهذا فإن العلاج بالحرمان الهرموني له أهميته الرئيسة لكبت الفعالية المضادة للموت المبرمج للخلايا السرطانية هذه، والموجودة في نظام الخلايا الغدية الصماء العصبية وفي الوقت نفسه ينصح بإضافة مثبط هرمون النمو السوماتوستاتين ليحسن أداء وفعالية الحرمان الهرموني على الخلايا السرطانية البروستاتية، وقد لوحظ في عدة دراسات حديثة تحسن حالة المرضى هؤلاء من ناحية توقف انتشار الخلايا السرطانية في العظام أو الرئة أو الأعضاء الأخرى في الجسم بعد تناول هذا العلاج المركب من العلاجين المذكورين أعلاه .

د) العلاج المتقطع الهرموني:

وفائدة العلاج هذا تكمن بتأخير نشوء مقاومة الخلايا السرطانية في البروستاتا للعلاج الهرموني .

ذ) علاج السرطان المقاوم للهرمون:

وهنا يتدخل العلاج الكيميائي في العلاج مثل الدوسيتكسل، مع إضافة الكورتيزون إلى ذلك أو من دونه .

وقد استعملت هذه الأدوية السامة للخلايا لعلاج السرطان المتقدم المرحلة (المرحلة الرابعة)، ولكن لوحظ تجاوب قليل للمرضى، حيث كان التحسن المحسوس غير كاف، وبغض النظر عن الأعراض الجانبية السامة في الجسم من جراء هذا العلاج يؤدي هذا في الوقت نفسه إلى كبت فعالية وأداء النخاع العظمي، مع العلم أن تحسن نمط الحياة وأن مدة البقاء على قيد الحياة من خلال هذا العلاج السام لن تدوم أكثر من (ستة أشهر إلى سنة) . مع العلم أن جميع مرضى المراحل المتقدمة يشكون من أوجاع في العظام المصابة بالانتشار السرطاني هذا، وقد ينتج عن ذلك انضغاط في النخاع الشوكي وعظام العمود الفقري يؤدي إلى هشاشتها وتكسرها . والعلاج لهذه الانتشارات في العظام يكون مساعداً فقط لكبت الكسور العظمية في الفقرات وفي الوقت ذاته لكبت الآلام الشديدة من جراء ذلك، والعلاج يكون بواسطة البيفوسفونات .

ر- علاج السرطان الموضعي ذي المرحلة المتقدمة:

هذه المرحلة من سرطان البروستاتا تمثل المرحلة الثالثة حيث إن السرطان نفسه لم يخرج عن نطاق المحفظة البروستاتية، وكذلك لاتوجد اعراض إكلينيكية تدل على انتشار في الغدد اللمفاوية المجاورة أو انتشار بعيد في أنحاء الجسم، وبسبب عدم كفاءة الوسائل التشخيصية لهذه المرحلة كلينيكياً، فإن هذه المرحلة تكون دائماً مشخصة تقديرياً أقل من المرحلة الحقيقية وتكون استراتيجية العلاج وكما ذكر سابقاً حسب النتائج التشخيصية الأخرى وأهمها نتيجة التحليل النسيجي المجهري لدرجة الخبث في إحراز كليسون وفي الوقت نفسه نسبة ارتفاع المستضد البروستاتي PSA في الدم .

ز- المراقبة الفعالة المستمرة:

هذه الاستراتيجية ذات المراقبة الفعالة والمستمرة تطبق في بعض الأحيان على المرضى المتقدمين في العمر حيث تكون تقديرياً فترة بقائهم على قيد الحياة بالنسبة إلى عمرهم المتقدم قصيرة، وكذلك وفي نفس الوقت لإصابتهم بأمراض أخرى، وكذلك يجب على الطبيب في هذه الحالة أن يوضح الوضع لعائلة المريض لتجرى له الفحوصات السريرية والمختبرية للمستضد خلال فترات قصيرة ودورية .

س-علاج المرض المنتشر لسرطان البروستاتا:

رغم وجود تقدم ملحوظ في اكتشاف السرطان في المراحل الأولى، فإن مرضى كثيرين في أنحاء العالم مازال يكتشف عندهم المرض بعد الانتشار في الجسم أي في المراحل المتقدمة لهذا السرطان، وحسب النسب التقديرية في أوروبا تدل الإحصائيات على أنه لايزال يكتشف عند 30% من السكان سرطان في البروستاتا في المرحلة الموضعية و40% من السكان في المرحلة الموضعية المتقدمة و30% من السكان في المرحلة المنتشرة في الجسم ومقارنة للمرحلة الموضعية المتقدمة لهذا السرطان، فإن في مرحلة الانتشار البعيد لهذا السرطان تكون نسبة الوفاه لهولاء المرضى 70% خلال خمس سنوات، أما في حالة الإصابة في المراحل المتقدمة والمنتشرة لسرطان البروستاتا فإن انضغاط النخاع الشوكي والكسور الباثولوجية لفقرات العمود الفقري تكون من الأعراض المؤلمة جداً حيث تحدث أوجاع فجائية في أسفل الظهر مع ثقل وتعب في الساقين، مع أو من دون أعراض تضيقية بولية، وفي هذه الحالة يجب أن يغير العلاج كحالة طارئة، حيث يقوم جرّاح الأعصاب برفع الانضغاط في المنطقة المصابة جراحياً، وبعدها يجب إشعاع المنطقة من الخارج، مع العلم أن الكسور الباثولوجية عند هؤلاء المرضى في هذه المرحلة المرضية المتقدمة كذلك، قد تحدث في عنق الساق او الذراع وعلاجها يكون جراحيا أو إشعاعياً بعد ذلك .

ش-العلاج الحديث الجيني والمستقبلي:

مبدأ هذا العلاج يكون في كبح العوامل المنمية، وكما ذكرنا في الجزء الأول من بحثنا عن سرطان البروستاتا، فإن عدة عوامل نموية وجدت أن لها علاقة في نمو وتدهور سرطان البروستاتا وهي:

- عامل النمو البشري EGF

- عامل النمو المشابه للأنسولين IGF

- عامل النمو المشتق من الأوعية الدموية PDGF

- عامل نمو الخلية الليفيةFGF التي تكبح الاتصال بين EGF وال IGF

- الدليل الإنذاري لسرطان البروستاتا

وأكثر الأدلة الانذارية لهذا السرطان هي معرفة وتشخيص درجة التميز الخلوي السرطاني وكذلك تعيين مرحلة السرطان الكلينيكية، وكذلك تحديد المرحلة الباثولوجية وأخيراً تحديد حجم السرطان . الدراسات الحديثة أثبتت أن تطور السرطان هذا إلى سرطان انتشاري في خلال مرحلة المراقبة الفعالة، كان بنسبة 1 .2% سنوياً عند المرضى المصابين بسرطان البروستاتا المرحلة الأولى وذا درجة خبث واطئة لإحراز كليسون . ولكن يحدث انتشار هذا السرطان بنسبة 5 .13% سنوياً للذين تكون عندهم درجة إحراز كليسون السرطانية (2-4) وإصابة بسرطان البروستاتا في المرحلة الأولى، وهؤلاء المرضى قد يتمتعون بالبقاء على قيد الحياة بنسبة 87% بعد عشر سنوات مقارنة بهؤلاء الذين تكون درجة إحراز كليسون عندهم من( 4-7) حيث قد تكون نسبة بقائهم على قيد الحياة 26% بعد عشر سنوات، وفي هذه الحالات يجب أن تتغير طريقة العلاج الذي ذكرناه سابقاً .

الانتكاسات السرطانية وعلاجها:

قد تحدث الانتكاسات بعد العلاجات المذكورة أعلاه في جميع الحالات العلاجية إن كانت من جراء العلاج الاستئصالي الجذري للبروستاتا أو من جراء الإشعاع الخارجي أو الداخلي لها، وتحدث هذه أحياناً ولأسباب قد ذكرت مقدماً . وأول أعراض الانتكاس هو تشخيص ارتفاع في كمية المستضد النوعي البروستاتيPSA في الدم، حيث يجب أن تنخفض نسبته في الدم بعد كل عملية استئصال جذرية لسرطان البروستاتا إلى ما تحت 1 .0 نانوغرام في المليم الواحد . وكما ذكرنا سابقاً فإن أكثر عوامل الخطورة التي تؤدي الى الانتكاسات السرطانية بعد العلاج هي:

1-في حالة وجود ارتفاع كبير للمستضد النوعي البروستاتيPSA في الدم إلى مافوق ال50 نانوغراماً في المليم الواحد في الدم قبل الجراحة أو قبل علاج آخر .

2- في حالة توغل سرطان البروستاتا إلى الحويصلة المنوية وإصاباتها بذلك .

3- في حالة وجود بقايا من الخلايا السرطانية في حدود القلع الجراحي للبروستاتا ومجاوراتها، وبما أن العلاج متعلق بالتصنيف المرحلي للسرطان بعد قلع البروستاتا الجذري أو العلاج الإشعاعي الخارجي للبروستاتا، فإن كل ارتفاع للمستضد النوعي البروستاتيPSA في الدم يدل على وجود انتكاسة سرطانية، وهذا يحتم معالجة المريض بعد هذه الانتكاسة بواسطة علاج الحرمان الهرموني أو العلاج المركب مع أدوية أخرى، وإن هذا العلاج يعد علاجاً بديلاً، أما الانتكاسات بعد العلاج الشعاعي الداخلي فإن قلع البروستاتا جذرياً يكون العلاج البديل أو يختار علاج الحرمان الهرموني إذا كانت هنالك موانع صحية عامة عند المريض لا تؤهله للخضوع إلى جراحة جذرية لسرطان البروستاتا .

معالجة المضاعفات الموضعية:

في المراحل المتقدمة من سرطان البروستاتا قد تحدث مضاعفات موضعية في المنطقة البولية السفلى في المثانة والإحليل عند هؤلاء المرضى كالحصرة البولية الحادة والمزمنة، وهذه الحالات تعالج عادة بواسطة المنظار وشعاع الليزر وفي حالة تضيق الحالب يجب أن تعالج هذه الحالة أيضاً بواسطة المنظار الليزري، أما في حالة النزف الدموي للغدة البروستاتية نفسها فإن الأفضل هو العلاج المنظاري بشعاع الليزر لتكوى مناطق النزف في غدة البروستاتا .

-الوسائل الوقائية الأولية والثانوية والثالثية الكيميائية والغذائية:

هناك فرضية جديدة تقول إن التهابات البروستاتا المزمنة وانتكاساتها قد تسهم في تحريض نشوء سرطان البروستاتا، وتعزو الدراسات الوبائية تكوّن السرطان إلى نمط الحياة الغذائي في الغرب، حيث إن تناول الدهون الحيوانية المشبعة واللحوم بافراط وفي نفس الوقت تناول الفواكه والخضراوات بكميات قليلة جداً، أثبت بأنه أحد الأسباب المؤدية إلى ارتفاع نسبة الإصابة بسرطان البروستاتا والسرطانات الأخرى . بينما أثبت تناول مضادات الأكسدة عن طريق تناول الفواكه والخضراوات تراجعاً وانخفاضاً في الإصابة بسرطان البروستاتا . مع العلم أن مواد سرطانية ثبت وجودها في نمط الغذاء الغربي حيث إن اللحوم المشوية والمقلات بكثرة قد تؤدي إلى طفرات باثولوجية في الحامض الأربي النووي في نواة خلايا البروستاتا، وهذه قد تسبب سرطان الخلية هذه، وكما نعلم فإن سرطان الكبد ينشأ من الالتهابات الكبدية بعد الاصابة بالتهاب الكبد الفايروسي C وقد يؤدي التليف الكبدي الى ذلك، وقد ثبت علمياً بعد إصابة البروستاتا بعدوى جرثومية متكررة أن هذا التكرار قد يسبب الإصابة بالسرطان أيضاً إن كانت العدوى منتقلة جنسياً أو عن طريق آخر، وسبب ذلك هو الطفرات الباثولجية التي يحدثها الرثوم المعدي في نواة خلايا البروستاتا، حيث أثبتت دراسات مستندة إلى حالات مرضية مراقبة إكلينيكياً بأن الإصابة بسرطان البروستاتا كانت مرتفعة عند المرضى الذين كانوا قد أصيبوا سابقاً بعدوى جرثومية جنسية كالسيلان أو داء الزهري، وترتفع نسبة الإصابة بهذا السرطان عند تعدد الإصابة بالجرثومين المذكورين أعلاه .

واستناداً إلى ماذكر أعلاه فإن تناول مضادات الاكسدة عن طريق تناول الفواكه والخضراوات قد أثبت الوقاية الأولية لحماية الخلايا البروستاتية من الطفرات الباثولوجية المؤدية الى السرطان مع تخفيف التلف والعطب الخلوي لها وكذلك للمجموعة الجينية هنالك والتي تكون قد تضررت من المؤكسدات الالتهابية مثل (الأكسيد الفائق الفاعلية، وأكسيد النتريك أو فوق النتريت)، وقد لوحظ في عدة دراسات إكلينيكية ارتفاع نسبة الإصابة بسرطان البروستاتا عند الرجال الذين يشخّص عندهم انخفاض في معدن السلينيوم وفي الوقت نفسه ثبت انخفاض الإصابة بسرطان الجلد المتكرر عند اعطاء هؤلاء المرضى معدن السلينيوم بانتظام .

كما ثبت المفعول الوقائي لفيتامينE إكلينيكيا أيضاً، حيث تنخفض نسبة الإصابة بسرطان البروستاتا إلى 32%، وكذلك لوحظ انخفاض في الإصابة بهذا السرطان بعد تناول منتظم للخضراوات المحتوية على الليكوبين الموجود في الطماطم، حيث إن ارتفاع نسبته تؤدي إلى انخفاض في التلف الأكسدي الجيني في نواة خلايا البروستاتا حيث تترافق هذه مع خطورة منخفضة في الإصابة بسرطان البروستاتا .

اما الوقاية الكيميائية أو الوقاية الثالثية فإنها تستند إلى الإثباتات الدراسية والكلينيكية منذ سنة 1945 والتي أجريت من قبل HUGGINS على ثمانية عشر ألفاً من الرجال الذين كانت اعمارهم ما فوق ال55 سنة والذين أعطي لهم يومياً 5 ملغم من مبطل أنزيم الألفا ردوكتا ولمدة 7 سنين قد أثبتت بأنها أدت إلى انخفاض واضح النسبة بالإصابة بهذا السرطان (24%)، أما تناول فاصوليا الصويا فإنه أثبت وقائيته ضد الإصابة بالسرطان هذا أيضاً، لأنه يحتوي على الاستروجين النباتي والذي له فعالية في كبت تكوين الأنزيم الالفاردوكتاز، ومن جراء ذلك يمنع تحويل التستستيرون الى ديهدروتسترون الفعال الذي يلعب دوراً مهماً في تكون سرطان البروستاتا، أما المواد المضادة للأكسدة فإن مفعولها، وكما ذكر سابقاً، يكمن في ألمنع والحماية من تلف الحامض النووي الريبي في نواة الخلية والذي يحدث من جراء الأكسدة المفرطة في حالة التعرض إلى السموم البيئية والأيونية من جراء التلوث البيئي أو الإشعاعات في الهواء والماء والغذاء حيث تبطل هذه المواد ضد الأكسدة فعل الجذور الحرة للأوكسجين الحر والمواد الأخرى الناتجة من الأكسدة المفرطة، ومن أهم هذه المضادات الأكسدية التي يجب على الفرد أن يتناولها وقائياً وهي: البيتاكاروتين ومعدن السلينيوم وفيتامين أي، وفيتامين سي .

البروفيسور سمير أحمد السامرائي

مدينة دبي الطبية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"