النباتات كائنات اجتماعية ذكية

تحفظ المحفزات المختلفة وتميز بينها
04:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
إعداد: محمد هاني عطوي

خلال السنوات الأخيرة، حدثت الكثير من الاكتشافات حول حساسية النباتات تجاه بيئتها. ويدرس الباحث ستيفانو مانكوسو، المتخصص في «علم أعصاب النباتات»، الاستراتيجيات المجهولة التي طورتها النباتات من أجل البقاء من دون أن تتحرك من مكانها.
أسس مانكوسو الأستاذ في جامعة فلورنسا بإيطاليا، المختبر الدولي لبيولوجيا الأعصاب النباتية. وألف مع الصحفية اليساندرا فيولا، كتاب: «الذكاء الأخضر» الذي تمت ترجمته إلى 20 لغة منذ نشره في عام 2013. وتم نشره بنسخته الفرنسية مؤخراً تحت عنوان: ذكاء النباتات. وأجرت مجلة ( Le Temps) الفرنسية حواراً مع هذا المؤلف، قال فيه إن هناك نوعاً من العمى إزاء عالم النبات، مسجلاً لدينا في وظائف المخ، فأدمغتنا تركز على اكتشاف المخاطر التي تأتي من الحيوانات، أو البشر. ولا تركز على النباتات التي لها سلوك الحيوانات نفسه، لكنها تفعل الأشياء بشكل مختلف، أي من دون أن تتحرك.
وأشار إلى أن النباتات اتبعت نوعاً من التطور الموازي لتطور الحيوانات، ولهذا السبب نواجه الكثير من المتاعب لفهمها لأنها مختلفة عنا.
وأضاف: لنأخذ مثالاً على ذلك الذاكرة. وهي شيء لا نربطه عادة بالنباتات. لكنها قادرة رغم ذلك على حفظ المحفزات المختلفة والتمييز بينهما. مثلاً «الميموزا بوديكا»، أي «الست المستحية» التي تنثني وريقاتها عند لمسها، أتذكر تجربة جون باتيست لامارك، عالم الأحياء والأكاديمي الفرنسي في العام (1778) حين أرسل عدداً من هذه النبتة الحساسة في عربة نقل في شوارع باريس المعبدة بالطوب. وبسبب الاهتزاز في الطريق، تقلصت أوراقها ثم عادت لتفتح ثم تقلصت مرة أخرى وهكذا. ولكن عند مرحلة معينة، توقفت عن الانغلاق. وقمت بتكرار التجربة مع 500 وعاء من النبتة بإسقاطها من ارتفاع 3 سم. فكانت الأوراق تنغلق في كل مرة. وبعد بضع محاولات، ظلت مفتوحة. ويمكننا أن نقول إنها تعبت واستنفدت ما لديها من طاقة، ولكن إذا لمستها، فإنها ستنغلق على الفور، لأنها في الواقع حفظت أن هذا التحفيز المحدد، أي السقوط الصغير، ليس خطيراً. بعد هذه التجربة، تركناها لترتاح في بيت زجاجي. وبعد شهرين، عرضناها لنفس التحفيز وتذكرته أي أنها لم تنغلق مرة أخرى.

تبادل المعلومات

قال مانكوسو إن النباتات تشترك في الكثير من المعلومات، وهي بالفعل كائنات اجتماعية. وفي إحدى التجارب كان لدينا مجموعتان من النباتات. قمنا بوضع الملح عند سيقان المجموعة الأولى، ويعتبر شيئاً مرهقاً للغاية للنباتات. وبعد أسبوعين، شاهدنا التأثيرات في المجموعة الثانية، والتي لم يكن في تربتها ملح على الإطلاق، لكنها طورت مقاومة للملح، لأنها تلقت رسالة من المجموعة الأخرى، واستعدت لمقاومة الملح. والواقع أن النباتات تقوم بتبادل المعلومات حول نوعية الهواء والتربة ووجود مسببات الأمراض كهجوم الحشرات مثلاً، أو غيره. إنه اتصال حقيقي، ما يشبه اللغة الكيميائية، والتي تظهر على هيئة اختلافات صغيرة في المركبات العضوية المتطايرة التي تنبعث منها. وفي كثير من الحالات، للنباتات القدرة على التعامل مع الحيوانات بالمواد الكيميائية التي تنتجها. وهناك مثال على العلاقات بين العديد من النباتات مع النمل: فعندما تأكل الحشرات النباتات، تنبعث من الأخيرة مركبات متطايرة لاستدعاء النمل لمساعدتها.
ولكن ما تم اكتشافه مؤخراً أنه يوجد في الرحيق، أيضاً مواد عصبية نشطة تشبه المخدرات تجعل النمل «مدمناً»، وتجبره على البقاء بجانب النبات. ويعدل النبات إفرازاته من المركبات العصبية وفقاً لما يريد الحصول عليه من النمل، بمعنى أن لديه سلوكاً عدوانياً، ويقوم بدورياته من أجل الحماية.
وأكد مانكوسو أن ذكاء النباتات يعني القدرة على حل المشكلات، وملازماً لأي شكل من أشكال الحياة. وهي الكائنات الوحيدة التي تحل مشاكلها، فمثلاً البشر يحلون مشكلة البرودة باستخدام الحركة عموماً لتجنبها، وكذلك الحيوانات. فعندما يكون الجو بارداً، نذهب إلى مكان أكثر دفئاً والعكس صحيح؛ وإذا كان هناك حيوان مفترس، فنهرب. وإذا لم يعد هناك طعام، فإننا نتحرك. النباتات من ناحيتها تواجه المشكلات نفسها، ولكن عليها حلها من دون الحركة. وبالتالي فهي أكثر ذكاء بكثير من الحيوانات.
وأشار إلى أنه يختلف بشدة مع أولئك الذين يرون النباتات تعمل كآلات أوتوماتيكية، لأن هناك الكثير من الأدلة على أن النباتات لا تستجيب لبيئتها تلقائياً، أو بطريقة آلية وتقوم بالخيارات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"