العراق.. يغرق بالدم والفساد

03:02 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. هشام بشير *

ليس بجديد القول إن الدولة العراقية تعاني منذ الغزو الأنجلو أمريكي في مارس/ آذار 2003، تفشي ظاهرة الفساد في كل مفاصلها، لذا لم يكن غريباً أن يحل العراق في المرتبة 168 في تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2018، ب18 درجة فقط، وهي الدرجة نفسها التي حصل عليها عام 2017 وإن كان ترتيبه تحسن بمقدار مرتبة واحدة فقط.. لذا فإن بلداً في وضع كهذا، كان من المتوقع أن تندلع فيه تظاهرات، ورفض لهذا الفساد المستشري الذي ينعكس سلباً على حياة المواطنين. لكن التظاهرات التي اجتاحت الشوارع انتهت بحمام دم سقط فيه العشرات.
كشفت التظاهرات التي تفجرت في 1 أكتوبر/ تشرين الأول في العاصمة العراقية بغداد، ثم امتدت مثل النار في الهشيم إلى معظم مدن الجنوب، وسقط فيها أكثر من مئة وعشرين قتيلاً، وآلاف الجرحى حتى السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وأضرم خلالها المتظاهرون النار في عشرات المباني الحكومية، ومقرات الأحزاب سياسية، عن حجم الفساد والمعاناة التي يعيشها معظم أبناء الشعب العراقي جراء غياب ضمائر القيادات والمسؤولين، وانفصالهم التام عن مشاكل المواطن العراقي الذي لا يزال هو الخاسر الأكبر منذ اجتياح الجيش العراقي غير المشروع لدولة الكويت في أغسطس/ آب 1990، وما تلا هذا التاريخ من أحداث أخرى جسام أنهكت جسد الدولة العراقية التي كان من المفترض أن تكون الأكثر رخاءً وازدهاراً في العالم العربي بما تملكه من ثروات وموارد هائلة.

أسباب متراكمة

هناك جملة من الأسباب المتراكمة عبر سنوات طويلة لتلك التظاهرات التي تتميز عن سابقتها بكونها غير مسيسة، وغير حزبية، ويقودها حراك من الشباب الطامح إلى تغيير بنيان قيادات المجتمع العراقي، ولذا فقد وصل سقف مطالبها منذ اليوم الأول إلى المطالبة باستقالة رئيس الوزراء عادل المهدي.
أول الأسباب هو الفساد الحكومي، حيث تشير بعض التقارير الدولية إلى أن خسائر العراق من عمليات الفساد تتجاوز 25% من إجمالي الناتج القومي، وبما يقدر بأكثر من أربعمائة وخمسين مليار دولار منذ عام 2003، وحتى الآن، فضلاً عن أنه منذ تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد الذي كان يسمى «المجلس المشترك لمكافحة الفساد»، الذي تأسس نهاية عام 2006 برئاسة لجنة النزاهة النيابية، وكان القصد منه هو متابعة ملفات الفساد الكبرى، فإن تشكيل المجلس ظل حبراً على ورق.
وثانيها، تزايد أعداد العاطلين في ظل تضارب غير مسبوق في تلك الأعداد، حيث أشار الجهاز المركزي للإحصاء في العراق إلى أن نسبة البطالة تقدر الآن بنحو 23% بينما أكد صندوق النقد الدولي أن نسبة البطالة تقدر ب40% من السكان القادرين على العمل.
وثالث تلك الأسباب، النقص والتدهور في مستوى الخدمات الأساسية، مثل الصحة، والتعليم، والإسكان، والمياه، وغيرها.

إصلاحات اجتماعية واقتصادية

لا شك في أن التداعيات المترتبة على التظاهرات سيكون لها تأثير واضح في الدولة العراقية في الأمدين القصير، والمتوسط، وفي ما يتعلق بالأمد القصير، فمن المؤكد أن الحكومة العراقية ستسارع إلى إجراء بعض الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، وفي هذا الإطار أعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي عن حزمة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية بشكل سريع في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري شملت 17 تدبيراً اجتماعياً تتراوح بين مساعدات الإسكان، وتقديم منح إلى الشباب العاطلين عن العمل، والتوقف عن هدم المساكن التي جرى تنفيذها بشكل عشوائي وغير قانوني، فضلاً عن توفير ما يقرب من مئة ألف وحدة سكنية خلال الفترة القادمة، وإنشاء عدد من المجمعات التسويقية الحديثة لإيجاد فرص عمل جديدة، خاصة للشباب. كما دعا الرئيس العراقي برهم صالح في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول لإجراء تعديل وزاري، إضافة إلى تنظيم حوار وطني يجمع جميع مكونات الشعب العراقي، مطالباً بمحاسبة المسؤولين عن إراقة الدماء.
وفي السياق نفسه أيضاً دعا رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، للتحقيق في ملابسات سقوط قتلى خلال التظاهرات، كما وجه دعوة للحكومة للاستماع إلى صوت الشعب، وتحقيق مطالب المتظاهرين، مشدداً على أن خطر الفساد لا يقل عن خطر الإرهاب، بينما دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الحكومة العراقية لتقديم استقالتها، والعمل على إجراء انتخابات مبكرة تحت إشراف أممي، كما طالب الصدر كتلة نواب «سائرون» في البرلمان بزعامته إلى تعليق عضويتهم في المجلس، وهو ما حدث بالفعل من جانب نواب الكتلة.
كما أعلن تحالف «المحور الوطني» الذي يضم 17 مقعداً في البرلمان العراقي، تعليق عمله في مجلس النواب، على خلفية التظاهرات. بينما انتقد المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، الحكومة العراقية، وحثّ كلاً من القادة السياسيين والمتظاهرين «على التراجع قبل أن يفوت الأوان».

تعديلات وزارية

وبلا شك، فإن التصريحات والإجراءات السابقة كافة، من المرجح ألا تؤتي ثمارها سريعاً، خاصة الوعود التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي بالإصلاحات الاقتصادية، إذ إن عجز الموازنة العراقية في عام 2020 من المتوقع أن يربو على 30 مليار دولار.
وبالنسبة للتداعيات على الأمد المتوسط فمن الواضح أن رئيس الحكومة عبد المهدي قد يكون مضطراً إلى إجراء تعديلات وزارية ترضي الشارع العراقي، إضافة إلى القيام ببعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية، خاصة في ما يتعلق بملف مكافحة الفساد، وإذا لم ينجح في هذا الأمر فقد يجد نفسه مجبراً على تقديم استقالته، خاصة أن المؤشرات والدلائل تشير إلى أن التظاهرات موجهة لطبقة سياسية، لا لطائفة معينة، مقارنة مع الاحتجاجات التي وقعت في العامين 2012 و2013 واستغلها «داعش» في كسب بعض التأييد في غرب العراق، وما يؤكد السابق أن المتظاهرين رفعوا في احتجاجاتهم شعارات أبرزها «لا سياسيين ولا معمّمين»، كما أن التظاهرات لم تمتد بشكل كبير إلى المحافظات الغربية والشمالية، خصوصاً المناطق التي دمرتها الحرب ضد تنظيم «داعش»، وإقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي.
إجمالاً، فإن الدولة العراقية تواجه أزمة حقيقية على المستويات والصعد كافة، وقد تنجح الطبقة السياسية الحاكمة في تمييعها فترة قصيرة عبر تجزئة المشكلات وتحويلها إلى قضايا خدمية، إلا أنها في المدى الطويل قد تغرق، ويغرق معها أبناء الشعب العراقي الكادح في مستنقع الفوضى والعنف والإرهاب مرة أخرى. وهنا السؤال أليس من القيادات العراقية الحالية رجل رشيد يستطيع أن يقود أبناء الشعب العراقي إلى بر الاستقرار، والتعافي الاقتصادي، والأمن الإنساني، بعيدًا عن براثن الفساد والطائفية؟

* وكيل كلية السياسة والاقتصاد لشؤون الدراسات العليا والبحوث (جامعة بني سويف)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"