معالم الطريق إلى الجنة

اعرف شريعتك
02:27 صباحا
قراءة 4 دقائق

الإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وثواب وعقاب ركن من أركان الدين،‮ ‬وجزء من عقيدة المسلم ‬لا‮ ‬يجوز التشكيك فيه. ‬وقد قال العلماء: إنه لا‮ ‬يكتمل إيمان المرء‮، ‬فلا‮ ‬يكون صحيح الإسلام، ‬إلا إذا آمن إيماناً راسخاً بأن هذه الحياة، بما فيها ومن فيها، ستنتهي‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬يريده الله، وستعقبها حياة أخرى فيها نعيم لمن آمن واتقى وعمل عملاً صالحاً،‮ ‬أو فيها شقاء لمن عصى وجحد وارتكب الذنوب واقترف الآثام‮.. ‬وهذه الحياة الآخرة هي‮ ‬الدائمة والباقية كما أخبرنا خالقنا سبحانه في‮ ‬قوله عز وجل‮: «‬وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ». ‬ومعنى الآية الكريمة أن هذه الحياة وما فيها من مسرات وأحزان تشبه في‮ ‬سرعة انقضائها،‮ ‬وزوال متعها وشهواتها،‮ ‬الأشياء التي‮ ‬يلهو بها الأطفال ويجتمعون عليها وقتاً ثم‮ ‬ينفضون عنها، ‬أما الدار الآخرة، فهي‮ ‬دار الحياة الباقية الدائمة التي‮ ‬لا‮ ‬يعقبها موت ولا فناء‮.‬

عقاب المكذبين

لذلك واجب المسلم، ‬كما‮ ‬يقول د‮. ‬حذيفة‮ المسير أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، ‬أن‮ ‬يؤمن إيماناً راسخاً بوجود الجنة والنار، وكل من‮ ‬ينكرهما‮ ‬يعرض نفسه للعقاب الإلهي‮، ‬ويكون مصيره مصير الذين أنكروا‮ ‬يوم القيامة والذين توعدهم الخالق، عز وجل، بقوله‮: «‬وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ، ‬قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ»‬،‮ ‬أي‮ ‬أن حال المنكرين ليوم القيامة أنهم عندما‮ ‬يقفون للحساب سيكون صعباً للغاية ومخزياً لهم، حيث سيسألهم خالقهم‮: ‬أليس هذا الذي‮ ‬تشاهدونه حقاً؟ وهنا لا ‬يملكون إلا أن‮ ‬يجيبوا بقولهم‮: ‬بلى‮ ‬يا ربنا هذا هو الحق بعينه‮، ‬وهنا‮ ‬يحكم الله فيهم بحكمه العادل.

الإيمان وحده لا يكفي

ويوضح د‮. ‬حذيفة المسير أن الخالق، سبحانه، وضع حوافز كثيرة لأهل الجنة من أجل ترغيب المسلمين في‮ ‬كل ما‮ ‬يقربهم منها،‮ ‬فالله سبحانه وتعالى‮، ‬كما جاء في‮ ‬الحديث النبوي‮ ‬الشريف، ‬يحتفي‮ ‬بأهل الجنة، حيث‮ ‬يقول عليه الصلاة والسلام في‮ ‬الحديث الصحيح‮: ‬«إذا دخل أهل الجنة‮ ‬يقول الله تبارك وتعالى‮: ‬تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون‮: ‬ألم تبيض وجوهنا؟‮ ‬ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟‮ ‬قال‮: ‬فيكشف الحجاب،‮ ‬فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم‮، ‬عز وجل». ‬وفي‮ ‬رواية‮: ‬«ثم تلا هذه الآية‮: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ».‬ والسؤال المهم هنا‮: ‬ما الذي‮ ‬يقرب المسلم من الجنة؟
يجيب د‮. ‬حذيفة قائلا‮ً: ‬القرآن الكريم‮ ‬يمهد لنا كل الطرق المؤدية إلى الجنة، ويشرح لنا في‮ ‬كثير من آياته الوسائل الكفيلة بالفوز بهذه المكافأة الربانية التي‮ ‬لا تعادلها مكافأة،‮ ‬حيث وعد الحق، ‬سبحانه وتعالى، ‬المؤمنين الصادقين بالجنة، ووعده الحق،‮ ‬ولا‮ ‬يخلف الله وعده‮. ‬لكنه أوضح لنا أن الإيمان القلبي‮ ‬وحده لا‮ ‬يكفي‮ ‬لدخول الجنة، حيث لا بد أن‮ ‬يصاحبه عمل طيب، وعبادات تؤدى بإخلاص وصدق وطاعة شاملة لكل ما أمر به الله ورسوله‮.‬
يقول الحق، سبحانه، في‮ ‬سورة التوبة‮: «‬وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ،‮ ‬وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‮».‬

مجتمع الجسد الواحد

في‮ ‬هاتين الآيتين‮ ‬يؤكد لنا الحق، ‬سبحانه وتعالى‮، ‬أن الإيمان القلبي‮ ‬وحده لا‮ ‬يكفي‮ ‬لدخول الجنة،‮ ‬بل لا بد أن‮ ‬يكون المؤمن الراغب في‮ ‬جنة الخلد جزءاً‮ ‬من جماعة تتناصر وتتعاضد على كل ما هو خير، فالمؤمن الحق هو الذي‮ ‬يشيع الفضائل في‮ ‬كل مكان‮ ‬يذهب إليه ويغمر المحيطين به بحسن أخلاقه وكريم صفاته ويكون قدوة طيبة لغيره في‮ ‬كل عمل طيب،‮ ‬ويناصر أخاه المسلم، ويقف إلى جواره.
فرسول الله، ‬صلى الله عليه وسلم، ‬يوضح لنا هذه الفضيلة التي‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يتحلى بها المؤمن الحق، فيقول في‮ ‬الحديث الصحيح‮: «‬المؤمن للمؤمن كالبنيان‮ ‬يشد بعضه بعضاً‮»، ‬ويقول أيضا‮ً: «‬مثل المؤمنين في‮ ‬توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر‮».‬
والمؤمنون الذين‮ ‬يستحقون الجنة‮ «‬يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‮»‬،‮ ‬أي‮ ‬أن من صفات هؤلاء المؤمنين والمؤمنات الذين وعدهم خالقهم بجنة تجري‮ ‬من تحتها الأنهار أنهم‮ ‬يأمرون بكل خير دعا إليه الشرع،‮ ‬وينهون عن كل شر تأباه تعاليم الإسلام الحنيف.
‬وإلى جانب هذا العمل الكريم هم‮ ‬يؤدون ما فرض عليهم من فرائض والتزامات دينية، وأبرزها إقامة الصلاة التي‮ ‬يؤدونها في‮ ‬أوقاتها بإخلاص وخشوع، وإيتاء الزكاة لمستحقيها من دون منٍّ‮ ‬أو أذى، وإلى جانب كل ذلك‮ «‬يطيعون الله ورسوله‮» ‬في‮ ‬سائر الأحوال من دون ملل أو انقطاع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"