الإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وثواب وعقاب ركن من أركان الدين، وجزء من عقيدة المسلم لا يجوز التشكيك فيه. وقد قال العلماء: إنه لا يكتمل إيمان المرء، فلا يكون صحيح الإسلام، إلا إذا آمن إيماناً راسخاً بأن هذه الحياة، بما فيها ومن فيها، ستنتهي في الوقت الذي يريده الله، وستعقبها حياة أخرى فيها نعيم لمن آمن واتقى وعمل عملاً صالحاً، أو فيها شقاء لمن عصى وجحد وارتكب الذنوب واقترف الآثام.. وهذه الحياة الآخرة هي الدائمة والباقية كما أخبرنا خالقنا سبحانه في قوله عز وجل: «وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ». ومعنى الآية الكريمة أن هذه الحياة وما فيها من مسرات وأحزان تشبه في سرعة انقضائها، وزوال متعها وشهواتها، الأشياء التي يلهو بها الأطفال ويجتمعون عليها وقتاً ثم ينفضون عنها، أما الدار الآخرة، فهي دار الحياة الباقية الدائمة التي لا يعقبها موت ولا فناء.
عقاب المكذبين
لذلك واجب المسلم، كما يقول د. حذيفة المسير أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، أن يؤمن إيماناً راسخاً بوجود الجنة والنار، وكل من ينكرهما يعرض نفسه للعقاب الإلهي، ويكون مصيره مصير الذين أنكروا يوم القيامة والذين توعدهم الخالق، عز وجل، بقوله: «وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ، قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ»، أي أن حال المنكرين ليوم القيامة أنهم عندما يقفون للحساب سيكون صعباً للغاية ومخزياً لهم، حيث سيسألهم خالقهم: أليس هذا الذي تشاهدونه حقاً؟ وهنا لا يملكون إلا أن يجيبوا بقولهم: بلى يا ربنا هذا هو الحق بعينه، وهنا يحكم الله فيهم بحكمه العادل.
الإيمان وحده لا يكفي
ويوضح د. حذيفة المسير أن الخالق، سبحانه، وضع حوافز كثيرة لأهل الجنة من أجل ترغيب المسلمين في كل ما يقربهم منها، فالله سبحانه وتعالى، كما جاء في الحديث النبوي الشريف، يحتفي بأهل الجنة، حيث يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «إذا دخل أهل الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم، عز وجل». وفي رواية: «ثم تلا هذه الآية: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ». والسؤال المهم هنا: ما الذي يقرب المسلم من الجنة؟
يجيب د. حذيفة قائلاً: القرآن الكريم يمهد لنا كل الطرق المؤدية إلى الجنة، ويشرح لنا في كثير من آياته الوسائل الكفيلة بالفوز بهذه المكافأة الربانية التي لا تعادلها مكافأة، حيث وعد الحق، سبحانه وتعالى، المؤمنين الصادقين بالجنة، ووعده الحق، ولا يخلف الله وعده. لكنه أوضح لنا أن الإيمان القلبي وحده لا يكفي لدخول الجنة، حيث لا بد أن يصاحبه عمل طيب، وعبادات تؤدى بإخلاص وصدق وطاعة شاملة لكل ما أمر به الله ورسوله.
يقول الحق، سبحانه، في سورة التوبة: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».
مجتمع الجسد الواحد
في هاتين الآيتين يؤكد لنا الحق، سبحانه وتعالى، أن الإيمان القلبي وحده لا يكفي لدخول الجنة، بل لا بد أن يكون المؤمن الراغب في جنة الخلد جزءاً من جماعة تتناصر وتتعاضد على كل ما هو خير، فالمؤمن الحق هو الذي يشيع الفضائل في كل مكان يذهب إليه ويغمر المحيطين به بحسن أخلاقه وكريم صفاته ويكون قدوة طيبة لغيره في كل عمل طيب، ويناصر أخاه المسلم، ويقف إلى جواره.
فرسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوضح لنا هذه الفضيلة التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمن الحق، فيقول في الحديث الصحيح: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً»، ويقول أيضاً: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».
والمؤمنون الذين يستحقون الجنة «يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»، أي أن من صفات هؤلاء المؤمنين والمؤمنات الذين وعدهم خالقهم بجنة تجري من تحتها الأنهار أنهم يأمرون بكل خير دعا إليه الشرع، وينهون عن كل شر تأباه تعاليم الإسلام الحنيف.
وإلى جانب هذا العمل الكريم هم يؤدون ما فرض عليهم من فرائض والتزامات دينية، وأبرزها إقامة الصلاة التي يؤدونها في أوقاتها بإخلاص وخشوع، وإيتاء الزكاة لمستحقيها من دون منٍّ أو أذى، وإلى جانب كل ذلك «يطيعون الله ورسوله» في سائر الأحوال من دون ملل أو انقطاع.