«لا إيمان لمن لا أمانة له»

صفة لصيقة بأصحاب الرسالات والصالحين من هدي الرسول
03:56 صباحا
قراءة 6 دقائق
محمد حماد
 
الأمانة فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما أشفقت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها لعظمها وثقلها، قال تعالى: «إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً»، ووصف الله تعالى المؤمنين الصالحين الذين كتب لهم الفلاح والرشاد في الدنيا والآخرة بأنهم يراعون أماناتهم ويؤدونها حق الأداء، قال تعالى: «والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون»، وأمرنا عز وجل بأداء الأمانات، فقال تعالى: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً».
 
الأمانة صفة لصيقة بأصحاب الرسالات، فقد كان كل منهم يقول لقومه: (إني لكم رسول أمين)، ولقد اتصف النبي صلى الله عليه وسلم بالأمانة منذ صغره ولقب بين قومه (بالصادق الأمين)، وحتى وقومه يعادونه لم ينفوا عنه هذه الصفة.
ولقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم، الأمانة دليلاً على إيمان المرء وحسن خلقه، فعن أنس بن مالك، قال: ما خطبنا نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»، وعن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربع إذا كن فيك، فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة». 
وفي حجة الوداع كانت من آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم الوصية بالأمانة فقال: «ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها»، وبسط يديه فقال: «ألا هل بلغت ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت»، ثم قال: «ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أوعى من سامع». 
أداء التكاليف
الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وتشمل كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولاً وفعلاً، والأمانة هي أداء الحقوق، والمحافظة عليها، فالمسلم يعطي كل ذي حق حقه؛ يؤدي حق الله في العبادة، ويحفظ جوارحه عن الحرام، ويؤدي ما عليه تجاه الخلق. 
ومن أداء الأمانة أن يلتزم المسلم بالتكاليف، فيؤدي فروض الدين كما ينبغي، ويحافظ على الصلاة والصيام والزكاة وبر الوالدين، وغير ذلك من الفروض التي يجب علينا أن نؤديها بأمانة لله رب العالمين، والجوارح والأعضاء كلها أمانات، ويجب على المسلم أن يحافظ عليها، ولا يستعملها فيما يغضب الله سبحانه؛ فالعين أمانة يجب عليه أن يغضها عن الحرام، والأذن أمانة يجب عليه أن يجنبها سماع الحرام، واليد أمانة، والرجل أمانة، وقد أعلمنا رسولنا الكريم أن: «العين تزني، والقلب يزني، فزنى العين النظر، وزنى القلب التمني». 
ومن الأمانة حفظ الودائع وأداؤها لأصحابها عندما يطلبونها كما هي، وقد حثّنا صلى الله عليه وسلم على رد الودائع إلى أصحابها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أداها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها، أتلفه الله، عز وجل».
وقدم الرسول صلى الله عليه وسلم النموذج الأوفى لهذا الخلق الرفيع مع المشركين، فقد كانوا يتركون ودائعهم عنده ليحفظها لهم، وحين هاجر إلى المدينة، ترك علياً بن أبي طالب وراءه ليرد إلى الناس ودائعهم التي ائتمنوه عليها وهم الذين أخرجوه من بلده مهاجراً.
«كفى بالله كفيلاً»
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ذكر رجلاً من بني «إسرائيل» سأل بعض بني «إسرائيل»، أن يسلفه ألف دينار، فقال ائتني بالشهداء أشهدهم. فقال كفى بالله شهيداً. قال فأتني بالكفيل. قال كفى بالله كفيلاً. قال صدقت. فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر، فقضى حاجته، ثم التمس مركباً يركبها، يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركباً، فأخذ خشبة، فنقرها فأدخل فيها ألف دينار، وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر، فقال اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلاً، فقلت كفى بالله كفيلاً، فرضي بك، وسألني شهيداً، فقلت كفى بالله شهيداً، فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركباً، أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها. فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركباً، يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، ينظر لعل مركباً قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطباً، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، فقال والله ما زلت جاهداً في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركباً قبل الذي أتيت فيه. قال هل كنت بعثت إليّ بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه. قال فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة فانصرف بالألف دينار راشدا.
إتقان العمل
وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره». 
ومن الأمانة أن يؤدي المرء ما عليه على خير وجه، فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»، فالعامل مطالب بأن يتقن عمله ويؤديه بإجادة وأمانة، والزارع يفلح أرضه بما يحسن إنتاجها، والطالب يؤدي ما عليه من واجبات، ويجتهد في تحصيل علومه ودراسته، وهكذا مع كل فرد في المجتمع، بحيث يؤدي كل امرئ واجبه بجد واجتهاد وفوق ذلك بإتقان.
والمسلم السائر على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم مؤتمن فلا يغش أحداً، ولا يغدر به ولا يخونه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، مر برجل يبيع طعاما فأعجبه، فأدخل يده فيه، فإذا هو طعام مبلول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من غشنا».
والمسؤولية التي يتقلدها المسلم أمانة في عنقه، حاكماً كان أم محكوماً، رجلاً كان أو امرأة، ولداً كان أم والداً، كما قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع فمسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». 
وحفظ الأسرار أمانة فالمسلم يحفظ سر أخيه ولا يخونه ولا يفشي أسراره، فعن عبد الرحمن بن سعد، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها».
مسؤولية الكلمة
وقبل أن تكون الكلمة مسؤولية فهي أمانة؛ قد تدخل صاحبها الجنة وتجعله من أهل التقوى، وقد تلقي به في قعر النار، روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم،قال «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله عز وجل، لا يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم». 
إن حفظ الأمانة وحسن أدائها دليل على صدق إيمان العبد، وخيانة الأمانة دليل على نفاق العبد، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».
وإذا أردت أن تعرف المؤمن، فإن الأمانة علامة من علامات الإيمان، والخيانة إحدى علامات النفاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان).
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"