«مرتزقة أردوغان».. وأحلام التوسع في ليبيا

02:58 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور

بينما ينشغل العالم كله بمكافحة وباء كورونا، ومحاول إنقاذ أرواح البشر من غائلة هذا الوباء الرهيب، نجد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد قرر اعتبار هذه الظروف العصيبة فرصته لتحقيق أهدافه العدوانية التوسعية في سوريا وليبيا، وبالأخص في الغرب الليبي، مستغلاً الانشغال العالمي بمكافحة الوباء لمحاولة تحقيق هذه الأهداف، ومتجاهلاً حتى واجبه في مواجهة تفشي كورونا بين أبناء شعبه، حتى أصبحت تركيا أخطر بؤرة لانتشار الوباء في منطقة الشرق الأوسط، بعدد إصابات تجاوز ال 120ألفاً وعدد وفيات تخطى ال3000حالة، وبزيادات مخيفة في الأرقام كل يوم.
قرر أردوغان وحليفه الليبي فايز السراج، شن هجوم مضاد على قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر، خلال الأسابيع القليلة الماضية، وأقامت القوات التركية جسراً جوياً، وآخر بحرياً لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى طرابلس والمناطق المحيطة بها.. وشهدت نفس الفترة نقل أكثر من 1500 من المرتزقة الإرهابيين من شمالي سوريا، ليبلغ عدد الإرهابيين المرتزقة في طرابلس وما حولها أكثر من 5 آلاف.. انضموا إلى ميليشيات السراج الإرهابية، ليعاد تنظيم وتسليح هذه الميليشيات تحت قيادة ضباط أتراك، بغية شن ذلك الهجوم المضاد، الذي حشد له أردوغان أحدث الأسلحة، وفي مقدمتها أعداد كبيرة من الطائرات المسيّرة الحديثة من طراز «بيرقدار» الشهير.
الإمدادات التركية للسراج وميليشياته بالسلاح و«المرتزقة بأعداد قليلة»، تعود إلى سنوات عدة، بدأت تأخذ منحنى تصاعدياً، بعد توقيع ما يعرف باسم «اتفاق ترسيم الحدود البحرية»، و«الاتفاق الأمني»، بين أردوغان والسراج في شهر نوفمبر الماضي.
لكن تفشي وباء كورونا وما ترتب عليه من تطورات خطرة، وارتباك في العلاقات بين الدول والتكتلات العالمية، دفع أردوغان لتسريع وتصعيد خططه للتدخل في ليبيا على نطاق واسع، وشن هجومه المضاد على أمل فك الحصار الذي تفرضه قوات المشير حفتر على طرابلس، منذ الصيف الماضي، ثم التوسع بدرجة أكبر في الأراضي الليبية بقدر الاستطاعة.


فرصة تاريخية


وليس ما نقوله تخميناً.. لكنها كلمات أردوغان نفسه في اجتماع لقيادات حزبه منذ أيام.. فقد قال الرئيس التركي بالحرف إن «أمام تركيا فرصة تاريخية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.. لتتبوأ موقعاً مركزياً في عملية إعادة الهيكلة العالمية»!! (موقع تركيا الآن الإلكتروني الرسمي 24 إبريل 2020). وقد جاء هذا التصريح في سياق حديث أردوغان عن وباء كورونا ومكافحته وآثاره على المستوى العالمي. وأضاف: «إن ما يميز تركيا عن بقية الدول المتأثرة بالوباء هو امتلاكها بنية صحية قوية، واتخاذها التدابير المناسبة في الوقت المناسب»!!
ولندع جانباً حديث أردوغان عن «البنية الصحية القوية لبلاده والتدابير المناسبة».. إلخ. فالتطور المتسارع لتفشي الوباء في بلاده يبرهن على عكس ما قال.
لكن ما يعنينا أكثر هنا هو اعتباره لكارثة الوباء «فرصة تاريخية» لاحتلال بلاده موقعاً مركزياً في إعادة «الهيكلة الدولية»!! وهي كلمات تعكس من الشر والانفصال عن الآلام الإنسانية، بقدر ما تعكس من الأوهام والانفصال عن واقع العلاقات الدولية ومسار تطورها بعد كورونا.. فتركيا على الرغم من أهمية موقعها الاستراتيجي، لا تملك وزناً اقتصادياً ولا سياسياً ولا عسكرياً، يتيح لها «دوراً مركزياً» في هيكلة العالم، لا قبل كورونا ولا بعدها.. وهذه حقيقة واضحة تماماً.
غير أن كلمات أردوغان هذه تفسر لنا بوضوح تام، ذلك الاندفاع الكبير والخطر لتصعيد تدخله في ليبيا.. كما توضح أن هذا الاندفاع مرشح للاستمرار بقوة، لأنه مرتبط في عقل أردوغان بتحقيق أهداف استراتيجية «تاريخية»، يرى أن الفرصة سانحة لبلوغها!! وليس من المبالغة- والحال هكذا- استنتاج أن الرئيس التركي يريد الاستيلاء على ليبيا بأكملها.. بترولها وموقعها الاستراتيجي بالغ الأهمية، المطل على قلب البحر المتوسط.. والمجاور لمصر والجزائر وتونس.. والعودة مرة أخرى لهدهدة الأحلام الإمبراطورية العثمانية!!


المواجهة العربية المطلوبة


وقد توسعنا في شرح «منطق» أردوغان لنصل إلى استنتاج مؤداه أن هذه الموجة من التدخل العدواني التركي في ليبيا، تتسم بخطورة خاصة، مما يستدعي تعبئة جهود وطاقات عربية كبيرة لمواجهتها.. أكبر من كل ما تمت تعبئته حتى الآن، سواء على المستوى السياسي أوالدبلوماسي أو الاقتصادي أو العسكري.. وقد نجرؤ على القول إن الدعم العربي المطلوب- عسكريا- قد يكون مطلوباً أن يتخطى حدود دعم قوات المشير حفتر بالسلاح، إلى حد المشاركة العربية في التصدي للعدوان التركي- الإرهابي بأشكال مختلفة، يستطيع العسكريون تحديدها بما لا يقدر عليه المحللون السياسيون.
فتركيا تواصل الإمدادات بالسلاح عبر الجسرين الجوي والبحري.. وتبعث بضباطها للمشاركة المباشرة في المعارك.. وتضغط بشدة على الفصائل «السورية» الموالية لها لإرسال مزيد من الإرهابيين. وقدم فصيلا «أحرار الشرقية» و«جيش الشرقية» 1000 إرهابي.. وهي تضغط على ما يسمى «الجبهة الشامية»، وتضيق عليها ماليا لترسل عدداً مماثلاً.. كما أوقفت تمويل ما يسمى «فيلق الرحمن»، لأنه رفض إرسال نفس العدد من إرهابييه.. وفضلاً عن ذلك فهم يجلبون المرتزقة من تشاد وغيرها من البلاد الإفريقية المجاورة.
ومعروف أن البنك المركزي الليبي الذي يسيطر عليه السراج لديه احتياطيات تزيد على 80 مليار دولار من أموال الدولة الليبية في الخارج، منذ عهد القذافي، ويضخ السراج ما يلزم من أموال إلى تركيا كثمن للأسلحة ومقابل عمليات النقل، ورواتب للإرهابيين المرتزقة، كما أودعت حكومة السراج 4 مليارات دولار في البنك المركزي التركي- كدعم لأنقرة- في شهر يناير الماضي، وتوجد مليارات أخرى من الأموال الليبية في البنوك التركية.. وكلها ممنوع التصرف فيها من جانب طرابلس.
أي أن التمويل ليست فيه مشكلة.


الوضع الميداني


نتيجة للدعم العسكري التركي الضخم- الذي تحدثنا عنه- تمكنت قوات طرابلس، تحت قيادة الضباط الأتراك، من السيطرة على مناطق واسعة نسبياً على الساحل الغربي، وصولاً إلى الحدود التونسية، بما فيها مدينتا «صرمان» و«صبراتة»؛ حيث ارتكبت قوات «داعش»، وغيرها من الفصائل الإرهابية فظائع مروعة ضد سكان المدينتين، وكان للتفوق الجوي- بالطائرات المسيّرة- دور كبير في هذا التقدم. وتهاجم قوات الإرهابيين في الوقت الحاضر مدينة «ترهونة» المهمة جنوب شرقي طرابلس، إلا أن قوات حفتر تصد الهجوم ببسالة.
ومطلوب من الدول العربية، تقديم دعم عاجل وسخي لقوات الجيش الوطني الليبي في غربي ليبيا، لإفشال الهجوم التركي- الإرهابي، قبل أن يفوت الأوان، ثم لمعاودة الهجوم على طرابلس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"