الجودي . . جبل مبارك استقرت عليه سفينة نوح

أماكن في القرآن
06:02 صباحا
قراءة 4 دقائق
وردت في القرآن الكريم أسماء عدد من الأمكنة شهدت أحداثاً عظيمة، بعضها يتعلق بالأنبياء والرسل، وبعضها يتعلق بمواقف تعرض لها المؤمنون الصالحون، أو بمعارك بين الإيمان والكفر غيرت وجه التاريخ . . وما زالت بعض هذه الأمكنة حتى الآن شاخصة شاهدة على ما كان . وفي هذه الحلقات نستعرض أبرز تلك الأماكن وما شهدته من أحداث ومعجزات .
لم يذكر القرآن الكريم مكان الجودي، لأن العبرة ليست في المكان وإنما فيما آلت إليه قصة الطوفان وأسبابه، فبعد انتهاء الطوفان رست سفينة نوح عليه السلام على الجودي، وهو اسم لمكان بعينه استوت عليه السفينة، وكان الطوفان خاصاً بقوم نوح، لأن النوع البشري لم يكن قد انتشر في الكرة الأرضية، وحديثاً ذكرت وكالات الأنباء العالمية أن إحدى طائرات التجسس الأمريكية اكتشفت بقايا سفينة قديمة فوق جبل أرارات قيل إنها سفينة نوح، ولا تزال هذه البقايا موجودة على الجبل ومتحجرة .

قرية الثمانين

قال تعالى: "وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وغِيضَ الماءُ وقُضي الأمرُ واستَوتْ على الجُودِيّ، وقيلَ بُعداً للقوم الظالمين" .(هود: 44) .
إذاً أخبرنا القرآن الكريم أن سفينة نوح عليه السلام استقرت على جبل الجودي، وفي اسم هذا الجبل أقوال تختلف لفظاً باختلاف الأمم التي تعاقبت عليه، فأطلقت كل أمة عليه اسماً وفق لغتها، لكن جميع هذه الأسماء حدّدت له مكاناً مخصوصاً معلوماً نذكر منها ما جاء في تفسير ابن كثير، واستوت السفينة بمن فيها "على الجودي" وقال مجاهد: "هو جبل بالجزيرة تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت وتواضع هو لله عز وجل فلم يغرق، ورست عليه سفينة نوح عليه السلام"، وقال قتادة "استوت عليه شهراً حتى نزلوا منها، وقد أبقى الله سفينة نوح عليه السلام على الجودي من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى رآها أوائل هذه الأمة" .
وقيل: الجودي جبل بالموصل وقال بعض المفسرين هو الطور، وعن ابن عباس قال: "كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم وأنهم كانوا فيها مئة وخمسين يوماً، وأن الله وجه السفينة إلى مكة فطافت بالبيت أربعين يوماً ثم وجهها الله إلى الجودي فاستقرت عليه، فبعث نوح الغراب ليأتيه بخبر الأرض، فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون فلطخت رجليها بالطين، فعرف نوح عليه السلام أن الماء قد نضب فهبط إلى أسفل الجودي فابتنى قرية وسماها ثمانين، فأصبحوا ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة إحداها اللسان العربي، فكان بعضهم لا يفقه كلام بعض، فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم" .

من جبال الجنة

وذكر الطبري في تفسيره أن "استواء الفلك على الجودي فيما يزعم أهل التوراة كان في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه، وفي أول يوم من الشهر العاشر رئيت رؤوس الجبال، فلمّا مضى بعد ذلك أربعون يوماً فتح نوح كوة الفلك التي صنع فيها ثم أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء، فلم يرجع إليه، فأرسل الحمامة فرجعت إليه، ولم يجد لرجليها موضعاً فبسط يده للحمامة وأخذها ثم مكث سبعة أيام، ثم أرسلها لتنظر له، فرجعت حين أمست وفي فمها ورق زيتونة، فعلم نوح أن الماء قد قل عن وجه الأرض ثم مكث سبعة أيام ثم أرسلها فلم ترجع، فعلم نوح أن الأرض قد برزت، فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتين برز وجه الأرض، فظهر اليبس، وكشف نوح غطاء الفلك، ورأى وجه الأرض، وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين في سبع وعشرين ليلة منه قيل لنوح: "اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم" .
وقال القرطبي إن الجودي اسم لكل جبل، ويقال إن الجودي من جبال الجنة، فلهذا استوت عليه السفينة، ويقال: "أكرم الله ثلاثة جبال بثلاثة نفر: الجوديّ بنوح، وطُور سِيناء بموسى، وحراء بمحمدٍ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين" .
كان قوم نوح أظلم وأطغى ما يكون حيث احترفوا الكفر وعبادة الأصنام وبعد أن نفدت كل وسائل نوح في دعوتهم لله الواحد القهار دعا ربه بأن يهلك الكافرين ، وألا يبقى على الأرض من الكافرين دياراً . . قضى الأمر، وصدر حكم الله عز وجل على الكافرين بالغرق، فأمر نوحاً بأن يصنع الفلك بعناية الله ووحيه حتى تكون أداة لنجاته هو والمؤمنون معه من الغرق، وأخبره سبحانه وتعالى بأن الكافرين سيغرقون مهما تكن أهميتهم أو درجة قرابتهم له، فلما أتم صنع السفينة وجاء الموعد المحتوم أمر الله تعالى نوحاً أن يحمل في السفينة أهله ومن آمن معه من قومه، وحملت المياه السفينة ومن فيها ومكثت ما شاء الله أن تمكث، إلى أن غرق كل ما على الأرض من إنسان وحيوان ونبات فلم يبق منهم أحد، ثم أمر الله سبحانه وتعالى الأرض بأن تبلغ ماءها وأمر السماء أن تقلع عن الماء، فبدأ الماء يهدأ ويتناقص حتى استقرت السفينة على جبل الجودي .
ونوح عليه السلام هو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، وأهلك الله أهل الأرض كلهم بدعائه، وقد وصفه الله في القرآن بالعبد الشكور لأنه كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله، وعن أبي هريرة رضى الله عنه في حديث الشفاعة قال: "فيأتون نوحاً فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وسماك الله عبداً شكوراً، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك؟"، وهو أطول الأنبياء عمراً فقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"