«رباعية فالوت».. وجع في قلوب الصغار

19:45 مساء
قراءة 8 دقائق
تحقيق: راندا جرجس
رباعية فالوت من العيوب الخلقية للقلب، ويعتبر واحداً من أكثر الأمراض القلبية الزرقية، ويتواجد منذ ولادة الطفل الرضيع، ويتم تشخيصه خلال فترة الطفولة إلا في بعض الحالات القليلة التي تكتشف متأخراً، ويعتمد ذلك على حدة المرض وتمثل نسبة الإصابة به 10-15% من مجموع أمراض العيوب الخلقية للقلب التي تظهر في حديثي الولادة، وفي سطور هذا التحقيق سنتعرف إلى أسباب حدوث المرض وطرق العلاج منه.
يقول الدكتور طارق سلامة مختص طب الأطفال، إن مرض الازرقاق الأكثر حدوثاً للأطفال عن بقية الأمراض الخلقية بالقلب ويشكل 10% تقريباً من كل حالات الأمراض الخلقية بالقلب، كما أن أعداداً قليلة من الأطفال الرضع والصغار التي يلاحظ والداها علامات الازرقاق باللسان والشفتين والأطراف، أو الازرقاق المركزي، ويحدث ذلك بسبب مرور الدم غير المشبع بالرئتين ونقص الأوكسجين بالدم، وخلال الجهد الذي يبذله الطفل فإن الجسم يتطلب زيادة الأوكسجين ونتيجة لذلك الجهد يصاب الطفل بحالة من التعب وضيق التنفس، ومع هذا فإن المرض يتصف بقلة وجود الأوكسجين المشبع بالشريان وازدياد كريات الدم الحمراء أكثر من المعدل الطبيعي بالدم التي تترافق به بعد نقص الأوكسجين المزمن وعندما تزداد مجموعة حجم الخلايا تزداد كثافة ولزوجة الدم الذي يصبح أكثر استعدادا للإصابة بالجلطة أو تخثر الدم بأوعية الدماغ وكذلك يتسم بانتقال البكتيريا الموجودة في الجهاز الوريدي إلى الجهاز الشرياني وظهور ما يعرف بخراج الدماغ وهو أحد مضاعفات هذا المرض الخلقي بالقلب. ويضيف أن هذا المرض الخلقي المزرق بالقلب له أربع خصائص
1ــ فتحة كبيرة بين البطينين.
2ــ تغيير بمسار الشاريان الأبهر، بحيث يظهر الشريان الأورطي مهيمناً أو طاغياً على البطين الأيمن.
3ــ تضيق بالصمام الرئوي.
4ــ تضخم بالبطين الأيمن، وهو شدة الازرقاق عند المريض المصاب ويعتمد على درجة الانسداد أو الإعاقة بتدفق الدم الموجود بالبطين الأيمن.
أعراض سريرية

عن تشخيص الأعراض السريرية لهذا المرض الخلقي بالمراحل الأولية من عمر صغار الأطفال يبين د.طارق أنها تعتمد على عدة علامات منها:
التشخيص السريري

1ــ الازرقاق المركزي، وفى الغالب لا يحدث عند الولادة، ولكنه يتطور ويزداد بعد عدة أسابيع أو أشهر، ويكون لون الطفل طبيعياً بحالة الاسترخاء والراحة، ويحدث تغيير لون للازرق عند الرضاعة أو البكاء.
2ــ عجز بعضلة القلب، فمن الممكن أن يصاب الطفل بالجلطات الدموية أو التهاب بعضلة القلب أو الشفاف مع خراج الدماغ.
3ــ صعوبة التنفس خلال بذل المجهود وتأخر بنمو الطفل وعدم القدرة على التحمل خلال بذل المجهود.
4ــ عودة أو تكرار الإصابة بنوبات الازرقاق التي تتسبب في إصابة الطفل بنوبات غير متوقعة تتراوح مدتها من دقائق إلى عدة ساعات منها:
} تسارع نبضات القلب ومعدل التنفس.
} يكون الطفل بحالة الاضطراب وعدم الاستقرار.
} ازدياد الازرقاق المركزي.
} فقدان الوعى لفترات قصيرة وأحياناً الإصابة بالتشنجات العصبية أو الشلل.
5ــ تضخم البطين الأيمن بوجود الاهتزاز الانقباضي تحت يد الطبيب الفاحص بالمنطقة الرئوية بالصدر، كما يسمع الطبيب لغط القلب القذفي بالمنطقة الرئوية بالصدر عند الكشف بالسماعة الطبية.
التشخيص المختبري

1ــ أشعة الصدر، التي تبين الحجم الطبيعي للقلب ومكانه بأعلى الحجاب الحاجز وتبين الأشعة أن الجانب الأيسر من القلب مقعراً بسبب صغر الشريان الرئوي وبهذا يكون القلب المصاب شبيهاً للزورق.
2ــ تعداد الدم التام أو الكامل ودرجة تركيز وإشباع الأوكسجين به، تعداد الصفائح الدموية، التجلط بالدم.
3ــ تخطيط القلب الإلكتروني.
4ــ تخطيط صدى القلب.
العلاج حسب الحالة

يؤكد د. طارق أن علاج مرض القلب الخلقي يتحدد حسب الحالة فإذا كان المرض مزمنا مع وجود الازرقاق الشديد ببداية الطفولة فيحتاج المريض إلى العلاج الطبي الباطني، وكذلك إلى العلاج الجراحي بالطريقة المتطورة لتحويل مجرى الدم، يقوم بإصلاح وإعادة بناء الفتحات أو التشوهات الخلقية بقلب الطفل حيث يفضل أجراؤها من بداية الشهر السادس وما بعده، ويجب التأكد من أن المريض لا يعانى من أية أعراض مرضية بعد العملية الجراحية الإصلاحية للقلب، وضرورة المتابعة السريرية والمختبرية للمريض بعد العملية الجراحية لفترة تمتد 30 عاماً وأكثر، وضرورة معرفة كيفية التوعية الصحية والحياتية وكيفية الحفاظ عليها.
وعن رباعية فالوت يوضح الدكتور محمد فيصل الهاشمي اختصاصي طب الأطفال، أنها من العيوب الخلقية، وسمي المرض بـ «رباعية» لأنه يتكون من 4 عيوب خلقية بالقلب وكان الطبيب الفرنسي اتيان فالوت (فالو) أول من وصف تفاصيل المرض بشكل كامل، عام 1888، وهي:
1ــ ثقب في الحاجز بين البطينين يتواجد في الجدار العضلي الذي يفصل البطين الأيمن عن البطين الأيسر للقلب وبالتالي يسمح بمرور الدم غير المؤكسد (لا يحتوي على الأوكسجين) من البطين الأيمن إلى البطين الأيسر الذي يحتوي على الدم المؤكسد، وبذلك يتدفق الدم غير المؤكسد إلى مختلف أجزاء الجسم.
2ــ ضيق الشريان الرئوي، فعندما يقوم بتوصيل الدم من القلب (من البطين الأيمن) إلى الرئة، ويكون هناك ضيق في صمام هذا الشريان ما يتسبب في نقص كمية الدم التي تذهب للرئتين.
3 ــ خلل في الوضع الطبيعي للشريان الأورطي، الشريان الرئيسي الذي يقوم بتوصيل الدم المؤكسد من البطين الأيمن إلى مختلف أجزاء الجسم ليمدها بالأكسجين اللازم لإتمام العمليات الحيوية، لمختلف أعضاء و أجزاء الجسم، وفي حالة رباعية فالوت يكون الشريان الرئوي متجهاً عند البطين الأيمن وليس الأيسر (أعلى الثقب بين البطينين) ويكون الدم الذي يتفق إليه مزيجا من الدم غير المؤكسد الموجود في البطين اليمن والدم المؤكسد الموجود في البطين الأيسر، و بذلك لا تكون هناك تغذية جيدة لأعضاء الجسم بالأوكسجين الذي تحتاج إليه.
4ــ حدوث تضخم في البطين الأيمن، حتى يستطيع مواجهة العبء الزائد على القلب، وبمرور الوقت يبدأ القلب يضعف ويتعرض للهبوط، وتؤدي تلك العيوب الخلقية بالقلب إلى سريان الدم غير المحتوي على الأوكسجين إلى مختلف أجزاء الجسم، لذلك يتسم المرض بوجود زرقة في لون جلد الطفل.
علامات الإصابة

يشير د. الهاشمي إلى أن أعراض المرض تعتمد على حدة المرض ومدى ضيق الشريان الرئوي، وتتمثل في الآتي:
} ازرقاق جلد الطفل ويحدث ذلك نتيجة اختلاط الدم المحتوي على الأوكسجين في البطين الأيسر مع الدم غير المحتوي على الأوكسجين في البطين الأيمن من خلال الثقب الموجود بين البطينين
} صعوبة في التنفس.
} فقدان الوعي.
} عجز أصابع الأيدي والقدم (انتفاخ الجلد حول الأظافر فيصبح مستديرا بطريقة غير طبيعية).
} فقدان الشهية.
} انخفاض معدل زيادة وزن الطفل.
} التعب من أقل مجهود.
} أحياناً تحدث للطفل نوبات من الازرقاق الشديد للجلد، الأظافر، والشفاه وتظهر عند البكاء أو الطعام، وتحدث نتيجة انخفاض مفاجئ في كمية الأوكسجين بالدم، ويمكن أن يتخلص الطفل من تلك النوبة عن طريق أن يتخذ وضع القرفصاء حيث يؤدي إلى زيادة تدفق الدم لأعضاء الجسم.
وعن أسباب رباعية فالوت يؤكد د. الهاشمي أن الإصابة بالمرض مجهولة السبب حتى الآن، ولكن هناك بعض العوامل التي تزيد من خطورة الإصابة به، وتتمثل في:
} إصابة الأم بالحصبة الألمانية أثناء الحمل.
} سوء التغذية أثناء الحمل.
} الحمل في سن متأخرة للأم (أكثر من 40 عاماً).
} تناول الأم الكحوليات أثناء الحمل.
} عوامل وراثية (إصابة أحد الأبوين بالمرض).
} خلل جيني مثل في حالات الطفل مع متلازمة داون.
ويستكمل: بعد ولادة الطفل يلاحظ الطبيب ازرقاق لون الطفل، وعند الكشف بالسماعة يسمع الطبيب صوتا مميزا بالقلب يسمى لغط القلب، ويحتاج الطبيب لتأكيد التشخيص إجراء بعض الاختبارات ومنها:
} أشعة سينية على الصدر، تبين شكل وحجم القلب، ونتيجة تضخم البطين الأيمن تظهر صورة القلب في الأشعة وكأنه يشبه الحذاء، لذلك يطلق عليه القلب الشبيه بالحذاء.
} صورة كاملة للدم، يتم قياس جميع خلايا الدم، وفي حالة رباعية فالوت يظهر ارتفاع غير طبيعي في عدد كرات الدم الحمراء نتيجة أن الجسم يحاول تعويض نقص الأوكسجين بزيادة عدد كرات الدم الحمراء كي تقوم بحمل المزيد من الأوكسجين لتوصيله لأعضاء الجسم.
} أشعة موجات فوق صوتية على القلب، تبين صورة القلب ومجرى الدم خلال غرف القلب، وتستخدم في تشخيص رباعي فالوت حيث تظهر العيوب الأربعة الموجود بالقلب (الثقب بين البطينين، ضيق الصمام الرئوي، تضخم البطين الأيمن، والوضع غير الطبيعي للشريان الأورطي).
* تخطيط القلب الكهربي (رسم القلب)، يسجل النشاط الكهربي للقلب من عدة زوايا ويظهر وجود تضخم في البطين الأيمن.
} القسطرة القلبية، يتم إدخال أنبوبة رفيعة مرنة من خلال وعاء دموي موجود في الذراع أو المنطقة الإربية، ويتم إدخالها حتى تصل إلى القلب، ثم يتم حقن صبغة معينة من خلال القسطرة لتنتشر بالقلب حتى تبين صورة القلب بوضوح عند تصويره بالأشعة السينية.
} جراحة تصليح القلب، حيث يحتاج أغلب الأطفال إجراء عملية جراحية لتصليح العيوب الموجودة بالقلب، وتتم خلال السنة الأولى من عمر الطفل، لغلق الثقب الموجود بين البطينين، وإصلاح ضيق الصمام الرئوي وتوسيع الشريان الرئوي لزيادة كمية الدم المتدفق للرئتين، ويلاحظ بعد الجراحة تحسن الأعراض التي تظهر على الطفل نتيجة ارتفاع مستوى الأكسجين بالدم وتغذيته بصورة جيدة لكل أعضاء و أجزاء الجسم.
وعن التدخل الجراحي لعلاج العيب الخلقي ازرقاق المواليد يبين الدكتور أحمد فياض الجيوري، مختص أمراض القلب، أن المرض ناتج عن عيوب خلقية تصيب جهاز القلب والأوعية الدموية أو جهاز التنفس والرئتين، كما أن عيوب القلب الخلقية التي تسبب الازرقاق تقسم إلى قسمين:
1ــ العيوب الناتجة عن انخفاض جريان الدم في الرئتين وعيوب الفتحات في حاجز القلب مثل:
} انسداد شديد في الصمام الرئوي.
} عدم تكوين الصمام الثلاثي مع عدم تكوين البطين الأيمن.
} رباعية فالوت.
} خلل ابشتين.
} الخلل الكلي في الأوردة الرئوية.
2ــ العيوب الناتجة عن خلل وراثي في القلب مع زيادة جريان الدم في الرئتين:
} ضمور وعدم نضج الأذين والبطين الأيسر.
} تخالف الشرايين الرئيسية الكبرى (الأبهر والشريان الرئوي).
} وعدد آخر من العيوب الخلقية في القلب.
الزرقة المركزية

يشير د. الجيوري إلى أن الزرقة المركزية يقصد بها ازرقاق جسم الطفل الذي يصعب اكتشافه من قبل الأهل خاصة إذا كان الطفل ذا بشرة سمراء اللون، ولكن الطبيب يمكنه اكتشاف ذلك إذا تم فحص الطفل جيداً، كما أن أسباب هذه الزرقة كثيرة فإما أن تكون أسبابا تنفسية أي يتعلق الأمر بالجهاز التنفسي أو قلبية أو عصبية مركزية أو دموية أو استقلابية
} الأسباب التنفسية، تنجم عن قصور تنفسي إما بسبب أمراض في الرئة نفسها أو ثانوياً يثبط الجملة العصبية المركزية الناجم عن أدوية مثبطة.
} الأسباب القلبية، إذا استمرت الزرقة لعدة أيام مع عدم وجود علامات واضحة على صعوبة التنفس فهذا يعني أن هناك مشكلة غالباً في القلب.
* الأسباب الأخرى، مثل نقص سكر الدم أو تسمم أو تجرثم الدم أو التهاب السحايا أو الصدمة أو فرط التوتر الرئوي.
ويضيف أن إجراء بعض التدخلات الجراحية لهذه الأمراض وهي نوعان:
1ــ العملية التصحيحية الكلية، تجرى لتصحيح كل العيوب الخلقية.
2ــ العملية الجزئية، التي تسمح للوليد بالنمو لغاية الوصول إلى مرحلة من العمر والوزن يسمح بإجراء العملية التصحيحية.
مسؤولية مشتركة

يؤكد د. الجيوري أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على الأهل في ملاحظة أولادهم منذ الولادة، وأن تكون لديهم ثقافة طبية أساسية لتقييم الطفل يومياً من خلال الدقة في الملاحظة وألا يعتمدوا فقط على الطبيب، فربما يتم خروج الوليد بعد الولادة من قبل طبيب غير متمرس أو تظهر الأعراض فيما بعد، كما ينبغي على طبيب الأطفال أن يكون ملماً بالتنوع الواسع للاضطرابات التي ربما تنشأ داخل الرحم أو خلال الولادة، أو في الفترة المباشرة التالية داخل الرحم أو خلال الولادة أو في الفترة المباشرة التالية للولادة، وربما تتمثل الاضطرابات نتيجة لأسباب وراثية أو أمراض وإصابات مكتسبة من الأم وغيرها، ويعتمد تمييز المرض عند الوليد على المعرفة حول الاضطرابات وتقييم عدد محدد من الأعراض والعلامات السريرية غير النوعية نسبياً.

نسبة الشفاء

نسبة الإصابة بمرض الازرقاق عند الأطفال 3 حالات لكل 1000 مولود، وربما يعاني المريض من مشكلة في عمل القلب أو خلل كهربائي حسب نوع العملية وعمر الطفل عند إجرائها، وهناك أعداد كبيرة من الأطفال ينمو بصورة طبيعية بعد العملية من دون أي مضاعفات مستقبلية، كما أن العمر عند إجراء العملية من أهم العناصر التي تحدد نجاحها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"