نجمة البحر “تلتهم” الحاجز المرجاني العظيم

عوامل كثيرة تهدده بالاختفاء
23:43 مساء
قراءة 5 دقائق
إعداد: محمد هاني عطوي
يعتبر الحاجز المرجاني العظيم أكبر حاجز طبيعي على الأرض، ويقع بالقرب من ولاية كوينزلاند بشمال أستراليا ويمتد لمسافة 2300 كيلومتر واكتشفه جيمس كوك عام 1770 .
والحاجز هو رصيف مرجاني يتكون من نحو 3000 شعبة فردية، ويبلغ متوسط مساحة كل منها نحو 110 كم2 وتقع شعاب شبكة الحاجز المرجاني الكبير داخل النتوء الصخري لقارة أستراليا .
وتتكون الشعاب المرجانية من مليارات الحيوانات الدقيقة التي تُسمى البوالب المرجانية (زهر البحر) . . والنباتات التي تسمى الطحالب المرجانية، وتقوم جميعها بترسيب الحجر الجيري . وتتشكل الشعبة عندما تتحد الشعاب المرجانية الميتة مع هياكل الطحالب المرجانية بفعل الحجر الجيري التابع لهما .
تشمل الشعبة المرجانية الكثير من أنواع مرجان كقرن الغزال، والمرجان، وغيره ويتأتى لون الشعاب المرجانية من الصبغات الموجودة في أنسجة البولب (زهر البحر) . وعندما تموت مستوطنة من الشعاب المرجانية لايبقى منها سوى الهيكل الجيري الأبيض . وتُؤوي الشعاب المرجانية نحو 3000 نوع معروف من الأسماك والكائنات البحرية الأخرى مثل السلاحف البحرية وعشرة آلاف نوع من المحار وكائنات أخرى مثل السرطانات والروبيان وجراد البحر، وقنفذ البحر، ونجم البحر، وخيار البحر .
ويتعرض الحاجز المرجاني العظيم لخطرالاختفاء جراء عوامل عدة من بينها نجمة البحر ذات التاج الشوكي، وهي نوع متعدد الأذرع يبلغ قطره 45 سم عند البلوغ، وعلى الرغم من انخفاض عدد نجمات البحر في الحاجز المرجاني الكبير في منتصف سبعينات القرن العشرين، انتشرت مرة أخرى عام 1979 . وقدّر العلماء بأن نحو 16% من الشعاب المرجانية في الحاجز المرجاني الكبير كانت مصابة بوباء نجمات البحر القاتلة بين عامي 1982 و،1984 وبلغت نسبة الإصابة عام 1985 نحو 2% . وكان خمسون عالماً بدأوا برنامجاً مكثفاً من الأبحاث حول نجمة البحر في ثمانينات وتسعينات القرن العشرين ولم يصلوا إلى نتائج محددة . وتأكل نجمة البحر ذات التاج الشوكي الأجزاء الحية من الشعاب المرجانية التي تفرز مواد ذات رائحة حيث تحيط النجمة المرجان بأذرعها وتخرج معدتها من فمها ثم بهضم الأجزاء الرخوة من المرجان (البوالب المرجانية) تاركة الهيكل وراءها على شكل بقعة بيضاء على الشعبة المرجانية . ويمكن لنجمة البحر أن تظهر فجأة بأعداد ضخمة تعد أحياناً بالملايين، في مجموعات كبيرة وتختفي بعد ذلك تاركة نحو 95% من المرجان ميتاً في أي شعبة مرجانية . وأصبحت العديد من الشعاب المرجانية في المحيطين الهندي والهادئ موبوءة منذ ستينات القرن العشرين، وانتشر فيها الضرر على نطاق واسع .
والحل الوحيد يتمثل في تدمير نجمة البحر ذات التاج الشوكي بشكل كلي فهي تساهم بنسبة 42% في اختفاء الحاجز المرجاني . ومنذ عام 1985م قضى د . ديث وفريقه العلمي أكثر من 2700 يوم تحت البحر محاولين مراقبة أكثر من 2500 شعبة مرجانية مكونة للحاجز المرجاني الكبير واكتشفوا أنه خلال 27 سنة اختفى نصفه ما يعني أنه خلال 30 سنة قادمة سيختفي ما تبقى من هذا الحاجز الذي يعتبر نظاماً حيوياً بحد ذاته وذلك بسبب نجمة بحرية بسيطة .
فضلاً عن ذلك ثمة مشكلتان لا تقلان أهمية أولاهما: ابيضاض المرجان الناتج عن ارتفاع درجة حرارة المياه والمرتبط بدوره بمسألة زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون . ويساهم هذا الابيضاض بنسبة 10% في اختفاء الحاجز المرجاني، والثانية الأعاصير المدارية المسؤولة عن 48% من الكارثة، إذ تؤدي إلى رفع المياه على شكل أمواج كبيرة وبالتالي إلى تكسير جذور الشعاب المرجانية .
ويقول العلماء إن الفرصة لم تزل سانحة للتعامل مع هذه النجمة وإيقافها قبل فوات الأوان خاصة أنها لا تقتل سوى 6 أمتار من المرجان سنوياً بمعنى أنها تقوم بالوقت نفسه بنوع من الصيانة الدورية للحاجز، لكن المشكلة الكبيرة أن هذه النجمة المنظفة تحدث أضراراً كبيرة عندما تكون على شكل مجموعات، إذ يؤدي ذلك إلى خسارة الحاجز من (40-90%) من الكائنات البحرية التي تعيش فيه خلال 6 شهور فقط . أما الصخور المرجانية التالفة فلا تعود إلى وضعها الطبيعي إلا بعد 15 سنة وبعض الأنواع يحتاج على الأقل إلى خمسين سنة مع الأخذ بالاعتبار عودة نجمة البحر القاتلة كل 15 سنة .
ويقول الباحث محسن كيال من معهد البحث التنموي في نوميا بكاليدونيا الجديدة إن وجود كمية كبيرة من النباتات البحرية ( الألج ) يساعد يرقات هذه النجمة البحرية على العيش والتكاثر وأن أصل المشكلة يكمن في الأراضي الأسترالية فهي غنية بالمواد العضوية والمغذية التي تصل إلى المحيط مع الأمطار الغزيرة وهو ما يعتبر غذاء جاهزاً للبلانكتونات النباتية المكونة بدورها للنباتات البحرية . ويشير كيال إلى أن المشكلة تكمن أيضاً في عمليات اجتثاث الغابات التي يقوم بها الإنسان وتؤدي إلى انكشاف التربة وحمل ما فيها من مواد غذائية مفيدة للزراعة أصلاً نحو المحيط وبالطبع هذا مفيد للنباتات البحرية أيضاً . ويرى كيال أن الحل يكمن في تجويع يرقات نجمة البحر ذات التاج الشوكي كي لا تتكاثر، وذلك عن طريق وقف تقطيع الأشجار وكشف التربة علماً بأنه أمر صعب التحقيق لأنه يتطلب إعادة هيكلة للسياسة الزراعية لكثير من المناطق التي تعاني المشكلة مثل بريطانيا . وبما أن الأمر لا يحل بالتصدي لأصل المشكلة فقط، رأى العلماء ضرورة استخدام عنصر ممرض يؤدي إلى قتل النجمة لكنهم اصطدموا بمسألة الوسط البيئي الذي يمكن أن يتأثر بشكل سلبي . وبالنتيجة توصل الباحثون إلى حل يتمثل في اجتثاث النجمة واحدة واحدة عن طريق فريق من الغواصين يقومون بحقنها بسم قاتل باستخدام رماح تصوب عن بعد . وتوصل الباحث جيرو ريفيرا بوسادا من مركز دراسة الحواجز المرجانية في أستراليا إلى وصفة ناجعة مكونة من خليط من البروتينات المستخدمة في المختبرات لاستنبات البكتيريا التي تؤدي إلى قتل النجمة في أقل من 24 ساعة . ولكن للتخلص من هذه الآفة يجب توظيف مئات الغواصين لتغطية 2500 حاجز مرجاني ممتد على مساحة تبلغ 348000 كم مربع .
ويعتقد الباحثون أن إمكانية وضع نظام آلي للمراقبة للكشف عن بداية تكاثر نجمة البحر القاتلة وتوجيه عدد أقل من الغواصين إلى المنطقة المصابة بالعدوى بشكل سريع، يمكن أن يجعل عملية الاجتثاث ناجعة . ويرى البعض أن هذه المحاولات تبدو عشوائية أمام تسارع نسبة التلف في الحاجز المرجاني خاصة أن المدافعين عن الحاجز المرجاني يقولون إن نجمة البحر ليست المتهم الوحيد، بل أيضاً حركة المواصلات البحرية التي لا تهدأ في الموانىء الصناعية، ففي العام 2010 مثلاً غرقت سفينة شحن صينية تاركة وراءها ثغرة في الحاجز يبلغ طولها 3 كيلو مترات وعرضها 250 متراً . ويرى ديث أن إيقاف نجمة البحر عن التكاثر سيؤدي إلى تزايد طفيف في نمو الحاجز المرجاني بمعدل 89 .0% سنوياً، ولكنها نسبة ستساهم في تحسين حالة الحاجز عما هو عليه الآن على المدى البعيد .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"