تونس وروسيا.. شراكة استراتيجية

06:13 صباحا
قراءة 6 دقائق
كمال بالهادي

في بداية شهر يوليو/تموز كشفت وسائل إعلام تونسية عن شبكة من الموظفين تورطت في مدّ جهات دبلوماسية روسية ببيانات عن أجيال من التونسيين، مما اعتبر عملاً تجسّسياً من قبل روسيا على تونس، و قد اهتمت وسائل الإعلام بما اعتبرته تدخلاً روسياً في الشأن التونسي خاصة أن المذنبين تمت إحالتهم إلى القضاء و اعترفوا بتلقي رشاوى من الدبلوماسيين الروس، غير أن خبراً آخر يأتي في الاتجاه المعاكس لينقل العلاقات بين تونس وروسيا إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية و لتصبح تونس قاعدة الصناعات الروسية في إفريقيا.

قبل أن يغادر منصب رئاسة الجمهورية قام المنصف المرزوقى بآخر زيارة خارجية له في هذا المنصب، وكانت الوجهة موسكو، حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، ودار الحديث عن زيارة منتظرة لبوتين إلى تونس، وتوقيع اتفاقية شراكة اقتصادية استراتيجية، فهل كان ذلك الإعلان عن وجود شبكة تجسس هو ضربة استباقية توجهها أطراف معادية للتقارب الروسي التونسي؟

شراكة تاريخية

السفير التونسي علي القوطالي، صرح لوسائل إعلام روسية أن شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل سوف يشهد اجتماعاً للجنة المشتركة التونسية الروسية، والتي من المنتظر أن تختتم اجتماعاتها بتوقيع الاتفاق الاستراتيجي الذي سيجعل تونس قاعدة للصناعات الروسية التي ستغطي كامل السوق الإفريقية. وبحسب القوطالي فإنّ الاتفاق سيشمل بناء وحدات صناعية لتجميع طائرات سوخوي الروسية وكذلك وحدات لتجميع شاحنات كاماز وكذلك وحدات صناعية لتركيب السيارات، فضلاً عن إقامة مشاريع استثمارية ضخمة ستعزز العلاقات الاقتصادية بين البلدين خاصة أن حجم المبادلات بين البلدين لا يتجاوز واحد مليار دولار، ولا تتجاوز الصادرات التونسية إلى السوق الروسية سقف 30 مليون دولار.
وكشف السفير التونسي عن أن المشاورات تتقدم في شأن توقيع اتفاقية تسمح باعتماد العملتين الوطنيتين أي الروبل و الدينار في المبادلات التجارية بينهما، ويزور تونس نحو 300 ألف روسي سنوياً يختارونها كوجهة سياحية مفضلة، فيما يقصد المئات من الطلبة التونسيين موسكو من أجل إتمام دراساتهم الجامعية في مجالات الطب والصيدلة والهندسة.
لا شك في أن العلاقات التونسية الروسية قديمة على المستوى السياسي، فقد بدأت العلاقات الدبلوماسية بين تونس و الاتحاد السوفييتي منذ يوليو/تموز عام 1956 أي بعد أشهر قليلة من استقلال تونس، وانتشرت الأفكار اليسارية بشكل كبير في تونس في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حتى إن رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن صالح خيّر تطبيق النظام الاشتراكي، في تونس وحاول تأميم الأراضي الزراعية، غير أن المحاولة انهارت في عام 1969، لتتحول تونس إلى بلد يقوم على الخير الليبرالي واقتصاد السوق.
واعترفت تونس في عام 1991 بدولة روسيا عقب تفكك الاتحاد السوفييتي. وشهدت العلاقات بين البلدين خاصة بعد سنة 2000 تطوراً نوعياً في الشراكة الاقتصادية بين تونس وروسيا، حيث عقدت في أعوام 1999 و2003 و2008 اجتماعات اللجنة الحكومية الثنائية الخاصة بالتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني التي أسفرت عن توقيع اتفاقية في مجال التعاون الثقافي والعلمي، واتفاقية وزارية حول التعاون في مجال التأهيل المهني، وبلغ التداول السلعي بين الدولتين، في عام 2008 ،1.71 مليار دولار (805 ملايين دولار في عام 2007) وازداد بمقدار مرتين، مقارنة مع عام 2007، وذلك على حساب تصدير النفط ومشتقاته بمبلغ 550 مليون دولار، والكبريت والأمونيا بمبلغ 500 مليون دولار إلى تونس.

وبحسب المعلومات الواردة من الجانب التونسي فإن روسيا أصبحت في عام 2008 شريكاً ثالثاً على الصعيد التجاري الخارجي بالنسبة لتونس، علما أن التصدير الروسي إلى تونس يشكل نسبة 95% من التداول السلعي التونسي الإجمالي، فيما بلغ التصدير التونسي إلى روسيا 25 مليون دولار فقط.

ومن الصادرات الروسية الأخرى يمكن ذكر الأخشاب والورق والسبائك الفولاذية، أما تونس فتصدر إلى روسيا زيت الزيتون والمنتجات الزراعية ومنتجات النسيج.

وفي عام 2008 تم إنشاء أول مؤسسة روسية تونسية مشتركة تعمل على تعبيد الطرق في تونس، وفي عام 2008 حصلت المؤسسة الروسية الفيتنامية المشتركة على ترخيص بتنقيب النفط في تونس، وقد تم بموسكو في مارس/آذار عام 2006 توقيع اتفاقية تأسيس مجلس الأعمال الروسي التونسي.

وأعلن التونسيون رغبتهم في البدء بإنشاء محطة كهروذرية بقدرة 900 ميغاواط في عام 2010. فيما أعربت شركة «روس آتوم» الروسية عن استعدادها للحوار حول إقامة التعاون مع تونس في هذا المجال.

تونس بين محورين

السؤال الذي يمكن أن يطرحه المراقبون، يتعلق بما وراء هذه الهبة الروسية للاستثمار في تونس خاصة أن الأخيرة لا تمتلك علاقات قوية على المستوى الاقتصادي، ولا يمكن اعتبار تونس حليفاً سياسياً قوياً لروسيا فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية، الإجابة عن هذا السؤال تتعلق بالوضع الجيواستراتيجي لتونس في مرحلة ما بعد الثورة، إذ صار هذا البلد الصغير و محدود الإمكانات في صدارة الاهتمام العالمي، بل إن التحول الذي شهدته تونس جعلها، تكون نقطة تقاطع بين مصالح دولية، تتعلق بمنطقة الشمال الإفريقي والشرق الأوسط ككل.

الاهتمام الروسي بتونس لا يأتي من فراغ، فهناك جملة عوامل تدفع موسكو إلى البحث عن موطئ قدم لها في شمال القارة الإفريقية، و يمكن فهم هذا الاهتمام فيما يلي.

- لروسيا علاقات متميزة مع مصر و الجزائر، وتعود هذه العلاقات إلى زمن الثورة الناصرية، و ثورة التحرير الجزائرية، وقد استطاعت روسيا أن تعزز علاقاتها، مع الجزائر و مصر بعد ما يعرف بالربيع العربي، من خلال شراكات اقتصادية قوية، وهي بالتالي تريد أن تكون فاعلاً رئيسياً، في منطقة يزداد التنافس عليها يوماً بعد آخر، ومن هنا يصبح الاهتمام بتونس ضمن هذا الاهتمام الموسع بشمال إفريقيا، وروسيا ترغب في ضم حلقة تونس إليها حتى تشكل ما يشبه هلالاً روسياً في المتوسط.
- تدرك موسكو أن تونس لم تنل شيئاً من الوعود التي تم إصدارها من الحلفاء التاريخيين خاصة تلك الوعود ذات الطابع الاقتصادي. فالاستثمار الخارجي في سنوات ما بعد الثورة هو في أدنى مستوياته، ودخول روسيا بمشاريع ضخمة يعني أنها ستضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، بمعنى أنها ستستغل حاجة تونس إلى مثل هكذا استثمارات، وستتمكن هي من إحداث ثغرة في الحصار المفروض عليها.
- لا تأتي موسكو إلى تونس، من دون أن تدرك أن خصمها اللدود أي الولايات المتحدة يسعى إلى ضم بوابة إفريقيا الشمالية إلى محوره، وقد احتضنت تونس خلال شهر مارس/آذار الماضي منتدى أمريكا للاستثمار، لكن من دون أن تتحول المقررات إلى إنجازات على الأرض، ما يعني أن موسكو ستسبق الجميع في تحويل الاتفاقيات إلى مشاريع على الأرض يستفيد منها الطرفان الروسي و التونسي.

تحديات

لكن هل يمكن لتوقيع مثل هذا الاتفاق الاستراتيجي، بين تونس و موسكو، أن يحقق تغييراً جذرياً في العلاقات بين البلدين؟ ألن تكون أمام هذا الاتفاق عقبات كأداء؟ الحقيقة أن تونس حاولت في السابق أن تنوع شراكاتها الاقتصادية، وأن تخرج من طوق الهيمنة الأوروبية (يمثل الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول لتونس ويهيمن على نحو 80 في المئة من مبادلاتها التجارية الخارجية)، لكنها واجهت ضغوطاً كبرى من شركائها، ودفعها ذلك إلى التراجع عن اقتحام أسواق خارجية، والرضوخ لطلبات شركائها الأقوياء.
ومثل هذا الاتفاق مع روسيا وفي الظرفية التي تعيشها موسكو في علاقاتها مع الغرب، ستكون تونس في شبه مغامرة غير معروفة العواقب ومن المؤكد أن الاتفاق سيواجه عدة عراقيل، والحضور الأمريكي المتزايد في تونس وفي قرارها السياسي والاقتصادي، سيلعب دوراً في عرقلة مثل هذه المشاريع. لكن تونس أو موسكو، بيدها القرار الأساسي في أن تكون فعلاً المرحلة المقبلة هي مرحلة استثمارات حقيقية، تونس لا ترغب إلا في وجود شركاء حقيقيين، يستطيعون أن يساهموا في استعادة نسبة النمو التي كانت تصل إلى 6 في المئة قبل سنة 2011، أما نظرة الشارع التونسي إلى روسيا، فهي تكاد تكون إيجابية خاصة في أوساط الشباب الجامعي المتأثر إلى حد كبير بالأفكار الاشتراكية، وينخرط في منظمات طلابية أو مدنية تكون مرجعيتها يسارية في أغلب الأحيان، وهم يرون أن روسيا ليست عدواً بينما يعتبرن أن أمريكا هي العدو الأول لكل العرب، وخاصة في مواقفها من القضية الفلسطينية، وخلال احتلالها للعراق وتدمير هذا البلد العربي. المحصّل أن تعميق الاتفاقيات الاقتصادية بين تونس وروسيا سيكون مُرحّبا به في الشارع التونسي، لكن هل تقدر الحكومة التونسية على الصمود في وجه الضغوطات الغربية، وحدها المشاريع على الأرض هي ستكون حامياً لأي علاقة بين تونس وروسيا، لأن الآخرين لم يقدّموا لتونس شيئاً سوى أضغاث الأحلام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"