التهاب عضلة القلب يتطلب العلاج الفوري

01:45 صباحا
قراءة 8 دقائق
تحقيق: راندا جرجس
يتعرض القلب للإصابة بأمراض عديدة ومختلفة، ويعد السبب الأول في الوفيات على مستوى العالم، وخاصة الأمراض التي تصيب عضلة القلب، مثل: الاعتلال، وفشل والتهاب العضلة القلبية، وهي تحدث نتيجة لأسباب كثيرة، منها: الوراثية، والعيوب الخلقية، أو نتيجة تناول الأطعمة غير الصحية، وعدم ممارسة الرياضة، إضافة إلى التدخين، الذي يعد أهم العوامل المسببة للأمراض القلبية... وغيرها، ما يؤثر على وظائف القلب، وعلى أي من أجزاء القلب سلباً، وفي هذا التحقيق، نستعرض بعض هذه الأمراض وطرق علاجها والوقاية منها.
يشير الدكتور أنطونيوس بانتازيس استشاري أمراض القلب، إلى أن اعتلال العضلة القلبية الضخامي الانسدادي يعدّ حالة وراثية تصيب العضلة القلبية، وتختلط بانسداد مخرج حجرة الضخ الرئيسية في القلب (البطين الأيسر)، فضلاً عن كونها تصيب جميع الأعمار، لكنها أكثر شيوعاً لدى الشباب؛ حيث لا تظهر عادة منذ الولادة، بل تتطور لاحقاً خلال الحياة، مترافقة مع أعراض وخطورة حدوث مضاعفات، كما تبدي هذه الحالة ميلاً لإصابة الذكور أكثر من الإناث، بخلاف التوقعات بغياب العلاقة بين الجنس والإصابة، وتعد واحدة من المسببات الرئيسية للمضاعفات والوفيات، وفي معظم الحالات، ينجم هذا المرض عن طفرة في إحدى المورثات الحاملة للمعلومات حول كيفية تصنيع البروتينات في الوحدات التقلصية للعضلة القلبية، ويمكن لهذه الطفرات أن تورّث للجيل التالي بنسبة تبلغ 50%.
يضيف: يمكن لهذه الحالة أن تبقى دون أي أعراض ظاهرة لعدة أعوام، وبالرغم من ذلك، يمكن لها أن تترافق مع خطورة حدوث المضاعفات والموت المفاجئ، وتشمل الأعراض ضيق النفس، والألم الصدري وخاصة عند الجهد، إضافة إلى الخفقان والإغماء، ويمكن أن تسبب في بعض الأحيان بالتعب، وقصور القلب، وفي حال ظهور الأعراض أو وجود تاريخ عائلي، يترتب على الفرد الخضوع للفحوص القلبية التي تتضمن تخطيط القلب الكهربائي، وتصوير القلب بالأمواج فوق الصوتية، والرنين المغناطيسي القلبي، واختبارات الجهد، إضافة إلى الفحوص الجينية لبعض الحالات، وبالاعتماد على هذه الفحوص يمكننا الوصول لتشخيص الحالة، إضافة إلى تقييم خطر حدوث المضاعفات لدى المريض، فضلاً عن فائدتها في التنبؤ بحدوث المرض لدى أفراد العائلة الآخرين.
أسباب رئيسية

ويذكر د. بانتازيس أن هذا المرض يعدّ وراثياً في معظم الحالات، لكن يمكن لأسلوب الحياة والعوامل البيئية أن تلعب دوراً صغيراً في حدوثه، ويحمل الأطفال لأبوين مصابين بالمرض فرصة أكبر لتطوّر هذه الحالة، وربما نجد أحياناً أسباباً غير وراثية، لكنها تتطلب استقصاءات وعلاجات خاصة، وتبلغ نسبة انتشار المرض حول العالم 1 لكل 500 شخص، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة في بعض أجزاء العالم، نتيجة التركيب الوراثي الخاص بتلك المناطق، فعلى سبيل المثال، إذا كان كل من الأب والأم يحملان الطفرة الوراثية نفسها، فإن احتمال إصابة أطفالهم بالمرض يزيد على 50%، مع إمكانية ظهور المرض بشكل أشدّ، وفي حال البدء بالتدابير المناسبة فور التشخيص المبكر للمرض، يمكن لمتوسط العمر المتوقع لدى هؤلاء المرضى أن يقارب المتوسط الطبيعي، ومع ذلك، يمكن لهذه الحالة أن تترافق مع خطورة عالية لحصول مضاعفات مهددة للحياة في حال تركت دون تشخيص أو لم يتم تدبيرها بالشكل المناسب، وفي هذه الحالة، يمكن لمتوسط العمر المتوقع أن يقلّ بشكل ملحوظ مع إمكانية وفاة المريض في أي عمر.
أحدث التقنيات

يفيد الدكتور فابيو دي روبرتس، استشاري أول جراحة وزراعة القلب عن أحدث الطرق والتقنيات لعلاج اعتلال العضلة القلبية الضخامي الانسدادي، بأن هذه العلاجات تقوم بشكل أساسي على تدبير الأعراض، وبخلاف الحال في العديد من الأمراض القلبية الشائعة كارتفاع الضغط الشرياني، يمكن لعدد قليل من الأدوية أن تساعد على تخفيف الأعراض الناتجة عن الإصابة بمرض اعتلال العضلة القلبية الضخامي الانسدادي، التي لا يدوم تأثيرها لفترة طويلة، ويستكمل: في حال عدم الاستجابة للأدوية يترتب وضع التدخل الجراحي في الاعتبار؛ إذ تنجم مشكلة الانسداد الميكانيكية عن العضلة السميكة والصمام الذي يسدّ مخرج القلب، وتقوم إحدى طرق التدخل الجراحي على إحداث نوبة قلبية مُسيطر عليها في العضلة السميكة (استئصال الحاجز)، ما يؤدي إلى انكماش العضلة. ومع ذلك، فإن الحل الأنجع يتمثل في إزالة العضلة السميكة السّادّة بإجراء عملية قلب مفتوح، تسمى قطع العضلة الحاجزية، إضافة لذلك، يمكن للجراحين تدبير أي تشوهات مرافقة في الصمام التاجي أو أي خلل في نظم القلب كالرجفان الأذيني، وعلى الرغم من إجراء هذه العملية على مدى عدة عقود، فقد حققت التطورات الحديثة في هذا المجال نتائج ممتازة مع حد أدنى من الخطورة يقلّ عن 1%.
زرع القلب

يوصي د.روبرتس بتوجوب خضوع مرضى اعتلال العضلة القلبية الضخامي الانسدادي، لتقييمٍ منتظم بمجرد وضع التشخيص، وينبغي البدء بالعلاج عندما تبدأ الأعراض بالحدّ من نشاطات الحياة اليومية أو تغدو المخاطر ذات أهمية، ويساعد التقييم المتكرر في ضبط العلاج على المدى الطويل، وفي حال تم تحديد خطر حدوث الموت المفاجئ أثناء الفحص، فمن الضروري القيام بزرع جهاز مقوّم لنظم القلب ومزيل الرجفان القابل للزرع ICD، الذي يقوم بمراقبة نظم القلب وتصحيحه عند الحاجة، وفي حال تطور اعتلال العضلة القلبية الضخامي الانسدادي إلى الحد الذي يتسبب بفقدان القلب لقوّته (يشار لهذه الحالة بقصور القلب)، وتصبح العلاجات المذكورة أعلاه غير مُستطبة، ويتمثل الحل الوحيد بالعلاجات المتقدمة لقصور القلب التي تتضمن أدوية مختلفة، التي ربما تتطلب الحالة في النهاية عملية زرع قلب.
عن التهاب عضلة القلب، وفشل القلب الحاد، يوضح الدكتور أحمد السكري مختص أمراض القلب التداخلية والأوعية الدموية، أنها حالة خطرة تتطلب العلاج الفوري، وهي أكثر شيوعاً في الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20-40 عاماً، والرجال أكثر من النساء، فحدوث التهاب في العضلة القلبية يؤثر على أدائها، وهو أحد الأمراض التي يمكن أن تضر الجزء العضلي للقلب، وتُفقده القدرة على الانقباض، ومن الممكن أن يكون التهاب عضلة القلب مرضاً حاداً أو مُزمناً، وغالباً ما يحدث التهاب عضلة القلب نتيجة تطور بشكل مستقل أو يكون من مضاعفات الأمراض المعدية الفيروسية مثل فيروس نقص المناعة البشري وغيره، العدوى الجرثومية أو البكتيريا... وغيرها، وهناك ثلاثة أنواع لالتهاب عضلة القلب وهي:-
1- حاد أي يحدُث خلال فترة زمنية قصيرة، وعادة يظهر بعد أسبوع أو اثنين نتيجة عدوى فيروسية في المسالك التنفسية.
2- دون الحاد، ويستمر التهاب عضلة القلب لمدة أسابيع.
3- مُزمن ويستمر لأشهر وسنين، كما أن التهاب عضلة القلب المُزمن من الممكن أن يؤدي إلى فشل القلب.
أعراض ومضاعفات

يذكر د. السكري، أن التهاب عضلة القلب يُمكن أن يحدث دون أعراض تُذكر، وفي بعض الأحيان يسبب أعراضاً عامة أو بسيطة، وفي حالات أخرى تكون حادة و تُشبه أعراض احتشاء عضلة القلب، أو فشل القلب، ويُمكن أن يكون التهاب عضلة القلب، بؤرياً ومحدداً في قسم مُعين من عضلة القلب، وعندها تكون الأعراض بسيطة وأقل بروزاً، أو ينتشر في كل العضلة، وعندها تكون الأعراض حادة وبارزة، ويُوجد خطر الوفاة؛ ولذلك يجب التوجه لأقرب مساعدة طبية عند الشعور بأحد الأعراض التالية:-
• الحرارة المُرتفعة.
• التعب والإرهاق.
• الألم في مركز الصدر، وهو عادة ما يكون حاداً وقوياً ويُشبه آلام احتشاء عضلة القلب، وتخف الآلام بجلوس المريض بوضعية الانحناء إلى الأمام.
• في حالة الفشل الحاد للقلب، يحدث ضيق التنفس، انتفاخ الأرجل بسبب الوذمة، التنفس السريع.
• اضطراب نظم القلب، التي تؤدي لأعراض مُشابهة لما ذكر أعلاه، أو أنها لا تؤدي إلى أعراض ويتم اكتشافها بواسطة فحص تخطيط القلب.
• الموت المُفاجئ الناتج عادة من أنواع خطرة وحادة من اضطراب نظم القلب.
تشخيص الالتهاب

يبين د. السكري، أن التشخيص يعتمد على قصة المريض الخبرية عن الأعراض التي يشعر بها مع إجراء بعض الفحوص التي تساعد نتائجها على التشخيص بشكل صحيح، ومن هذه الاختبارات:-
• التشخيص الأكلينيكي: أي ظهور الأعراض دون وجود تفسير آخر لذلك، أو وجود تخطيط قلب غير طبيعي تم اكتشافه لدى المريض، أثناء فحص تخطيط القلب، أو ظهور الأعراض مدة قصيرة من الزمن، بعد حدوث عدوى فيروسية في المسالك التنفسية أو التعرض لمواد سامة تسبب التهاب عضلة القلب، ومن المهم معرفة الأدوية التي يأخذها المريض، أو وجود أمراض مناعية بإمكانها التسبب بالتهاب عضلة القلب.
• فحوص المختبر: وتُساعد بشكل كبير في التشخيص، إلا أن نتائجها ليست حصرية، ويُمكن أن نرى النتائج في أمراض أخرى للقلب مثل: احتشاء العضلة، أو فشل القلب، وأمراض عديدة أخرى، وتتضمن:-
• فحوصاً للفيروسات المُسببة لالتهاب عضلة القلب، عادة الفحص يكون لوجود مُضادات للفيروسات في الدم.
• أنزيمات القلب، فعند وجود ضرر للقلب، أو تموت الخلايا من مرض ما، فإن أنزيمات مُعينة تُفرز من القلب إلى الدم، بواسطة فحص دم بسيط مُمكن اكتشاف ارتفاع مُستوى هذه الأنزيمات، ويجب الإشارة بأن ذلك لا يحدث مع جميع الحالات من مرضى التهاب عضلة القلب، وأن ارتفاع الأنزيمات يمكن أن يحدُث في حالة أمراض أخرى مثل احتشاء عضلة القلب.
• تخطيط كهربية القلب، الذي بإمكانه تشخيص اضطرابات نظم القلب، لكن التغيرات الظاهرة في تخطيط كهربية القلب ليست نوعية، ويمكن أن تظهر في حال أمراض أخرى.
• تخطيط صدى القلب، ويُعد هذا الفحص هو الأهم في التشخيص، ويُظهر نقصاً في حركة عضلة القلب، وأن الانقباض أو الانبساط غير سليم، وتحديداً هل المرض ينتشر بشكل كلي أم جزئي.
• التصوير بالرنين المغناطيسي القلبي، يُستخدم للتشخيص وللمتابعة، ويُعد من الفحوص النوعية التي تُقدم نتيجة جيدة.
• خزعة عضلة القلب، أي استئصال عينة من عضلة القلب ودراستها، وتُستعمل فقط في حالات خاصة أو في حالة أن تشخيص التهاب عضلة القلب لم يتم بواسطة جميع الفحوص السابقة.
العلاج

يشير د. السكري إلى أن العديد من الحالات تشفى تلقائياً دون استخدام أي أدوية، ويعتمد علاج التهاب العضلة القلبية على علاج العدوى التي تسببت في المرض، وأدت إلى التهاب عضلة القلب، وبعض المرضى يحتاجون فقط لتناول الأدوية لعدة أشهر حتى يتم الشفاء تماماً، وبعضهم الآخر قد يحتاج للاستمرار على تناول الأدوية بانتظام مدى الحياة، وممارسة بعض العادات مثل:
{ أساس العلاج الراحة والامتناع عن الجهد، لكي لا يتم إجهاد القلب.
{ التقليل من الأملاح في الطعام.
{ تجنب ممارسة التمارين الرياضة القوية.
{ عدم تناول الكحوليات ومنع التدخين.
ويستكمل: هناك بعض الحالات الحادة التي تحتاج إلى علاج مكثف مثل:
• حقن من خلال الوريد لتحسين وظيفة القلب في ضخ الدم.
• استخدام مضخة في الشريان الأورطي.
• استعمال قلب صناعي مؤقت.
• عملية زرع القلب، التي نادراً ما يتم اللجوء إليها إلا في الحالات المُستعصية، كالتهاب عضلة القلب عملاق الخلايا، ويُمكن علاجه في بعض الأحيان باستعمال أدوية كابتة للمناعة، إلا أنه يؤدي في النهاية غالباً إلى الحاجة لزرع القلب.

المتابعة

يؤكد د. السكري أن التهاب عضلة القلب عادة يكون مرضاً محدوداً ذاتياً، لكن المُتابعة واجبة على الطبيب، لتفادي المُضاعفات، وخاصة عند ظهور أية أعراض جديدة، وأساس المُتابعة فحص تخطيط كهربية القلب، وتخطيط صدى القلب، ومن المفضل أن يراجع المريض الطبيب المعالج مرة كل ستة أشهر في البداية، وبعد ذلك تتم المتابعة سنوياً، ولا توجد نصائح وقائية تمنع الإصابة، لكن بشكل عام يجب اتخاذ الإجراءات الوقائية من العدوى بأنواعها المختلفة، وهناك بعض الطرق الوقائية التي تقلل من خطر الإصابة بالتهاب العضلة القلبية:-
{ تجنب الاختلاط بالمصابين بالإنفلونزا.
{ الاهتمام بالغسيل المستمر للأيدي لتجنب أي عدوى
{ الاهتمام بالتطعيمات ضد الأمراض المعدية مثل الحصبة، الدفتريا.
{ الاهتمام بتناول أدوية المضادات الحيوية بالجرعة والمدة التي يحددها الطبيب خاصة في حالة التهاب الحلق أو في حالة الالتهاب باللوزتين.

في الصدارة

تأتي الأمراض القلبية الوعائية في صدارة أسباب الوفيات في جميع أنحاء العالم؛ إذ يصل عدد الوفيات بأمراض القلب إلى 17.3 مليون سنوياً، وتتوقع منظمة الصحة العالمية وفاة 23.3 مليون شخص جراء الإصابة بالأمراض القلبية. وتعود نسبة الإصابة بأمراض القلب للأشخاص الذين أقلعوا عن التدخين بعد 15 عاماً، وتتساوى فرص الإصابة بالأمراض القلبية للإناث في سن اليأس مع الذكور، وتصيب الأمراض القلبية جميع الفئات العمرية، كما يولد مليون طفل تقريباً حول العالم بعيوب خلقية في القلب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"